استقبل ولي العهد السُّعودي الأمير محمد بن سلمان، رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في مدينة العلا التاريخية، التي باتت وجهة دبلوماسية جديدة للمملكة، وذلك خلال زيارتها للمملكة التي استمرَّت لثلاثة أيام من 25 إلى 27 يناير 2025م. وتفتح هذه الزيارة عهدا جديدًا في العلاقات الإيطالية-السُّعودية، إذ لم يعكس اللقاء التفاهم الجوهري وحسب، بل كان ودِّيًا، وبلغ ذروته بتوقيع سلسلة من الاتفاقيات الثنائية على المستويات كافَّة. وتكتسب هذه الزيارة أهمِّية خاصَّة، في ظل البيئة الإقليمية والدولية الراهنة، وفي ظل توجُّهات البلدين وأولياتهما على الصّعيد الوطني والخارجي، فضلًا عن صعودهما كقوَّتين مؤثِّرتين في دوائرهما. وبينما تعكس هذه الزيارة التقارُب بين البلدين، فإنَّ ترجمة مُخرَجاتها تحتاج إلى جهود كبيرة، وتواجه تحدِّيات متعدِّدة. وسيحاول هذا التقرير أن يُلقى الضوء على الظروف والدوافع من هذه الزيارة، وما نتج عنها من مُخرَجات، وتأثيرها في البلدين ومصالحهما، ومدى فاعليتها.
أولًا: واقع العلاقات والسياقات المحفِّزة للتعاون
تحتفظ السُّعودية وإيطاليا بعلاقات ودِّية تعود إلى زمنٍ بعيد، وقد كان ذلك عاملًا مساعدًا في التوطئة لتطوُّرات مهمة للعلاقات، في ظل نزعة طموحة للقيادة في البلدين، خلال السّنوات الأخيرة. ويمكن تسليط الضوء على واقع هذه العلاقات ومحفِّزات تكثيف التعاون مؤخَّرًا، على النحو الآتي:
1. علاقة تاريخية يمكن البناء عليها
تعود العلاقات السُّعودية-الإيطالية إلى ثلاثينيات القرن الماضي، إذ كانت إيطاليا من أوائل البلدان التي أقامت علاقة مع المملكة العربية السُّعودية، عندما افتتحت قنصليتها في جدة عام 1932م. وتعمَّقت العلاقات تِباعًا عبر عديد من الاتفاقيات التي غطَّت مجالات التعاون كافَّة، والتي كانت بدايتها في عام 1933م، بتوقيع اتفاقية التعاون بين الجانبين، كما هو موضَّح في الجدول رقم (1).
وتُعتبَر إيطاليا شريكًا تجاريًّا مهمًّا للمملكة، بوصفها ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وواحدة من الدول السّبع الصّناعية الكُبرى، وسابع أكبر وجهة للصادرات السُّعودية، إذ صدَّرت السُّعودية إلى إيطاليا ما قيمته 6.94 مليار دولار في 2022م، معظمها من النفط الخام والمكرَّر، فيما بلغت صادرات إيطاليا إلى السُّعودية 4.04 مليار دولار، وبلغ حجم التبادُل التجاري بين البلدين نحو 11 مليار دولار، زيادة على التجارة البالغة 9.5 مليار دولار تقريبًا في عام 2021م. لكن خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024م، نمت الصّادرات بأكثر من 26%، مقارنةً بنفس الفترة من العام السّابق، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية نحو 10.8 مليار دولار في عام 2023م. وتتمثَّل أهمّ صادرات إيطاليا إلى المملكة العربية السُّعودية في الآلات والمعدات، والأجهزة الكهربائية، والمنتجات الغذائية، والأثاث، في حين أنَّ الصّادرات الرئيسية للمملكة إلى إيطاليا هي البترول ومشتقّاته.
كما تُعتبَر إيطاليا من أكبر مورِّدي الأسلحة إلى السُّعودية، وكانت الرياض عاشر أكبر وجهة لصادرات الأسلحة الإيطالية في عام 2019م، لكن كانت إيطاليا وقفت مبيعات الأسلحة إلى السُّعودية في عام 2021م، بسبب المخاوف بشأن الحرب، لكنَّها رفعت الحظر بعد ذلك بعامين.
جدول (1): الاتفاقيات الموقَّعة بين البلدين بين عامي 1932م و2024م
10/02/1932م | معاهدة الصّداقة |
06/02/1973م | اتفاقية التعاون الثقافي والعلمي والتقني |
04/03/1975م | اتفاقية التعاون الاقتصادي والصناعي والتقني والمالي |
1979م | اتفاقية بين شركة النفط السُّعودية «أرامكو» وشركة «إيني» الإيطالية لتوريد النفط إلى إيطاليا |
24/11/1985م | اتفاقية تجنُّب الازدواج الضريبي على الدخل والممتلكات في مجال الطيران الجوِّي |
17/02/1993م | اتفاقية التعاون بين وزارتي الدفاع في البلدين |
16/12/1995م | مذكرة تفاهُم في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدّرات والمؤثِّرات العقلية والجريمة المنظَّمة |
1998م | عقد الاجتماع الأول للجنة التعاون الأمنية بين البلدين |
10/09/1996م | اتفاقية مشتركة لتنمية وحماية الاستثمارات |
1997م | وثيقة تفاهُم وُقّعت في روما بين مجلس غرف التجارة والصناعة السُّعودي واتحاد الصّناعيين الإيطاليين |
07/02/2000م | مذكِّرة تفاهُم حول المشاورات الثنائية بين وزارة الخارجية السُّعودية ووزارة الخارجية الإيطالية |
04/02/2001م | بروتوكول تنفيذي لاتفاقية التعاون الثقافي والعلمي والتقني |
2005م | مذكِّرة تفاهُم بين اتحادَي كرة القدم السُّعودي والإيطالي |
يناير 2007م | اتفاقية تفادي فرْض الازدواج الضريبي بين المملكة العربية السُّعودية وجمهورية إيطاليا، وصُدّق عليها بتاريخ 01/12/2009م |
1993م | تجديد اتفاقية التعاون بين الحكومتين الإيطالية والسُّعودية في مجال الدفاع، إذ جُدِّدت الاتفاقية في 06/11/2007م، وصُدّق عليها لاحقًا |
06/11/2007م | اتفاقية التعاون بين الحكومتين الإيطالية والسُّعودية في المجال الصّحي |
06/11/2007م | مذكِّرة تفاهُم في مجال التدريب المهني بين وزارة العمل والضمان الاجتماعي في إيطاليا وهيئة التدريب التقني والمهني في السُّعودية |
06/11/2007م | مذكِّرة تفاهُم في مجال التعاون الجامعي بين وزارة الجامعات والبحوث العلمية الإيطالية ووزارة التعليم العالي في المملكة |
2. الأولويات والبيئة المحفِّزة
انتبه البلدان لأهمِّية تطوير العلاقات خلال الفترة الأخيرة، التي سبقت الزيارة. فأما المملكة، ففيها بيئة محفِّزة على التعاون، ممثَّلة في «رؤية 2030»، التي فتحت الأُفُق للقُوى الدولية لتعزيز تعاونها مع المملكة، فـ«رؤية 2030»، التي قدَّمها ولي العهد السُّعودي في عام 2016م، تهدُف إلى تقليل الاعتماد الاقتصادي على النفط بحلول نهاية العقد، من خلال استثمارات كبيرة في قطاعات مثل الطاقة الخضراء والرياضة والسياحة والرقمنة، فضلًا عن تنويع العلاقات مع القُوى العالمية المختلفة، ولعِب دورٍ بارز وتبوُّؤ مكانة متقدِّمة بين القُوى الدولية الصّاعدة والمؤثِّرة في محيطها الإقليمي والعالمي، وهذا بدوره أتاح فُرصة لمصالح مُتبادَلة بين المملكة والقُوى الكُبرى على الصّعيد الدولي، ومن بينها إيطاليا.
وهكذا جاء الاهتمام السُّعودي بالتعاون مع إيطاليا، إذ سعت المملكة إلى تعزيز الشراكة مع إيطاليا، مدفوعةً برغبة في إنجاز سياسة تقليل الاعتماد على النفط، وجذْب شريك اقتصادي قوى لتنفيذ مُستهدَفات الرؤية على المستويات الاقتصادية والتقنية والثقافية، وغيرها من المجالات، كما يتطلَّع صندوق الاستثمارات العامَّة السُّعودي، الذي تبلغ قيمته 700 مليار دولار، إلى تنويع استثماراته.
أمّا إيطاليا، فإنَّ توجُّهاتها نحو المملكة ارتبطت بتوجُّهات حكومة ميلوني، التي تولَّت السُّلطة في أكتوبر 2022م، التي سعت إلى تموضُع إيطاليا واستعادة حضورها الدولي، وتعزيز مركزها الاقتصادي ومكانتها جنوب البحر الأبيض المتوسِّط والشرق الأوسط، فأيّ دولة تبحث عن مصالحها في الشرق الأوسط تُدرِك أهمِّية المملكة في المعادلة الإقليمية، فيما ترغب إيطاليا في تأمين الاستقرار الإقليمي، وصدّ أيّ تأثيرات وارتدادات سلبية للفوضى في المنطقة على منطقة المتوسِّط وجنوب أوروبا، بما في ذلك قضية الهجرة غير الشرعية.
وقد جاءت التوجُّهات الإيطالية نحو المملكة مرتبِطة بمساعيها لتعميق العلاقات مع الدول الغنية بالطاقة والفوائض المالية في المنطقة، وأولت دول الخليج والمنطقة أهمِّية خاصَّة، في إطار هذه الاستراتيجية. وفي سياق ذلك، سعت روما للحصول على استثمارات خليجية لصندوق «صُنِع في إيطاليا»، فضلًا عن استكشاف إمكانية الشراكات والاستثمارات المشتركة بخاصَّة في قطاع التعدين، سواء في إيطاليا أو في مناطق ثالثة مثل القارة الإفريقية، وهكذا كان صندوق الاستثمارات العامَّة السُّعودي من بين الصّناديق الخليجية، التي تهتمّ بها إيطاليا.
3. علاقات متنامية:
قبل زيارة ميلوني شهِدَت العلاقات حَراكًا متواصِلًا، ففي سبتمبر 2023م، خلال انعقاد المنتدى الإيطالي-السُّعودي الأول في ميلانو، وقَّع الجانبان مذكِّرة تفاهُم لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارات الاستراتيجية، وتستمِرّ المذكرة لمدَّة عامين قبل تجديدها تلقائيًا لمدَّة 24 شهرًا أخرى، ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيّته رفْض المذكِّرة القابلة للتجديد قبل ستَّة أشهر من انتهاء صلاحيتها.
خلال الشهر نفسه زار وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني المملكة، والتقى وزير الخارجية السُّعودي الأمير فيصل بن فرحان، لبحث شراكات الطاقة، والحدّ من الهجرة غير الشرعية، وتعزيز التعاون الاقتصادي، بما في ذلك برنامج «رؤية المملكة 2030» لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري. والتقى الوزير الإيطالي خلال الزيارة قادة الأعمال المحلِّيين، وشارك في افتتاح الخط الثالث لـ«مترو الرياض»، الذي ساهمت الإيطالية في إنشائه شركة «وي بيلد».
كما استكشف وزير الصّناعة الإيطالي أدولفو أورسو بصحبة مسؤولين تنفيذيين من كُبريات الشركات الإيطالية في المملكة، في نوفمبر 2023م، فُرَص الاستثمار المشترك في عديد من القطاعات مع المملكة، بما في ذلك قطاع السّيارات، والدفاع، والهيدروجين، والتعدين، والنفط والغاز، والفضاء، وتطوير صناعة الطاقة في المملكة، مع بحث تطوير إطار تنظيمي وصناعي يعزِّز ويسرِّع الاستقلال الاستراتيجي في قطاع المواد الخام الحيوية.
أسفرت تلك الزيارة عن توقيع صندوق الاستثمارات العامَّة وشركة «بيريللي» اتفاقية مشروع مشترك في نوفمبر 2023م، لبناء منشأة لتصنيع الإطارات في الدولة الخليجية، ويمتلك صندوق الاستثمارات العامَّة حِصَّة 75% في المشروع المشترك، بينما تمتلك «بيريللي» النسبة المتبقِّية البالغة 25% وتقدِّم الدعم الفني والتجاري للمصنع، الذي من المتوقَّع أن يبدأ الإنتاج في عام 2026م، ويصِل في نهاية المطاف إلى طاقة إنتاجية تبلغ 3.5 مليون وحدة سنويًّا.
ثانيًا: مُخرَجات الزيارة وأبعادها
جاءت زيارة جورجيا مليوني تتويجًا للحَراك الذي شهِدَته العلاقة على مدار السّنوات الثلاث الماضية، منذ تولِّيها السُّلطة في إيطاليا. وأسفرت هذه الزيارة عن جملة من النتائج، أهمّها:
1. التفاهم الثنائي ورفْع مستوى العلاقات
عكَسَ لقاء ولي العهد السُّعودي وميلوني مستوًى عاليًا من التفاهم والتقارب بين البلدين، وقد أثمر لقاؤهما رفْع مستوى العلاقات بين الجانبين، ووقَّع المسؤولان على بيان مشترك لإنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية السُّعودية-الإيطالية. في سياق ذلك، اتّفق الجانبان السُّعودي والإيطالي على بدء تعاون منظَّم، ومن بين المبادرات المتّفَق عليها، تنظيم منتدى أعمال قطاعي في الأشهر المقبلة، وبدء عملية تحديد خُطَّة عمل ذات أولويات مشتركة. كما شاركت ميلوني في مائدة مستديرة مع ممثِّلي القطاعين العامّ والخاصّ من كلا البلدين وُقّع خلالها عديد من الاتفاقيات، على المستويين الحكومي والخاص. وتتعلَّق هذه الاتفاقيات بالقطاع الاقتصادي، وتثمين التراث الثقافي.
2. التوافق حول قضايا دولية مشتركة
ناقش وليّ العهد ورئيسة الوزراء الإيطالية خلال اللقاء، مختلف القضايا العالمية والإقليمية ذات الصِّلة، بما في ذلك في سياق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. ومن بين المواضيع، التي نوقشت: البحث عن سلام عادل ودائم في أوكرانيا، وترسيخ وقْف إطلاق النار في غزة واستئناف العملية السّياسية نحو حل الدولتين، ودعم عملية سياسية شاملة في سوريا وجهود إعادة الإعمار، والمساعدة للبنان، ونهْج تحوُّل الطاقة على أساس الحياد التكنولوجي والترابط بين الشبكات، وتطوير مراكز البيانات والمبادرات المشتركة لتحقيق التقدُّم المُستدام في إفريقيا.
3. جذْب المملكة لدعم خُطَّة «ماتي» الإيطالية في إفريقيا
خلال الزيارة، وقّع القطاع الخاص للتعاون في إفريقيا على اتفاقيات، بما يتماشى مع خُطَّة «ماتي»، وهي الخُطَّة التي أعلنت عنها إيطاليا خلال القمَّة الإيطالية-الإفريقية، التي عُقِدت 28 يناير 2024م، وتستهدف تعزيز الاستثمارات، وتوفير التدريب المهني، وتحقيق الأمن الغذائي وأمن الطاقة في إفريقيا، كما تسعى الخُطَّة للحدِّ من تدفُّق المهاجرين عبر البحر المتوسِّط، من خلال توفير بيئة اقتصادية مستقِرَّة في القارة السّمراء. لكن لغياب التمويل الكافي، اتّجهت إيطاليا للحصول على دعْم المملكة، من أجل تحقيق مُستهدَفاتها في إفريقيا.
4. تعاون على المستوى الاستراتيجي
بحسب ما أعلنت عنه ميلوني، فإنَّ من المُحتمَل أن تفتح إيطاليا المجال أمام المملكة في مجالات ذات طبيعة عسكرية، يستطيع البلدان من خلالها تعزيز حضورهما عبر التشارك في مشاريع كُبرى تحقِّق لهما تموضُعًا استراتيجيًّا، عطفًا على ما يمتلكه البلدان من قُدرات.
5. شراكة ثقافية
كان من الجوانب اللافتة في الزيارة التفاهُم حول تعاون واسع في قطاع الثقافة، بما في ذلك تطوير العُلا، التي تنمو مركزًا سياحيًّا وفنِّيًّا معاصرًا حول تراث أثري استثنائي، إذ مهَّدت الزيارة لتعاون مُحتمَل في عديد من المشاريع الثقافية المشتركة.
6. عقود وصفقات استثمارية متعدِّدة
وقَّع الجانبان مذكِّرات تفاهُم عديدة تبلغ قيمتها نحو 10 مليارات يورو، بين عديد من الشركات الإيطالية المهمَّة، العامَّة والخاصَّة، والشركات السُّعودية. وأهمّ الاتفاقيات، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 6.6 مليار يورو، هي تلك التي نصَّت عليها شركة «SACE»، شركة التأمين والمالية العامَّة التي تدعم استثمارات الشركات الإيطالية في الخارج، والهدف هو تشجيع الصّادرات والاستثمارات من الشركات الإيطالية في المملكة العربية السُّعودية. ومن الشركات الإيطالية الكُبرى الأخرى التي أبرمت اتفاقيات مع شركات سعودية: «ليوناردو»، و«فينكانتيري»، و«بيريللي»، و«جويس».
ويوضِّح الجدول رقم (2) أبرز الاتفاقيات ومذكِّرات التفاهُم، التي أبرمها الجانبان خلال الزيارة.
جدول (2): الاتفاقيات التي وقَّعتها المملكة وإيطاليا خلال زيارة مليوني في يناير 2025م
توقيع خطاب نيات بين هيئة البحر الأحمر السُّعودية وشركة بناء السُّفُن الإيطالية «فينكانتيري»، بشأن التنمية المُستدامة والأمن البحري والبنية التحتية. |
مذكِّرة تفاهُم بين شركة دي نورا الإيطالية للصناعات الكهروكيميائية مع شركة «أكوا باور» السُّعودية للطاقة لدراسة كفاءة أنظمة معالجة المياه. |
مذكِّرة تفاهُم أخرى مع هيئة المياه السُّعودية، بشأن معالجة المياه واستخلاص الهيدروجين من المياه. |
حصول مشروع نيوم، المدينة العملاقة المُخطَّط لها في السُّعودية، على قرْض ائتماني للصادرات بقيمة 3 مليارات دولار من شركة التأمين الإيطالية «SACE». |
توقيع شركة «أكوا باور» اتفاقيتين مع شركة «SACE»، لاستكشاف فُرَص الأعمال المتعلِّقة بالطاقة المتجدِّدة في آسيا الوسطى وإفريقيا. وتتضمَّن الصّفقة خط ائتمان بقيمة 100 مليون دولار من شركة «SACE»، بالإضافة إلى تعهُّد باستكشاف تقديم ما يصِل إلى 500 مليون دولار لدعم الصّادرات الإيطالية. |
مذكِّرة تفاهُم بين شركة الطاقة الإيطالية «سنام» عن مع شركة «أكوا باور»، لاستكشاف سلسلة توريد الهيدروجين الأخضر والأمونيا من المملكة العربية السُّعودية إلى أوروبا. |
توقيع مذكِّرة تفاهُم بين شركة ساتشي والشركة السُّعودية للكهرباء، لتسهيل فُرَص الاستثمار، مع التركيز على مشاريع الطاقة المتجدِّدة. |
توقيع مذكِّرة تفاهُم بين الصّندوق السُّعودي للتنمية مع المؤسسة الوطنية للترويج الإيطالية، وهي هيئة تابِعة للدولة تدعم الاقتصاد الإيطالي، لتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي. |
توقيع مذكِّرة تفاهُم بين شركة ليوناردو سبا، الشركة الإيطالية الرئيسية في القطاع العسكري والفضاء، بهدف مناقشة وتطوير وتقييم سلسلة من الاستثمارات والفُرَص لمزيد من توسيع التعاون في قطاعَي الطيران والدفاع. |
وقَّعت شركة «Fincantieri» وهي شركة عامَّة تعمل في قطاع بناء السُّفُن، مذكِّرات تفاهُم مع المملكة العربية السُّعودية. وبحسب المعلومات المتوفَّرة، فإنَّ هذه الاتفاقية تتعلَّق بقطاع بناء السُّفُن المدنية وفي تطوير الأمن السّيبراني في القطاع البحري. |
متابعة مذكِّرة التفاهُم للتعاون في مجال الثقافة بين وزارة الثقافة الإيطالية ووزارة الثقافة في المملكة العربية السُّعودية، وُقّعت في البندقية في مايو 2023م، والاتفاق على مشروعات للتعاون في مدينة العُلا. |
ثالثًا: النتائج وحدود الفاعلية
تمثِّل زيارة ميلوني أهمِّية خاصَّة لكُلٍّ من المملكة وإيطاليا، بالنظر إلى عِدَّة اعتبارات. وبالنظر إلى تطلُّع الجانبين إلى تحقيق مكاسب استراتيجية في ظل المتغيِّرات الإقليمية والدولية، يمكن إيضاح مكاسب البلدين من هذا التعاون على النحو الآتي:
1. المردود المحُتمَل على المملكة
بات من المعروف أنَّ السُّعودية الجديدة لا تتحرَّك أيّ تحرُّك دبلوماسي، لا سيّما على مستوى القمَّة، دون أن يكون مهمًّا ومفيدًا، ورُبَّما هذا ما يفسِّر نشاط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شديد التركيز على الصّعيدَين الداخلي والخارجي، الذي يبدو قليلًا ظاهريًّا، لكنّه عظيم الفائدة، إذ تتحرَّك البلاد بقوَّة وتصميم نحو دعْم مشروعها الوطني ورؤيتها الرائدة 2030، ويأتي استقبال ميلوني في هذا السّياق.
تمثِّل هذه الزيارة محطَّة مهمَّة في العلاقات بين البلدين، إذ تمهِّد لتعميق الشراكة على أكثر من مستوى، لا سيّما الاقتصادي، عبر زيادة معدّلات التبادل التجاري، والاستثمارات على الجانبين، بل تفتح الأُفُق للمشاركة في الاستثمار في بيئات أخرى في آسيا الوسطى وإفريقيا. وفي حال دخلت الاتفاقيات حيِّز التنفيذ، فسيكون لها انعكاسها على كُلٍّ من الرياض وروما.
أما المملكة، فستكسب إلى جانبها شريكًا مؤثِّرًا يدعم خُطَطها في تنويع الشراكة الاستراتيجية مع القُوى الكبرى، باعتبار إيطاليا إحدى القُوى الصّناعية الكُبرى ذات الوزن الدولي، في حين أنَّ المشاركة في مجال الصّناعات الدفاعية مع إيطاليا سيعزِّز القُدرات الدفاعية للمملكة، ويعزِّز توجُّهاتها الدفاعية الذاتية، ويمدّها بخبرات مهمَّة على صعيد التصنيع العسكري، بموجب مُستهدَفات «رؤية 2030»، كذلك سيؤدِّى تطوُّر العلاقة إلى تعزيز حضور المملكة على السّاحة الأوروبية، باعتبار إيطاليا إحدى الدول الرائدة في الاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ المملكة في ظل هذه الاتفاقيات والتفاهمات، سوف تتلقَّى دعمًا قويًّا لخُطَطِها في ما يتعلَّق بتنويع مصادر الدخل إلى جانب موارد النفط، وسوف تتلقَّى خُطَطها المرتبطة بـ«رؤية 2030»، دعمًا من شريك قوى على المستوى الاقتصادي، وسوف يجِد صندوق الاستثمار السُّعودي فُرَصًا لتنويع شراكاته الاقتصادية، مما يصُبّ في تعزيز وتنويع مصالح المملكة، ويحصِّنها من الضغوط وتقلُّبات سياسة بعض الدول.
وفي حين تراجَعَ اهتمام الولايات المتحدة كشريك في ما يتعلَّق بالتحوُّل نحو الطاقة المتجدِّدة، في ظلّ توجُّهات الرئيس دونالد ترامب بشأن العودة إلى التركيز على سياسة الطاقة الأحفورية، وفي الوقت نفسه مسارعة المملكة إلى تطوير عملية التحوُّل إلى الطاقة النظيفة، في إطار السّعي نحو تحقيق مُستهدَفات «رؤية 2030»، فإنَّ الشراكة مع إيطاليا قد تساعد المملكة على إنجاز ثورتها القادمة في هذا القطاع.
علاوةً على ذلك، فإنَّ المشروعات ذات الطابع الاستراتيجي، إلى جانب التفاهمات بشأن بعض القضايا الإقليمية والدولية، سوف تصُبّ في دعْم رؤية المملكة على الصّعيد الدولي، ودعْم مكانتها الإقليمية. فإيطاليا توافق المملكة بشأن تسوية القضية الفلسطينية، القضية المركزية في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ومن ثمَّ فقد تجذب المملكة إيطاليا إلى رؤيتها، في ما يتعلَّق بتسوية هذا القضية وأولوية السّلام الشامل، بدلًا من الضغوط للتطبيع ومحاولة وأد القضية الفلسطينية.
كما تمنح الزيارةُ السُّعوديةَ فُرصةً إضافية لدعْم نفوذها وتأثيرها في السَّاحة الإفريقية، وفي آسيا الوسطى، وتحقيق مُستهدَفاتها على مستوى القارة، وكسْب مزيد من الزخم في علاقاتها مع الشركاء الأفارقة، إذ يمكن للمملكة من خلال المشاركة في خُطَّة «ماتي» أن تحقِّق مُستهدَفاتها في هذه المناطق، التي تعطيها المملكة أهمِّية خاصَّة في إطار خُطَطها على مستوى البيئات الإقليمية المختلفة.
من جهة أخرى، فإنَّ هذه الاستثمارات والعلاقات المتطوِّرة، بما في ذلك التعاون في مجال الثقافة والآثار، سوف تسهم في تعزيز القوَّة الناعمة للمملكة، وفي الترويج لها وجهةً سياحيةً عالميةً، ويأتي ترتيب الزيارة في منطقة العُلا التاريخية للترويج لهذا الجانب، ناهيك بأنَّ المصالح المتنوِّعة على هذا النحو سوف تُكسِب حصانة مهمَّة في مواجهة تقلُّبات السّياسة الداخلية الإيطالية وتأثُّرها بالمواقف الأمريكية، كما جرى في فترة سابقة حين علَّقت إيطاليا صادراتها من الأسلحة إلى المملكة.
2. المُكتسَبات المحُتمَلة لإيطاليا
كما هو حال المملكة، تتبنَّي ميلوني نهجًا واقعيًّا في تحرُّكاتها الخارجية، سعيًا لتعزيز مصالح إيطاليا. وعبَّرت ميلوني عن ذلك بقولها إنَّ زيارتها «ليست مجرَّد مجاملة، بل هي فُرَص تُتيح لنا العمل لتحقيق نتائج ملموسة لإيطاليا».
وكانت الزيارة ناجحة في ذلك إلى حدٍّ بعيد، ولا شكَّ سيكون لنتائجها مردود على شرعية حكومة ميلوني، فإيطاليا عزَّزت علاقاتها مع قُطب إقليمي وقوَّة ناشئة دولية صاعِدة، ولاعب مؤثِّر في مجريات السّياسة الإقليمية والدولية، ويمكن لإيطاليا من خلال المملكة تأكيد حضورها الإقليمي، فضلًا عن تنفيذ مشروعاتها الطموحة في إفريقيا وآسيا الوسطى، ومن ثمَّ استعادة ودعْم مكانة روما على الصّعيد الدولي، بعدما تجاوزها خلال سنوات كثير من القُوى على السّاحة الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ المملكة لديها الإمكانيات لتجديد مبادرتها للسلام في أوكرانيا، وهي مسألة مُلِحَّة للأطراف الأوروبية كافَّة، التي أرهقتها الحرب، بما في ذلك إيطاليا، لا سيّما في ظل جمود مسار السّلام، وعدم وجود قُوى وسيطة بديلة من المملكة تمتلك علاقات إيجابية مع طرفي الصّراع، فضلًا عن الثقة والتأثير.
كذلك أوجدت الزيارة توافُقًا وانسجامًا مع القيادة السُّعودية، وتوافُقًا بشأن الاستقرار الإقليمي الذي تنشده إيطاليا، وأرضية مشتركة لتسوية الأزمات، ووضْع حدٍّ للفوضى الإقليمية، إذ تطرح إيطاليا والمملكة نفسيهما وسيطين دوليَّين في الأزمات، الأمر الذي يمكن أن يدعم تطلُّعات إيطاليا واستراتيجيتها الجديدة في تحقيق الاستقرار في منطقة البحر المتوسِّط الأوسع، بما في ذلك الاستقرار في سوريا ولبنان وليبيا، إذ تلعب المملكة دورًا رائدًا في دفْع العملية السّياسية في هذه البلدان، ومساعدتهما على تجاوُز الانقسام الداخلي وشبح الحرب الأهلية، الذي يرتدّ سلبًا على الأمن الأوروبي وأمن إيطاليا ومصالحها الحيوية، فضلًا عن دعْم مسار السّلام الأوسع وتصفير المشكلات في المنطقة.
علاوةً على ذلك، جذبت إيطاليا مموِّلًا قويًّا، يمكنه ضخّ مزيد من الاستثمارات في سوقها المحلِّية ومشروعاتها، الأمر الذي يعزِّزها قوَّةً صناعيةً رائدةً عالميًّا، ويمنح اقتصادها الوطني تأثيرًا طويل المدى، في وقت تسعى فيه إيطاليا لتنويع تحالفاتها الاقتصادية وتقليل اعتمادها على بعض القُوى الدولية كالصين. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فإيطاليا يمكن أن تعتمد على المملكة في تمويل مشروعاتها العابرة للحدود، على السّاحة الإفريقية، وفي آسيا الوسطى، الأمر الذي يعزِّز حضورها الجيوسياسي على المسرح العالمي في عصر التنافس بين القُوى الكُبرى.
ولا شكَّ أنَّ البلدين، من خلال تعميق الشراكة، يضعان لبنة مشتركة على خارطة الممرّات العالمية، لا سيّما الممرّات القادمة من جنوب شرق آسيا والعابرة للشرق الأوسط نحو أوروبا، وهو ما يدعم تطلُّعات الجانبين في الحضور المكثَّف على مسرح التجارة العالمية ومشروعاته الرائدة، وتوفير الضمانات الكافية لسلاسل الإمداد، كما يعزِّزان تطلُّعاتها على المسرح العالمي، حيث تسعى إيطاليا لتعزيز الشراكة مع الهند، وتسعى المملكة لربط اقتصادها بأوروبا. ولا يُعتبَر موقع المملكة حيويًّا في خطوط النقل الدولي وحسب، بل استراتيجيًّا للممرّات المائية الدولية المهمَّة لإيطاليا وأوروبا، ناهيك بأنَّ الشراكة مع المملكة، الدولة الرائدة في المنطقة، تفتح الأُفُق أمام إيطاليا لتطوير علاقاتها مع بقية دول الخليج ودول المنطقة العربية.
أخيرًا، توجد فُرصة لتعاون استراتيجي مثمر في قطاع الطاقة، بما يدعم خُطَط إيطاليا على المدي البعيد لتأمين إمدادات الطاقة والغاز، بعدما غيَّرَت الدول الأوروبية وجهتها بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، واتّجهت جنوبًا من أجل تعويض قَطْع إمدادات الغاز والنفط من روسيا، فالسُّعودية أحد أهمّ مصدِّري النفط في العالم، ولديها احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، وإيطاليا لديها تطلُّعات لتوفير مصادر دائمة للطاقة إضافية إلى جانب مصادرها الإفريقية.
3. تحدِّيات قائمة
تفرض المنافسة بين القُوى العالمية وموقع البلدين على المسرح العالمي بعض تحدِّياتها على العلاقات، إذ تحتفظ المملكة بعلاقات جيِّدة مع الشرق والغرب، بما في ذلك الصّين وروسيا، فيما تحتفظ حكومة ميلوني بنهْجٍ حذِر تجاه الصّين وعدائي مع روسيا، وتلتزم خَطَّ واشنطن تجاه هذين البلدين، وهو الأمر الذي قد يخلق بعض التحدِّيات في العلاقة، أو يؤثِّر سلبًا في طموحات الشراكة.
بالإضافة إلى ذلك، تتّسِم المملكة باستقرار سياساتها المرتبِطة باستقرار الحُكم، ورسوخ استقرار علاقاتها مع القُوى الدولية على أساس المبادئ والقانون الدولي، لكن الحكومة الإيطالية ائتلاف واسع، ويتَسِم نظامها السّياسي بالحزبية المُفرِطة، التي تؤثِّر في استقرار الحكومات، وهو ما يكون له آثار سلبية في ما يتعلَّق بالتزام السياسات والاتفاقيات، فضلًا عن المواقف المتباينة من العلاقات مع المملكة بين اليسار واليمين، اللذين يتناوبان على السُّلطة.
ولا يفوت التذكير بأنَّ إيطاليا وغيرها من بعض القُوى الأوروبية الفاعلة، لديها التزام صارم بمواقف واشنطن، وهو ما قد يجعل العلاقات بين الرياض وروما متأثِّرة بتوجُّهات طرف آخر وهو واشنطن، وقد ظهر ذلك بالفعل عندما علَّقت إيطاليا صادراتها من السّلاح إلى المملكة التزامًا بالموقف الغربي، الذي قادته واشنطن بادّعاءات حول دور المملكة في حرب اليمن.
علاوةّ على ذلك، فإنَّ السّياسة النفطية، التي تتّبعها المملكة على الصّعيد الدولي من خلال مجموعة «أوبك+»، والتي تعتمد على مبدأ راسخ في تحقيق توازُن في سوق النفط لصالح المنتجين والمستهلكين، قد لا تتلاءم مع تطلُّعات إيطاليا، وغيرها من القُوى الغربية، التي ترغب في انخفاض أسعار النفط عالميًّا بما يدعم اقتصاداتها الوطنية.
من جهة أخرى، تنافس قُوى إقليمية أخرى المملكة في الارتباط بالقُوى الدولية المؤثِّرة في المنطقة، وهو الأمر الذي قد يفرض بعض التحدِّيات على العلاقة بين روما والرياض، أو يؤثِّر سلبًا في تنفيذ بعض الاتفاقيات، إذ قد تجِد إيطاليا في هذه المنافسة فُرصة لتعظيم مكاسبها، وتحقيق أكبر منفعة لاقتصادها ونفوذها الإقليمي ودعم لمشروعاتها في خارج البلاد.
خلاصة تعبِّر زيارة ميلوني عن إدراك الجانبين للمصالح القابلة للنمو بينهما، وقد كشفت الاتفاقيات الموقَّعة في العُلا، التي شمِلَت عديدًا من المجالات، النيَّة لفتح فصْل جديد لشراكة استراتيجية منظَّمة ومُستدامة، لا على مستوى ثنائي مُتبادَل، بل على مستوى مشروعات خارج الحدود، بما يدعم التطلُّعات الجيوسياسية والجيو-اقتصادية لكليهما، الأمر الذي لا شكّ أنَّه سيكون له أثر مهم في مكانتهما ونفوذهما الإقليمي والعالمي، ودعْم مشروعيهما الداخليَّين. وعلى الرغم من التحدِّيات سالفة الذكر، يبدو أنَّها ليست بالمؤثِّرة في مسار وصول العلاقة إلى المستوى الذي يرغب فيه البلدان، خصوصًا في ظل احتياجات البلدين وتصميمهما على انتهاج برنامج تعاوني، وفق خارطة طريق بدأ تنفيذها بالفعل خلال هذه الزيارة.