شَهِدَ الصراع بين إيران وإسرائيل تصعيدًا حادًّا في يونيو 2025م، حيث شنَّت إسرائيل قصفًا على إيران وردَّت الأخيرة بهجمات انتقامية، وتدخَّلت الولايات المتحدة من خلال ضربات استهدفت منشآت نووية إيرانية. بَلَغَ هذا التصعيد ذروته في حرب استمرَّت 12 يومًا، وانتهت بوقف لإطلاق النار أُعلِن عنه في 24 يونيو 2025م. وقد أدَّى هذا التصعيد إلى رفْع مستوى التوتُّر في المنطقة وخارجها، ما دَفَعَ الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم دوره، على الرغم من أنَّه غالبًا ما يُهمَّش بسبب الهيمنة الأمريكية.
سارع الاتحاد الأوروبي إلى التعبير عن قلقه فور اندلاع الحرب، التي استمرَّت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، فبعد الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية في 13 يونيو، ورَدّ إيران بإطلاق صواريخ على إسرائيل، دعت بروكسل إلى ضبْط النفس. وفي 14 يونيو، صرَّح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي بأنَّ الاتحاد «قلِق للغاية من هذا التصعيد الخطير»، مُجدِّدًا تأكيده أمن إسرائيل، وداعيًا جميع الأطراف إلى «ضبْط النفس» وتجنُّب اتّخاذ خطوات، أي اتّخاذ أيّ إجراء قد يؤدِّي إلى تسرُّبٍ إشعاعيٍّ يمكن أن يؤدِّي إلى حرب أوسع.
وعلى الرغم من أنَّ الاتحاد الأوروبي لَعِبَ دور شريك ثانوي لإدارة ترامب خلال الأزمة، فقد حاولت بروكسل أن توفِّر أرضية للتهدئة، في ضوء التصعيد الجديد بعد الضربات الأمريكية. ورحَّبت رئيسة المفوَّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بوقف إطلاق النار، الذي توسَّطت فيه إدارة ترامب، واعتبرته «خطوة مهمَّة نحو استعادة الاستقرار»، مؤكِّدةً أنَّ الأزمة المتعلِّقة بالبرنامج النووي الإيراني لا يمكن حلّها إلّا من خلال المفاوضات. ومنذ ذلك الحين، اصطفَّ الاتحاد الأوروبي إلى جانب مطلب واشنطن بالتوصُّل إلى «صفر تخصيب» لليورانيوم في الأراضي الإيرانية. ومع ذلك، يعكس الموقف الجديد للاتحاد أيضًا دعوة أوسع لحل دبلوماسي شامل يتجاوز مسألة التخصيب، ليشمل قُدرات إيران في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة ومواقفها الإقليمية.
بَيْدَ أنَّ هذا التحوُّل في مضمون موقف الاتحاد الأوروبي لم يُترجَم إلى دعْمٍ لخيار عسكري، بل إلى تأكيد استمرار دعْم أوروبا لحل دبلوماسي طويل الأمد للأزمة. وقد تبنَّى الاتحاد الأوروبي موقفًا واضحًا يؤيِّد الدبلوماسية وخفْض التصعيد، واتّخذ موقفًا حذِرًا بشأن الضربات الأمريكية في الحرب، فلم يُصدِر أيّ إدانة صريحة بهذا الشأن، لكنَّ مسؤولي الاتحاد أَبْدَوْا ميلًا واضحًا إلى الدبلوماسية على أيّ تحرُّك عسكري إضافي. وفي ختام اجتماعاته في 26 يونيو، شدَّد المجلس الأوروبي على التزامه السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، مُرحِّبًا بوقف الأعمال العدائية، وداعيًا جميع الأطراف إلى التزام القانون الدولي، وممارسة أقصى درجات ضبْط النفس، والامتناع عن أيّ أفعال قد تؤدِّي إلى تصعيدٍ إضافي. كما أصرَّ على أنَّ إيران يجب ألّا تمتلك أبدًا سلاحًا نوويًّا، والامتثال بالتزاماتها القانونية الملزمة بموجب «معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية |NPT»، في ظل تنامي القلق الأوروبي من اتّساع برنامج إيران النووي، الذي يُعِدُّه الاتحاد انتهاكًا لبنود «خطَّة العمل الشاملة المشتركة |JCPOA».
فضلًا عن ذلك، قد تواجه إيران قيودًا قاسية في حال فشلها في وقْف برنامجها النووي، وذلك بعد إعلان رئيس الوزراء البريطاني أنَّ خيار إعادة فرْض العقوبات بتفعيل «آلية الزناد | snapback» ضدّ إيران قيْد الدراسة. ومن وجهة نظر إيران، فإنَّ هذا السيناريو يُشير إلى نهاية أيّ دور ذي معنى للاتحاد الأوروبي في عملية دبلوماسية مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران تهدُف إلى حل الملف النووي. وقد حذَّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي نظراءه الأوروبيين من أنَّ تفعيل «آلية الزناد» سيكون أكبر خطأ تاريخي ترتكبه أوروبا، وسيقضي تمامًا على دورها في الملف النووي الإيراني. وقال لهم وفقًا لما نُقِل عنه: «ستفقدون دوركم بالكامل»، وأضاف أنَّ وزراء الخارجية الأوروبيين طلبوا عقْد اجتماع متابعة لمناقشة المسألة بشكل أعمق. ويتماشى هذا الموقف مع الإستراتيجية الإيرانية التقليدية القائمة على تقسيم الموقف الغربي، من خلال ممارسة لعبة محسوبة، وذلك باتّباع أسلوب الترغيب والترهيب.
وقد دعا قادة، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إلى ضبْط النفس، مؤكِّدين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ومطالبين في الوقت ذاته بأقصى درجات خفْض التصعيد، كما ظهر في النقاشات الدبلوماسية الأخيرة. غير أنَّ الاتحاد الأوروبي شعَرَ بأنَّه «مُهمَّش تمامًا» خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا، حيث تولَّت الولايات المتحدة دورها المحوري، لا سيّما بعد قصفها المواقع النووية الإيرانية، وإعلان وقْف إطلاق النار، وهو ما همَّش الجهود الأوروبية.
وفي حين أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو عن «قلقه» في 22 يونيو إزاء هذه التطوُّرات، صرَّح نظيره الألماني بوريس بيستوريوس بأنَّ «الأمريكيين قد تحمَّلوا مسؤولياتهم في المنطقة.. والأهمّ من وجهة نظري أنَّ تهديدًا كبيرًا قد َّقُضِيَ عليه.. هذه أخبار جيِّدة للشرق الأوسط، لكنَّها أيضًا جيِّدة لأوروبا». وقد صرَّح المستشار الألماني فريدريش ميرتس، في وقتٍ سابق على هامش قمَّة مجموعة السبع، بأنَّ إسرائيل «تقوم بالأعمال القذرة» في سبيل كبْح التهديد النووي الإيراني.
ويعكس الموقف الألماني المؤيِّد لإسرائيل تباينًا واضحًا مع موقف فرنسا الأكثر توازنًا، ونبرة بريطانيا المنتقدة مؤخَّرًا، ما أضعف قُدرة الاتحاد الأوروبي على التصرُّف للعمل الجماعي الموحَّد. كما أنَّ معارضة ألمانيا لتعليق الاتفاق الأوروبي مع إسرائيل، كما صرَّحت بذلك في 23 يونيو، يسلِّط الضوء على هذه الانقسامات داخل الاتحاد. وبوجهٍ عامٍّ، فإنَّ دول الترويكا الأوروبية (فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة) التي قادت الجهود بشأن البرنامج النووي الإيراني بين عامَي 2003م و2008م، أخفقت في تقديم موقف موحَّد ردًّا على التدخل الإسرائيلي.
وبالإضافة إلى ذلك، اجتمع وزراء خارجية دول الترويكا والممثِّلة العُليا للاتحاد الأوروبي كايا كالاس مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في جنيف في 20 يونيو، في محاولة لتجنُّب حرب طويلة الأمد، وإعادة إطلاق المسار الدبلوماسي، لا سيّما بشأن برنامج إيران النووي. وقد فعَّل الاتحاد الأوروبي قنواته الدبلوماسية لوضع إستراتيجية مُستدامة بشأن البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك عقْد اجتماع سريع على مستوى وزراء الخارجية. ومع ذلك، تُقوَّض جهود الاتحاد بسبب عدم قُدرته على التنسيق الفعّال مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل إدارة ترامب التي تتبنَّى مقاربة مختلفة. ووفقًا لمصادر أمريكية، وعلى الرغم من نفي إيران، فإنَّ واشنطن وطهران قد تستأنفان قريبًا المفاوضات النووية، غير أنَّ تمسُّك كلا الجانبين بمواقفه من القضايا الجوهرية يجعل جهود الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيدًا.
وبعد وقْف إطلاق النار، قد يتمثَّل دور الاتحاد الأوروبي في تسهيل الحوار بين إيران والولايات المتحدة، أو التنسيق مع أطراف دولية أخرى للدفع باتجاه حلٍّ سِلْميٍّ. وعلى الرغم من أنَّ الترويكا الأوروبية تملك نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا وقُدرات عسكرية مُعتبَرة، فإنَّ تأثيرها المباشر في الأمن القومي لكُلٍّ من إيران وإسرائيل يبقى محدودًا. وقد فشلت جهود الاتحاد الأوروبي في إحياء الاتفاق النووي في الفترة الأولى لرئاسة ترامب، والتنسيق مع إدارة ترامب الحالية يبدو أكثر صعوبة. ويبدو أنَّ دور الاتحاد الأوروبي يظل دبلوماسيًّا في المقام الأول، يركِّز على خفْض التوتُّرات والمفاوضات، ويهدُف إلى المساهمة في تقليص التوترات، وإيجاد حل دائم لقضية البرنامج النووي الإيراني من خلال الحوار، وهي إستراتيجية أثبتت فاعليتها بشكل أكبر في ظل الإدارات الديمقراطية في واشنطن.
وفي نهاية المطاف، فإنَّ قرار إيران بمنع مفتِّشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية» من العمل داخل البلاد سيُعقِّد فرص التوصُّل إلى أيّ اتفاق نووي قائم على التحقُّق والمتابعة من طرف الوكالة الدولية. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنَّ القرارات الحاسمة للخروج من هذا الجمود النووي تُتَّخَذ في واشنطن، فإنَّ الاتحاد الأوروبي لا يزال قادرًا على لعِب دور الوسيط بمجرَّد حل مسألة «آلية الزناد». والجدير بالذكر أنَّ بند «آلية الزناد» في «خطَّة العمل الشاملة المشتركة» من المقرَّر أن ينتهي في أكتوبر 2025م. وبمعنى آخر، فإنَّ التفعيل المُحتمَل لهذا البند من قِبَل فرنسا أو المملكة المتحدة سيظلّ عاملًا حاسمًا في تحديد الدور المستقبلي للاتحاد الأوروبي في العملية الدبلوماسية الرامية إلى حلّ الملف النووي الإيراني. وفي جميع السيناريوهات، إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يؤدِّي دورًا أكثر تأثيرًا، فسيتعيَّن عليه تجاوز خلافاته الداخلية والتنسيق بشكل فعّال مع واشنطن، وهو تحدٍّ كبير في ظل الظروف الحالية.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد