من “داعش أصفهان” إلى “داعش منبج”

https://rasanah-iiis.org/?p=2703

بواسطةفرزانه روستايي

قبل سبعة عشر عامًا اقترحت عنوانًا لمقال تألّق في صحيفة “توس” الإصلاحية، وأصبح العنوان الأول في الصفحة الأولى، العنوان هو “طالبان: اللحية ليست ما دون القبضة”، وذلك في الوقت الذي كانت فيه حركة طالبان تقمع الشعب الأفغاني، وكان هذا العنوان يشير إلى أوامر قادة طالبان التي كانت تمنع الرجال من حلق ذقونهم، وتمنعهم كذلك من تقصير اللحية إلى ما دون القبضة، لم يكُن أحد يتوقع آنذاك أنّ تيارًا حاكمًا في إيران سيظهر بعد عقدين من الزمن، وسيكون نسخة عن طالبان، وأنه سيعامل الشعب الإيراني بشكل يذكرنا بردة فعل بدائيي العصر الحجري. إن الأسلوب الذي ينتهجه المسؤولون مع النساء ومسألة الحجاب، ونظرتهم إلى الموسيقى والحفلات الموسيقية والفن والأدب والسينما والنّشر، وتعاملهم غير الإنساني مع الشُّبَّان والشابَّات، والحوار الخشن والقاسي الذي يوجهونه إلى الناس، ما هو إلا نموذج عن إدارة طالبان الإيرانية الشيعية التي لا تزال قائمة حتى الآن.
قبل بضعة أيام حرّرت وحدات من القوات الكردية المعارضة لـ”داعش” مدينة منبج في شماليّ سوريا من مخالب “داعش”، وبعد عامين ذاق الناس هناك لأول مرة طعم الحياة بعيدًا عن التخويف والتهديد، كانت الصور التي بثتها وكالات الأنباء للناس المصدومين الأحرار في منبج مؤلمة ومُحزِنة ومُضحِكة في الوقت نفسه، فبعض الرجال احتفل بذلك بحلق ذقونهم، وكثير منهم كان يلتقط صورًا تذكارية في أثناء حلاقته لحيته، والنساء في مختلف أرجاء المدينة أحرقن “البرقع”، لم تكُن هناك صور تشير إلى أن نساء منبج غير متحجِّبات، لكن طالبان أجبرتهن على لبس “البرقع”، والجلوس في المنازل كالسجينات، كثير من النساء البائسات كُنّ يخرجن من بيوتهن لسدّ رمق أبنائهن من خلال التسوُّل أو البيع والشراء، لكنّ سياط داعش في تلك اللحظة لم ترَ جوع أبنائهن، حتى إن إحدى النسوة كانت تروي للمراسلين قصة المصائب التي نزلت عليها وعلى عائلتها بسبب داعش، ومن شدة الحماس والهيجان سقطت على الأرض فاقدة الوعي.
يوم تحرير منبج، كانت النسوة يولولن بسبب المصائب التي تَحمَّلْنها خلال عامين من حكم “داعش”، وكنّ يهتفن فرحًا في الوقت ذاته بعد خلاصهن من شرّ “داعش”، بعض الرجال كان يلعن “داعش”، بل كانوا يتسابقون لإطلاق أغلظ الشتائم.
كانت هناك عجوز عنيدة جلست نصف ساعة كالتمثال أمام عدسات الكاميرات، تنفث دخان غليونها، وتخرجه من فمها بشكل متكرر وكثيف، وكانت تريد من الجميع أن يشاهدوها، ويلتقطوا لها أكبر عدد ممكن من الصور، لقد كانت رمزًا لاستهزاء نساء منبج بالثقافة التي كانت تمنع التدخين، وكان “داعش” يحاول فرضها على الناس.
إن الفيديو الذي يُظهِر سعادة سكان منبج البؤساء بعد تخلُّصهم من داعش، قد يذكِّر البعض باليوم الذي ستزول فيه الضغوط التي تمارسها “طالبان الشيعية” اليوم على الشعب الإيراني، وأعني نهاية حالة الرعب التي عاشها الناس العاديون في شوارع وأزقة المدن الكبرى خلال السنوات الماضية، والسبب في ذلك هو أنّ المحافظين وجزءًا من طبقة رجال الدين المسيطرين على إيران مصابون بتخلُّف تاريخي لا يُرجى برؤه، دفع الشعب ثمنه من أرواحهم وأموالهم وشبابهم وأبنائهم.

مظهر النساء الأصفهانيات بعد “رشّ الحمض”
في غد اليوم الذي ستزول فيه سيطرة الفكر الداعشي على إيران، يمكن أن تكون أسوأ الصور التي ستلتقطها عدسات وكالات الأنباء من إيران، صور النساء الأصفهانيات العشر أو الخمس عشرة اللاتي رُشَّت وجوههنّ بالحمض، عقاباً على عدم لبسهن الحجاب بشكل أفضل، مثل نساء منبج.
مضى عامان على الحرب المذهبية المخجلة التي شنَّها عناصر مكونة من الباسيج وأنصار حزب الله الأصفهاني على وجوه الشابّات الإيرانيات بالحمض، ولم تُجِب أي مؤسسة حكومية عن السؤال الذي يقول: كيف يمكن لمجموعة تتكون من شخصين على الأقل، ترافقها مجموعة أخرى تركب سيارة (مجموعهم 20 شخصًا)، أن ترتكب هذه الجريمة البشعة خمس عشرة مرة وفي خمسة عشر مكانًا مختلفًا، ومع ذلك لم تُلاحَق هذه المجموعة؟
لقد شاهد سكان أصفهان مرات عدة أنّ الدراجة النارية التي كانت راكبوها يرشُّون الحمض كانت ترافقها مركبة من نوع “بيكان”، وقد حصل الناس على رقم لوحة الدراجة والمركبة، وأخبروا الشرطة عدة مرات، لكن أحدًا لم يُجِب العائلات التي تعرّضت للأذى، وكانت الشرطة تقول إن هذه الأرقام تعود إلى “المؤسسات”. قبل هذه الأحداث كان سكان أصفهان يتلقون تهديدات بأنه سيُرَشّ الحمض على وجه الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب بشكل غير لائق.
جرت العادة في إيران على أنه عندما يتخذ المسؤولون الأمنيون القرار للتحقيق في قضية ما، فإنهم يتوصلون إلى المجرمين، من خلال أصغر الأدلّة، وفي أقصر وقت، ويتعاملون معهم كما ينبغي، فأجهزة الاستخبارات الإيرانية لديها المقدرة مثلًا على التعرُّف على جميع من يرتبطون بعصابة معقَّدة في أي جزء من إيران من خلال دليل صغير كرسالة نصية مكوَّنة من حرفين لا غير، لكن يبدو أن مرتكبي جريمة رشّ الحمض هذه المرة لم يكونوا ممن ترغب السلطات في ملاحقتهم، حتى إنّ أئمة الجمعة في أصفهان كانوا يهددون النساء بأنهن سيتعرضن للملاحقة في حال ارتدائهن الحجاب بشكل غير لائق، وفي الثقافة التي يحملها أولئك المهاجمون، فإن كلام أئمة الجمعة لا يعني شيئًا سوى أن هؤلاء الأئمة مقيَّدون بالقانون، لكنّ تلميحاتهم تكفي لأن يؤدِّي هؤلاء واجبهم الشرعي.
إن اتساع رقعة استياء الناس من الظروف الثقافية والسياسة والاقتصادية، والأسوأ من ذلك النفسية، التي تتلاعب بأعصاب الشعب منذ سنوات، لا تدع مجالًا للشك بأن المدن الإيرانية ستشهد يومًا ما مصيرًا مشابهًا لما شهِدَته مدينة منبج السورية.

قائد الحرس الثوري والشريحة المتوسطة
إن من المستحيل في عصر الاتصالات، بخاصة لدولة غنية وديناميكية مثل إيران التي تمتلك إمكانيات بشرية هائلة، أن تهرب لفترة طويلة من الغد الذي يسعى نحوها بسرعة كبيرة. إن الخيار الأسوأ لحلّ الأزمة الإيرانية يبقى حدوث أعمال شغب لا طائل منها، أو ثورة مشابهة للثورة التي ابتُلينا بها عام 1979. من وجهة نظر العلوم السياسية، فإن الفجوات التي لم يُعَدْ ترميمها والتي تمهِّد لزلزال مُؤلِم ستؤدِّي في النهاية إلى تطوُّرات تشمل جميع المجالات الوطنية، ولن يكون بإمكان أحد أن يواجهها، ويمكن اعتبار ما صرح به أحد المسؤولين الثقافيين في الحرس الثوري مؤخَّرًا حين قال “لقد فقدنا تواصلنا مع الطبقة المتوسطة” ناقوسَ الخطر الذي يدقّ قبل الزلازل الاجتماعية، والذي لم يسمعه حتى الشاه.
سكان منبج وقعوا أسرى في براثن “داعش” لعامين فقط، إلى أن تحرَّروا، فتَخلَّص الرجال من لحاهم، وأخذت العجائز الطاعنات بالسن ينفُثْن دخان سجائرهن بقوة نكاية في “داعش”، لكنّ الطبقة المتوسطة من الناس، التي أكّد الجنرال نجات مساعد الشؤون الثقافية في الحرس الثوري، قبل أيام أنهم فقدوا التواصل معها، فستبقى بعيدة إلى الأبد عن القيم والمعايير التي ينتهجها قادة الحرس الثوري الذين لا همّ لهم سوى كيفية تصميم و”هندسة” أدمغة الشعب.
إن الطبقة المتوسطة في إيران، دون أن تسمع اسم منبج، تُحِسّ منذ سنوات طويلة أنها في “منبج سوريا”، وتحت سيطرة “داعش الشيعية”، وأنها تعيش أيامًا متوترة، إلى جانب الفساد والتخويف وكذب المسؤولين. من وجهة نظر علم الاجتماع أن الشريحة التي أشار إليها جنرال الحرس الثوري، ما هي إلا تلك الطبقة المتوسطة التي عادةً ما تغيِّر الأنظمة السياسية والحكومات.
الطبقة المتوسطة هي التي حملت على كاهلها أعباء ثورة 1979، لكنها الآن تُعدَم، وتقدِّم الشهداء، وتَنتهك “دورياتُ التوجيه” أعراضَها في الشوارع، ويُرَشّ الحمض على وجوه نسائها في الشوارع… يعتقد المحللون أن في كلّ إيران ما يقارب 8-10 ملايين شخص يحملون نفس الفكر الذي يحمله قادة الحرس الثوري والجنرال نجات، وما تبقى من الشعب الإيراني الذين يعترضون على الظروف السياسية الاجتماعية لبلدهم، جميعهم يُصَنَّفون في فئة الطبقة المتوسطة، ومع ذلك فإن اعتراضات هذه الطبقة، على الأرجح، هي التي سترسم مستقبل التطوُّرات في إيران، لا الفئة “الفوقيّة” التي يعيش فيها قادة الحرس الثوري في أعالي أبراجهم العاجيَّة.
على الرغم من أن الجنرال نجات وأعوانه يتقاضون الأجور من أجل فرض نتيجة “فوقيّة” على تطوُّرات الساحة الإيرانية، نتيجةً تشبه النتيجة التي حصلت في انتخابات 2009 الرئاسية، وذلك باستخدام جميع قدراتهم على التخويف، فإن الركود والانهيار الاقتصادي لم يدَعْ مجالًا لأنْ تدخل إيران نفق الرعب والخوف المظلم الذي تَعوَّدَتْه أعيُن قادة الحرس الثوري.
في مثل هذه الظروف، يجب على قادة الحرس الثوري أن يستسلموا للنتائج التي تخرج من صناديق الاقتراع، وأن يفهموا أن الطبقة المتوسطة، من خلال رفضها لمثلث “جنتي – أحمد يزدي – مصباح يزدي) وعدم تصويتها للمحافظين الذين يدعمهم قادة الحرس الثوري، تُعلِن عن رأيها في “الفئة الفوقيّة”.

المصدر: موقع زيتون

الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

فرزانه روستايي
فرزانه روستايي
كاتبة وصحفية