رجال حكومة الربيع الذين لم يدركهم الربيع

https://rasanah-iiis.org/?p=11190

بواسطةمهسا محمدي

كتب أحمدي نجاد أول من أمس رسالة خاطب فيها قاسم سليماني بقوله: “إنه لأقل من المتوقع أن نتصرف بحيث لا نكون شركاء في هذا الظلم الكبير”. إنّ “الظلم” الذي يطلب أحمدي نجاد من سليماني أن لا يكون شريكًا فيه لحق بمساعده التنفيذي في حكومته السابقة، حميد بقائي، الذي استُدعي منذ عدة أيام ليُمضي عقوبته الطويلة في السجن.
بالأمس وصلت أخبار تفيد باعتقال مستشار أحمدي نجاد، اسفنديار رحيم مشائي، الذي يقول محاميه إن تهمته هي “إشعال النار أمام السفارة البريطانية”، بينما تقول الشرطة إنه “اعتُقل للتحقيق معه”، هذا بينما حُكم على بقائي بالسجن 15 عامًا ودفع غرامة مالية تقدر ب9 ملايين دولار تقريبًا، بالإضافة إلى الجَلد بتهمة ارتكاب جرائم مالية إبان تصدّره للمنصب.
إنّ نجاد يعدّ أن إصدار الأحكام بحق المقربين منه بتهم مالية ضخمة ما هو إلا “انتقام سياسي” من قِبل الإخوة لاريجاني، وقد أكد نجاد على قائد فيلق القدس بأن “أخاه الثوري الطاهر” يواجه “أشدّ العقوبات” بدوافع و”أهداف سياسية”، وبسبب ما سماه “علاقات العمل” بينه وبين سليماني، ومن هذا المنطلق فهو يطلب منه “الدعم”.
• رسالة لا تساوي شيئًا:
لقد أرسل أحمدي نجاد كذلك رسالة من قبلُ يخاطب فيها قاضي استئناف حكم بقائي، وقال فيها إنّ كثيرًا من المسؤولين الإيرانيين يستغلّون الميزانية العامة لإدارة مؤسساتهم الخاصة، ولهذا فإنه لا يجوز اتهام بقائي بارتكاب عمل يشابه ما يقوم به الآخرون، وقد أكّد في هذه الرسالة على أنه “لا يمكن لأي مرجع ومن ضمنهم القضاة مساءلة أي مسؤول يملك السلطة بخصوص تحديده للأفراد المؤهلين للحصول على الهبات والمساعدات، فكيف به أن يصدر حكمًا بحقّه؟!”.
وفي جانب آخر من هذه الرسالة أشار أحمدي نجاد إلى أن هاشمي رفسنجاني وغلام علي حداد عادل وعلي لاريجاني هم أنفسهم قد رصدوا جزءًا من الميزانية العامة لمؤسساتهم الخاصة التي يديرونها، كما أن أشخاصًا مثل “محمد تقي مصباح يزدي ومحمود هاشمي شاهرودي وعلي أكبر ولايتي وعبد الله جوادي آملي، أيضًا يحصلون على ميزانيات عامّة. وأكّد نجاد في رسالته أيضًا على أنه إذا كان من المقرر البتّ في موضوع الميزانيات العامة فيجب “أن يجري التحقيق في حسابات رئيس السلطة القضائية البالغة 63 حسابًا، والتي لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبات أو أي محاسب قانوني، وتحصد شهريًّا عشرات المليارات من التومانات كأرباح يحددها هو شخصيًّا”.
• مِن فاضل لاريجاني حتى ملكة بريطانيا:
كانت موجة الاتهامات التي وجهتها حكومة “الربيع” المنقضية مدتها إلى الجهاز القضائي والإخوة لاريجاني خلال العام الأخير عارمة للغاية، بدءًا باتهام بنت صادق لاريجاني بالتجسس، وارتباطها ببريطانيا، وانتهاءً بالفساد المالي داخل الجهاز القضائي، وامتلاك حسابات بنكية لا رقابة عليها، وغيرها من التُّهَم. ويُنشر أسبوعيًّا خبر أو خبران على الأقل من قِبل هؤلاء المنتقدين الشرسين للجهاز القضائي، وفي كلّ يوم يحاولون تحدي هذه السلطة بأسلوب جديد، كالاعتصام أمام ضريح “شاه عبد العظيم”، أو حمل محتويات ملف بقائي القضائي في سلة حمراء إلى المحكمة.
ويمكن الإشارة إلى أن بداية هذه الخلافات وظهورها للعلن ووصولها إلى الصُّحف كانت عندما تحدّث أحمدي نجاد أمام البرلمان في فبراير من عام 2013 عن محتوى إحدى الجلسات التي جمعت بين فاضل لاريجاني وسعيد مرتضوي، رئيس مؤسسة الضمان الاجتماعي آنذاك، واتّهم نجاد حينها شقيق رئيس السلطة القضائية ورئيس البرلمان، أي فاضل لاريجاني، بالفساد.
وفي خطوة جديدة لهذه الجماعة، قام اسفنديار رحيم مشائي، مستشار وصديق أحمدي نجاد و

المقرب، بالتوجه إلى سفارة بريطانيا في طهران، وإحراق جزء من الحكم الصادر بحق بقائي، في حركة رمزية، أمام أبوابها، ولوّحوا مرة أخرى بأن السلطة القضائية مرتبطة بهذه الدولة، وقال مشائي إنّ بقائي قد سُجن بأمر من “ملكة بريطانيا”.
• الوقت متأخر لإبراز الندم:
من جهة أخرى، يمكن تعقّب آثار ما سماه أحمدي نجاد “علاقات العمل” مع الحرس الثوري، في إحدى التّهم الموجهة إلى حميد بقائي، وكذلك في الرسائل المتداولة بينه وبين قاسم سليماني، قبل إرساله إلى السجن، فإحدى تهم بقائي هي اختلاس 3.5 مليون يورو يزعم الحرس الثوري أنه سلّمها لبقائي لتوزيعها على زعماء أفارقة، واليوم ينتقد أحمدي نجاد قاسم سليماني بسبب سكوته على الظلم الذي يحدث بعد يوم واحد فقط من رسالته التي طلب فيها دعمه.
في الرسالة الأخيرة تساءل أحمدي نجاد عن المبالغ التي دُفعت لبقائي، وبيّن أنه يجب توضيح الأسباب التي من أجلها حصل بقائي على هذه المبالغ، والجهات التي كان من المفترض أن تصرف فيها، والجهة التي رُصدت منها هذه المبالغ، والقانون الذي رُصدت وفقًا له، ومن الذي طلب رصدها، وبناءً على أي وصل مالي، وكيف رُصدت في اليوم الذي لم يكن بقائي يشغل فيه أي منصب.. وفي نهاية الرسالة هدد نجاد قاسمي بشكل غير مباشر، وقال إنّ “الظالمين سوف ينفضح أمرهم قريبًا، وعندها سيكون الأوان قد فات على الندم”.
لقد طرح بقائي قبل توجّهه إلى السجن نفس الأسئلة التي سألها أحمدي نجاد لسليماني، فقد كذّب بقائي في رسالته التي وجهها إلى سليماني موضوع حصوله على أموال بالعملة الصعبة من الحرس الثوري من أجل توزيعها بين قادة دول إفريقية، وطلب من سليماني كذلك أن يكذّبها، وأشار في رسالته إلى أن “طرح هذا الموضوع يشكك في الحرس الثوري أيضًا، وأنكم تضعون أموال بيت المال تحت تصرف من لا يملكون أي مسؤولية رسمية، دون مراعاة القوانين ودون حسيب أو رقيب”، وقد ردّ المتحدث باسم الحرس الثوري، رمضان شريف، على مزاعم بقائي بلا مبالاة، بقوله: “إنّ رأي المحاكم يصدر بناءً على وثائق مؤكّدة ودقيقة وقوية، وطرح سيناريوهات مكررة ضد المؤسسات والأشخاص في الدولة لن يخفف من ثقل جرائم المتهمين”.
لقد قام الادعاء العام بالأمس بنشر حكم بقائي، وبناءً عليه سيُغرّم الأخير مبلغ 3 ملايين و766 ألف يورو، بالإضافة إلى 590 ألف دولار اختلسها، في حين كان الحرس الثوري قد سلّمه إياها “لشؤون تتعلق بدول إفريقيا”.
لقد استخدم أحمدي نجاد حتى اللحظة جميع أدواته، وفي عتابه لهذا “الأخ”، طرح من خلال وسائل الإعلام التي يسيطر عليها أسئلة واتهامات جديدة حول المصادر المالية والمعاملات المرتبطة بالحرس الثوري، وعلى سبيل المثال سأل نجاد سليماني بخصوص شركة طيران “ماهان”، والسعر الذي بيعت به هذه الشركة المتعلقة بمؤسسة “مولى الموحدين” الخاصة، ويعدّ سليماني أحد أعضائها الكبار، لمقرّ “تنفيذ أمر الخميني”، وبناءً على أي حسابات قانونية.
# سرّ مشائي#:
على الرغم من جميع هذه المراسلات ومحاولات استهداف النقاط الحساسة في “الجمهورية الإيرانية” من خلال رئيس جمهورية سابق وأصدقائه، لا يبدو حتى اليوم أن هناك ما يقف عائقًا دون عمليات الكشف والهجمات التي يقومون بها، لأن “المؤسسات الثورية” لا تعمل بثورية في مواجهة هذا الرفيق القديم، بل وتختار الصمت إزاء تهديداته، وهذا ردّ فعل عجيب تسبب ويتسبب بكثير من التخمينات، وكثيرًا ما يؤدي إلى “غليان الدماء” في عروق أنصار حزب الله الأصغر سنًّا.
ويفسّر الخبير الاجتماعي والناشط الإصلاحي، عباس عبدي، هذا النوع من المواجهة من خلال تغريدة له كالتالي: “إنّ سبب عدم مواجهة أحمدي نجاد ومشائي هو أن النظام لا يمكن أن يحاكم نفسه أكثر من هذا، ولو جرى القليل مما يقولانه على لسان أي شخص، خصوصًا الإصلاحيين، لتسبب ذلك، ليس له فقط بل لجميع المقربين منه، بأسوأ المشكلات”، لكن باعتقال رحيم مشائي بالأمس يبدو أن هذه المواجهة قد دخلت مرحلة جديدة، فالأصوليون المتشددون على قنوات الفضاء المجازي ومن خلال هاشتاغ “سرّ مشائي” بدؤوا بفضح أمره ومضاعفة حجم ملفه القضائي.
وبهذا يكون فقط أحد أضلاع مثلث “رجال حكومة الربيع” خارج السجن، ففي بيانه الأخير، وبمناسبة اعتقال مشائي، بدا أن أحمدي نجاد قد يئس من دعم المرشد وسليماني، إذ قال: “إنني أشكو هذا الظلم للإمام المهدي”، وأكّد على أنه لا شكّ يراوده بخصوص أن هذه التصرفات ” لا يمكنها أن تعود على مسببيها بنتائج أفضل من تلك التي عادت على من سبقوهم”، ويبدو من لهجة البيان أن رئيس الجمهورية السابق ما زال يدور في نفس المدار السابق، لذا يجب الانتظار ومشاهدة ما سيحدث خلال الأيام القادمة، فهل سيستمر نجاد بفضح السلطة القضائية والحرس الثوري، وتوجيه الكنايات بين الفينة والأخرى للمرشد، أم أنه سيصمت؟
مادة مترجمة عن موقع “زيتون”


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد

مهسا محمدي
مهسا محمدي
صحفية إيرانية