وقف تداول إيران للدولار الأمريكي.. مصلحة اقتصادية أم خطوة درامية؟

https://rasanah-iiis.org/?p=9742

لم يشفع للدولار حقيقة أنه العملة التي يُقَوَّم بها النِّفْط، السلعة التجارية الأولى في إيران، بعد أن أعلنت منتصف نوفمبر 2017 أنها تسير وَفْق خُطَّة لوقف تعاملها التجاري بالعملة الدولية الأولى بالعالَم، بالتنسيق مع روسيا، واستبداله اليورو به، في حين لم تعلن روسيا نفسها عن أمر مماثل. وجدَّدَت إيران هذا الإعلان رَدًّا على توجيهات ترامب بانسحاب بلاده من الاتِّفاق النووي والتهديد بتصنيف الحرس الثوري، أحد أركان الاقتصاد الإيرانيّ، منظَّمةً إرهابيةً، ووسيلةً لتقليل سطوة العملة الأمريكيَّة في التجارة الدولية وَفْقًا لاعتقاد المسؤولين الإيرانيّين.

وأعلنت إيران من قبل (تحديدًا في يناير من عام 2017 عقب إعلان ترامب حظرًا مؤقَّتًا لدخول حاملي الجنسية الإيرانية، جنبًا إلى جنب مع 6 دول إسلامية أخرى)، أنها ستوقف التعامل بالدولار، وأن الأمر سيُطَبَّق مع بداية العام المالي الجديد في مارس 2017. وانقضى على العام المالي المذكور أكثر من سبعة أشهر ولم تعلن إيران عن خطة واضحة المعالم والمدة الزمنية لكيفية تخليها عن الدولار، عدا الإعلان الدعائي عن التوصُّل المبدئي إلى اتِّفاق تبادل عملات محلية مع تركيا لم يحدَّد له جدول زمني للتطبيق، واتِّفاقية مقايضة نفط مقابل سلع مع روسيا غير معلوم موعد تطبيقها.
على أي حال، هل وقف إيران تعاملاتها بالدولار الأمريكيّ يهدِّد مكانته كأهَمّ عملة للتجارة وعنصر أساسي في سلة عملات الاحتياطي النقدي؟ وهل للاقتصاد الإيرانيّ مكاسب أو خسائر من خطوة كهذه؟ هذا ما سوف نتناوله في السطور التالية.

ماذا يعني وقف إيران التعامل بالدولار للاقتصاد الأمريكيّ؟
بلا مقدِّمات، لا يعني أي شيء. عدد دول العالَم نحو 194 دولة، الغالبية العظمى منها -إن لم تكُن كلها- تتعامل بالدولار في تجاراتها الخارجية عند التصدير أو الاستيراد، وتحتفظ به احتياطيًّا نقديًّا. لن تتضرر العملة الأمريكيَّة إذا ما قررت إيران وقف التعامل الرسميّ بالدولار، بخاصَّة أن حجم تجارة إيران ضئيل جدًّا إذا ما قورن بإجمالي التجارة العالَمية، إذ تبلغ نسبة صادرات إيران من الصادرات العالَمية نحو 0.5 في المئة، فهي ليست الصين -على سبيل المثال- المساهمة بأكثر من 14 في المئة من صادرات العالَم، وإذا افترضنا أنها قررت وقف تعاملاتها التجارية بالدولار وقصرها على اليوان الصيني، هنا يمكن الحديث عن تراجع قيمة الدولار الأمريكيّ مقابل ارتفاع اليوان الصيني، وهو أمر ضارّ حتى للاقتصاد الصيني الراغب في خفض قيمة عملته قسرًا لزيادة تنافسية صادراته إلى الخارج. فشَتَّان بين حجم تجارة الصين وإيران العالَمية، وموقف البلدين من التجارة العالَمية، كما أن حجم التبادل التجاري بين إيران والولايات المتَّحدة لا يكاد يُذكر، ومحصور في المنتجات التقليدية الإيرانيَّة كالسجاد والتمور والزيوت والمكسرات.

هل يمكن أن تحقق إيران مكسبًا من وقف تعاملها التجاري بالدولار؟
المكسب الوحيد لا يتعدى الدعاية والترويج الداخلي (البروباغاندا) لتحدِّي إيران القوة الاقتصادية والسياسية الأولى في العالَم. تستطيع إيران وقف تعاملاتها التجارية بالدولار دون أن تؤثر على الولايات المتَّحدة في شيء، لكنها لن تحقِّق مكاسب اقتصادية تُذكَر في المقابل، بل على العكس ستفقد مزايا من الممكن الاستفادة بها في حال إدراج الدولار في تعاملاتها التجارية.
تستطيع إيران وقف تعاملاتها بالدولار، بخاصَّة أن نسبة كبيرة من تعاملاتها التجارية، مع دول وكيانات صاحبة عملات دولية، كاليوان الصيني عملة الشريك التجاري الأول لإيران، ويورو الاتِّحاد الأوروبيّ الوجهة الثانية للواردات الإيرانيَّة بعد الصين.

لكن ماذا عمَّا سيفقده الاقتصاد الإيرانيّ من قرار كهذا إذا ما طُبّق؟
الدولار عملة أساسية ضمن سلَّة عملات حقوق السحب الخاصَّة لصندوق النقد الدولي (SDR)، وهو مكوِّن أساسي من مكوِّنات سلة عملات الاحتياطي النقدي لدول العالَم، وتضمّ السلة عادة خمس عملات رئيسية: الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، واليوان الصيني الذي أضيفَ إليها في 2015. ويحفظ هذه التنوع قيمة الاحتياطي النقدي لأي بلد، ويحفظ معه قيمة عملتها المحلية من التراجع إذا ما انخفضت قيمة أحد المكوِّنات الأساسية للاحتياطي النقدي لوجود عملات أخرى تحفظ قيمة الاحتياطي من الانخفاض الكبير. لذا عندما توقف إيران التعامل بالدولار الأمريكيّ سيفقد احتياطيُّها النقدي ميزة تنوُّع العملات وضمان أكبر قدر ممكن من استقرار العملة المحلية واحتياطي النقد الأجنبي.
النِّفْط، كأهَمّ سلعة تصديرية لدى إيران، مقوَّم بالدولار الأمريكيّ ويُدِرّ عوائد سنوية زادت على 55 مليار دولار في العام المالي 17/2016، وتغيير العملة المقوَّم بها يمكن أن يربك الإيرادات للسلطات المحلية. وعليها الاحتفاظ بجزء من احتياطيِّها النقدي بالدولار للوفاء بأثمان وارداتها من الخارج المقدَّرة بنحو 63 مليار دولار خلال العام المالي المذكور.
من ناحية أخرى، من غير المنتظَر أن يستجيب الشعب بسهولة لقرار وقف التعامل بالدولار، سواء من التجار أو الأفراد العاديين الذين اتجهوا خلال السنوات الماضية إلى الاحتفاظ بالدولار مخزنًا للقيمة، لنَقْص الثقة بالعملة المحلية، التومان، الذي انخفض سعره أمام الدولار بمقدار 170% على أقلّ تقدير خلال السنوات الخمس الماضية. ومحاولة إقناع الشعب بتحويل عملاتهم أو مُدَّخَراتهم من الدولار إلى عملة أخرى عملية شاقة قد تستغرق سنوات وقد تُؤجَّل إلى آخر سنة من سنوات حكم الرئيس روحاني، ويتحمل تبعاتها الرئيس التالي له. وحذرت شركة “فوربس” المالية الأمريكيَّة البنك المركزي الإيرانيّ من تبعات تطبيق قراره لِمَا يمكن أن يعنيه من تذبذبات للعملة الإيرانيَّة وَفْقًا لموقع “Al-Monitor”. تذبذب العملة الإيرانيَّة سيقوِّض المكاسب التي تَحقَّقَت في السيطرة على مستويات الأسعار خلال السنوات الأربع الماضية.
اتِّفاقيات تبادل عملات مع دول جوار واتِّفاقيات مقايضة النِّفْط ببضائع
تعوِّل إيران على توقيع اتِّفاقيات تبادل عملات محلية ومقايضة نفطها بسلع، من أجل تقليل اعتمادها على الدولار في التعاملات التجارية. خلال الأشهُر الماضية وقَّعَت مع كل من تركيا وأذربيجان اتِّفاقيات لتبادل العملات المحلية في التجارة المشتركة، بالإضافة إلى توقيع اتِّفاقية تبادل النِّفْط الإيرانيّ بالسلع والمُعَدَّات وقطع الغيار الروسية. لكنّ أيًّا من هذه الاتِّفاقيات لم يبدأ فعليًّا، بل ولم يُحَدَّد جدول زمني لتنفيذه، كأن الأمر مجرَّد دعاية، وحتى إذا ما طُبّق فلا تزال إيران في حاجة إلى الدولار الأمريكيّ لدفع قيم واردتها من دول خارج الاتِّحاد الأوروبيّ أو الصين، إذا ما تغاضينا عن المزايا الأخرى لوجود الدولار في سلة احتياطيِّها النقدية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير