مخاوف من زحف الظلّ الشيعي إلى شمال إفريقيا السنّية

https://rasanah-iiis.org/?p=9508

بواسطةجوناثان لورانس

تمرّ الحكومات المسلمة في شمال إفريقيا الآن بأوقات عصيبة، فعلى الرغم من الإطاحة بمعاقل «داعش» في العراق وسوريا، فإنّ هذه الجماعة المتطرفة تواصل معركتها ضدّ السلطات في بلدان عدة مثل المغرب والجزائر ومصر.
وأعلن الجيش المصري في 16 أكتوبر مقتل ستة جنود وما لا يقلّ عن 24 مسلحًا من تنظيم داعش في هجمات على مواقع عسكرية في شمال سيناء، واعتقلت الشرطة المغربية في نهاية الأسبوع نفسه 11 عضوًا من خلية «خطرة للغاية» مرتبطة بتنظيم داعش، كما استولت على منتجات كيميائية تُستخدم لصنع القنابل، وفي هذه الأثناء قضت القوّات الجزائرية على ما لا يقلّ عن 71 من مقاتلي «داعش» حتى الآن لهذا العام، وهو العدد الأكبر منذ عام 2014.
يتعيّن على قادة شمال إفريقيا عبور طريق طائفية وعرة في حين تطول قائمة الاعتقالات، وتبادل إطلاق النيران، وضبط جوازات السفر لمواطنين راغبين في الانضمام إلى جماعات المقاتلين الأجانب. ولتفادي الاعتقاد الذي يقوم على اضطهاد المدافعين عن العقيدة لأجل مكافحة التطرف، يجب على الحكومات أن تُظهِر بوادر إسلامية بارزة في الوقت الذي تهاجم فيه النشاط الشيعي التبشيري، وذلك لدحض مزاعم «داعش» حول تواطؤ السلطات مع «مؤامرات إيران ومخططاتها» الرامية إلى تقسيم المنطقة ونشر المذهب الشيعي بها.
وقد حذّر حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب مؤخرًا من «الغزو الشيعي الطائفي»، كما دعا المفتي العام في موريتانيا قادة بلاده إلى مقاومة «المدّ الشيعي المتصاعد»، وندّد أحد وزراء حكومة شمال إفريقيا بـ«التسلل الشيعي خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمساكن الجامعية، والمدارس الثانوية، وحتى مدارس تعليم القرآن الكريم»، واختتم كلامه قائلًا: «أتساءل عما إذا كان الفُرس يريدون السيطرة على العالم العربي».
هل سيكون الشمالُ الإفريقي الميدانَ المقبل لسياسة خارجية إيرانية أكثر حزمًا من بعد العراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين؟ تنبع هذه المخاوف من محاولات إيران لتوسيع نفوذها في الجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس، بالإضافة إلى «فِنائها الخلفي»، السنغال والنيجر وغينيا ومالي.
قام وزير الخارجية الإيراني بجولة في المنطقة في شهر يونيو الماضي، إذ اجتمع مع رؤساء الحكومة في الجزائر وموريتانيا وتونس في مباحثات لتحسين الروابط، فقد تسعى إيران ببساطة إلى إقامة شراكات اقتصادية جديدة لتعويض العقوبات الحالية. ومجرّد دخولها في المنطقة كفيل بنشر التوترات بين القوى المحلّية، كما أطلقت إيران في الوقت ذاته أقمارًا صناعية لبثّ البرامج الدينية الشيعية باللغة العربية في البيوت الإفريقية.
من المعتقد أن هناك أقل من 20,000 شيعي في الجزائر، وقد نصّت الحكومة مؤخرًا على تسجيلهم جميعًا، وقال وزير الشؤون الدينية الجزائري إنّ الشيعة ليس لهم الحق في نشر إيمانهم بالجزائر «لأن ذلك يسبب الفتنة وغيرها من المشكلات»، وقال: «لا يمكن للجزائر أن تستضيف حربًا طائفية هي في غنى عنها»، كما أردف قائلًا في مقابلة له: «لا الشيعة ولا غيرها من الطوائف الأخرى هي نتاج الجزائريين، كما أنها لا تنبع من الجزائر، ونحن نرفض أن يشكّل بلدنا ساحة معركة لاثنتين من الآيديولوجيات الخارجية والأجنبية». وعلى أي حال، فإن العَلاقات الدبلوماسية لا تخضع للتصنيفات السهلة، إذ إنّ الجزائر، بالإضافة إلى إيران، هي واحدة من مجموعة الدول التي تحافظ على عَلاقات جيدة مع المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن، ويُحكى أن الجزائر كانت المحطة الأولى لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في شمال إفريقيا في شهر يونيو المنصرم.
وبالنظر إلى القِلّة القليلة من الشيعة الذين يعيشون في شمال إفريقيا، بالإضافة إلى الرقابة المشددة على المساجد في المنطقة، سنلاحظ شبه انعدام تأثير المذهب الشيعي وانتشاره في المنقطة، وسواء كان حجم التبشير يبرّر مستوى القلق أو لا، فالزعماء المغاربة والجزائريون يرَون أن سياسة إيران في إفريقيا تشكّل تهديدًا لنظامهم الداخلي وأمنهم الإقليمي. ويعتمد احتمال نشوب صراع طائفيّ على وجود «الجماعات البدعية» -أي الأقليات غير السنّية- المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، والتي بلغت أعدادها الملايين ممن يعيشون تحت ظلّ حكم السنّة السائد. بعض هذه الجماعات تمثّل فروعًا للمذهب الشيعي ولكنها ليست بالضرورة مصدرًا للصراع، أما في الجزائر فيختلف الوضع قليلًا، خصوصًا مع تغاضي الحكومة عن هذه الجماعات، إذ يشنّ المتشددون المحلّيون عدة هجمات في بعض الأحيان.
تعاني الحكومات السنّية في شمال إفريقيا من حقيقة أن خصمَيها (إيران وداعش) هما المستفيدان الوحيدان من غزو العراق في عام 2003 وسحق المعارضة السنّية في سوريا في عام 2017، كما أدى تراجع الدور السعودي بعد هجمات 11 سبتمبر وسقوط حكم حزب البعث السنّي في العراق إلى تعزيز مكانة إيران، مع تقليص دور النفوذ العربي السنّي في كل من أفغانستان والعراق وسوريا، كما أدى ذلك بدوره إلى تمهيد الطريق أمام «داعش».
ليست هناك أقلّية شيعية في المغرب بصورة رسمية، وتشير التقديرات غير الرسمية إلى أن العدد يقلّ عن 2%، ومع ذلك اتهمت وزارة الخارجية في الرباط إيران بمحاولة تغيير «الأسس الدينية للمملكة»، وقد نشبت العداوة بين خامنئي والملك الحسن الثاني (والد الملك المغربي الحالي محمد السادس) نتيجة للعَلاقات المتوترة بينهما في فترة الثمانينيات، إذ هددت مزاعم خامنئي بالسيادة على جميع المسلمين دور الملك المغربي بصفته «أمير المؤمنين»، أي قائد المؤمنين، لعشرات الملايين من الأتباع في شمال غرب إفريقيا، في حين ترأس الحسن المجلس الدولي للعلماء المسلمين معلنًا عن رِدّة خامنئي بقوله: «إن كان مسلمًا، فأنا لست كذلك»، كما أيّد العراق علنًا في حربه ضد إيران.
واعتقد الحسن بدوره بوجود يد إيرانية خلف المصاعب المحلّية التي يواجهها، إذ وفّرت طهران ملاذًا آمنًا لجماعة المعارضة، الشبيبة المغربية، كما اتهم الحسن إيران علنًا بتأجيج أعمال الشغب ضد ارتفاع تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى الانتفاضة العنيفة التي قامت في منطقة ريف الشمال، والتي تضم عديدًا من البربر، وأدت المظاهرات في الشوارع في منطقة الريف مرة أخرى إلى الإخلال بتوازن الرباط في عام 2017.
وعلى الصعيد الآخر، من المهمّ كثيرًا ملاحظة الاختلاف مع دولة تونس المجاورة بهذا الخصوص، إذ تتمتع بعَلاقات مستمرة مع إيران منذ عام 1990، بما في ذلك التبادلات رفيعة المستوى قبل وبعد ثورة يناير 2011، التي أثارت ما أصبح يُعرف الآن بالربيع العربي، وعلى إثر ذلك تطوّرت التجارة مع إيران بشكل ملحوظ، لكنها لا تقارَن بالتجارة الأكثر أهمية مع الاتحاد الأوروبي وشمال إفريقيا والصين وتركيا. تفخر تونس بكونها جزيرة تتمتع بروح التسامح الطائفي في منطقة تستقطب كثيرين، كما يفخر كبار المسؤولين في الشؤون الدينية بتمثيلهم لجميع الأديان، بما في ذلك المسيحيون واليهود، على الرغم من وجود قلة قليلة من المسلمين غير السنّيين، كما وقّعت تونس بعد ثورة 15 يناير على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وساعدت على حماية الحرّيات الدينية في المادة 6 من دستورها الجديد.
حافظت المملكة العربية السعودية على ميزتها الطبيعية، فبعد شهر من مغادرة وزير الخارجية الإيراني تونس، وصل وفد حكوميّ سعوديّ من بينهم 53 رجل أعمال، إذ وقّعوا اتفاقات مع الحكومة بقيمة 200 مليون دولار في مشاريع للتنمية، بما في ذلك عدة مستشفيات وتجديد مسجد تاريخيّ في القيروان.
على كل حال، لا تتمتع جميع الدول في شمال إفريقيا بتلك الحرّية في التعامل مع المعركة الآيديولوجية ضد «داعش» وإيران. وردًّا على تصريحات وزارة الخارجية بشأن الحرّيات الدينية في الجزائر، قال الوزير الجزائري: «إذا كانوا يريدون اتهامنا بالدفاع عن الإسلام وتقاليدنا التاريخية، فليفعلوا ذلك».
أتاحت هزيمة تنظيم داعش في الرقة الفرصةَ أمام بعض حكومات الشمال الإفريقي لتوحيد مجتمعاتها الدينية، إلا أن تلك الهزيمة نفسها قد أزالت عقبة كانت تقبع أمام النفوذ الإيراني، وليس على عكس سقوط بغداد قبل 15 عامًا تقريبًا. لا نتوقع أن يتمّ حلّ منافسة الخليج العربي على القيادة في أي وقت قريب.
مادة مترجمة: رويترز


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

جوناثان لورانس
جوناثان لورانس
خبير الدراسات السياسية في معهد "بروكنغز"