أهمية ودلالات المحادثات الأخيرة بين الهند وحركة طالبان في دبي

https://rasanah-iiis.org/?p=37164

التقى وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري مؤخرًا بوزير الخارجية بالوكالة لدى حكومة «طالبان» أمير خان متقي في دبي، في اجتماعٍ هو الأعلى مستوى بين نيودلهي و«طالبان» منذ سيطرة الأخيرة على كابول. رغم امتناع الهند عن الاعتراف رسميًا بحكومة «طالبان»، يُشير الاجتماع الأخير إلى اعتراف ضمني بسلطة «طالبان» أنها الحاكم الفعلي لأفغانستان ويعدُ خطوةً نحو الدخول في مشاركٍة عمليِة مع الحركة. في العامين الماضيين، كثفت عِدةَ دول جهودها لبناء قناة تواصل ممكنة مع «طالبان» لأسباب مختلفة تتراوح من المساعدات إلى الاعتبارات الأمنية والاقتصادية.

وبعد سيطرة «طالبان» على السلطة في عام 2021م، سحبت الهند دبلوماسييها من أفغانستان ثم أرسلت «فريق فني» في عام 2022م للإبقاء على وجودها في البلاد، كما ألغت جميع التأشيرات للمواطنين الأفغان، حتى تأشيرات الطلاب، وشّهدّ التبادُل التجاري والاستثمار انخفاضًا كبيرًا. الجدير بالذكر، أن الهند استثمرت قرابة الـــ 3 مليارات دولار على مر السنين في أفغانستان ومساعيها الجديدة مع «طالبان» مدفوعًة في المقام الأول بحاجتها إلى حِماية مصالِحها الاقتصادية وضمان مراعاة جارتها ضروراتها الأمنية، ناهيك أن الضرورات الاستراتيجية والديناميكيات الإقليمية تُعد أيضًا عوامِل مُهمة في نهج نيودلهي المتغير تجاه «طالبان».

وعلى الصعيد الاقتصادي، تظل تطلُعات الهِند إلى التواصل مع آسيا الوسطى أحد أهم العوامل وراء علاقاتها مع «طالبان»؛ ففي السنوات الأخيرة، ركزَت الهِند على الاستِفادة من «ممر النقل الدولي من الشمال إلى الجنوب» وتوسيعه بهدف إنشاء شبكة فعَّالة للتِجارة والعبور تربط الهند بآسيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الهند على تعزيز استثماراتها في ميناء «تشابهار» الإيراني لإنشاء طريق ربط مُباشر مع أفغانستان ثم إلى آسيا الوسطى، وبالتالي تعزيز وجودها الاستراتيجي والاقتصادي في المنطقة. وفي العام الماضي، نظمت وزارة الموانئ والشحن والممرات المائية الهِندية، بالتعاون مع «شركة موانئ الهند العالمية المحدودة»، ورشة عمل حول ربط ميناء تشابهار بــــ «ممر النقل الدولي من الشمال إلى الجنوب».

وعلى الصعيد الأمني، تَعي حركةُ «طالبان» مخاوف الهِند، وخاصًة فيما يتعلق بجماعتي «لشكر طيبة» و «جيش محمد» في أفغانستان، وتعي أيضًا ما تُشكلهُ الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» و«تنظيم الدولة الإسلامية» و «حركة طالبان الباكستانية» من تهديدٍ للاستقرار الإقليمي. وقد أكد مسؤولو «طالبان» مِرارًا وتِكرارًا أنها لن تسمح لعناصر مُعادية للهند باستغلال الأراضي الأفغانية، لكن ما زالت نيودلهي قلقة جدًا بسبب انتشار الجماعات المُتطرفة في أفغانستان والقيود والتحديات التي تُواجهها حكومة «طالبان» في هذا الصدد.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، يُعد دور باكستان عاملًا مُهمًا يؤثر على استراتيجية الهند تجاه «طالبان»؛ فقد ثبت خطأ حسابات باكستان بأن عودة «طالبان» إلى السلطة من شأنِها أن تخدم مصالِحها وتُعزز استقرار الحدود الغربية لاسيما بعدما صعّدت حركة «طالبان» الباكستانية من هجماتها عبر الحدود في العامين الماضيين. وفي ديسمبر 2024م، تصاعدت التوترات وشنت باكستان غارات جوية في أفغانستان استهدفت مخابئ، يزعم أنها لحركة «طالبان» الباكستانية، أسفرت عن مقتل 46 مدنيًا وفقًا لتصريحات «طالبان». ردًا على ذلك، ضربت القوات الأفغانية مواقِع مُتعددة على طول خط دوراند، مما أجج التوترات. ومن جانبها أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الهندية بيانًا تُدين فيه الضربات الباكستانية في أفغانستان. الجدير بالذكر هنا، أن التدابير الباكستانية، بما في ذلك الضربات الجوية على أهداف معينة وإغلاق الحدود والقيود التجارية، حققت نتائج محدودة وفاقمت من استياء طالبان. وبالتالي تمكنت الهند، مستغلةً هذه التوترات المتبادلة بين البلدين، من إعادة ترسيخ نفوذها في أفغانستان. 

لقد دفع السياق الإقليمي الأوسع، بما في ذلك توسع النفوذ الصيني في المنطقة، صناع السياسات في الهند إلى التفكير في التقارب واتباع مسار أكثر براغماتية مع طالبان، لاسيما بعدما وسعت الصين وجودها في أفغانستان من خلال الاستثمار في قطاع المعادن، مما يعكس خِططًا طويلًة الأجل لاستغلال موارد البلاد. لكن ترى الهند في التحديات الأمنية الماثلة في أفغانستان قيودًا كبيرًة تَحد من قُدرة الصين نحو المضي قُدمًا في مشاريعها في قطاعات الاقتصاد والبنية التحتية.

وبشكل عام، تُواجه الهند مُعضلةً في ضوء التناقض الصارِخ بين نهج سياستها الخارجية وأيديولوجية «طالبان» ونظرتها للعالم. وعلى الرغم من هذا، فإن تحركات نيودلهي الأخيرة تُشير إلى تحول براغماتي في نهجها، حيث تُعطي الأولوية لاعتبارات الواقعية السياسية على الاختلافات الإيديولوجية لحماية مصالحها في الأمد البعيد. وبما أن قيادة «طالبان» حريصة على القبول الدولي، فإن مِثل هذه المشاركات الدبلوماسية تُمثل انتصارًا كبيرًا للحركة وتعكس تنامي مرونتها وبراغماتيتها في العلاقات الدولية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير