محادثات أمريكية-روسية في الرياض.. التداعيات على أوكرانيا وسط الحرب الدائرة

https://rasanah-iiis.org/?p=37305

التقى وفد الولايات المتحدة ونظيره الروسي في 18 فبراير 2025م، في الرياض لمُناقشة الصراع الدائر في أوكرانيا وبحث سُبل تحسين العلاقات الثنائية، وكان هذا الاجتماع هو أول حوار رسمي جمع البلدين منذ أن قامت روسيا بـــ «عمليتها العسكرية الخاصة» في أوكرانيا في فبراير 2022م. وترأس الوفد الأمريكي وزير الخارجية ماركو روبيو، فيما ترأس وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الجانب الروسي. اتفقت الدولتان بعد هذا الاجتماع على تشكيل فريق تفاوض للعمل نحو إنهاء الحرب، وبحث فُرص التعاون الاقتصادي والجيوسياسي المحتمل في المستقبل، والأهم من ذلك، تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا.

أثار استثناء أوكرانيا والأوربيين في هذه المحادثات موجة انتقادات واسعة، إذ استنكر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي هذا الاجتماع، مُشيرًا إلى أن أي نقاش حول مستقبل أوكرانيا يجب أن تُشارك فيه أوكرانيا، كما عبر القادة الأوروبيين عن قلقهم من عقد نقاشات حول أوكرانيا دون حضورهم، مُحذرين بأن الاتفاقيات المتوقعة من هذه المحادثات ستكون على حساب أوكرانيا، وأعاد الاتحاد الأوروبي التأكيد على دعمه لأوكرانيا، مُدينًا أي اتفاقيات يجري التوصل إليها دون مشاركة كييف. وعبر المسؤولون في الاتحاد الأوروبي عن قلقهم من تحول موقف واشنطن، مع تحذير بعض القادة، من أن وضع المكاسِب الاقتصادية أولوية، والاصطفاف بجانب روسيا ضد سيادة أوكرانيا سيقوض الأمن الإقليمي في الغرب.

رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على انتقادات زيلينسكي له منوهًا بأنه كان لدى أوكرانيا الفرصة لإنهاء الحرب منذ ثلاث سنوات ولكنها رفضت، كما اتهم نظيره الأوكراني بأنه «ديكتاتور»، نظرًا إلى عدم إجراء الانتخابات التي كانت مقررة في أوكرانيا وأرجئت بسبب الحرب. وطالب ترامب أوكرانيا بالسماح للولايات المتحدة الاستفادة من مواردها المعدنية الهائلة، بحصة قدرها 500 مليار دولار، كسداد المساعدات العسكرية والمالية السابقة. وكانت الولايات المتحدة تتفاوض على هذه المعادن، واقترحت صفقة من شأنها أن تنقل حقوقًا كبيرًة للشركات الأمريكية. وحسب مسودة الاتفاق، لن تتلقى أوكرانيا أي ضمانات أمنية مُستقبلية في المقابل، بل فقط تسوية مالية لديونها السابقة للولايات المتحدة. وقد أدى هذا التطور إلى تأجيج المزيد من التوترات بين كييف وواشنطن؛ إذ عارض زيلينسكي بشدة صفقة المعادن المقترحة هذه، بحجة أنها ستضعف اقتصاد أوكرانيًا لأجيال قادمة. وحث الولايات المتحدة على الدخول معها في حوار بدلًا من ممارسة الضغوط الاقتصادية، مُحذرًا من أن مثل هذه الصفقة قد تُقوض سيادة أوكرانيا وقدرتها على إعادة الإعمار بعد الحرب.

ورغم مقاومة زيلينسكي، أشارت تقارير صدرت مؤخرًا أن الولايات المتحدة وأوكرانيا يقتربان إلى إتمام اتفاقٍ بشأن صفقة المعادن، إذ تُشير المُناقشات الأخيرة إلى تسوية مُحتملة تمنح أوكرانيا الولايات المتحدة الوصول «المحدود» لمواردها المعدنية مُقابل الحصول على مزيد من الدعم العسكري والمالي. ويُثير هذا التحول في موقف أوكرانيا، تساؤلات حول مستقبل الاستقلال الاقتصادي للبلاد واحتمالية أن تشمل الترتيبات النهائية ضمانات أمنية مستقبلية.

وعلى خلفية هذه التطورات تواصل روسيا تقدمها في الأراضي الأوكرانية، حيث سيطرت حتى فبراير 2025م على المناطق التالية:

• منطقة دونيتسك: حوالي 75%.

• منطقة لوغانسك: أكثر من 99%.

• منطقتي خيرسون وزابوريزهيا: حوالي 75%.

رغم هذه المكاسب على الأرض وسيطرتها على أربعة مناطق، لم تحقق روسيا بعد كافة أهدافها المعلنة حول هذه الحرب. بناءً على هذه المعطيات ثمة ثلاث سيناريوهات مُحتملة في سياق إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية:

السيناريو الأول: وقف إطلاق النار وتجميد الصراع

لن يصب هذا السيناريو في مصلحة أوكرانيا لأنه يُشرعن سيطرة روسيا على الأراضي التي استولت عليها ولن يكون بمقدور أوكرانيا المطالبة بهذه الأراضي لاحقًا، كما أن التحول الصارخ في موقف واشنطن من الصراع سيُعقد الحالة أكثر ويقلل من الخيارات الدبلوماسية أمام أوكرانيا. ومن المحتمل التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار لكن مع تجميد الصِراع على خطوط المواجهة الحالية، وهذا أيضًا لن يكون مُربحًا لروسيا لاسيما وأن قواتها هي من تتقدم الآن على أرض المعركة وتستمر في التقدم التدريجي، لكن في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية والعُزلة الدبلوماسية قد تنظُر روسيا في وقف مؤقت لعمليات القتال.

السيناريو الثاني: تنازلات إقليمية محتملة وضمانات إقليمية

من المحتمل التوصل إلى تسوية توافق فيها أوكرانيا على التنازُل عن الأراضي التي تُسيطر عليها روسيا مقابل ضمانات أمنية ملموسة من الولايات المتحدة وأوروبا، ولاسيما انضمامها إلى حِلف الناتو. ويتطلب هذا مناورات دبلوماسية كبيرة، ومن المرجح أن يتوقف على ضمانات بأن الأراضي المتبقية في أوكرانيا تظل ذات سيادة ومحمية من أي عدوان مستقبلي.

ولكن هذا المسار يفرض تحديات كبيرة؛ فالتنازل عن الأراضي هو خطوة حساسة سياسيًا وغير مقبولة شعبيًا في أوكرانيا، ولاسيما في ظل المقاومة الوطنية لأي شكل من أشكال التنازل، ناهيك أن فعالية الضمانات الأمنية غير مؤكدة، وخاصًة في ظل الأولويات الجيوسياسية المتغيرة في واشنطن والمخاوف بشأن الالتزامات الغربية طويلة الأجل. وتفاقُم معارضة روسيا الشديدة لأي اتفاق يشمل منطقة كورسك من تعقيد المسألة؛ فقد رفضت موسكو صراحًة أي مُقترحات لتبادُل الأراضي، مؤكدًة التزامها باستعادة المنطقة بالقوة إذا لزم الأمر.  

السيناريو الثالث: استمرار روسيا في الحرب لتحقيق أهدافها

من المحتمل أن تُطيل روسيا من أمد الحرب، مُستفيدًة من تراجُع الدعم الأمريكي لكييف، ومع تحول أولويات واشنطن وإحجامها المتنامي عن تخصيص المزيد من الدعم لها، قد تقتنص روسيا الفرصة للتقدم عسكريًا إلى أن تُحقق أهدافها العسكرية. وهذا قد يشمل السيطرة على ما تبقى من أراضي من مقاطعات دونيتسك وخيرسون وزابوريزهيا، لكن يحمل هذا السيناريو في طياته مخاطر كبيرة لروسيا، إذ يُعاني الاقتصاد الروسي من العقوبات، والمجهود الحربي المتواصل، والاضطرابات الداخلية. ويتطلب استمرار العمليات العسكرية على هذا المستوى موارد كثيرة في ظل تحديات اقتصادية جسيمة، مما قد يثبط من قدرة موسكو للاستمرار على نفس مستواها الحربي.

وفي الختام، شكلت قمة الرياض نقطة تحول كبرى في المساعي الدبلوماسية، لكن زعماء الاتحاد الأوروبي انتقدوا المحادثات بسبب تهميش الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، وأكدوا على الحاجة إلى نهج متعدد الأطراف لحل الصراع. وتؤكد لنا الخلافات على الموارد المعدنية الأبعاد الاقتصادية للحرب، حيث يبدو أن الولايات المتحدة تُعطي الأولوية لسداد ديونها على تقديم ضمانات الأمن طويلة الأجل لأوكرانيا. وقد تحول رفض زيلينسكي الأولي لصفقة المعادن إلى مفاوضات تشمل تفاصيل أدق؛ إذ تُشير التقارير إلى أنه قد يتم التوصل لحل وسط قريبًا. رغم فتح الاجتماع الباب أمام المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن عدم التوصل لخارطة طريق واضحة حول مستقبل أوكرانيا وديناميكيات ساحة المعركة الجارية يُشير إلى أن الحل لا يزال بعيدًا. 

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير