على بايدن ألّا يُقصي حلفاء الولايات المتحدة من عمليَّة السَّلام في أفغانستان

https://rasanah-iiis.org/?p=24022

تُمثِّل أفغانستان ساحة معركةٍ مُزدحمة للفصائل المُسلَّحة غير الحكوميَّة والقوى الأجنبية، بينما يشبهُ البحثُ عن السَّلام هناك البحثَ عن إبرة في كومة قشّ.

استثمرت القوى العظمى والدول الإقليميَّة في واحدة أو أكثر من الجماعات المُسلَّحة، كما تشوب في الوقت نفسه مؤسَّسات الدولة الأفغانية حالةً من عدم الكفاءة والفساد والمحسوبية. تنتشرُ أيضًا الانتهازية السياسيَّة في أفغانستان مِمَّا يؤدي إلى صراعاتٍ على السلطة بين مختلف الفاعلين السياسيّين، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى. تقبعُ مؤسَّسات الدولة في حالة من الفوضى بينما لا تزال قوات الأمن غير مدرّبة ومشتتة وغالبًا ما يخترقها المتعاطفون مع المُسلَّحين أو رجال الاستخبارات الأجانب. ومع ذلك، على الرغم من هذه الحقائق المقلقة، هناك ضرورة مُلحَّة لسحب القوات الأمريكية بحلول الأول من مايو على النحو الذي حدَّدتهُ إدارة دونالد ترامب السابقة، والتي أضحت معضلةَ الرئيس جو بايدن الآن!

إذا كانت إيران وكوريا الشمالية تُمثّلان صداعًا للولايات المتحدة، فإنَّ أفغانستان هي الغرغرينا. اختارت الإدارة الأمريكية السابقة بتر المنطقة المصابة عن طريق سحب القوات الأمريكية وترك طالبان والحكومة الأفغانية الهشَّة (وقواتها الأمنيَّة) لتدبّر أمر الفوضى. لقد ضغطت على باكستان لتسهيل أكبر قدرٍ مُمكن، لكنها استبعدت الأنشطة ذات النتائج العكسَّية لمختلف الدول الأجنبية. تمتلكُ الصين أكبر استثمارٍ أجنبي في الدولة التي مزَّقتها الحرب، بينما تنشغلُ روسيا وإيران والهند في تسوية الحسابات الإستراتيجية مع منافسيها. تتولَّى دولٌ أجنبية مُختلفة أجندات الاستقرار والتنمية تحت غطاء الشروط المعقّدة لتغذية أنشطة الخروج على القانون من خلال وكلائها السياسيّين والمتشدِّدين في أفغانستان.

كتب وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله بعد أكثر من خمسين يومًا في البيت الأبيض، يطالبهما بإظهار «القيادة العاجلة التي طلبها والرئيس بايدن في الأسابيع المقبلة». نصَّ الخطاب المسرَّب بشكلٍ قاطع على أنَّ واشنطن «تدرس الانسحاب الكامل لقواتها بحلول الأول من مايو».

ردَّ نائب الرئيس الأفغاني أمر الله صالح بصراحة: «لا يعني اعتمادنا على العالم الخارجي أنَّنا نطيعُ المطالب غير المشروعة».

ومِن النقاط اللافتة الأخرى في الرسالة اقتراح الولايات المتحدة بأنْ تعقِدَ الأمم المتحدة اجتماعًا مُتعدِّد الجنسيات يضمّ مبعوثين من موسكو وبكين ونيودلهي وطهران وإسلام أباد وواشنطن. وقد وافقت أنقرة على عقد اجتماعٍ بين الحكومة الأفغانية وطالبان في 27 مارس. كما كان من المتوقع أن ترفض طالبان عرض وقف إطلاق النار ونشرت شريط فيديو تدريبي يظهرُ المسلحين وهم يستعدون لـ«هجوم الربيع».

تتحفّظ الحكومة الأفغانية على المقترحات الواردة في الرسالة، في حين أنَّ باكستان قلقةٌ من نهج واشنطن الجديد وإدراج لاعبين آخرين مثل الهند وإيران، وهذا يضعُ المبعوث الخاص لأفغانستان، في عهد ترامب زلماي خليل زاد والذي احتفظ بمنصبه، أمام مُهمَّةً صعبة للتراجع عمَّا حقَّقهُ والذي احتُفل به بضجة كبيرة.

يبدو أنَّ مراجعة إدارة بايدن لسياسة الولايات المتحدة تجاه كابول تتأثَّرُ بعوامل خارجيَّة وليس بالمصالح القومية الأمريكية وحسب.

لا شكَّ أنَّ الرئيس السادس والأربعين يُعَد السياسي الأكثر خبرةً في شؤون السياسة الخارجيَّة، وإحياء عمليَّة السَّلام الأفغانية من رماد اتفاق الدوحة في فبراير 2020م لن يكون سهلاً البتَّة. كما أنَّ الموعد النهائي للانسحاب في الأول من مايو أبعد ما يكون عن الواقعيَّة عند الأخذ في الاعتبار عوامل مختلفة مثل الاستقرار في البلاد. ومع ذلك، من المُهم الإشارة إلى أنَّ 2500 جنديٍّ أمريكي أقلّ من اللازم لمساعدة وكالات الأمن القومي الأفغانية في الحفاظ على القانون والنظام في البلاد. كما سيتمُ ملء فراغ السلطة في حالة الانسحاب على يد الجهات الفاعلة المدعومة من الخارج من غير الدول، مع تحقيق أولئك المتحالفين مع إيران وروسيا بالفعل نجاحاتٍ كبيرة.

لا ترقى رسالة بلينكن إلى مستوى الدبلوماسيَّة الذكية المتوقعة من سياسيٍّ مُتمرِّس. ومن غير المرجح أن تقبل طالبان عرض وقف إطلاق النار، خاصةً عندما ترفضُ الولايات المتحدة الامتثال لاتفاق الدوحة. يُعَد التهديد بسحب القوات الأمريكية غير قابلٍ للتطبيق؛ لأنَّ العمليَّة المعقدة الموضَّحة في رسالة بلينكن بعيدةٌ كل البعد عن البدء بها. تفتحُ الدعوة لإيران أبواب جهنَّم، حيث ستراها دول الخليج على أنَّها محاولٌة أمريكية لاسترضاء طهران على الرغم من سلوكها المزعزع للاستقرار في أفغانستان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. كما أنَّ وجود الهند على طاولة المفاوضات يغضبُ باكستان لأسبابٍ مفهومة. ومِن المُحيِّر بنفس القدر لماذا لا يمكن عقد اجتماعٍ بين الأفغان في الدوحة بدلًا من تركيا. هل تتحسَّسُ إدارة جو بايدن من دول الخليج لدرجة التخلِّي عنها لمزايا إستراتيجيَّة في أماكنَ أخرى؟ وقفت المملكة العربية السعودية إلى جانب الولايات المتحدة منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان، وقد كان الثمن الذي دفعتهُ المملكة باهظًا وغير محسوس، وما زالت تمتلك تأثيرًا هائلًا في البلد الذي مزَّقتهُ الحرب والذي استغلته لتسهيل عمليَّة السَّلام.

دعونا لا ننسى حقيقة أنَّ عمليَّة إعادة الإعمار تتطلب دعمًا ماليًا وسياسيًا ضخمًا من دول الخليج، ويبدو أنَّ تهميشهم لإرضاء دولة متطرفة وتأجيج الحرب نتيجةَ تكتيكات طهران الناجحة الابتزازية، من إيواء قادة القاعدة وطالبان إلى إذكاء النيران الطائفيَّة في أفغانستان، ما هي الأُسُس الموضوعية لدور إيران في عمليَّة السَّلام الأفغانية؟

يتطلبُ الوضع الدقيق في أفغانستان اتِّباع نهجٍ لطيف بدلًا من التهديدات الصريحة. يمكنُ للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وباكستان إلى جانب الدول الأخرى مساعدة الولايات المتحدة على تحقيق ما لم تستطِع تحقيقهُ خلال الحرب الأزلية. لا شكَّ في أنَّ إدارة بايدن تمتلك الحقّ في مراجعة سياسات الولايات المتحدة تجاه أفغانستان والشرق الأوسط. ومع ذلك، لن تكون دبلوماسية الموقد مثمرة، بل ستؤدي بدلًا من ذلك إلى مزيدٍ من الصعوبات والمعضلات والتحديات للإدارة الجديدة على المديَيْن القصير والطويل.

المصدر: «ناشونال إنترست»


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية