على إدارة بايدن ألّا تخسر السعودية كشريك لا غنى عنه

https://rasanah-iiis.org/?p=28444

بواسطةد.محمد بن صقر السلمي

خصَّت إدارة بايدن المملكة العربية السعودية بانتقادات واسعة، بعد قرار «أوبك بلس» بزيادة إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا بدايةً من نوفمبر 2022م، إذ اتّهمت الولايات المتحدة السعودية بأنها تقف إلى جانب روسيا وتقوِّض العقوبات المفروضة عليها. وفي الخلفية، يخشى الديمقراطيون أن يكون لارتفاع أسعار الطاقة، بناءً على قرار «أوبك بلس»، تأثير على حظوظهم في انتخابات التجديد النصفي، والاحتفاظ بأغلبية مقاعد الكونجرس. بناءً على هذا التقييم، تتّجِه إدارة بايدن إلى إعادة تقييم علاقتها مع السعودية، وتلوِّح بإجراءات تصِل إلى تقويض التعاون العسكري مع المملكة.

والحقيقة أن موقف إدارة بايدن متحامل أكثر مما ينبغي على المملكة، فالقرار بخفْض إنتاج النفط لم يكُن بحالٍ من الأحوال قرار السعودية وحسب، بل قرار 23 دولة هُم أعضاء «أوبك بلس». كما أن هذا القرار استند إلى دوافع موضوعية، أهمها: انخفاض الطلب على النفط في السوق العالمي، كذلك لم يحمل هذا القرار في طيّاته نوايا سياسية تخُص تقديم الدعم لروسيا، أو تقوِّض العقوبات؛ فموقف السعودية من الحرب الأوكرانية واضح إلى جانب الشرعية والقواعد الدولية، بصورة لا لبْس فيها. كما لا ينُم القرار عن رغبة سعودية في التأثير على الشأن الداخلي الأمريكي، مع قُرب انتخابات التجديد النصفي، بحسب ما تذهب إليه إدارة بايدن؛ فما يُملي على السعودية قراراتها هو مصالحها الإستراتيجية، ودورها الإقليمي والدولي الداعم للأمن والاستقرار. ولطالما كانت السعودية شريكًا مهمًّا في الحفاظ على نظام دولي وإقليمي قائم على القواعد تقوده الولايات المتحدة، ولا تزال حريصة على هذه الشراكة.

لكن نزْع قرار «أوبك بلس» من سياقه الاقتصادي البحت، وتوجيه اللوم إلى السعودية تحديدًا دون غيرها من الدول الأعضاء، الذين صوَّتوا على قرار خفض الإنتاج بالإجماع، هو التسييس بعينه؛ فالسعودية لم تتوانَ عن الاستجابة لدعوات زيادة الإنتاج، من أجل مواجهة أزمة الطاقة المتفاقمة عالميًا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، حتى وصلت بإنتاجها إلى طاقته القصوى، عندما وصل سعر برميل النفط 120 دولارًا. ولعل هذا يدحض أي دعوى في وضع السعودية طرفًا في الصراع بين روسيا والغرب، فيما كان المسؤول الحقيقي عن أزمة الطاقة التي يواجهها العالم، هو التنافس الإستراتيجي، الذي نقلت من خلاله الولايات المتحدة العلاقة مع المنافسين روسيا والصين إلى مرحلة الصراع، كما حدث في أوكرانيا وتايوان.

والحقيقة أيضًا أن إدارة بايدن لم يكُن يعنيها من قرار «أوبك بلس»، لا قضية العقوبات على روسيا، ولا حلفاؤها الأوروبيون، الذين يتهمونها بالأساس بالجشع وبيع النفط لهم بأربعة أضعاف ثمنه، كما جاء على لسان الرئيس الفرنسي والمسؤولون الألمان. بل إنها في الأصل حاولت الحصول من المملكة على دعم غير مباشر لصالح مرشحيها في انتخابات التجديد النصفي، من خلال تأجيل قرار خفض الإنتاج لمدة شهر، حتى انتهاء موعد الانتخابات في نوفمبر. وهي قضية فتحت الباب أمام انتقادات واسعة لإدارة بايدن في الداخل، وتسبَّبت في حرج شديد لإدارته أمام الرأي العام، وربما قد يترتَّب عليها مسؤولية سياسية وقانونية، ولاسيّما أن هذه الإدارة لطالما انتقدت وتوعَّدت وعاقبت أي طرف خارجي بلعب أي دور للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية، فما بالنا وهي نفسها التي تطلب هذا التدخُّل.

مع ذلك، فإن المملكة حريصة على شراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، لكن اتجاه إدارة بايدن لتقييم العلاقة مع السعودية سيكون له بالغ الأثر، وقد يضع هذه الشراكة على المحك، إذ من الواضح أن الولايات المتحدة تتّخِذ من قرار «أوبك بلس» ذريعةً لمواصلة السياسة المتشنِّجة وغير المبرَّرة ضد المملكة، حتى وإن كان ذلك لا يخدم المصالح الأمريكية على الصعيد الدولي، ومصالح الناخبين الأمريكيين في الداخل. لهذا، ترفض السعودية بصورة قاطعة أن يتم إقحامها في صراع لها موقف واضح منه، كما أنها لا تقبل أن تضِّحي بمصلحتها الاقتصادية لأجل حسابات سياسية داخل الولايات المتحدة، وتؤكد أنها لن تخضع لأي ابتزاز أو تهديد. وبحسب سفيرة السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية الأميرة ريما بنت بندر آل سعود: «لقد ولَّت منذ زمن طويل الأيام التي كان يمكن فيها تحديد العلاقة السعودية-الأمريكية، من خلال نموذج النفط مقابل الأمن»؛ فالأمن الإقليمي مسؤولية مشتركة، وهو يخدم كافة الأطراف، وأي ضرر به ستكون تكلفته باهظة على الجميع. وقد كانت السعودية طوال الوقت حليفًا مهمًا للولايات المتحدة في تحقيقه، بما في ذلك مواجهة إيران، التي تبدو على بعد خطوات من العتبة النووية.

إن الولايات المتحدة مدعُوَّة قبل تقييم سياستها تجاه السعودية، أن تعيد النظر في سلوكها؛ لأن الموقف الأمريكي الذي يلوي عنق الحقيقة لخدمة أجنحة داخل إدارة بايدن لديها موقف متشدِّد من المملكة، يعمِّق من الفجوة في العلاقات. الجميع يدرك أين تكمُن الأزمة، ويدرك أيضًا كيف تراجعت أولوية الشرق الأوسط في الإستراتيجية الأمريكية، وهذا التراجع كان له أكبر الأثر في خلق أزمة ثقة كبيرة، ليس مع السعودية وحسب، لكن مع العديد من دول المنطقة، إذ بات يُنظَر إلى الولايات المتحدة كشريك غير موثوق، خصوصًا في ظل إصرار هذه الإدارة على نقل عِبء تحقيق الاستقرار إلى دول المنطقة، والتخلِّي عنها في منتصف الطريق؛ لمواجهة المخاطر والتهديدات. والواضح أن الفجوة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، أكثر ارتباطًا بإخفاق من جانب الرئيس بايدن تحديدًا، وإدارته، ووجهة نظرهم تجاه الشرق الأوسط.

والمُستغرَب أنه عندما أدركت إدارة بايدن أهمية المنطقة وارتباطها الوثيق بالصراع والمنافسة الدولية، التي أشعلتها لتأكيد هيمنتها على النظام الدولي، جاء بايدن إلى السعودية ليذيب الجليد في العلاقات مع القوى الإقليمية، بما في ذلك السعودية، لكنه جاء بدوافع سياسية واقتصادية تخُص الصراع الذي يخوضه مع روسيا والصين. وفي الوقت نفسه، جاء ليرفع عِبء ارتفاع أسعار النفط عن الاقتصاد الأمريكي، بما يفيد حزبه قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، فضلًا عن ضغوط من «التقدُّميين» الأكثر إدراكًا لأهمية الشراكة مع السعودية، وليس وفق قناعة حقيقية، ولا من منطلق التوازن في المصالح بين البلدين، وهو سلوك لا يعدو كونه انتهازية وعدم جدية في إعادة تعيين السياسات، بما يخدم المصالح المتبادلة.

إن رسالة المملكة واضحة، وهي أنه إذا  كانت الولايات المتحدة تعتبر السعودية شريكًا مهمًّا في الشرق الأوسط، فإن عليها أن تأخذ بالاعتبار مصالح المملكة ورؤية قيادتها، دون إملاءات أو ضغوط، بدلًا من توجيه اتهامات جوفاء، وتوظيفها سياسيًا في إطار صراعات حزبية داخلية لا طائل من ورائها، غير فكّ شراكة امتدت لثمانين عامًا؛ فالسعودية لم تتخلَّ يومًا عن شركائها وحلفائها، وهي اليوم ركيزة مهمة في تحقيق الاستقرار، وحماية الأمن الإقليمي، فضلًا عن أنها قوة اقتصادية لها مكانتها التي لا غنى عنها، بما في ذلك دعم الدول التي تواجه الأزمات، وحماية ممرات التجارة الحيوية، وتأمين إمدادات الطاقة في فترة حرجة من تاريخ النظام الدولي. كما أن السعودية شريك دولي لا يتوانى عن التعاون في قضايا التنمية، وأمن الطاقة والغذاء والمناخ، ومكافحة الإرهاب، وغيرها. وفي هذا السياق، لن تتوانى السعودية عن ضبط أسعار النفط إذا اقتضت الحاجة، كما فعلت من قبل، وهي في الوقت نفسه تعتزّ بسيادة قراراتها، واستقلاليتها، ومشروعها الوطني. ومع ذلك، فإن الانطلاق نحو حقبة جديدة من الشراكة مع الولايات المتحدة هو أولوية، لكن شريطة أن يشاطرها الطرف الأمريكي التوجُّه نفسه، دون توظيف، أو تسييس، أو عدم توازن في المصالح. لكن، إن كانت إدارة بايدن ترى غير ذلك، فإن مسؤولية خسارة شريك إستراتيجي تقع على عاتقها.

المصدر: Arab News


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية