اغتيال إسماعيل هنية في طهران.. الدوافع والرسائل والتداعيات

https://rasanah-iiis.org/?p=35836

أقدمت إسرائيل على ضربات نوعية اغتالت فيها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة طهران الذي كان يشارك في مراسيم تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، وفي لبنان استهدفت ضربة صاروخية فؤاد شكر وهو أحد أبرز قادة الصف الأول في الجناح العسكري لحزب الله (أفادت وسائل إعلامية لبنانية، بالأمس، العثور على جثته بعد ساعات من البحث تحت أنقاض المبنى الذي تم قصفه من قبل غارات إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولم يصدر حتى الآن أي إعلان من حزب الله في هذا الشأن). تأتي هذه الخطوات التصعيدية المتزامنة في سياق انسداد أفق التوصل إلى صفقة تنهي الحرب بين حماس وإسرائيل في ظل تمسك الطرفين بشروطهما، وأيضا تزايد أدوار الحوثيين في الحرب سواء عبر العمليات ضد الملاحة في البحر الاحمر أو استهداف مباشر لإسرائيل ترتب عنه شن الطيران الإسرائيلي لهجمات كبيرة على ميناء الحديدة. يشرح هذا التقرير أسباب دوافع ودلالات اغتيال إسرائيل لاسماعيل هنية بدرجة أولى، وتداعيات هذا التطور على مختلف الأطراف، واتجاهات الحرب نتيجة ردود الفعل المتوقعة من طرف المحور الإيراني.

أولًا: مفسِّرات ودوافع اغتيال هنية وفؤاد شكر    

في تصعيد رُبّما هو الأخطر منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلنت إيران، اغتيالَ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في غارة إسرائيلية استهدفت مقرّ إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. جاءت عملية اغتيال إسماعيل هنية، بعد ساعات قليلة من اغتيال القيادي العسكري الأبرز في حزب الله ومسؤول الشؤون الإستراتيجية فيه، فؤاد شكر، بغارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.

لم تُعلن إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال إسماعيل هنية، وطلبَ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الوزراء عدم التعليق على العملية، لكن فور الإعلان عن عملية الاغتيال وُجِّهت أصابع الاتّهام مباشرةً إلى تل أبيب، التي تعهَّدت في مرّات عديدة بقتل هنية وغيره من قادة حماس؛ بسبب الهجوم الذي شنّته في أكتوبر الماضي على إسرائيل، وهو ما أدَّى لمقتل مئات الجنود الإسرائيليين وأسْر نحو 250 إسرائيليًا.

يُعتبَر إسماعيل هنية من أبرز قادة حركة حماس وأكثرهم تأثيرًا على قرارات الحركة، كما يتمتَّع بعلاقات قوية مع قادة النظام الإيراني؛ لذا تريد إسرائيل من اغتياله التخلُّص من القادة المؤثِّرين في الحركة، والتأثير على قُدرات حماس وإرغامها على القبول بالشروط الإسرائيلية المتعلِّقة بالتوصُّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من مرور أكثر من تسعة أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة، تتّهِم أوساطٌ إسرائيلية حكومةَ نتنياهو بالفشل في تحقيق أهدافها، خاصَّةً فيما يتعلَّق بوعودها بتصفية قادة حماس؛ لذا أرادت حكومة نتنياهو من اغتيال هنية تحقيق مكسب سياسي في الداخل الإسرائيلي يخفِّف من الضغوط التي تتعرَّض لها، وترميم صورة الجيش الإسرائيلي، التي اهتزَّت كثيرًا بعد عملية طوفان الأقصى.

عملية اغتيال إسماعيل هنية جاءت بعد ساعات قليلة من أداء الرئيس الإيراني اليمينَ الدستورية، وهو ما يمكن اعتبارها بمثابة رسالة تحذيرية للرئيس الإيراني الجديد، الذي أبلغَ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتّصالٍ هاتفي، بأنَّ أيّ هجوم إسرائيلي مُحتمَل على لبنان سيكون له عواقب وخيمة، كما تعهَّد في رسالة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، التزامَ إيران بدعم حزب الله اللبناني ومحور المقاومة؛ لكون نهْج الدفاع عن المقاومة متجذِّر في السياسات المبدئية للنظام الإيراني. ويمثِّل الدعم الإيراني لما يُسمَّى بمحور المقاومة تحدِّيًا كبيرًا بالنسبة لإسرائيل، التي ترى في هذا المحور خطرًا على مستقبلها واستقرارها الأمني، وعقبةً أمام انفتاحها على دول المنطقة. كما تمثِّل العملية رسالةً تحذيريةً أخرى لقادة النظام الإيراني، مفادها أنَّ إسرائيل تمتلك من القُدرات العسكرية المتطوِّرة، التي تمكِّنها من استهداف أيّ شخصية إيرانية مستقبلًا ما لم تتوقَّف طهران عن دعْم محور المقاومة.

أمّا فؤاد شكر، فيُعتبَر المستشار العسكري لحسن نصر الله للتخطيط، والمسؤول عن توجيه العمليات في زمن الحرب، وترى إسرائيل أنَّه المشرف الفعلي على مواجهة الحزب مع إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى، التي شنَّتها حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية بغلاف غزة في أكتوبر الماضي. كما تتّهِمه إسرائيل بأنَّه المسؤول عن الحادث، الذي وقع في قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل في 26 يوليو 2024م. وبالتالي، فإن تأكيد خبر اغتياله من قِبَل حزب الله، يُعتبَر مكسبًا لإسرائيل، خاصَّةً أنَّها كانت تخشى من دوره في إدارة الحرب ضدّها، إذا تحوّل التصعيد الحالي بين الطرفين إلى حرب خلال الفترة المقبلة.

ثانيًا: دلائل ورسائل الاغتيال الإسرائيلي لهنية في طهران

تحمل عملية اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة طهران، واستهداف فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، دلالاتٍ غايةً في الأهمِّية، من حيث المستوى القيادي المُستهدَف، وتوقيت العمليات، والدولة المُستهدَف فيها، وطريقة الاستهداف. بالنسبة للمستوى القيادي، يُعتيَر هنية الشخصيةَ القيادية رقم واحد في حماس، أمّا شكر فهو قيادي عسكري ذو وزنٍ وثقلٍ كبيرين في حزب الله، وهذا لرُبَّما توظِّفهُ إسرائيل على أنَّه صورة للنصر.

أمّا التوقيت فهو محتدم ومتوتِّر للغاية في الشرق الأوسط؛ نتيجةَ الحرب الإسرائيلية المدمِّرة في غزة، والتصعيد المتفاقم بين إسرائيل وحزب الله، في ظل اتّهامات إسرائيلية للحزب بتنفيذ عملية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل، وبين إسرائيل والحوثيين على خلفية استهداف الحوثيين لإسرائيل بصواريخ قالت تل أبيب إنَّها صواريخٌ إيرانية الصُنع، والاستهداف الإسرائيلي لميناء الحديدة. كما أنَّ عمليات الاغتيال بحقِّ القياديين الكبيرين، جاءت عقب الزيارة التي أجراها نتنياهو لواشنطن، وبعد ساعات قليلة من لقاء هنية بالمرشد علي خامنئي والرئيس الجديد بزشكيان؛ ما يعزِّز من فُرَص اتّساع نطاق الحرب وتقليص فُرَص السلام.

الدولة التي اُغتيل فيها هنية، هي إيران التي ترعى وتدعم ما يُسمَّى بمحور المقاومة، والتي تتّهِمها إسرائيل بتقديم الصواريخ والمسيّرات للحوثيين وحزب الله اللبناني لاستهدافها بذريعة التأثير على القرار الإسرائيلي لوقف الحرب في غزة، كذلك هي الدولة التي يزورها هنية للمشاركة في مراسم تنصيب وأداء الرئيس الجديد اليمينَ الدستورية رئيسًا للبلاد، حيث كان آخر ظهور لهنية في يوم 30 يوليو 2024م، بعد لقائه الرئيس الجديد. وبالتالي، فالاستهداف لم يكُن لشخص هنية فقط، بل استهدافًا للعاصمة طهران والحرس الثوري، حيث كان يقيم هنية في مبنى ضيافة تابع للحرس الثوري في منطقة ولنجك شمالي طهران، حيث لا تبعد كثيرًا عن المؤسَّسات الحيوية والحسّاسة لإيران. وتمَّت العملية بواسطة صاروخ موجَّه أُطلِق من الجو نحو جسده مباشرة، في طريقة تُبدي الانكشافَ الأمني الإيراني بشكل لافت، ويبدو أنَّه انتابت إيران حالةً من الصدمة تجاهَ العملية المحرِجة، انعكست في حالة الصمت الرسمي لساعات، ثمّ إعلانها بعد ذلك أنَّ الضربة جاءت من الخارج، في مسعىً منها للتغطية على إخفاق أجهزتها الأمنية في الداخل.

اغتيالُ هنية يشكِّل الحلقة الأبرز في مسار التصعيد الإسرائيلي، ليس فقط ضدّ حماس وحزب الله اللبناني، بل ضدّ إيران ذاتها، لكون عملية الاغتيال وقعت على أراضيها؛ ما يضعها في معضلة كبيرة تُثبت ضعْف جبهتها الداخلية، من جرّاء سلسلة الاختراقات الاستخباراتية الكبيرة والمحرِجة والمتكرِّرة بحقِّ يران والحرس الثوري. ولرُبَّما سيقتصر ردّها على تصعيد من جبهات المقاومة، لكن التساؤل: هل سيكون ردّ الميليشيات الموالية لإيران كافٍ لردِّ ما اعتبرهُ مراقبون «إهانةً إسرائيلية» لإيران؟

من شأن عملية الاغتيال نسْف فُرَص مفاوضات وقْف إطلاق النار في غزة، كما أنَّها تضع العراقيل مبكِّرًا أمام مسار رغبة الرئيس الإيراني الجديد في الانفتاح على الغرب، لكنّها قد لا تقضي على رغبته في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وذلك على ضوء التجارب السابقة التي اختُبِرت فيها إيران، حيث تعرَّض علماء نوويون من الوزن الثقيل وقادة عسكريون كبار بوزن قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني للاغتيال، دون أن يثني ذلك إيران عن البحث عن فُرصة للمفاوضات ورفْع العقوبات، كما أنَّ الرئيس الإيراني الجديد، يراهن على المفاوضات النووية ورفْع العقوبات، بغيةَ معالجة أزمات الداخل الإيراني.  

إقدام إسرائيل على تنفيذ ذلك النوع من العمليات في الداخل الإيراني، يكشفُ عن قناعة إسرائيلية باتت راسخةً بأنَّ الردّ الإيراني سيكون محدودًا للغاية، على ضوء محدودية الردود الإيرانية السابقة على عمليات مماثلة، وتريد إسرائيل من خلاله إيصال رسائل مزدوجة لإيران ومحور المقاومة بأنَّ إسرائيل تدرك أنَّ المعركة مع إيران وأنَّ الضوء الأخضر الإيراني، هو السبب الرئيسي في استهداف حزب الله والحوثيين المتكرِّر لإسرائيل، وأنَّها على أهبَّة الاستعداد لتوسيع نطاق الحرب بشكل أكبر، وأنَّها قادرة على تنفيذ عمليات نوعية ضدّ إيران في قلب العاصمة الإيرانية، ورسالة تبييض وجه أمام الداخل الإسرائيلي باغتيال أكبر شخصية قيادية في حماس والترويج لها بل وتوظيفها سياسيًا، ورسالة لكافَّة الأطراف الخارجية ووسطاء المفاوضات بالضغط على حماس لقبول شروط إسرائيل التفاوضية، لا سيّما مسألة عدم الانسحاب من جنوب القطاع، وعدم الوقف الدائم للعمليات العسكرية مع استرداد الرهائن.

ثالثًا: تداعيات اغتيال هنية على المقاومة   

السؤال المهمّ، الذي ينبغي طرحهُ في هذا السياق، ما هو حجم تأثير اغتيال هنية وشكر على محور المقاومة، وتحديدًا على حماس وحزب الله؟! الواقع أنَّ حماس وحزب الله من الجماعات العقْدية الأيديولوجية؛ وبالتالي فإنَّ الكلام عن التأثير يكون بلحْظ البُعد العقدي والفكري عند تلك الحركات، وهو المِّحرك الأول للأفراد المقاتلين، وعامل الجذب الرئيسي في انضمام العناصر الجديدة. ويمكن تناول تأثير عمليتي الاغتيال من جانبين:

الأول: بالنسبة لإسماعيل هنية، فإنَّ اغتيال هنية لن يؤثِّر على الجناح العسكري لحركة حماس؛ لأنَّ هنية وإن لم يكُن بعيدًا عن التدابير الأمنية والعسكرية داخل قطاع غزة، إلّا أنَّه وبحكم وجوده خارج القطاع ورئاسته للمكتب السياسي، فهو يدير الجانب السياسي والدبلوماسي والتخديم على الجانب اللوجستي للحركة، في حين أنَّ الثقل الأكبر للجانب العسكري العملياتي للقادة العسكريين لـ «كتائب القسام» داخل القطاع.

أيضًا فإنَّ اغتيال هنية رُبَّما يؤجِّج فلسفةَ الثأر لدى أفراد الحركة، ويستثمره القادة في تأكيد صوابية النهج والطريق، واستكمال «طريق الجهاد»، وفقًا للأدبيات الجهادية لدى الجماعات العقْدية. كذلك، فإنَّ عملية الاغتيال رُبَّما ترفع أسهُم الحركة وشعبيتها في القطاع والضفة، باعتبارها حركةَ مقاومة، وتقضي تمامًا على ثنائية «الخنادق والفنادق»، التي اتُّهِمت بها قيادات من الحركة بعد عملية «طوفان الأقصى».

لكن في نفس الوقت، فإنَّ اغتيالَ هنية قد يؤثِّر بدرجة ما على العمل السياسي والدبلوماسي للحركة، لا سيّما أنَّه جاء بعد اغتيال صالح العاروري؛ نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في بيروت، في يناير الماضي؛ ما قد يحول دون، أو يحِدّ من تنقُّلات قادة الحركة من الجناح السياسي، ويؤثِّر على مهامهم الطبيعية، ويجبرهم على التنقُّلات السرِّية وتخفيض المشاركة في الفعاليات الرسمية. والتأثير الأهمّ رُبَّما يكون في صعوبة صعود قيادات بديلة كاريزماتية وشعبية وذات كفاءة؛ لأنَّ القرار الإسرائيلي بمحاولة القضاء على حماس بعد السابع من أكتوبر 2023م، يحولُ دون ذلك، علاوةً على أنَّ هؤلاء القادة هُم نفس قادة حماس منذ خروج إسرائيل من غزة 2005م، ولم يسمح السياق العام ولا منظومة عمل الحركة بصعود قيادات شابة جديدة بصورة مطّرِدة ومنتظِمة. وثمَّة تأثيرٌ آخر على «حركات المقاومة» جميعها، بما فيها الميليشيات المسلَّحة في العراق وسوريا، فاغتيال هنية بمثابة الرسالة الإسرائيلية أنَّ قادة تلك الحركات ليسوا بمنأى عن هذا المصير إذا استُهدِفت المصالح الإسرائيلية من قِبَلهم.

على صعيد الجانب الفكري والعقْدي لـ «حماس»، فإنَّ هنية لم يكُن منظِّرًا فكريًا للحركة؛ وبالتالي فإنَّ تأثير غيابه على الجانب الفكري للحركة ضعيف أو غير موجود. لكن وجود هنية بالدوحة، كان يسمح بمشاورات دبلوماسية بين الحركة من جانب وإسرائيل والأمريكان من جانب آخر، عبر الوسيط القطري، وهو ما قد ترفضهُ القيادات الحالية للحركة، بسبب اغتيال هنية، ومن ثمَّ تتأثَّر مفاوضات إنهاء الحرب الدائرة في غزة.

الثاني: أمّا بالنسبة لمحاولة اغتيال فؤاد شكر القيادي في حزب الله، فإنّ ثمة تضاربًا في التصريحات والمعلومات ولم يعلن حزب الله لحد الآن حول اغتياله، بينما ثمة تأكيدات إعلامية حول عملية اغتياله، ولا يزال مصيرهُ مجهولاً حسب بيان لحزب الله، مؤكِّدًا في الوقت نفسه أنَّه كان داخل المبنى المُستهدَف. واغتيال شكر، إنْ تأكَّد الخبر، من شأنه أن يؤثِّر على الجانب العسكري لـ «حزب الله»، كونه أحد أهمّ القادة العسكريين للحزب، لكن تاريخ الحزب مع الاغتيالات الإسرائيلية لقياداته العسكرية يؤهِّله لتجاوز اغتيال شكر، بل قد يستثمرُه داخل الحزب في تمتين قواعده، وزيادة الصمود، باعتبارهم «حزب الله» و«جُند السماء»، وقد يستثمرُه في الداخل اللبناني أيضًا لتبييض وجهه، والخروج من أزماته الداخلية مع خصومه السياسيين.

رابعًا: ردودُ الفعل المُحتمَلة على اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر

تدخُل الحرب الدائرة في المنطقة بعد اغتيال إسماعيل هنية، الذي تزامن مع محاولة اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، لمرحلة جديدة سِمتُها البارزة هي الاتّجاه التصعيدي، والذي يبقى مفتوحًا على كل الاحتمالات، بما في ذلك الانتقال إلى حرب إقليمية باتت متوقِّفةً على ردود فعل إيران وحماس وحزب الله، فضلًا عن الحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق.

تأتي إيران في مقدِّمة الأطراف المعنية بردِّ الفعل؛ كون عملية الاغتيال حصلت داخل أراضيها، بل وفي عاصمتها؛ وبالتالي هي بحاجة لردِّ فعل يُعيد لها الاعتبار. غير أنَّ الإشكالية تكمُن في طبيعة هذا الرد، مقارنةً بما حصل في المواجهة السابقة. ففي حالة توجيه ضربة مباشرة لإسرائيل، يمكن أن يقود ذلك إلى حرب إقليمية، وهذا الاحتمال يبقى مُستبعَدًا لإدراك صانع القرار الإيراني تكلفتهُ وتداعياته، خاصَّةً مع التصريحات الأمريكية التي أكَّدت على دفاعها عن إسرائيل في حالة تعرُّضها لهجوم. لذلك، قد تميل إيران لخيار تشجيع الميليشيات الموالية لها لتكثيف هجماتها على الأهداف الإسرائيلية والأمريكية، وإبراز بصمة الحرس الثوري فيها، أمّا في حالة تجسيد وعْد المرشد الأعلى بالانتقام لهنية؛ لأنَّ الاغتيال وقَعَ على الأراضي الإيرانية، فإنَّ المنطقة ستكون أقرب إلى الحرب الإقليمية.

حزب الله هو الآخر يمكن أن يؤدِّي ردّ فعله على محاولة اغتيال فؤاد شكر إلى حرب إقليمية، في حالة تجاوزه قواعد الاشتباك، ولرُبَّما توعِز له طهران بأن يُصعِّد من المواجهة، كشكلٍ غير مباشر من ردّ الاعتبار لإيران، دون أن تترتَّب عليه أيّ تبعِات مباشرة عليها. لكن البيئة الداخلية الضاغِطة على حزب الله وتجارب الاغتيالات السابقة فضلًا عن حرب 2006م، كلّها قد تدفع حزب الله إلى الرد المحسوب، الذي لا يتجاوز قواعد الاشتباك بالدرجة التي تنطلق منها إسرائيل لشن حرب شاملة على الحزب، وفي حالة الرد الإيراني المباشر، فإنَّ المرجَّح أن يرافقهُ ردٌ لــ «حزب الله» يتجاوز فيه قواعد الاشتباك.

قد يكون رد فعل حماس هو الأقلّ تأثيرًا، على الرغم من أنَّ المُستهدَف هو قائد مكتبها السياسي، ويعود ذلك إلى كون الحركة تعيشُ منذ أشهر حالةَ حرب ومواجهة يومية مع الجيش الإسرائيلي؛ وبالتالي خياراتها باتت محدودةً جدًّا، باستثناء بعض الضربات الصاروخة النوعية، أو تحرُّك خلاياها في الضفة الغربية. أمّا الحوثيون، فهُم في حالة تصعيد قبل أسبوع نتيجةَ الضربات الجوِّية الإسرائيلية على الحديدة عقب هجوم المسيرة الحوثية على تل أبيب، ورُبّما يكون الاختلاف في درجة التنسيق، إذ تشنّ هجمات متزامنة مع الرد الإيراني المُحتمَل. وتبقى الميليشيات العراقية هي الطرف الوحيد الذي يمكن أن يُصعِّد أكثر مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الهدنة التي دخلها الطرفان عقب مقتل ثلاثة جنود في قاعدة أمريكية بالأردن، نهاية شهر يناير الماضي، ولعلَّ الضربات الصاروخية، التي نفَّذها الجيش الأمريكي على قواعد لـ «الحشد الشعبي» بشمال محافظة بابل في نفس الوقت الذي اُغتيل فيه إسماعيل هنية؛ كانت هجومًا استباقيًا لردع الميليشيات العراقية لعدم الانخراط، في ردّ فعل شامل إلى جانب إيران وحزب الله وحماس، لكن في حالة صدور قرار من طهران، فإنَّ الضربات لن تثني التنظيمات العراقية من شنِّ هجمات على أهداف أمريكية أو إسرائيلية.

تجدُر الإشارة في الأخير إلى أنَّ هذه الاغتيالات النوعية، يمكن أن تكون مدخلًا لعقد صفقة بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قد يرافع بها للتأكيد على تحقيق الحرب لبعض النجاحات، وقد يكون هذا من عوامل الحد من ردود فعل إيران والقُوى التابعة لمحورها.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير