التحوُّلات في المشهد الداخلي الإيراني.. قراءة في ضوء العمليَّة الانتخابيَّة الرئاسيَّة 2021م

https://rasanah-iiis.org/?p=25505

مقدِّمة

طغت قضية المشاركة الشعبيَّة في الانتخابات الرئاسيَّة الإيرانية، التي أُجريت في 18 يونيو 2021م، على المشهد السياسي في إيران، بوصفها الظاهرة الأبرز في هذه الدورة الانتخابيَّة من تاريخ الجمهورية الإيرانية. وأكَّد النظام بكافَّة هياكله وقياداته على أهمِّية المشاركة، وكثَّف الجميع جهودهم لحشْد الناخبين، بينما دعت قُوى المعارضة وعدد من النُشطاء والجمعيات الإيرانية في الداخل والخارج إلى المقاطعة. وقد أسفرت نتائج الانتخابات عن مشاركةٍ انتخابية ووصلت إلى 48.8%، وهي المشاركة الأقلّ مقارنةً بالاستحقاقات الانتخابيَّة التي جرت في إيران منذ عام 1980م، كما وصل عدد البطاقات البيضاء والأصوات الباطلة إلى أربعة ملايين صوت؛ أي ما نسبته 12.9% من الناخبين الذين أدلوا بصوتهم، في أكبر تصويتٍ احتجاجي في تاريخ الانتخابات الإيرانية. وكشفت هذه النتائج عن تغييرات ملحوظة على توجُّهات الهيئة الناخبة، تعكسُ بدورها تغييراتٍ أهم على المستويات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والديمغرافيَّة.

أثارت هذه التطوُّرات عددًا من الأسئلة، أكثرها أهمِّية يتمحور حول دوافع الاهتمام بعمليَّة المشاركة في الانتخابات الرئاسيَّة في 2021م، وخصائص المشاركة على المستويات السياسيَّة والاجتماعيَّة والجغرافية، وتداعيات ذلك على النظام الإيراني، في ظلّ الظروف الراهنة التي تُمّر بها إيران.

وتحاول هذه الدراسة الإجابة عن هذا التساؤلات، من خلال أربعة محاور رئيسة هي، أوّلًا: المشاركة الانتخابيَّة بين دعوات الحشد ودعوات المقاطعة، ثانيًا: طبيعة المشاركة في الانتخابات الرئاسيَّة 2021م، ثالثًا: عوامل انخفاض المشاركة، رابعًا: نتائج وتداعيات انخفاض المشاركة الانتخابيَّة.

أوّلًا: النزاع الداخلي بين الحشد والمقاطعة

تنازع فريقان في الانتخابات الرئاسيَّة، أحدهما دعا للمشاركة بكثافة، ودعا الآخر للمقاطعة، ويمكنُ توضيح موقف الطرفين ودوافعهما، على النحو الآتي:

1. أهمِّية المشاركة بالنسبة للنظام الإيراني:

لأنَّ النظام الإيراني قد استند في بعض بِنيته إلى الطابع الجمهوري وإلى عمليَّة الانتخاب الدوري والمنتظم لإسناد السُلطة في بعض مؤسَّساته ومراكزه المهمَّة كمنصب رئيس الجمهورية، أو مجلس الخُبراء أو مجلس الشورى والمجالس المحلِّية، فإنَّ عمليَّة المشاركة بدت لها أهمِّيتها في إضفاء مشروعيةٍ على هياكل السُلطة المختلفة وعلى شرعية النظام ككُلّ، فضلًا عن التأكيد الدوري على التأييد الشعبي لمبادئ الثورة واستمراريتها، وتوفير الغطاء الشعبي لقرارات النظام وتوجُّهاته الداخلية والخارجية، ناهيك عن أنَّها وسيلة لتأكيد المصالح السياسيَّة والاقتصاديَّة للطبقة الحاكمة ومواجهة الخصوم الخارجيين([1]).

على مدى عقود وضع النظام، مع كُلّ انتخاباتٍ، حجم المشاركة في الانتخابات على رأس أولوياته، وقد اعتبر كثافة المشاركة في الاستحقاقات التي جرت في إيران خلال الأربعين عامًا الماضية مصدر فخر وتعبير عن الشرعية الفائقة التي يتمتَّع بها؛ لأنَّها كانت بمعدَّلات مثيرة للاهتمام، حيث لم تقِلّ في أيّ استحقاق شعبي على المستوى الوطني عن 50%، وهي معدَّلات جيِّدة مقارنةً بالمشاركة الانتخابيَّة على المستوى الدولي.

وقد اكتسبت المشاركة في انتخابات 2021م أهمِّيتها القصوى بالنسبة للنظام، بالنظر إلى مؤشِّرات تراجُع شرعية النظام في الداخل، ومواجهته ضغوطًا خارجية غير مسبوقة، ناهيك عن مروره بمرحلة انتقالية شديدة الحساسية، إذ جاءت هذه الانتخابات بالتزامُن مع سلسلة من الإجراءات بدأها المرشد لإعادة ترتيب للمشهد السياسي في إيران. ضمن هذه الإجراءات، جاءت هندسة العمليَّة الانتخابيَّة على النحو الذي يفسح الطريق نحو تولِّى شخص بعينه منصب الرئيس هو المرشَّح إبراهيم رئيسي، هذه الترتيبات بدورها هدفها توحيد توجُّهات المؤسَّسات الحاكمة في مرحلة حرِجة من تاريخ إيران، إضافةً إلى إعادة التأكيد على نموذج الولاية عبر تمهيد الطريق نحو خلافة رئيسي للمرشد في حالة رحيله، بوصفه من أشدّ المؤمنين بمبادئ الثورة وبخطّ المرشدين الخميني وخامنئي، فهو من وجهة نظر النظام الأمين على مستقبل الجمهورية الإسلامية([2]). وبحسب ممثِّل المرشد في الحرس الثوري حاجي صادقي، فإنَّ النظام بحاجة إلى «حكومة ثورية، ودينية، وشابّة، وولائية… حكومة مطيعة للمرشد، وتعتبر النظام الأساسي للمجتمع متعلِّقًا بالمرشد، بحاجة إلى رئيس جمهورية على غرار قاسم سليماني؛ جنديًّا مخلصًا للولاية، وأن تكون لديه في نفس الوقت روحٌ مناهضة للغطرسة ومقاتلة لأعداء الثورة»([3]). لإضفاء شرعية على هذه الترتيبات، حثَّ المرشد على المشاركة وعدَّ التصويت واجبٌ ديني، والمقاطعة عمل غير شرعي، ووصف المشاركة بأنَّها «استعراض قوة… سيخفِّف الضغوط الخارجية على الجمهورية الإسلامية»، وأشار إلى أنَّ انخفاض المشاركة يعني زيادة الضغوط على البلاد، ولا سيَّما الاقتصاديَّة([4])، وأضاف أنَّه «على من له تأثير أن يدعو الناس إلى الانتخابات، بوصفه واجبًا دينيًّا»([5]). وبناءً على ذلك، خرجت حملة شبه منظَّمة شارك فيها النظام بكافَّة مؤسَّساته ورموزه وفصائله؛ للتأكيد على المشاركة بوصفها دفاعًا عن الجمهورية، ومواجهة للمؤامرة الخارجية التي تستهدف إيران. عمليَّة الحشْد تلك جعلت الانتخابات أقرب إلى استفتاء على النظام، فإمام الجمعة المؤقَّت في طهران أحمد خاتمي عدَّ المشاركة في حدّ ذاتها تصويتًا بـ «نعم» لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتجديد البيعة للنظام الإسلامي»([6])، وقد انضمّ العُلماء السُنَّة لدعوات المشاركة في الانتخابات؛ لحثّ الناخبين السُنَّة على التصويت في الانتخابات([7])، وأصدرت الهيئة العامَّة لأركان القوّات المسلَّحة بيانًا دعت فيه الشعب للمشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية([8]).

من أجل مشاركة شعبية أوسع، وحَّد النظام صفوفه، ووقفت الفصائل السياسيَّة كافَّة بمن فيهم «الإصلاحيين»، رغم انتقادهم لنزاهة الانتخابات، خلف هذا الهدف. لذلك، على الرغم من عمليَّة الاستبعاد والإقصاء للعديد من المرشَّحين من قِبل مجلس صيانة الدستور؛ على سبيل المثال المرشَّحيْن رئيس مجلس النوَّاب السابق علي لاريجاني ونائب رئيس الجمهورية إسحاق جهانجيري، غير أنَّ أيًّا منهم لم يعلن عن مقاطعته للانتخابات، بل على العكس دعوا الناخبين إلى المشاركة. حتّى الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف دُعيا إلى المشاركة في الانتخابات، على الرغم من أنَّهما تعرَّضا لحملة كبيرة خلال سنوات تولِّيهما المسؤولية، وتعرَّض ظريف شخصيًّا لعمليَّة اغتيال معنوي بتسريب حديثه عن تدخُّل الحرس الثوري في السياسيَّة الخارجية، رُبّما بغرض التأثير على مستقبله السياسي.

2. سلاح المقاطعة في يد المعارضة:

كما كانت المشاركة في ذاتها مهمَّة بالنسبة للنظام، فإنَّ المقاطعة كانت على القدر نفسه بالنسبة للمعارضة الإيرانية في الخارج وكثير من الإيرانيين الذين يعيشون في الداخل، حيث إنَّ المقاطعة تعني سحب الشرعية من النظام، وإحراجه داخليًّا وخارجيًّا، بوصفه لا يتمتَّع بغطاء شعبي.

على مستوى الداخل، انتقدت جمعية رجال الدين المناضلين في اجتماعٍ لها برئاسة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، إجراء مجلس صيانة الدستور بشأن رفض الأهليَّات الواسع لمرشَّحي الانتخابات، وعدَّت ذلك بمثابة «تجاهُل غير مسبوق» للشعب، وحذَّرت من أنَّ ذلك سيؤدِّي إلى تراجُع المشاركة في الانتخابات. كما انتقد مهدي كروبي، أحد القادة المعارضين لنتائج الانتخابات الرئاسيَّة في 2009م، «التدخُّلات غير القانونية» في الانتخابات الرئاسيَّة لهذا العام([9]). ومن جانبه، أعلن حسين مير موسوي نيّته عدم التصويت، وقال في بيان: «سأقف مع أولئك الذين سئموا من الانتخابات المُهينة والمنظَّمة، والذين لن يستسلموا لقرارات تُتَّخَذ من وراء الكواليس بشكل سرِّي»([10])، حتّى الرئيس السابق أحمدي نجاد أعلن أنَّه لن يشارك، ودعا أنصاره إلى ترك ورقة بيضاء في الصناديق.

كما أعلنت بعض التيّارات والتكتُّلات السياسيَّة والشخصيات والنُشطاء السياسيين من التيّارات الدينيَّة و«الإصلاحية»، أنَّهم لن يشاركوا في مثل هذه الانتخابات، وكذلك قرَّر أهالي ضحايا احتجاجات 2009م، وأهالي ضحايا الطائرة الأوكرانية، وذوي السياسيين الذين أُعدِموا، مقاطعة الانتخابات.

وأطلق روّاد مواقع التواصُل الاجتماعي والنُشطاء السياسيين حملات ودعوات لمقاطعة الانتخابات، قبل أشهر من حلول الموعد المقرَّر، مستخدمين عِدَّة هاشتاغات، مثل: «لن أصوِّت» و«صوت بدون صوت»، و«لا للجمهورية الإسلامية». كما اجتمعت 32 جماعة سياسية تنضوي تحت ثلاث منظَّمات سياسية (مؤتمر القوميات الفيدرالية الإيرانية، ومجلس الديمقراطية في إيران، والتضامُن من أجل الحرِّية والمساواة في إيران)، وقرَّرت مقاطعة الانتخابات([11]).

وأتاحت النقاشات على المنصَّات الافتراضية بديلًا عن المجال العام المُغلَق، حيث لجأ المرشَّحون المُستبعَدون وكثير من الشخصيات السياسيَّة إلى «كلوب هاوس»؛ للتعبير عن مواقفهم في الانتخابات، وذلك في ظلّ حجب السُلطة للعديد من حسابات الشخصيات السياسيَّة والناشطين، وإغلاق التليفزيون الحكومي أمام أيّ أصوات تغرِّد خارج السرب. وتدور هذه النقاشات حول مستقبل الجمهورية الإيرانية، في ظلّ الانسداد الذي وصلت إليه وكشفت عنه الانتخابات الأخيرة في 2021م([12]).

أمّا على مستوى الخارج، فقد نشر أكثر من 200 ناشطٍ إيراني يقيمون في الخارج، من بينهم نُشطاء حقوقيون وأكاديميون وكُتّاب وصحافيون ومحامون وفنّانون، بيانًا في 04 يونيو 2021م؛ من أجل دعم المقاطعة النشِطة للانتخابات الرئاسيَّة، ووصفوا هيكل الجمهورية الإيرانية بأنَّه «غير قابل للإصلاح»، وقد لبَّت بعض المؤسَّسات والشخصيات المعارضة والمنتقدة للجمهورية الإيرانية داخل وخارج إيران الدعوة بالمقاطعة([13]).

في الحقيقة، أجَّجت هذه الدعوات مخاوف النظام الإيراني والطبقة السياسيَّة الحاكمة من انخفاض نسبة المشاركة، على غرار الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير 2020م، والتي بلغت نسبة المشاركة بها 42%، وهي النسبة الأدنى في تاريخ الانتخابات الإيرانية منذ الثورة، خصوصًا أنَّ الوضع الداخلي لم يكُن مستقرًّا، حيث تنامت خلال المرحلة الأخيرة الانتقادات الشعبية الواسعة للنظام ولأدائه وتحميله مسؤولية الأوضاع المعيشية الصعبة، والتي على أثرها انفجرت موجات واسعة من الاحتجاجات ضربت إيران خلال السنوات الأخيرة، في عامي 2019م و2017م، تخلَّلتها موجة واسعة من الاحتجاجات الفئوية الواسعة على مدار العام 2018م ولا تزال بعض مظاهرها حاضرة في بعض المدن الإيرانية. وقد رُفِعت خلال هذه الاحتجاجات شعارات ضدّ النظام ورموزه الدينيَّة والسياسيَّة، وعلى رأسهم المرشد الإيراني، وهو ما تُرجِم في دعوات واسعة إلى مقاطعة الانتخابات؛ الأمر الذي كان من الممكن أن يسبِّب حرجًا داخليًّا وخارجيًّا للنظام([14]).

بناءً على ذلك، حشَد النظام كُلّ إمكانياته لحشد مؤيِّديه، كما اتّخذ إجراءات عقابية بحقّ الداعين للمقاطعة، و«تمَّ استدعاء عشرات المدنيين واستجوابهم لعِدَّة ساعات من قِبَل الأجهزة الأمنية، بزعم نشرهم معلومات تحثّ المواطنين على مقاطعة الانتخابات الرئاسيَّة، بل معاقبة من لم يذهبوا إلى التصويت، حيث واجه المواطنون الذين لا تحمِل بطاقاتهم الشخصية علامة على إدلائهم بأصواتهم، وخاصَّةً موظفي الدولة، بعض العواقب»([15]).

ثانيًا: خصائص المشاركة في الانتخابات الرئاسيَّة 2021م

من بين 59 مليون و310 ألف و307 إيراني يحقّ لهم المشاركة في الانتخابات، أدلى 28.8 مليون إيراني بأصواتهم في صناديق الاقتراع، أي أنَّ نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 48.8%، فيما بلغت أعداد الأصوات الباطلة 3 ملايين و726 ألفًا و87 صوتًا، بما نسبته 12.9% في صناديق الاقتراع. وبناءً على ذلك، يمكن الاستدلال على عددٍ من الملاحظات الأساسية، وذلك على النحو الآتي:

1. المشاركة الأقلّ في تاريخ الانتخابات الرئاسيَّة الإيرانية:

شهدت الانتخابات أدنى مستوى للمشاركة من جانب الناخبين في تاريخ الانتخابات الإيرانية منذ الثورة، فلأوَّل مرة تقِلّ نسبة المشاركة في الانتخابات عن 50%. وكما هو واضح من الرسم البياني رقم (1)، أنَّ نسبة المشاركة في عام 1997م بلغت 80%، وفي عام 2009م شارك حوالي 85% من الناخبين المؤهَّلين، والتي فاز بها الرئيس محمود أحمدي نجاد وأدَّت إلى انتفاضة الحركة الخضراء، على الرغم من الشكوك حول نتائج تلك الانتخابات، وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2013م و2017م 73%، وفاز بها الرئيس حسن روحاني.

وفي الواقع كان يُفترَض أن يؤدِّي إجراء الانتخابات المحلِّية بالتزامُن مع الانتخابات الرئاسيَّة، إلى تحقيق إقبال أكبر من الناخبين على صناديق الاقتراع، غير أنَّ ذلك لم يحدُث، ورُبّما لولا هذا التزامُن بين الاستحقاقين؛ لوصل مستوى المشاركة إلى مستوى أقلّ.

رسم بياني (1): نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسيَّة الإيرانية من عام 1980 إلى 2021م

Source: Garrett Nada, Raisi: Election Results Explainer, United States Institute of Peace, (June 23, 2021), accrssed 7 Jul 2021, https://bit.ly/3ACn1j1.

2. اتّجاه عام بتراجُع الاهتمام الشعبي بالمشاركة:

يؤكِّد ذلك أنَّ نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير 2020م، والتي بلغت فيها نسبة المشاركة نحو 43%،كانت أيضًا هي الأقلّ في تاريخ الانتخابات البرلمانية، بينما كانت أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات البرلمانية 71% عام 1996م، وفاز «الإصلاحيون» بأغلبية المقاعد في ذلك العام، وكانت أقلّ نسبة مشاركة 51% في عام 2008م. ويعطي ذلك مؤشِّرًا على فقدان النظام القُدرة على الحشد وتعبئة الجماهير، ووجود اتّجاه عام للعزوف عن المشاركة، ورُبّما فقدان الثقة في جدواها، ولهذا الأمر دلالاته فيما يتعلَّق بشرعية النظام وتراجُع التأييد الشعبي له ولسياساته.

رسم بياني(2): نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الإيرانية من عام 1980إلى 2020م

3. وجود علاقة بين التنافُسية والمشاركة الانتخابيَّة:

شهدت الانتخابات الرئاسيَّة 2021م تدقيقًا صارمًا وهندسة انتخابية من جانب مجلس صيانة الدستور؛ لإفساح الطريق أمام فوز سهل للمرشَّح المحسوب على تيّار المرشد، إبراهيم رئيسي، وكان الأمر كذلك في الانتخابات البرلمانية في فبراير 2020م، والتي حرم فيها نفس المجلس الرموز «الإصلاحية»، ومن بينهم غالبية نوّاب البرلمان العاشر، من الترشُّح، وسمح بهيمنة المتشدِّدين على البرلمان، وبالتالي انخفضت المشاركة إلى أدنى مستوى لها في تاريخ الانتخابات البرلمانية، بنسبةٍ تقترب من 43%. وخبرة العقدين الأخيرين تؤكِّد حقيقة الارتباط بين التنافُسية والمشاركة، ففي انتخابات 2004م و2008م البرلمانية أدَّى التدقيق الصارم لـ «الإصلاحيين» من جانب مجلس صيانة الدستور، إلى انخفاض نسبة المشاركة لأدنى مستوياتها، كما هو واضح في الرسم البياني(2).

4. التصويت الاحتجاجي:

في ظاهرة لافتة، أظهرت النتائج ارتفاعًا غير مسبوق في عدد البطاقات البيضاء، حيث أقدم عددٌ كبير من الناخبين على ترك أوراق الاقتراع بيضاء؛ أي دون التصويت لأيٍّ من المرشَّحين. ووفقًا لوزارة الداخلية، فقد بلغ مجموع الأصوات البيضاء فضلًا عن الاصوات الباطلة أكثر من 3.7 مليون صوت؛ أي 12.9% من مجموع الأصوات، وتمثِّل هذه النسبة قرابة ثلاثة أضعاف عدد الأصوات غير الصالحة في جميع الانتخابات الأُخرى منذ عام 1980م، كما هو واضح من الرسم البياني (3). وتُعَدّ هذه العمليَّة بمثابة نوع من الاحتجاج على السياسات أو طريقة إجراء الانتخابات؛ الأمر الذي أحرج بدوره النظام إلى حدٍّ بعيد، إذ إنَّها تقدِّم رسالة لا تقِلّ أهمِّية عن المقاطعة التي دعت لها المعارضة تحت شعار «لن أصوِّت»، والتي حقَّقت نجاحًا جعل المشاركة في هذه الانتخابات هي الأدنى منذ ثورة عام 1979م، كما أنَّها مثَّلت تحدِّيًا للمرشد الذي أفتى بحُرمة هذا السلوك التصويتي.

رسم بياني (3): الأصوات الباطلة في الانتخابات الإيرانية من عام 1980 إلى 2021م

5. انخفاض المشاركة في المناطق الحَضَرية:

بتحليل صناديق الاقتراع في المدن الكُبرى، فإنَّ أقلّ من 30% ممَّن لهم حقّ التصويت شاركوا في الانتخابات([16])، وأعطت نسبة المشاركة المنخفضة في العاصمة طهران وعدد من المدن مؤشِّرًا على انخفاض مشاركة المناطق الحَضَرية التى تعيش بها الطبقات الوُسطى والعُليا، وعلى طبيعة التحوُّلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي تشهدها إيران. فمن إجمالي 9 ملايين 815 ألف و77 شخصًا مؤهَّلين للمشاركة في الانتخابات في محافظة طهران، صوَّت 3 ملايين و346 ألفًا و580 شخصًا، وهو ما يعادل مشاركة 34.38% من المؤهَّلين للمشاركة في محافظة طهران، فيما بلغت نسبة مشاركة مدينة طهران وحدها 26%، كما بلغت المشاركة في مدينة تبريز 29%([17]). وهكذا كانت النسبة منخفضة في المدن الحَضَرية، ورُبّما يفيد ذلك بتخلِّي شريحة واسعة من الطبقة الوُسطى التي تضرَّرت من سوء الأوضاع المعيشية عن تأييدها للنظام. وقد كانت المشاركة أقلّ في المدن التي تتمتَّع بظروف معيشية أفضل، وهذا بطبيعة الحال يرتبط بغياب معايير التنافُس على أُسُس فكرية وبرامج حزبية متنوِّعة، حيث تبدو الطبقات العُليا والمتوسِّطة أكثر اهتمامًا بقِيَم ومعايير الديمقراطية وصراع الأفكار، وبطبيعة الحال لا يجذبها للمشاركة الواقع السياسي والثقافة السائدة والعمليَّة غير الديمقراطية من الأساس([18]). وبطبيعة الحال، فإنَّ عزوف سُكّان طهران عن المشاركة قابلته خسارة «الإصلاحيين» للانتخابات المحِّلية بالمدينة، كما حدث في الانتخابات البرلمانية في 2020م.

6. ارتفاع المشاركة في الريف والمناطق ذات التركيبات الإثنية:

ارتفعت نسب المشاركة في المناطق ذات التركيبة العِرقية والمذهبية المتداخلة وفي المناطق الريفية، ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى قوَّة الشبكة الدينيَّة للنظام في هذه المناطق، ودور المال السياسي في المناطق الفقيرة في عمليَّة الحشد، فضلًا عن الصراعات الانتخابيَّة ذات الطابع المحلِّي، والتي جرت في المجالس القروية ومجالس المدن بالتزامُن مع الانتخابات الرئاسيَّة، والتي تؤمِّن بالضرورة حضورًا مكثَّفًا من جانب أنصار هؤلاء المرشَّحين. فبحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية، سجَّل أكثر من 51 ألف مرشَّح في انتخابات مجالس المدن، وكذلك 248 ألفًا لانتخابات المجالس القروية، ولا شكَّ سبب زيادة المشاركة في المناطق المحرومة والتي تعاني من المشاكل الاقتصاديَّة، هو المعتقدات الدينيَّة للمواطنين الذين يعيشون في المناطق الشرقية، والقبلية، وتحيُّزاتهم العِرقية والدينيَّة([19]).

جدول (1): مشاركة المحافظات الإيرانية في الانتخابات الرئاسيَّة 2021م

المحافظةنسبة المشاركةالمحافظةنسبة المشاركة
خراسان الجنوبية74.38زنجان53.45
خراسان الشمالية63.97قُم53.17
عيلام63.11قزوين52.30
سيستان وبلوشستان62.75الأحواز49.98
كهغيلويه وبوير أحمد62.59مركزي48.94
غلستان61فارس48.73
مازندران60.75لرستان48.16
كرمان60.58أذربيجان الغربية44.25
بوشهر58.73همدان46.48
هرمزغان58.70كرمانشاه46.04
يزد58.45أذربيجان الشرقية44.25
غيلان57.35أصفهان43.81
خراسان رضوي55.09البرز41.35
أردبيل54.38كردستان37.37
تشهارمحال وبختياري54.48طهران34.39
سمنان54.24على مستوى البلاد48.8

المصدر: موقع خبر اونلاين، میزان مشارکت استان ها در انتخابات ریاست جمهوری اعلام شد، (۶ تیر ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 05 يوليو 2021م،   .https://bit.ly/3xXvZFj

7. العلاقة العكسية بين معدَّلات الفقر والمشاركة:

هناك ارتباط وثيق بين نسبة المشاركة ومؤشِّر البؤس، فوفقًا لإحصاءات «مركز الإحصاء الإيراني» الرسمية في عام 2020م حول التضخُّم والبطالة، لم يكُن مؤشِّر البؤس في أيٍّ من محافظات إيران أقلّ من 40 نقطة، لكنَّه تجاوز حدود الـ 50 نقطة في سبع محافظات؛ هي كرمانشاه 46.04، وتشهار محال وبختياري 54.48، وكردستان 37.37، ولرستان 48.16، وهرمزغان 58.70، وخراسان الشمالية 55.09، والأحواز 49.98، ووصل في كرمانشاه إلى رقم قياسي هو 55 نقطة في مؤشر البؤس. وتُظهِر مقارنة خريطة البؤس بخريطة تفرُّق الاحتجاجات عام 2019م، أنَّ هناك صلة مباشرة بين أزمة المعيشة والاحتجاجات، وتُظهِر مقارنة خريطة البؤس بانخفاض مستوى المشاركة في الانتخابات ارتباطًا ذا معنى، حيث انخفضت نسبة المشاركة مقارنةً بانتخابات عام 2017م في المحافظات التي ارتفع فيها معدَّل البؤس والاحتجاجات إلى حدٍّ بعيد([20]).

خريطة (1): مناطق ودرجة البؤس في المحافظات الإيرانية (اللون الأزرق الداكن يمثِّل درجة بؤس أعلى)

المصدر: علی رنجی‌پور، رابطه نرخ پایین مشارکت در انتخابات با فلاکت چیست؟، موقع ايران واير، (24 ژوئن 2021 ه ش)، تاريخ الاطلاع 7 يوليو 2021م، https://bit.ly/3depXZ5  .

ثالثًا: أسباب انخفاض المشاركة وتزايُد معدَّل التصويت الاحتجاجي*

يعود انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الإيرانية 2021م، وتزايد معدَّل التصويت الاحتجاجي إلى عدَّة عوامل، أهمَّها:

1. التغيُّرات السُكّانية وتطلُّعات الأجيال الشابة:

استنادًا إلى بيانات التعداد السُكّاني في منتصف 2021م، يقدر عدد سُكّان إيران بنحو 85 مليون نسمة، وتشكِّل الفئة العُمرية بين 18 إلى 40 عامًا قُرابة 40% من السُكّان، وقُرابة 57% من الذين لهم حقّ التصويت؛ أي إنَّ أغلبية الناخبين من فئات الشباب، وهؤلاء بدورهم لم يعاصروا الثورة ولم يتعرَّضوا للأيديولوجية الثورية في أوْج حدّتها. وكُلَّما كانت الفئة العُمرية أصغر سنًّا، زاد شعور المرء بخيبة الأمل والاستياء المتزايدة من النظام الحاكم، والقيود المفروضة على حرِّياتهم الشخصية، وأعمال قوَّة الباسيج التي تراقب الأخلاق وتقمع المظاهرات، وإغلاق وسائل الاتّصال الحديثة([21])، لهذا فإنَّ هؤلاء بينهم وبين قيادات النظام الدينيَّة شرخ عميق، ولديهم تطلُّعات نحو التغيير ومتأثِّرين بالقِيَم العالمية الجديدة، ويشارك أغلبهم في التفاعُلات الاحتجاجية ضدّ النظام، وبعضهم يعاني من الاغتراب، فضلًا عن الرغبة في الهجرة، حيث تزايدت معدَّلات الهجرة ونزوح العقول والكوادر المتعلِّمة خارج البلاد؛ نتيجة عدم قُدرتهم على الاندماج والتعايُش، في ظلّ الوِصاية الدينيَّة والثقافيَّة([22]).

ضمن التغييرات الاجتماعيَّة، يُلاحَظ أنَّ العائلات الإيرانية لديها نظرة إلى قِيَم اقتصادية واجتماعية أكثر حداثة، تصطدم بطبيعتها مع الرؤية التقليدية التي يفرضها النظام على المجتمع. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من دعوة المرشد لتحفيز المواطنين على الإنجاب، لكن في الواقع يتقلَّص حجم الأُسرة في إيران خلال العقود الأخيرة، ولم تلقَ هذه الدعوة أُذُنًا صاغية، وهذه النظرة الحداثية أثَّرت على انخراط هذه الأُسر في تفاعُلات العمليَّة السياسيَّة، ومنها الانتخابات([23]).

جدول (2): أعداد الناخبين في إيران من عام 1980 إلى 2021م

الانتخاباتأعداد الناخبين
2021م59,310,3071
2017م56,410,234
2013م50,483,192
2009م46,199,997
2005م46,786,418
2001م42,170,230
1997م36,466,487
1993م33,156,055
1989م30,139,598
1985م25,993,802
أكتوبر 1981م22,687,017
يوليو 1981م22,687,017
يناير 1980م20,993,643

Source: The Iran Social Science Data Portal, accessed 5 Jul 2021, https://bit.ly/3qUJLX3 .

2. النمو الحَضَري:

أكثر من ذي قبل، أصبحت إيران مجتمعًا حَضَريًا قويًّا بنسبة تصِل إلى 75.5%، حيث وُلِد غالبية السكان وترعرعوا في مدن كبيرة، هذه الشريحة من السُكّان مهتمَّة أكثر بمطالب مثل الإدارة الحضرية والنقل والبيئة والتلوُّث، وقضايا قِيَمية كالحرِّية والديمقراطية والانفتاح. وتنتشر ظواهر اجتماعية بين هؤلاء الشباب، الذين لديهم نظرة للحياة تجعلهم بعيدين ببونٍ شاسعٍ عن النظام، مثل تنامي عدد الشابات غير المتزوِّجات في الفئات العُمرية بين 20-34 سنة، والشباب غير المتزوِّج الذين تصل نسبتهم إلى ما يقارب 50% من الشباب في نفس الفئة العُمرية، ومن بين هؤلاء مَن يمارسون الزواج الأبيض أو زواج المساكنة. في الواقع، هذه الشريحة لن تشعر بأنَّها ممثَّلة بالقِيَم التقليدية والدينيَّة الصارمة، ومن الصعب العثور على أيّ شخص من بين المرشَّحين الحاليين يمكنه جذب هذه الشريحة من السُكّان([24]).

3. أوضاع المرأة وموقفها من المشاركة في ظل القيود الثقافيَّة والدينيَّة:

تعاني المرأة التي تشكِّل نصف المجتمع في إيران واقعًا صعبًا؛ فهناك حوالي 3 ملايين و200 سيِّدة مُعيلة لأُسرهن بإيران، والعدد في تزايُد مستمرّ([25])، ومن بين كُلّ ألف حالة زواج تمّ في إيران خلال العام 2020م، حدثت 318 حالة طلاق، وتُشير الإحصاءات إلى أنَّه قبل قرابة عقدين، كانت تحدُث فقط 80 حالة طلاق مقابل كُلّ ألف حالة زواج، ويدُلّ هذا على أنَّ نسبة الطلاق خلال العقدين الماضيَيْن تضاعفت أربع مرات في إيران([26])، ناهيك عن ظروف العمل الصعبة، والحركة النِّسوية الإيرانية التي تقود مواجهةً مع النظام دفاعًا عن قِيَم وحقوق سياسية ومدنية. لا شكَّ أنَّ هذه الاتّجاهات الاجتماعيَّة قد أثَّرت على المشاركة الانتخابيَّة، وعلى السلوك التصويتي في الانتخابات الرئاسيَّة؛ فالأجيال الشابَّة التي تمِّثل أغلبية الناخبين يرفضون النُّخبة الدينيَّة التقليدية، وهذه النُّخبة بدورها ترى في هذه التغيُّرات تهديدًا لمكانتها وتهديدًا للهُويَّة الدينيَّة والتقليدية لإيران، كما أنَّ تزايُد نسبة سُكّان الحضر وتآكُل الطبقة المتوسِّطة-العُليا والمتوسِّطة سيجعل مشاركتهم بالأساس متأثِّرة بأوضاعهم المعيشية الصعبة.

4. إخفاق الحكومة وفقدان الثقة بين الشعب وصانعي القرار:

لا شكَّ في أنَّ التطوُّرات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في العقد الماضي، كان لها تأثير على نمط المشاركة السياسيَّة بصفة عامَّة؛ فخيبة الأمل التي أثَّرت على المجتمع الإيراني منذ الثورة الإسلامية عام 1979م، هي موضوع مركزي بين شرائح كبيرة من سُكّان إيران، حيث يتزايد انعدام الثقة في المسؤولين يومًا بعد يوم، ولا سيَّما في ظلّ تفشِّي الفساد والمحسوبية([27]). وهذا يعني وجود فجوة بين الشعب وصانعي القرار في النظام، ولا سيَّما في ظلّ فشل الحكومات في الوفاء بالتزاماتها برفع المعاناة عن المواطنين، وتنفيذ برامجها الخاصَّة بالعدالة والانفتاح، وحلّ مشاكل إيران الخارجية. ويمكن القول إنَّ حالة عدم الثقة نفسها غذَّت الحركة الخضراء في تطوُّرات ما بعد الانتخابات عام 2009م، وغذَّت الاحتجاجات في 2017م، واحتجاجات نوفمبر 2019م، وغيرها من الحركات الاحتجاجية والمظاهرات الفئوية، التي لا تزال مستمرَّة بكثافة([28]). فخلال ولاية روحاني الثانية، قادت الطبقة الوُسطى والمتعلِّمين من أبناء المهن المختلفة والطلبة والنقابات والتُجّار احتجاجات واسعة في 2018م، فضلًا عن العُمَّال الذين خرجوا اعتراضًا على تردِّي الأوضاع الاقتصاديَّة وتدنِّي مستويات الدخل واتّساع نطاق الفساد، وعدم وفاء الحكومة بوعودها وسوء أدائها بصفة عامَّة، ولا سيَّما تجاه التعامُل مع وباء كورونا والوصول إلى اللقاحات.

5. غياب المنافسة وهندسة العمليَّة الانتخابيَّة:

للحديث عن انتخابات حقيقية وديمقراطية، لا بُدّ من ضمان قواعد وآليات للمشاركة الشعبية في صُنع السياسات، وتمكين المواطنين وحماية حقِّهم في ذلك، من خلال حماية حقّ الجميع في التنافُس على المناصب التنفيذية أو التشريعية، وعدم حرمان المُنتخَبين من ممارسة سُلطتهم كُلّها أو بعضها، ويتوافر ذلك بالتأكيد على مبدأ التداوُل السِلْمي للسُلطة، وحماية الحقّ المشروع في المنافسة، باعتبار أنَّ الشعب هو مصدر السُلطات، وأنَّ وظيفية الحكومة تمثيلية بالأساس، وليست تعبيرًا عن مصالح شخص أو فئة أو جماعة أو حزب.

على أرض الواقع، لم تتوفَّر للعمليَّة الانتخابيَّة التي جرت بيئةٌ سياسية مواتية للمشاركة، حيث رفض مجلس صيانة الدستور إجراء تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات تسمح بعمليَّة انتخابية نزيهة، ومِن ثمَّ غابت عن الانتخابات أهمّ شروطها الأساسية، وأهمّها غياب المنافسة. يتّضِح ذلك من قيام مجلس صيانة الدستور بإقصاء «بعض الشخصيات المعروفة، مثل السياسي «الإصلاحي» مصطفى تاج زاده، وجاءت المفاجأة الأبرز حين لم يستبعد المجلس فقط كافَّة المرشَّحين «الإصلاحيين» و«المعتدلين» البارزين، بل وأيضًا الشخصيات «المحافظة» المعروفة، مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني. ومنذ ذلك الوقت، بات من الواضح لكُلّ المراقبين تقريبًا أنَّ ما يُسمَّى بـ«النواة الصلبة للسُلطة» في الجمهورية الإيرانية والتي تتألَّف من «متشدِّدين» موالين للمرشد الأعلى علي خامنئي، كانت تسعى إلى فوز رئيسي بأيّ ثمن»([29]). وقد أظهرت استطلاعات رأي أنَّ مقاطعة البعض للانتخابات كانت بسبب إقصاء مجلس صيانة الدستور لمرشَّحهم المفضَّل([30])، ناهيك عن أنَّ التقارُب الملحوظ في المنافسة الانتخابيَّة ودرجة الاستقطاب الأيديولوجي بين الفصائل والمرشَّحين كانت غير واضحة، فالجميع يعمل تحت سقف لا يمكن تجاوُزه، والانتخابات يفترض أنَّها عمليَّة اختيار بين اتّجاهات مختلفة، وهذا غير متوفِّر في إيران في ظلّ مرجعية الحُكم التي تستند إلى ولاية الفقيه([31]).

6. فقدان الثقة في التأثير على القرار السياسي:

إنَّ هندسة العمليَّة الانتخابيَّة أفقدت الجماهير الثقة في التأثير على القرار السياسي، بمعنى أنَّ النظام يفرض أمرًا واقعًا على الجماهير، فلا تأثير للجماهير على اختيار ممثِّليه الشعبيين، وبالتالي لا تأثير على صناعة القرار داخليًّا وخارجيًّا. وقد كشفت تطوُّرات النظام السياسي هامشية منصب الرئيس بالأساس، فهو غير قادر على تمرير أيّ أجندة «إصلاحية» في الداخل، أو أن يتّخِذ قرارًا خارجيًّا بعيدا عن إملاءات المرشد والحرس الثوري. ظهر ذلك خلال رئاسة أحمدي نجاد، وخلال رئاسة روحاني، وقبلهما محمد خاتمي، وأظهرت بعض المؤسَّسات أنَّها تعمل خارج أيّ سيطرة من الحكومة؛ كالحرس الثوري([32]).

7. ضعف البِنية الحزبيَّة وغياب البرامج:

تتّسِم البنية الحزبية في إيران بالهشاشة والضعف، على هذا النحو تمحورت ساحة الانتخابات عمليًّا حول الشخص، لا حول البرامج، وبالاعتماد على شخصيات صاحبة التأثير والقبول([33])، وقد أثَّر ذلك على عدم واقعية برامج المرشَّحين وافتقادها إلى الطابع العملي، وعدم قُدرة المرشَّحين على إقناع الناخبين بها([34])؛ فأغلب المرشَّحين لم يقدِّموا بديلًا وإطارًا فكريًّا واضحًا لحلّ المعضلات الاقتصاديَّة. كما أنَّ أغلب المرشَّحين تطرَّقوا إلى شرح مظهر القضية، بدلًا من تقديم سُبُل علاجيَّة. خلال مناقشة المشاكل الاقتصاديَّة أيضًا، طرح بعض المرشَّحين قائمة أضرار بدلًا من توضيح الأسباب([35])، وقد أدَّى ذلك إلى انخفاض التوقُّعات بشأن حدوث تطوُّر اقتصادي جاد وتنفيذ الوعود الانتخابيَّة([36])، وتأثَّر الناخبين مع الوقت بجدوى الانتخابات وتأثيرها على واقعهم، وظهر هذا في سلوك ورأي الناخبين في الانتخابات الأخيرة.

8. فشل الحكومة في احتواء وباء كورونا:

لا تفوت الإشارة إلى وجود مخاوف من تفشِّي وباء كورونا، ولا سيَّما أنَّ النظام أخفق في التعاطي مع الأزمة منذ بدايتها، وقد سبق أن أخفى حقيقة انتشار المرض في بدايات الجائحة؛ من أجل تحقيق مشاركةٍ أوسع في انتخابات برلمان 2020م. ولا تزال المعلومات بشأن الوباء في إيران غير شفَّافة، ولا تتمتَّع بالمصداقية، وهو ما قد يفسِّر عزوف البعض عن المشاركة.

رابعًا: تداعيات انخفاض المشاركة الانتخابيَّة

كشف انخفاض المشاركة في انتخابات الرئاسة 2021م عن أزمةٍ حقيقية يعيشها النظام الإيراني، ويمكن تحديد أبعاد تلك الأزمة فيما يأتي:

1. تنامي الإحباط وتآكُل مصادر شرعية النظام:

يشعر المواطنون بأنَّهم لا يشاركون فعليًّا في عمليَّة صُنع القرارات السياسيَّة، ولا يُعتَدّ بواقعهم وآرائهم، والمعروف أنَّ ضعف مصادر الشرعية يؤدِّي غالبًا إلى السخط وعدم الرضا الشعبي. هذا الخلل ينعكسُ في تفشِّي حالة من التمرُّد والخروج على الدولة، وهذا واضح من تاريخ إيران خلال الأربعين عامًا الماضية منذ ثورات الأقلِّيات في الثمانينيات، واحتجاجات الطلبة في 1999م، واحتجاجات 2009م، واحتجاجات2017م، واحتجاجات الوقود في 2019م، وغيرها من مظاهر الخروج غير السِلْمي على السُلطة في الأطراف المهمَّشة سياسيًّا واقتصاديًّا. ورُبَّما يؤكِّد تقلُّص الفارق الزمني بين الاحتجاجات واسعة النطاق التي تشهدها إيران خلال السنوات الأخيرة، على تآكُل كبير لمصادر شرعية النظام، ناهيك عن نمو الاحتجاجات الاجتماعيَّة ذات الطابع الفئوي، التي تعكس مظاهر وأبعاد متعدِّدة لأزمة الشرعية التي بات يعاني منها النظام الإيراني، حيث إنَّ هذه الاحتجاجات منها ما هو سياسي، وما هو اقتصادي، وما هو اجتماعي.

2. تآكُل رأس المال الاجتماعي لـ «الإصلاحيين»:

كان لعزوف الناخبين دورٌ في هيمنة «المتشدِّدين» على مراكز السُلطة وإقصاء «الإصلاحيين» بصورة كاملة، يعود ذلك إلى إخفاق «الإصلاحيين» في تقديم أنفسهم كبديل أو معارض حقيقي للنظام القائم، وأظهر انقسامهم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فضلًا عن عدم قيامهم بالإصلاحات اللازمة للحفاظ على القاعدة الشعبية المؤيِّدة لهم. الأدهى من ذلك، أنَّ مواقفهم قد كشفت عن أنَّهم أصبحوا جزءًا من النظام، يمنحونه الديكور اللازم لإضفاء شرعية على النظام وحيوية شكلية على الحياة السياسيَّة، يؤكِّد ذلك ما قالته ابنة الرئيس الإيراني الأسبق فائزة رفسنجاني بأنَّ «المرشَّحون الحاليون كانوا جميعًا في النظام، وهُم جُزء من الوضع الراهن، ولهذا لن أُدلي بصوتي، في الغالب، أداء «الإصلاحيين» هو السبب في عدم تصويتي»([37])، يتّضح من ذلك أنَّ مزاج المجتمع ليس رافضًا لـِ «المتشدِّدين» وحسب، لكن لـ «الإصلاحيين» كذلك([38]). وقد لفتت ظاهرة الأصوات البيضاء الانتباه، بوصفها تعكس وجود قطاعات غير مؤمنة بالعمليَّة السياسيَّة في أُطُرها التقليدية، وتحرص على المشاركة مع الرغبة في تجاوُز الصراع التقليدي بين «المحافظين» و«الإصلاحيين»([39]).

3. ضعف شبكة المحسوبية وتراجُع تأثير الخطاب الثوري:

تأكَّد بصورة واضحة تراجُع قاعدة تأييد النظام، رُبّمافقد النموذج الإيراني لجاذبيته وضعُفت شبكة المحسوبية المرتبطة به، كما تراجع دور ومكانة الحوزة بالتوازي مع تراجُع خطاب الثورة الإيرانية وأيديولوجية الدولة الدينيَّة. ومع أنَّ هذه المؤسسات الدينيَّة لا تزال تسيطر على موارد اقتصادية هائلة، لكن نفوذها الشعبي تقلَّص، خاصَّةً بين شباب المدن. ويشكو كبار المسؤولين الدينيين من أنَّ الشباب يفقدون حماستهم الدينيَّة، ويتحسَّرون من تقلُّص صفوف المتطوِّعين للعمل في منظَّماتهم. ورغم أنَّ النظام ركَّز على قضية المشاركة كقضية أساسية في هذه الانتخابات، غير أنَّ الجماهير لم تستجِب. خطاب المشاركة أكَّد على دعم الجمهورية وعلى مواجهة الغرب، وانخفاض المشاركة يؤكِّد على أنَّ هذين الخطابين أصبحا أقلَّ تأثيًرا في عمليَّة حشد الجماهير.

4. الانقسام المجتمعي واتّساع نطاق المعارضة الداخلية:

هناك قُرابة 50% قاطعوا الانتخابات، ويُضاف إليهم قُرابة 13% قد سجَّلوا احتجاجهم من خلال التصويت الأبيض، إذ يجادل المرشد بأنَّهم من المؤيِّدين للنظام، في محاولة للتغطية على اتّساع نطاق المعارضة والاحتجاج على النظام، والذي ظهر في هذه الانتخابات جليًّا. لكن الواقع أنَّ هناك تزايُدًا مطّرِدًا لنطاق المعارضة الداخلية، وهذا بدوره يرتبط بحالة الغليان التي يشهدها الشارع الإيراني خلال السنوات الأخيرة، ورُبّما يكون لذلك تداعياته في حال استمرَّت الأزمة، ولا سيَّما في جانبها الاقتصادي، إذ من المُرجَّح في حالة الإخفاق في رفع المعاناة عن المواطنيين أن تنفجر موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية ضدّ النظام ككُلّ([40]).

5. الاتجاه لبدائل عنيفة للمشاركة والتعبير السياسي:

مع انسداد قنوات المشاركة السياسيَّة، وعدم وصول صوت الشارع إلى صانع القرار، تلجأ الجماهير إلى أنشطة الاحتجاج، التي قد تتضمَّن إجراءات سياسية غير تقليدية، وأحيانًا غير قانونية، يتم اتّخاذها لكسب امتيازات من النظام السياسي والاقتصادي. وقد شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة صورًا مختلفة من الاحتجاجات؛ كالتظاهرات، والاحتجاجات الفئوية، والكتابة على الجدران. وقد لجأت الحركات الاجتماعيَّة إلى أعمال الشغب في بعض مناطق الأقلِّيات، وكذلك لجأت بعض الجماعات للمقاومة المسلَّحة، ويعزِّز من اللجوء إلى هذه البدائل تفشِّي البطالة والتضخُّم وسوء الأوضاع المعيشية، وهي الاوضاع التي قد تتفاقم في ظلّ الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، ولا سيَّما في ظلّ توجُّهاته الخارجية المتشدِّدة واحتمال بقاء إيران قيد العقوبات والعزلة الدولية. وخلال يونيو ويوليو 2021م وبسبب الوضع الاقتصادي الصعب في إيران بدأت احتجاجات واسعة في إيران، أبرزها الاحتجاج على تفاقُم أزمتيْ المياه والكهرباء، واحتجاج عُمَّال صناعة النفط بسبب ظروف عملهم، ويبدو حتّى الآن أنَّ السُلطة احتوت هذه الاحتجاجات، لكن لايبدو الغليان الذي يشهده الشارع الإيراني مع انتخاب رئيسي بعيدًا عن الوضع إبان فترة الشاه الأخير محمد رضا بهلوي([41])، فكِلاهما وصل للسُلطة بنسبة تأييد منخفضة، وفساد واسع في وسط متّخذي القرار، واعتماد السُلطة على القوَّة، ومعارضة دولية واسعة.

6. غياب المساءلة وافتقاد صانع القرار للدعم الشعبي:

عزوف أكثر من نصف الناخبين عن المشاركة، إضافةً إلى التصويت الاحتجاجي من خلال بطاقات الاقتراع البيضاء، أمران يجعلان شرعية الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي مشكوكًا فيها من ناحية، ومن ناحية أُخرى فإنَّ ولاءه سيكون للقائد والمؤسَّسات التي منحته هذا المنصب، وسيكون غير مسؤول شعبيًّا، بمعنى أنَّه سينفِّذ ما يُملَى عليه من قرارات، دون اكتراث برأي الشارع، حيث لا يُعَد رئيسي ممثِّلًا شعبيًا على قمَّة السُلطة التنفيذية بقدر ما هو تابع للمرشد وجندي مخلص للنظام، وسيتجلَّى ذلك بصورة واضحة على السياستين الداخلية والخارجية. داخليًّا، لن يواجه رئيسي الفساد المستشري داخل أروقة النظام وبين أعضائه؛ فبحسب مجلة «فوربس» زاد عدد المليارديرات الإيرانيين، وهم خارج نطاق المحاسبة، فيما يتزايد عدد الفقراء في غياب فجٍّ للعدالة وفيما يبدو أنَّ النظام لديه مصلحة في بقاء العقوبات وإدارة الاقتصاد من خلال الأزمة([42])، كما لن يتصدَّى لهيمنة الحرس الثوري على الاقتصاد. وخارجيًّا، سيلتزم رئيسي بخطّ المرشد، وسيتيح فرض مزيدٍ من الوصاية على الحكومة من جانب المؤسَّسات الموازية، مثل «المجلس الأعلى للأمن القومي» و«الحرس الثوري»، بعيدًا عن المطالب الشعبية بوقف التدخُّلات الخارجية وتمويل مشروع النفوذ الإيراني في الخارج،حيث ستنصَبّ أولويات رئيسي على معالجة الأزمة الاقتصاديَّة، من خلال إعادة إحياء الاتفاق النووي مع الاحتفاظ بثوابت السياسة الخارجية المتمحورة حول العداء والأُممية والاستقلالية والهيمنة الإقليمية، ورُبّما لأوَّل مرَّة ستفقد الحكومة الحديث باسم الشعب في مواجهة العالم الخارجي، على غرار ظريف الذي كان يواجه الضغوط الخارجية بقوله «أنا وزير خارجية دولة شارك 73% من شعبها في الانتخابات»([43]).

7. تزايُد الفجوة بين النظام والأجيال الجديدة:

لا تحقِّق الانتخابات في إيران التجنيد أو الحراك أو المشاركة بوصفها انتخابات غير نزيهة؛ ففلترة عمليَّة التنافُس مُسبَقًا لا تجعل منها تمرينًا سياسيًّا، ووسيلة لتدريب وإعداد وتأهيل النُّخب الجديدة المتطلِّعة إلى الانخراط في العمل السياسي. وحتّى مع محاولة الدفع بوجوه جديدة في الانتخابات، وهندسة التنافُس بين «الإصلاحيين» و«المحافظين» لتبدو أنَّ هناك انتخابات حقيقية، غير أنَّ هذا لم يؤدِّ إلى الدفع بوجوه جديدة لمراكز السُلطة الفعلية، أو عمليَّة تغيير حقيقي عند هرم السُلطة على مدى أربعين عامًا، ولا إلى التمثيل والمساهمة الحقيقية في صُنع القرارات ووضع السياسات، بما يسهمُ في حيوية النظام السياسي وفعاليته؛ فواقعيًّا جرت السيطرة على الانتخابات من خلال ترشيح الموالين والأتباع وضمان فوزهم، بعد التلاعُب بقوانين وإجراءات الانتخابات في جميع مراحلها، بدءًا من الترشيح ومرورًا بالتصويت وانتهاءً بفرز النتائج وإعلانها، كما يتم التلاعُب بإجراءاتها وقواعدها ومراحلها؛ للإبقاء على الوضع القائم، حتّى يقبع المجتمع تحت سيطرة النُّخبة الدينيَّة بعينها لفترات طويلة؛ الأمر الذي أدَّى في النهاية لحرمان المجتمع من تجنيد طاقاته الشابة، وحرمان أجيال من المشاركة، وإغلاق باب الحراك والفاعلية السياسيَّة لوصول أيّ نُّخب جديدة للسُلطة.

8. التأثير على فرص الانتقال السياسي في مرحلة ما بعد خامنئي:

كشفت مُخرَجات العمليَّة الانتخابيَّة عن أنَّ النظام حريص على وجود هيكل سُلطة متجانس ومتكامل، لا مجال فيه لـ «الإصلاحيين» و«المعتدلين» لشغل مناصب عُليا في السُلطة، وليس ذلك فحسب بل إنَّ العديد من «المحافظين» التقليديين مثل علي لاريجاني، مهمَّشون أيضًا. ويعتقد العديد من المراقبين أنَّ السبب الرئيس وراء هذا الاتّجاه الناشئ، هو أنَّ النظام السياسي يستعدّ للانتقال المحتمل إلى مرشد أعلى جديد في السنوات المقبلة، في حال وفاة خامنئي، لكن على الرغم من أنَّ هيمنة التيار المتشدِّد على السُلطات الثلاث قد تخفِّف من مخاوفهم على المدى الطويل في مرحلة ما بعد خامنئي، فإنَّها قد تشكِّل مخاطر كبيرة بالنسبة لهم في المدى القصير، فمِن جهة قد يتعرَّض النظام لأزمة وانشقاقات داخلية، كما هو حادث مع الرئيس الأسبق أحمدي نجاد الذي يقود تيًارًا مؤثِّرًا داخل النظام، وقد صبَّ غضبه على المرشد ردًّا على اعتبار الأخير المشاركة في الانتخابات نصرًا عظيمًا، واصفًا هذا الادّعاء بـ «المثير للضحك»، ومضيفًا: «لقد عزلتم الناس، وهذا أكبر فشل»، وقال أحمدي نجاد موجِّهًا رسالته للمرشد: «أنت تتحرَّك في نَصْ الفشل»([44]). من جهة ثانية، حمَّل المتشدِّدون وعلى مدى السنوات الثمانية الماضية الرئيس «المعتد روحاني مسؤولية جميع المشاكل الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي حلَّت بالبلاد، لكن من الآن فصاعدًا إذا فشل المتشدِّدون في ظلّ رئيسي في معالجة الأزمات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة القائمة، فإنَّ شرعيتهم قد تتدهور إلى حدٍّ بعيد، وقد يؤثِّر ذلك على فرص انتقال سياسي سلِس في مرحلة ما بعد خامنئي.

 خلاصة

إذا كانت العمليَّة الانتخابيَّة وضمنها عمليَّة المشاركة نشاطًا سياسيًّا يقوم به المواطنون العاديون، بقصد التأثير في عمليَّة صُنع القرار الحكومي، بحسب أستاذ جامعة هارفارد صمويل هنتنجتون، وأنَّ فاعليتها تستلزِم وجود قواعد ومعايير قانونية، فإنَّ المواطنين في إيران لا يجدون بيئة مناسبة لمشاركة سياسية شاملة وفعالة؛ فطبيعة النظام الإيراني وعقيدته الدينيَّة المُستمَدَّة من نظرية ولاية الفقيه لا تنظُر إلى رأي الجماهير بعين الحسبان ليس في المسائل الفقهية وحسب، لكن في كافَّة المجالات؛ فولاية الفقيه نموذج أبوي ديني يضع المرشد وصيًّا على المجتمع.

والحقيقة أنَّ النظام الإيراني لديه آلية لتغييب إرادة الجماهير بصورة مُسبَقة، وهي تدقيق مجلس صيانة الدستور للمرشَّحين، ومن خلالها يتحاشى التورُّط في عمليَّة تزوير واسعة النطاق خلال العمليَّة الانتخابيَّة نفسها. ولرُبَّما كان ذلك النهج فعَّالًا حتّى الانتخابات الرئاسيَّة في 2017م، لكن من خلال حملة مقاطعة هي الأكثر تأثيرًا، وتصويت احتجاجي هو الأوسع نطاقًا منذ الثورة، بعث قطاع عريض من الإيرانيين برسالتهم إلى القيادات الدينيَّة، ولا سيَّما المرشد علي خامنئي والرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وإلى الطبقة السياسيَّة الحاكمة برمّتها، والذين يستحوذون على السُلطة والثروة في إيران بـ «أنَّنا لسنا معكم»، أو «سئِمنا من هذه اللعبة».

والواقع أنَّ النظام الإيراني يفتقد إلى الحيوية، ولا يرغب في التكيُّف أو الاستجابة لعمليَّة التغيير الكبيرة التي يشهدها المجتمع، ويصرّ على استعادة التوجُّهات الثورية وخطابها المتشدِّد ورموزها الاكثر ولاءً، وهو الأمر الذي يعمِّق الفجوة بينه وبين الشعب، ومن ثمَّ فإنَّه سيظلّ في مواجهة أزمة شرعية تتزايد مع الوقت، ورُبّما يكون في مواجهة ثورة شعبية، على غرار ما حدث عام 1979م.


([1]) وكالة ارنا، نماینده یزد در مجلس: دشمن به دنبال کاهش مشارکت مردم در انتخابات است، (۱۶ خرداد ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/2SXAK2C.

([2]) Bobby Ghosh, Iran’s Election Is All About Supreme Leader’s Toxic Legacy, Bloomberg, (June 15, 2021), accessed Jul 07,2021, https://bloom.bg/3jYOBRw.

([3]) موقع عصر إيران، نماینده ولی فقیه در سپاه: رئیس جمهوری می‌خواهیم که سرباز محض ولایت باشد، (۱۶ خرداد ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3potwAO.

([4]) الجزيرة نت، بدء الصمت الانتخابي في إيران وخامنئي يحذِّر من تأثير انخفاض المشاركة، (16 يوينو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3BIxcTV.

([5]) وكالة فارس، سردار نقدی: دعوت کنندگان به عدم مشارکت در انتخابات به دنبال نابودی ایران هستند، (۱۵خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3pnmGLS.

([6]) موقع انتخاب، احمد خاتمی: رای دادن، رأی «آری» مجدد به نظام جمهوری اسلامی است / آن‌هایی که توفیق نداشتند در ابتدای انقلاب به این نظام «آری» بگویند، ۲۸ خرداد روز بیعت مجددشان با نظام است، (۱۴ خرداد ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3wUSA55.

([7]) وكالة تسنيم، امام جمعه اهل سنت بندرعباس: به ندای رهبر ‌انقلاب برای مشارکت حداکثری ‌لبیک می‌گوییم/ دولتمردان از ظرفیت نخبگان اهل سنت بهره بگیرند، (۱۳ خرداد ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3uJC4TN.

([8]) وكالة إيسنا، دعوت ستاد کل نیروهای مسلح از مردم برای شرکت در انتخابات، (17 يونيو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3cOXn07.

([9]) موقع راديو فردا، کروبی «دخالت فراقانونی» در انتخابات ۱۴۰۰ را محکوم کرد، (۱۳ خرداد ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/34K0ORx.

([10]) بي بي سي عربي، الانتخابات الرئاسية الإيرانية: ما الجهات التي تقاطعها وما أهمِّية ذلك؟، (16 يونيو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bbc.in/3xobjGO.

([11]) المرجع السابق.

([12]) Golnaz Esfandiari, With Much Of Debate Hampered Ahead Of Presidential Vote, Iranians Turn To Clubhouse – Analysis, Eurasia review, (June 15, 2021), accessed on 08 Jul 2021, ttps://bit.ly/3qRRpkU.

([13])موقع راديو فردا ، بیش از دویست نفر از کنشگران خارج از ایران خواستار تحریم انتخابات ریاست جمهوری شدند، (۱۵ خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3puL6mU.

([14]) إيران إينترنشنال، حملة “لا الجمهورية الإسلامية في إيران”.. تتسع في ذكرى “الاستفتاء على النظام”، (10 أبريل 2021م)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3wn7f8r.

([15]) بي بي سي عربي، الانتخابات الرئاسية الإيرانية: ما الجهات التي تقاطعها وما أهمِّية ذلك؟، مرجع سابق.

([16]) أمير بار شالوم، الاتفاق غير المكتوب بين إسرائيل وإيران، ترجمة (رصانة)، موقع «تايمز أوف إسرائيل»، (04 يوليو 2021م)، تاريخ الاطلاع: 05 يوليو 2021م، https://bit.ly/2V6VWEh.

(([17] وكالة تسنيم، دشمن هزینه هنگفتی برای تاثیرگذاری در انتخابات اخیر ایران صرف کرد، (۲۷ تير ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 25 يوليو 2021م، https://bit.ly/3x0UCA9.

([18]) وكالة إرنا، روحانی: نباید هدف‌های اصلی را به خاطر انتخابات فدا کنیم، (۰۲ تیر ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3qwkbaV.

([19]) صحيفة آفتاب يزد، آسیب شناسی کاهش مشارکت در انتخابات، (۰۵ تیر ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3vVtLoM.

([20]) علی رنجی‌پور، رابطه نرخ پایین مشارکت در انتخابات با فلاکت چیست؟، موقع ايران واير، (۲۴ تير ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3depXZ5.

* التصويت الاحتجاجي، ويقصد به أصوات الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات، لكنّهم أبطلوا أصواتهم متعمِّدين، أو وضعوا بطاقات بيضاء في صناديق الاقتراع.

([21]) Akram Alfy, The rhetoric of the Iranian elections, ahram on line, (10 Jun 2021), accessed Jul, 07 2021, https://bit.ly/3yr4Zyc  .

([22]) صحيفة آفتاب يزد، فاصله زیاد کاندیداها با مردم، (۲۰ خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07 يوليو 2021م، https://bit.ly/3vaiVdW.

([23]) جاده إيران، مركز البحوث البرلمانية – استمرار انخفاض معدلات الولادة في إيران، (15 نوفمبر 2020م)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3qPWtXf.

([24]) بي بي سي عربي، ما قصَّة «الزواج الأبيض» المثير للجدل في إيران؟، (15 يوليو 2019م)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bbc.in/3AFG10i.

([25]) المرصد المصري، معاناة المرأة الإيرانية في ظلّ ولاية الفقيه، (12 يناير 2020م)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3AEueyY.

([26]) إيران إينترنشنال، معدَّل الطلاق في إيران يسجِّل رقمًا قياسيًا، (04 يوليو 2019م)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3wlGykr.

([27]) موقع جامعه 24، عضو کمیسیون اجتماعی مجلس در گفت‌وگو با جامعه ۲۴ پاسخ داد؛ چرا مشارکت‌های اجتماعی در ایران رو به کاهش است؟/ سال‌هاست دروغ و فساد با شیب تند جلو می‌رود، (۱۱ تير ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 09 يوليو 2021م، https://bit.ly/3dya9R4.

([28]) Bijan Khajehpour, Iran’s Youth Key to Elections, Al-monitor,( May 31, 2013),   Accessed 7 July 2021, https://bit.ly/3yv5veH .

([29]) Hamidreza Azizi, Iran’s presidential election: three key implications, Mena Affairs, (24 June 2020), accessed 07 Jul 2021, https://bit.ly/3vZsexU .

([30]) Pooyan Tamimi Arab, Ammar Maleki, Why Iranians won’t vote: new survey reveals massive political disenchantment, The Conversation (June 10, 2021), accessed 07 Jul 2021, https://bit.ly/3dRfUcQ .

([31]) خبر أونلاين، چرا روی برگه های رأی اسم عباس بوعذار و محمود احمدی نژاد بود؟، (۰۲ تیر ۱۴۰۰ ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/35LBH17.

([32]) صحيفة ابتكار، جلال خوش چهره: سختی عبور از دیوار بی‌اعتمادی مردم، (۱۶ تیر ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/34VyY4X.

([33]) وكالة ايسنا، هاشمی: اصلاحات به خون تازه ای نیاز دارد، (۰۷ تیر ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3gYfnaQ.

([34]) صحيفة جمهوري اسلامي، تصحیح فرهنگ انتخابات، (۰۵ تیر۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3wWRrdA.

([35]) صحيفة دنياي اقتصاد، غفلت از هفت مساله کلیدی؛ چرا «تفاوت نگاه» کاندیداها شفاف نشد؟؛ مناظره ناتمام اقتصادی، (۱۷ خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3gdqb3m.

([36]) عباس آرگون، نیازمند مکانیزم عمل به وعده ها ، صحيفة تجارت، (۱۹ خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 08 يوليو 2021م، https://bit.ly/3x79Cgu.

([37]) موقع بولتن نيوز، فائزه هاشمی: دلیل رأی ندادن من بیشتر عملکرد اصلاح‌طلبان است/ مشکل اصلاح‌طلبان و خاتمی چیست که مثل قبل تکرار نمی‌کنند؟ (ویدئو)، (۲۸ خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3wPuMQB.

([38]) موقع راديو فردا، خاتمی: وجود بالاترین درصد رأی‌های باطله، نشانه دلسردی و نومیدی مردم است، (۳۱ خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/35LqJZi.

([39]) موقع خبر أونلاين، پدیده انتخابات ۱۴۰۰ را بشناسید /صاحبان آرای باطله چه کسانی هستند؟، (۳۱ خرداد ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 07يوليو 2021م، https://bit.ly/3cX51G5.

([40]) JON GAMBRELL, Analysis: Subdued Iran vote will still impact wider Mideast, (June 15, 2021), accessed 08 Jul 2021, https://bit.ly/3ADYlGX .

([41]) في عام 1976م حدثت حالات انقطاع للكهرباء في مناطق مختلفة من إيران، تسبَّب هذا الحادث بدوره في استياءٍ على نطاق واسع، واستفاد معارضو النظام البهلوي من فرصة انقطاع الكهرباء، وقاموا بكتابة شعارات والاحتجاج ضدّ الشاه، راجع: صحيفة ستاره صبح، چرا کشور به‌جای پیشرفت پس رفت کرده ؛ ریشه در کجاست؟ / علی صالح‌آبادی- مدیرمسئول، (۱۹ تير۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 10 يوليو 2020م، https://bit.ly/3yHvm37.

([42]) صحيفة تجارت، برخورد با دانه درشت ها پیش شرط اصلاحات اقتصادی، (۱۰تير ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 08 يوليو 2021م، https://bit.ly/3h47hh4.

([43]) علی صالح‌آبادی، چرا برجام به برزخ رفت، صحيفة ستاره صبح، (۱۲ تير ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 09 يوليو 2021م،

https://bit.ly/3jCVTdG.

([44]) راديو فردا، احمدی‌نژاد: به حال فردی که می‌گوید انتخابات یک پیروزی عظیم بود تأسف می‌خورم، (۰۹ تیر ۱۴۰۰ه.ش)، تاريخ الاطلاع: 08 يوليو 2021م، https://bit.ly/3hmCVW7.

د. محمود حمدي أبو القاسم
د. محمود حمدي أبو القاسم
مدير تحرير مجلة الدراسات الإيرانية