الشرق الأوسط… التحدّيات والحلول

https://rasanah-iiis.org/?p=26001

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

  اكتسب الاهتمام العالمي بالتحدّيات التي تواجهُ منطقة الشرق الأوسط، زخمًا كبيرًا، إبان السنوات الماضية في ظل زيادة المخاطر التي تواجهها المنطقة. وضمن هذا السياق- فنسبةً لتصاعد التوترات- لا بُد من تسليط نظرة ثاقبة على تلك التحدّيات الأساسية، وعلى الحقيقة الغائبة عن الأذهان تقريبًا والمتمثّلة في الإدراك بأنَّه  لا توجد بقعة في العالم أكثر تعقيدًا من منطقة الشرق الأوسط التي تتّسمُ بأزماتها المركَّبة التي يتشابك فيها الإخفاق التنموي بالإخفاق الأمني والخلل السياسي.

 التحدّيات المهمة التي يتعيَّنُ تناولها من منظور إدارة الأزمات الدولية تشمل: التحدي الأول، وهو هشاشة دول المنطقة وتسلّط فاعلين من خارجها على سيادتها، ويتّضح ذلك في سوريا ولبنان واليمن وليبيا، إذ لا تملك حتّى الآن لبِنات النظام السياسيّ أو مؤسساتٍ تقوم بوظائفها الوطنية على أكمل وجه؛ ما أحدث انكشافًا سياسيًّا، أسهم في تحفيز دول خارجية وتنظيمات إرهابية وكيانات مصالحية لملء هذا الفراغ وإضعاف مؤسّسات الدولة وانتقاص سيادتها.

 ويتمثَّل التحدي الثاني، في صعوبة التوافق على بناء مفهومٍ جامعٍ متوافق عليه للنظام السياسي للدولة، فتسلُّط الفاعلين خارج إطار الدولة ممّن لهم مشاريعهم الذاتية الأيديولوجية والطائفية أحيانًا التي تدين بمرجعياتها في الغالب لدول خارجية، وترتهنُ لتوجهاتها؛ ممّا عطّل أصحاب المشاريع الوطنية عن بناء دستور ٍموحَّدٍ أو نظام سياسي متوافق عليه، وطوّق عديدًا من دول المنطقة بالتبعيّة التي قضت على تطلّعاتها وآمالها الوطنية، وبدا ذلك جليًّا بعد سقوط بعض الأنظمة جراء الفراغ السياسي الذي خلَّفه ماسُميَّ بـ«الربيع العربي».

أمّا التحدي الثالث الذي يشكل خطرًا حاضرًا ومستقبليًّا فهو الصراع على الريادة الشرق أوسطية، في العلاقات الدولية هناك قانون يقول إنَّ «توازن القوى يقلِّل من احتماليَّة الصراعات»، بمعنى أنَّه عندما تمتلك الدول المتجاورة قوى وطنية شاملة متوازنة، فإنَّ كل دولة تنأى بنفسها عن الصراع ولا تحاول التدخل في صراعاتٍ عسكريةٍ غير مضمونة النتائج. وللأسف يغيب هذا التوازن في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، فبعد مخاض «الربيع العربي» ظهرت دول وتشكّلات جديدة تحاول أن تقلب موازين القوى لصالحها ما نتج عنه الانتقال من استخدام القوة الناعمة لتفعيل القوة الصُلبة باستخدام الأدوات العسكرية، وذلك يهيئ لبداية موجةٍ جديدة من «حروب الظل» كتوظيف الميليشيات الطائفية، والقرصنة البحرية، والضربات الصاروخية، والطائرات المسيرة، والهجمات السيبرانية، والاغتيالات وغيرها، ما يهدِّد بحربٍ ربما تتطور من محدودة إلى شاملة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن طرح مقارباتٍ أو خياراتٍ إستراتيجية للتعامل مع هذه المهدّدات أو التحدّيات، ويمكن إجمالها في أربعة حلول أساسية. الحل الأول، هو بناء الروح الوطنية ودولة العدالة الاجتماعية من خلال تعزيز قيَم التسامح والحوار، وسدّ الفجوة بين الأجيال، وبناء توافقٍ وطنيٍّ حول التحدّيات الوطنية من كل شرائح المجتمع. ففي الواقع، أثبتت السوابق التاريخية أنَّ استلهام الروح الوطنية كان دائمًا هو الطريق الوحيد نحو بناء الدولة الموحدة والقوية، على عكس الركون للأجنبي وللأيديولوجيات العابرة التي تشكِّل مصدرًا لتفتيت الدولة وتشتيت بوصلتها.

والحل الثاني، هو محاربة الفساد، إذ لا يتحقق نموٌ ولا رفاهٌ لأيّ دولة ليس لديها نظام قضائي وعدلي ونظام مراقبة يحول دون الفساد والتوزيع العادل للثروة وإدارة الموارد بفاعلية وبحكمة، ووضع نظام فاعل للمحاسبة والشفافية وتحقيق العدالة المجتمعية، وهذا يتطلب إرادة سياسية وعملًا ممنهجًا وأدوات حديثة.  والحل الثالث، هو احترام السيادة الوطنية، ففي ظل القانون الدولي كل دولة لها سيادتها الوطنية على كامل ترابها وشعبها. ويُعدُّ تدخل دولة أجنبية في سيادة أخرى بمثابة الخطوة الأولى لتفتيت الدولة والتأثير على قراراتها الإستراتيجية وتحويل بوصلتها الوطنية إلى تحقيق مصالح الدولة المتدخِّلة.

  أما الحل الرابع، فهو الحوار الإستراتيجي والتواصل الفعَّال بين دول المنطقة، خصوصًا في ظل الاختلافات العِرقية والإثنية، وإلى حدٍّ ما، التباينات المذهبية. فعلى الرغم من الأزمات المتعددة التي ستُبقي شعلة الصراعات مؤججةً، فإنَّ هناك حتمية جغرافية يجب أن يكون لها اعتباراتها وقوانينها، من خلال تبادل المصالح واحترام سيادة الدول. كما يتعيَّن الالتزام بلغة الحوار والدبلوماسية والتي ترتكز حول الحوار نحو شراكة اقتصادية وتبادل تجاري، والحوار الثقافي والإعلامي، والتجمعات الشبابية بالاستفادة من هذه الفئة العمرية التي تزخر بها منطقة الشرق الأوسط.

  وختامًا، ليس أمامنا خِيارات للتعامل مع هذه المهدّدات والتحدّيات إلَّا بفرض كلمة عاقلة وسط الضجيج الدولي وتغيير السلوك، إذ إنَّ ذلك يعتمد على آليات تعالج الضعف البنائي للأنظمة في الإقليم، والنظر بإيجابية للمصلحة الكلية، والمبادرة في حلّ الأزمات، وسدّ ثغرات استغلال النشء في زعزعة الأمن والاستقرار، وتقوية مشاريع التنمية، ما يرَّجح الحصول على نتائج إيجابية. وعندما يتعلق الأمر بدور المملكة العربية السعودية في هذا المسعى، فإنَّ طبيعة موقفها كدولة ضمن دول «مجموعة العشرين» تجاه عديدٍ من القضايا الدولية، وتبنِّيها سياساتٍ إيجابيةٍ على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ تصبُّ في بذل الجهود لتجنيب المنطقة الارتهان للظروف التي تستهدفُ إبقاءها في دوامة العنف والفوضى. فمنذ مدةٍ ليست بالقصيرة تعمل قوى إقليمية على أن تكون محصِّلة مواجهة المملكة للأزمات صفرية، ولكن المملكة تبنَّت خطابًا معتدلًا وانتهجت شفافية أحدثت أثرًا إيجابيًّا وأثمرت في تقوية العلاقات إقليميًّا ودوليًّا. وذلك ما يحدو بنا للقول: إنَّ ثمة إرهاصات لبزوغ فجرٍ جديد ركائزُه هي الالتزام بعقدٍ أخلاقي بين دول المنطقة يتأسَّس على مصالحها مجتمعة ويرفض المشاريع التوسعية والأفكار الدخيلة والتوجّهات الطائفية.

المصدر: arabnews


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية