الحكومة الأمريكية بين المتطرفين و«الإصلاحيين» في إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=853

بواسطةأكبر كنجي

سعد الشعب الإيراني بالتوافق النووي مع الدول الغربية بزعامة الحكومة الأمريكية. أوفى حسن روحاني بأحد عهوده، وكان الجميع في انتظار تحسن العلاقات مع الدول الغربية والعربية، والأهم من ذلك مطالبة الجميع بالحريات السياسية، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، كان الاتفاق النووي الشامل هو الـ “برجام الأول”، فيما أطلق البرجام الثاني على التصالح الوطني والإصلاحات السياسية الرامية للديمقراطية، أما البرجام الثالث فهو تحسين العلاقات مع الحكومات الغربية ودول الجوار الإقليمي.
كان المعارضون والمنتقدون والإصلاحيون والمعتدلون أكثر مطالبة من غيرهم وما زالوا بتنفيذ البرجام الداخلي، أي برنامج العمل الشامل الداخلي، هذا النهج السلمي الآمن عملية عبور للديمقراطية، أما المحافظون التقليديون والمتطرفون، بزعامة آية الله خامنئي، فكانوا وما زالوا يعارضون أكثر من غيرهم البرجام الداخلي، هذان التوجهان المتعارضان أديا في النهاية إلى نزاع علني بين آية الله خامنئي من جهة، وحسن روحاني ورفسنجاني من جهة أخرى.
كانت انتخابات مجلس الشورى الأخيرة خطوة للأمام، وفي انتخابات مجلس الخبراء استبعد الناس، بتصويتهم الرافض، بعض أهم الشخصيات البارزة الموالية لآية الله خامنئي، وقالوا له “لا” على هذا النحو، لقد نجحوا في انتخابات المجلس، كذلك في تشكيل مجلس معتدل، وفي التاسع والعشرين من شهر أبريل الماضي تم انتخاب النواب الذين دخلوا دور الإعادة ، وسيبدأ المجلس الجديد عمله في السابع والعشرين من شهر مايو الجاري، وسيتبع المجلس المعتدل سياسات في صالح حسن روحاني، لكن هذا مجرد خطوة ضئيلة جداً في مسار تنفيذ البرجام الداخلي، وينبغي ألا نقلّل من احتمالية تكرار مرحلة أحمدي نجاد/ جليلي.
انتخابات رئاسة الجمهورية وخطر تكرار مرحلة أحمدي نجاد/ جليلي
لقد تبقى أقل من أربعة عشر شهراً حتى موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وعندما يكون الرئيس الأمريكي الجديد قد دخل البيت الأبيض في العشرين من شهر يناير 2017م، فستجرى انتخابات رئاسة الجمهورية الإيرانية بعد أربعة أشهر ونصف الشهر من توليه السلطة في البيت الأبيض. لقد بدأ المحافظون بزعامة آية الله خامنئي عملهم منذ فترة مبكرة، فآية الله خامنئي يهاجم روحاني بشدة، حتى لا يحقق البرجام أي إنجاز لإيران، وقد قال إن “إيران نفذت جميع وعودها، لكن أمريكا ألغت العقوبات على الورق فقط، الحكومة الأمريكية قد منعت عملياً وبأساليب متنوعة الارتباط البنكي والتجاري لإيران مع الدول الأخرى، وفي نفس الوقت قد فرضت عقوبات جديدة على إيران وما زالت تفعل، حتى إنها لا تسمح بعودة الأرصدة المجمدة لإيران”.
ادعاء آية الله خامنئي هو: “البرجام يعني إعطاء كل شيء وأخذ لا شيء”، هذا هو النموذج الأمريكي للاتفاق والسلطة، البرجام الداخلي أيضاً هو مؤامرة الإدارة الأمريكية للنفوذ داخل إيران وتغيير جوهر الجمهورية الإسلامية، فهل هناك إنسان عاقل ومدافع عن المصالح الوطنية مستعد أن يقبل النموذج الأمريكي للاتفاقات (فقد كل شيء مقابل لا شيء)؟ طبقاً لقول خامنئي الأشخاص الذين يتحدثون عن البرجام الداخلي (حسن روحاني، هاشمي رفسنجاني، محمد خاتمي، وغيرهم) والجماعات (الإصلاحيون، والمعتدلون، وغيرهم) قد تحولوا إلى عناصر اختراق أمريكي، إما عن وعي أو غفلة، ويقتفون أثر أهداف أمريكيا الإمبريالية وينفذونها.
صرح اللواء محمد علي جعفري القائد العام لجيش الحرس الثوري الإسلامي في الثلاثين من شهر مارس الماضي: “على الرغم من وجود اتفاق البرجام، فإن جميع العقوبات لم ترفع إلى الآن، ويبدو أنه ليست لديهم النية لذلك أيضاً، أو أنهم سينفذونها بالتدريج وقطرة قطرة”.
في نفس اليوم صرح اللواء أمير علي حاجي زاده قائد القوات الجوية للحرس الثوري حول العقوبات الأمريكية الجديدة المتعلقة بالصواريخ الإيرانية: “نحن ليس لدينا أي قلق من الهجوم العسكري الأمريكي، قلقنا من العمق والداخل، من أولئك السادة والإخوة والأخوات، من الأشخاص الذين يؤثرون على متخذي القرار وصانعيه”. اتهم آية الله خامنئي في الأول من إبريل هاشمي رفسنجاني بالخيانة رداً على تغريدته، وقال: “العالم اليوم عالم التباحث وزيادة القدرات الدفاعية، وإذا افتقدتم القدرات الدفاعية اللازمة، فإن أي دولة صغيرة سوف تهددكم عسكرياً”، وفي نفس الوقت تحدث عن أسفه على النتائج الفعلية للاتفاق النووي، وادعى أن الأمريكيين ترأسوا المباحثات، وخدعوا الإيرانيين.
هجمات خامنئي أدت إلى تزايد هجمات قادة الحرس على المعتدلين والإصلاحيين، في الثامن من أبريل 2016م صرح جعفري القائد العام للحرس الثوري بأن “أي شخص من مجمل حكومة خاتمي وأعضاء البرلمان في دورته السادسة والحركة الخضراء الذين كانوا يسعون لإسقاط النظام، قد قهرهم النظام وجعلهم بلا حيثية. لا ينبغي أن نقلق من هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، لأن النظام قد تجاوز حتى انحراف آية الله منتظري، إن أولئك على الرغم من سيطرتهم على السلطة التنفيذية والبرلمان، إلا أنه تمت تنحيتهم بعد فترة، إن المتغربين هم عناصر الاختراق الأمريكي في نظامنا، لكن الحرس الثوري لن يسمح بنمو براعم الخيانة لهذا التيار، لم يكن البرجام وثيقة تدعو للفخر حتى يتحدث أولئك الأشخاص المرضى بداء التغرب المزمن عن برجام 2و3، ويريدون أن يجعلوه نموذجاً لسلوك إعمال سلطة النظام في موضوعات أخرى، كان هذا التوجه مشوباً بالمذلة، ونحن لن نفكر على الإطلاق في برجامات أخرى، نحن لا نخشى التهديدات العسكرية الأمريكية، وقبل أن نكون مستعدين للخيارات السياسية والدبلوماسية. فقد استعددنا للخيار العسكري”.
رد حسن روحاني في كلماته يومي 7 و10 أبريل على كلمات خامنئي وقائد الحرس الثوري قائلاً: “إذا ما كنا نريد أن نواصل طريق حكومة أحمدي نجاد، لكانت قد وصلت اليوم صادراتنا النفطية لمعدل الصفر، ولو لم يكن البرجام لما استطعنا أن نصدر ولو حتى برميل نفط واحداً مهما فعلنا، لقد دافع عن الاتفاق النووي والتفاهم ونبذ التوتر مع العالم، وسمى المعارضين بالمتطرفين الذين يسعون إلى إخافة إيران ويسوقون الدولة إلى الفناء”.
ورداً على تهديدات قائد الحرس الثوري قال روحاني أيضاً: “نحن لا نمثل تهديداً لأي دولة، نحن لم نضع خطة ضد أي دولة على الإطلاق، ولا نريد ذلك، ونعتبر أن أمن المنطقة وأمن جيراننا أمننا، وأن أي قوة عسكرية أو تسليحية لدينا هي لخلق الأمن في بلادنا ومنطقتنا، وعلى جميع دول الجوار أن تعلم أن برنامج إيران هو حماية الجيران والدول الإسلامية، وإذا كانت هناك دولة تفكر أن إيران تهديد لها فقد أخطأت في حساباتها، إيران ليست تهديداً لأحد، ولم تبدأ الحرب ضد أي دولة، ولن تفعل”، مضيفاً أن قائد الحرس الثوري يبدد الفرص التي لاحت نتيجة للاتفاق النووي عبر إشاعة الخوف، وغلظة القول، والكلمات التي لا أساس لها.
الوضع الاقتصادي لإيران
وفقاً لتقرير البنك الدولي، كان إجمالي الناتج المحلي (GDP) في عهد رئاسة هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد على النحو التالي على الترتيب، 5,1، 4,3، 3,2%، وكان متوسط النمو الاقتصادي الإيراني في مدة 23 عاماً من 1998م حتى 2011م 4,7%، ومع تشديد العقوبات وصل معدل النمو في عامي 2012 و2013 إلى سالب 6,6 وسالب 1.9 % على التوالي، ومن المحتمل أن يكون وصل في عام 2015م إلى ما يقرب من موجب 0,5 %.
لم يكن وعداً من حكومة روحاني فقط، وإنما كان وعداً من الإدارة الأمريكية أيضاً بأن الوضع الاقتصادي الإيراني سيتحسن تحسناً ملحوظاً مع الاتفاق النووي ورفع العقوبات، ومنذ ذلك الوقت وكثير من الشخصيات الأمريكية البارزة بدأت بالكذب بشأن حجم الأموال الإيرانية المجمدة وتخصيص جزء كبير منها للتعويض عن العمليات الإرهابية بعد رفع العقوبات. لقد وفّت إيران بجميع تعهداتها، لكن أمريكا عبر تخطيط دقيق ومتعدد المراحل وضعت إيران في مثل هذا الوضع: إيران ما زالت تحت عقوبات عدم التعامل مع البنوك الأمريكية، ما زالت ممنوعة من التعامل بالدولار في مبادلاتها التجارية، ما زالت البنوك غير الأمريكية قلقة بشدة من التعامل مع إيران بسبب الخوف من العقوبات المتشددة حتى في التعاملات غير الدولارية، حتى إن إيران غير قادرة على الاستفادة من الأموال المفرج عنها، في مثل هذا الوضع لم يحدث أي انفتاح، ويبدو أن الاتفاق النووي لم تكن له أي نتيجة اقتصادية لإيران. الكونجرس الأمريكي يعارض أداء الحكومة الأمريكية في التزامات الاتفاق النووي.
هناك مجموعة جديدة من العقوبات من قبل الكونجرس والمحاكم الأمريكية، على سبيل المثال، أصدر القاضي جورج دانيلز قاضي محكمة نيويورك حكماً ضد إيران بسبب جرائم 11 سبتمبر الإرهابية، يقضي بدفع 10.7 مليار دولار، وسيصل المبلغ إلى 21 مليار دولار باحتساب الفائدة المركبة بمعدل 9% من قبل صدور الحكم، في حين أن 15 فرداً من المدانين الـ 19 يحملون الجنسية السعودية، وما زال هناك جزء سري من تقرير حكومة بوش عن دور الحكومة السعودية في التفجيرات لم يعلن بعد.

في مثل هذه الظروف لم تعد الاستثمارات الأجنبية الضخمة ودخول التكنولوجيا الحديثة، التي هي شرط لازم للنمو الاقتصادي والقضاء على البطالة والفقر أمراً ممكناً، يجب أن يكون حسن روحاني قادراً على أن يصل بمعدل النمو الاقتصادي في عامي 2016 و2017م إلى نسبة أعلى من 5 حتى 6%، لكن طبقاً لأحدث تقارير صندوق النقد الدولي، سيزداد معدل البطالة بإيران في عامي 2016 و2017م، وسيصل معدل النمو في هذين العامين إلى 3.7% و4% على التوالي.
هل هي مساعدة لسيطرة المحافظين المتطرفين؟
شنّ المحافظون المتطرفون حملات موسعة ضد حكومة روحاني والقوى المعتدلة الإصلاحية قائلين إن حصيلة الاتفاق النووي كانت صفراً وحالة الاقتصاد الإيراني أصبحت أسوأ بكثير، إن الكساد الاقتصادي الشديد والفقر والبطالة وإغلاق المصانع وعدم التحصل على نتائج من الاتفاق النووي كل ذلك يشكّل رأس الحربة لهجماتهم الدائمة على حكومة روحاني، حتى إن حكومة الهند قالت إنها لا تستطيع دفع ديونها المستحقة لإيران والبالغة عدة مليارات من الدولارات بسبب غلق الحسابات البنكية الإيرانية.
هدف المحافظين المتطرفين هو الإطاحة بحكومة حسن روحاني والإتيان بقوة على شاكلة أحمدي نجاد/ جليلي، حتى إن أحمدي نجاد نفسه قد بدأ نشاطاته، وقال إن أولئك (حكومة روحاني) تعثروا، فالجميع يسعى لترشيحي، وقال إن موعدنا يونيو 2017م. كذلك قال سعيد جليلي أيضاً في 13 أبريل 2016م: “لقد تحول البرجام من الشمس المشرقة إلى سحب مسرعة، وإذا ما كنت قد انتخبت كرئيس للجمهورية، لما وقعت على البرجام، لأن تفكيري مختلف”. وقال بعض المحافظين المتطرفين إن أحمدي نجاد سيحرز 65% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية القادمة، لكن بعضاً آخر قال إن لديه فرصة الفوز أمام روحاني بنسبة 75%.
القضية المهمة التالية هي مرض آية الله خامنئي وتعيين خليفة له، المعتدلون يسعون جاهدين لتهيئة السبيل لإصلاحات ديمقراطية عن طريق تغيير معتدل، لكن المحافظين المتطرفين يسعون إلى تولية شخص أكثر راديكالية من خامنئي.
الأجواء التي تخلقها الحكومات الغربية والإقليمية لإيران ومجموعة الضغوط التي تمارس عليها من الممكن أن تكون لمصلحة المحافظين المتطرفين بشكل كامل، وأن تؤدي إلى الإقصاء الكامل للإصلاحيين والمعتدلين، هذا التوجه تم اختياره بشكل واع من قبل بعض الحكومات، حتى تظل السلطة في إيران في يد المتطرفين، لكن هل الولايات المتحدة تتبع مثل هذه السياسة، وتعدها خادمة لمصالحها القومية؟ هذا الأمر يبرز للعالم وجهاً لأمريكا لا يمكن الوثوق به، حتى الأوروبيون يعترضون على أمريكا في هذا الأمر.

مادة مترجمة عن راديو زمانه

أكبر كنجي
أكبر كنجي
كاتب وباحث إيراني