خيارات إيران في المواجهة العسكرية مع «طالبان»

https://rasanah-iiis.org/?p=31368

بواسطةد.يحيى بوزيدي

ما يجري حاليًا بين إيران وأفغانستان يمكن وصفه بالمشكلات التقليدية التي تنتشر في كل أرجاء العالم بين الدول المتجاورة، وتختلف طريقة إدارتها بين الأدوات السلمية والعسكرية، ولكن النموذج الإيراني الأفغاني رغم التواصل الدبلوماسي بين النظامين في الفترة الأخيرة واللقاءات الثنائية الكثيرة التي ناقشت القضايا الخلافية وسعت لإيجاد حلول لها إلَّا أنَّ ذلك لم يُزِح الخيار الحربي من الطاولة. وبالتالي؛ فإنَّ الإشكالية التي تطرح في هذا السياق حول المواجهات العسكرية المحتملة بين الطرفين تكمُن في الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها إيران وكيف سيكون رد فعل الطرف الآخر بناءً على تجربة وخبرة كل منهما السياسية والحربية؟

نشَبت قبل أيام مواجهةٌ مسلَّحة على الحدود الأفغانية-الإيرانية، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، سبقتها تحذيرات شديدة اللهجة وجَّهها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لحركة طالبان حول حصَّة بلاده من مياه نهر هلمند. واعتبرت الحركة تلك التهديدات إهانةً لها، وتوعَّد العديد من مسؤوليها -في ردودهم- إيران باستعدادهم للمواجهة معها، كما فعلوا مع الولايات المتحدة. في ظل هذه التهديدات المُتبادَلة، من المُحتمَل أن تتكرَّر المناوشات الحدودية بين الطرفين، ورُبما تتطوَّر إلى مواجهة عسكرية كبيرة؛ نظرًا لوجود العديد من الخلافات المستعصية على الحل بينهما، وفي مقدِّمتها قضية توزيع مياه نهر هلمند، واللاجئون الأفغان في إيران، وتهريب المخدّرات من أفغانستان.

يفرض الجوار الجغرافي وطبيعة المشكلات العالقة بين إيران وأفغانستان، تفرضان شكلًا من المواجهة العسكرية التقليدية، التي قد تتطوَّر من تبادُل إطلاق النار بين حرس الحدود، إلى حشد الطرفين قواتهما والدخول في معارك؛ بهدف إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر والدخول إلى أراضيه والاستيلاء عليها، أو ربط الانسحاب منها بشروطٍ محدَّدة. يبدو أنَّ إيران تحاول تجنُّب مثل هذه النوع من الحروب، كون تكلفته ستكون كبيرةً جدًّا دون أيّ ضمانات بتحقيق أهدافها، سواءً برضوخ كابول لمطالب طهران حول حصتها من مياه نهر هلمند، أو طرد حركة طالبان من الحُكم وإحلال نظام جديد محلّها، وهو ما فشلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم ممّا تمتلكه من قوة، فقد انهار النظام، الذي بنته طيلةَ عقدين فورَ إقلاع آخر طائرة أمريكية من مطار كابول، ولم يستمرّ لسنة واحدة، كما كانت تتوقع ذلك المخابرات الأمريكية. هذه الحسابات التي يدركها صانع القرار الإيراني تغذيها تجربة حرب الخليج الأولى التي دفعته لتجرع كأس السم بعد ثمان سنواتٍ من الحرب، قد يجعل إيران تستبعد هذا الخيار كثيرًا ولكنها قد تلجأ إليه في حالة الاضطرار فقط. 

يبقى أمام إيران خيار الحرب الهجينة، الذي تعوَّدت عليه وتُجيد استعماله؛ فقد صاغت خلال العقود الماضية نموذجَ حُكمٍ يزاوج بين مؤسسات الدولة والثورة، ومع التباين بين مؤسسة الجيش والحرس الثوري، بهيمنة الأخير على مفاصل الدولة. غير أنَّ النظام الإيراني تمكَّن من إدارة الخلافات، واستطاع رسم إستراتيجية متوافقة إلى حدٍ كبير بين مختلف أجهزته العسكرية والأمنية والسياسية؛ لتنفيذ أهدافه داخليًا وخارجيًا. عمِلت إيران على محاكاة هذا النموذج في الدول التي تمكَّنت من مدّ نفوذها إليها، حيث أسَّست ميليشياتٍ موازية باتت تقوم بأدوار أكبر من الجيوش الرسمية تمامًا مثلما يفعل الحرس الثوري داخليًا. سمحت هذه الإستراتيجية لإيران بالتواجد في العديد من ساحات الصراع الإقليمي، بالحد الأدنى من التدخُّل العسكري المباشر. ولذلك، فإنَّه خيارٌ مناسب، وقد تحاول تطبيقه في أفغانستان، كما عمِلت سابقًا.

مع ذلك، لا يبدو هذا الخيار فعّالًا في الحالة الأفغانية؛ لأنَّ نظام حُكم طالبان يمتلك خصائص مشابهة للنظام الإيراني، إذ لا يزال السلوك الحركي الثوري يهيمن على أساليب إدارة قادة الحركة لشؤون الدولة؛ وبالتالي فإنَّ محاولة توظيف الميليشيات الشيعية والحركات المعارضة ضد «طالبان»، سيُقابَل بردود فعل تختلف عن تلك التي اعتادت عليها إيران من أنظمة سياسية ترسَّخت فيها تقاليد الدولة، وتتحرَّك وفق الأعراف والقوانين الدولية، كما فعلت أذربيجان مطلع أبريل الماضي، حين أعلنت وزارة خارجيتها أنَّ أربعة دبلوماسيين إيرانيين غير مرغوب فيهم، ومنحتهم ثمانيةً وأربعين ساعةً لمغادرة البلاد. أمّا حركة طالبان، فإنَّها فضلًا عن تعاملها العنيف مع أيّ جماعة داخلية يَثبُت لديها وجود علاقة بينها وبين إيران، فإنَّها في الوقت نفسه لن تتردَّد في ضرب أهداف إيرانية بشكل مباشر، بغضّ النظر عن القانون الدولي، الذي لا يعترف بسلطتها أساسًا؛ مثلما فعلت سنة 1998م، عندما أقدمت على قتل دبلوماسيين إيرانين في مدينة مزار شريف. وبكل تأكيد، هذه التجربة أيضًا تحضر عند صانع القرار الإيراني، كما تحضر تجربة حرب الخليج الأولى في الخيار الأول.

تأسيسًا على ما سبق؛ تُظهِر القراءتان أنَّ المواجهةَ العسكرية بين إيران وحركة طالبان، بمختلف خياراتها، تحمل مخاطر كبيرة جدًّا على النظام الإيراني، وكل نقاط ضعف «طالبان» السياسية والعسكرية في المنظومة الدولية، هي من زاويةٍ ثانية نقاطُ قوة في حال دخولها في حرب مع إيران. وهذا ما يجعل الأخيرة فعلًا خائفةً من «طالبان»، على حدِّ وصف الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، الذي انتقدَ سياسةَ بلاده الخارجية تجاه حركة طالبان.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.يحيى بوزيدي
د.يحيى بوزيدي
باحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية