مقدمة
أظهرت انتفاضتا العراق وَلبنان، ذلك الخلاف الفلسفيّ وَالفقاهيّ الكامن بين المرجعيات الدينية الشيعية، ذلك الخلاف بين التقليديين والإصلاحيين، وكذلك بين النجف وإيران.
فالإصلاحيّون الذين يمتدّون بجذورهم إلى آية الله النائيني مُنظّر الدستورية يَنشدون دولةً مدنية، ذات حرياتٍ وَسيادةٍ شعبيّةٍ حقيقية، ويتعاملون مع الأوطان وحدودها المرسومة بفقه الواقع، بخلاف الأصوليين ِمن النّخب الدينية الإيرانيّة الذين ينظرون إلى خطّ الدستورية بريبةٍ وَشكّ، ويقدمون عليه تيار «المستبدة» بزعامة الشيخ فضل الله نوري، إلّا أنّهم في الوقت نفسه كثيرًا ما يتعاملون بنوعٍ من البراغماتية في إبراز هذا الوجه أو ذاك.
فالخلاف إذن بين التيارين خلافٌ تاريخيّ على مستوى التأسيسات الفلسفية وَالفقهية، فانسحب على فقه الدولة، والمواقف السياسية. ففريقٌ يريد تأسيس دولةٍ مدنيةٍ حديثةٍ تتحاكم إلى القوانين والدستور والمؤسَّسات، وفريقٌ يرى وجوب تأسيس دولةٍ دينيةٍ تنوب عن المعصوم إلى حين ظهوره.
هناك خلافٌ لا يقلّ أثرًا عن ذلك الخلاف بين الأصوليين الحركيين والإصلاحيين، هو ذلك الخلاف بين التقليديين أنفسهم، فالتقليديون الحركيون من الولائيين/ النخب الدينية الإيرانية، ينظرون بريبةٍ إلى التقليديين الانتظاريين/ النجفيين، ويرون فيهم عناصرَ سلبية لا تُعبّر التعبير الصادق عن الثورة الحسينية، هذا الخلاف يمتد إلى زمن آية الله محسن الحكيم وَالخمينيّ عندما كان في النجف.
لكنّ العلاقة بين هؤلاء جميعًا لا تتحاكم إلى الفكر والقناعات المذهبية فحسب. لكن قد تخلقت شبكات مصالح وَنفوذٍ سياسيٍّ وَاقتصاديٍّ عنكبوتية، مع مرور الزمن، فباتت تلك المصالح محددًا مؤثرًا مِن محددات العلاقة بين هذه التيارات.
وإذا كانت المرجعية العليا في النجف لا تؤمن بولاية الفقيه، ولا بالعمل السياسيّ في ظلّ غياب المعصوم، إلّا أنّها تدلي برأيها في الأحداث المحورية بالنسبة للداخل العراقي، وليس مِن عادتها أنْ تصدر بياناتٍ لما يحدث خارج العراق، بخلاف النُّخبة الدينية الإيرانية التي تؤمن بولاية الفقيه وَمركزيتها، وكونها مِن ضرورات المذهب الشيعي، وامتداد ولاية الفقيه لتشمل كافة الشيعة بل والمسلمين في العالم كلّه، وليس داخل الحدود الإيرانية فقط، وهيمنة المرشد الأعلى الإيراني حتى على غيره مِن الفقهاء، وعدم إيمانه بولاية الفقهاء، أو مجلس شورى الفقهاء، أو صيغةٍ تحدّ مِن صلاحياتها أو تعمل على تقسيمها.
هذا الاعتقاد الجازم لدى النُّخب الدينية الإيرانية الولائية جعلها تنظر إلى الشيعة العراقيين وَاللبنانيين، والجماعات الشيعية المحليّة كرعايا للوليّ الفقيه، وَتتعامل معهم بنفس منطق التعامل مع المجتمع الإيرانيّ على مستوى الوصاية والولاية، فالاقتصاد وتحسين معيشة المواطنين أمرٌ ثانويّ في النظرية السياسيّة لدى تلك النُّخب، في حين أنّ الثورة والهيمنة، والتمدد والتطييف تأتي كمرحلةٍ أولى في فكر هؤلاء.
ولذا فإنّنا وجدنا خلافاتٍ عميقةٍ بين النُّخب الدينية الشيعية إزاء انتفاضتيْ/ ثورتيْ تشرين الأول في العراق وَلبنان، فالإيرانيون لم يلتفتوا إلى معاناة الشعوب، ولذا ردّوا الأمر برمته إلى المؤامرة والأيادي الخارجية كعادتهم في كافة التظاهرات التي تُهدد مصالحهم، وأمنهم وحدودهم، في حين أيّد فقهاء محليون إصلاحيون وتقليديون تلك التظاهرات لإدراكهم أنّها تظاهراتٍ عفوية، تسبب فيها فساد نخب الحكم المحلية، والهيمنة الإيرانية على تلك البلدان.
وفي هذه الدراسة نسعى إلى تفكيك مواقف رجال الدين والحوزات العلمية من انتفاضتيْ تشرين الأول في العراق وَلبنان، وَأثر تلك المواقف على علاقة الجماعة الشيعية مع النُّخبة الدينية الإيرانية.
مدخل: بيئة الحدث.. انتفاضاتٌ ذات جذور
في أول أكتوبر 2019م اندلعت انتفاضة العراقيين –وهي الانتفاضة الأكبر في العراق منذ الغزو الأمريكي 2003م-ضد الفساد وَالبطالة وَالهيمنة الإيرانية، وَتركزت المظاهرات في بغداد ومدن الوسط والجنوب العراقي، ذات الكثافة الشيعية، وهتف المتظاهرون ضد إيران وضد المرشد الأعلى، ورددوا عبارات: «إيران برة برة» وأحرقوا صور الخمينيّ وَخامنئي وبعض قادة الحشد الموالي لإيران [1].
وامتدت التظاهرات لتشمل عواصم التشيع المركزية مثل النجف وكربلاء، وهتفوا ضد إيران والمرشد الأعلى، ففي الثامن والعشرين مِن أكتوبر قامت القوات الأمنية بفض اعتصام للمتظاهرين في مدينة كربلاء، إحدى عواصم التشيع المركزية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 14 محتجًا، وإصابة أكثر مِن مئة آخرين [2]. وفي الثالث مِن نوفمبر، حاول المتظاهرون الشيعة اقتحام القنصلية الإيرانية في كربلاء، وأحرقوا العلم الإيراني، وصورة المرشد الأعلى، وهتفوا ضد الهيمنة الإيرانية [3].
وترجع الأزمة إلى ما قبل ذلك التاريخ ففي سبتمبر2018م، على سبيل المثال، اندلعت مظاهرات كبيرة في مدينة البصرة، احتجاجًا على تلوث المياه والفساد، وقطع المياه عن المدينة بسبب السياسة الإيرانية تجاه العراق فيما يخصّ بناء السدود ومنع تدفق المياه إلى الأراضي العراقية. وقام المتظاهرون بحرق القنصلية الإيرانية في البصرة، ورفع الشعارات المنددة لإيران [4]، ثُمَّ تجددت الاحتجاجات مرةً أخرى في يونيو2019م [5]، وفي أغسطس-سبتمبر2019م نظم مئاتٌ مِن الحاصلين على شهادات عليا –ماجستير ودكتوراه-وقفاتٍ احتجاجيةٍ أمام مجلس الوزراء العراقي في وسط بغداد، وقامت القوات الأمنية بقمعهم وفضّ اعتصامهم بالقوّة، وأدانت المرجعية العليا استعمال القوة ضد المتظاهرين وقتئذٍ، وشُكّلت لجنة تقصي حقائق لمعرفة أسباب وأبعاد استعمال القوة ضد المتظاهرين [6].
ولم يتمّ التعامل بجدية حينئذٍ مع تلك المظاهرات ولا مع مطالب الجماهير، إذ تمّ اللعب على عامل الوقت، وهدوء موجات التظاهر. لكنّ اللافت أنّ الهتاف ضد إيران كان واردًا في أغلب تلك الموجات التظاهرية التي انطلقت أساسًا مِن مدنٍ شيعية، أو ذات كثافة شيعية، في حين أنّ هتاف المدن ذات الكثافة السنية في تظاهرات 2013م كمثال، خلا تقريبًا مِن ذكر اسم إيران.
وعلى المستوى اللبناني، فإنّ انتفاضةً أخرى قوية اندلعت مساء الخميس 17 أكتوبر2019م، ضد الحكومة والفساد والضرائب الجديدة، وبعد يومٍ واحدٍ فقط مِن نشوب التظاهرات ألقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خطابًا يوم السبت 19 أكتوبر، رفض فيه جميع مطالب المتظاهرين وعلى رأسها: تشكيل حكومة تكنوقراط، أو إجراء انتخاباتٍ نيابيةٍ جديدة. وفي تهديدٍ صريحٍ للمتظاهرين هدد حسن نصر الله بنزول حزب الله إلى الشارع، قائلًا: «ستجدوننا جميعًا في الشارع ونغير كل المعادلات» [7]. وأصدر الجيش اللبناني بيانًا رسميًّا بعد خطاب نصر الله ينحاز فيه للمتظاهرين، ويؤكد تضامنه مع مطالبهم [8].
وبعد خطاب نصر الله نزل المتظاهرون بعشرات الألوف إلى الشوارع في عمليةٍ أشبه بالتحدي للتهديدات المبطنة التي جاءت في خطابه، وهتفوا ضده، بوصفه مِن ضمن الفاسدين [9]. واللافت أنّ مدينة النبطية في جنوب لبنان ذات الكثافة الشيعية –والمحسوبة على حزب الله-شهدت مظاهراتٍ كبيرة وضخمة مما يشير إلى هشاشة الحواضن الشعبية لحزب الله التي ضخمها في الأعوام الماضية [10].
أولًا: موقف النُّخب الدينية الإيرانية مِن انتفاضتيْ العراق وَلبنان
في بادئ الأمر اختلفَ الموقف الإيرانيّ تجاه تظاهرات كلٍ مِن العراق وَلبنان، فاتخذ مِن انتفاضة العراقيين موقفًا معاديًا وَوصائيًا، في حين كان خفيف اللهجة تجاه مظاهرات اللبنانيين، لكن ومع استمرار كلا الانتفاضتين، اتخذ الموقف الرسمي الإيرانيّ ممثلًا في أكبر رأسٍ دينيٍّ وَسياسيّ علي خامنئيّ صورةً أكثر حدية، وسلبية تجاه الانتفاضتين؛ استشعارًا لخطر تقزيم النفوذ الإيرانيّ المذهبيّ وَالسياسيّ في الإقليم، إذا ما نجحت أهداف الانتفاضتين الرئيسة الممثلة في نبذ الطائفية والمحاصصة، وبناء دولةٍ مدنيةٍ حديثة.
- موقف المرشد الأعلى.. فقه الدماء
في بدايات الموجة الأولى لتظاهرات العراقيين أوّل أكتوبر2019م، قال المرشد الأعلى علي خامنئي، في تدوينة رسمية له على تويتر: «إنَّ الأعداء يسعون لدق الإسفين بين العراق وإيران، ولكن بلا جدوى» [11]، وقد تجاهل تمامًا دماء أكثر مِن مئة شهيدٍ سقط في تلك التظاهرات في موجتها الأولى، مما يُثير أسئلةً عميقةً حول فقه الدماء عند النخبة الدينية الحاكمة. لكن إذا رجعنا إلى المقولات الدينية والفقهية، لتلك النخب، سنجد أنّ إراقة الدماء مبررةٌ وَمشروعةٌ في سياق الحفاظ على الدولة الإسلامية، وولاية الفقيه.
فآية الله مصباح يزدي [12]، يرى وجوب استعمال القوة للحفاظ على الحكومة الإسلامية حتى ولو كانت منبوذةً منذ أكثر مِن نصف الشعب فيقول: «الكمّ ليس معيارًا في الحفاظ على الحكومة، بل المعيار أنْ يقدّم عددٌ مِن أتباع الإمام عليه السلام، أو ولاية الفقيه المشروعة دعمهم للمحافظة على الحكومة، أحيانًا تكون نسبة هؤلاء 90%، أو 50%، أو 40%. إنّه الولي الفقيه، مأمورٌ بالمحافظة على الحكومة الإسلامية، فما دام هناك مَن يمكن بواسطتهم المحافظة على الحكومة الإسلامية فإنّه ملزمٌ بالمحافظة عليها، لذا، فلا اعتبار بالكميّة» [13]. فيجب بقاء الحكومة حتى ولو لمْ يكن لها داعمين سوى 10% من الشعب، بأيّ صورة ووسيلة كانت [14]. فالأهداف الإسلامية إذا لم يتيسر تحقيقها إلا عن طريق العنف، عندئذ يُصبح هذا العنف ضرورة [15].
وليس ذلك فحسب بل يجب القتل خارج نطاق القانون، ودون الرجوع إلى القضاء [16]، ذلك لحماية القيم الإسلامية للدولة [17]. ثمّ يتمّ تملك الدولة للوليّ الفقيه، فهو الذي يُقرر مَن يعيش على أرضها وَمَن لا يعيش، ولكي يعيش الإيرانيّ على الأرض الإيرانية لابد أن يكون مؤمنًا بولاية الفقيه، وحسب يزدي: «إذا أردت العيش في هذا البلد، عليك القبول بالدولة الإسلامية حتى لو استخدمت معك أساليب القوّة، كلّ من يعارض الدولة الإسلامية فهو مدان، وينبغي محاربته، حتى لو بقي شخصٌ واحدٌ في هذه البلاد» [18].
فإذا كان هذا هو فكر النخبة الدينية الحاكمة تجاه حرمة الإنسان، وحرمة الدماء في الداخل الإيرانيّ، فمن البدهي أنْ يكون هو ذات الموقف وأشدّ تجاه دماء المتمردين على مواقع النفوذ لولاية الفقيه في الإقليم.
وبعد الموجة الثانية من الانتفاضة يوم 25 أكتوبر وسقوط أكثر مِن ستين شهيدًا، وأكثر من ألفي مصاب، قال المرشد الإيراني، أثناء مراسم تخريج دفعة مِن الضبّاط في الجيش الإيراني أقيمت في جامعة خاتم الأنبياء للدفاع الجوّي، يوم الأربعاء 30 أكتوبر2019م، مُعلقًا على تظاهرات العراق وَلبنان: «إنّ مطالب النّاس المحقّة إنّما تتحقّق حصرًا ضمن الأطر القانونيّة لبلادهم» [19].
وقال: «إنّ أكبر ضربة يُمكن أن يوجّهها الأعداء إلى أيّ بلد هي أن يسلبوه الأمن، الأمر الذي بدؤوه في بعض بلدان المنطقة. أُوصي الحريصين على العراق ولبنان أنْ يعالجوا أعمال الشّغب وانعدام الأمن الذي تسبّبه في بلادهم أمريكا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربيّة بأموال بعض الدول الرجعيّة» [20].
ورغم استعمال المرشد الإيرانيّ لمصطلح «أعمال الشغب» ووجود كلامه على موقعه الرسمي، وفي خطابه المسجل، فإنّه وبعد غضب العراقيين مِن تلك الأوصاف، خرج عضو هيئة رئاسة مجلس خبراء القيادة الشيخ عباس الكعبي، لينفيَ استعمال المرشد الأعلى لهذا المصطلح: «ولمْ يستخدم سماحة القائد في كلمته مفردة (أعمال الشغب) في وصف المظاهرات والاحتجاجات المطلبية السلمية في لبنان والعراق بل صرح بأنّ مطالب الناس حقّة يعني بذلك أن تحسين الوضع المعيشي ومكافحة الفساد والسعي لتحقيق العدل من أهم واجبات الدولة ومن أبرز مصاديق حقوق عامة الناس. وبعد ذلك أشار سماحته إلى أنَّ تحقيق مطالب الناس يتم بالأطر القانونية» [21].
لكنّ كلام المرشد الأعلى كان واضحًا وَصريحًا لا يحتمل اللبس، ولفهم أبعاد كلامه ومقصده ينبغي قراءته من خلال كافة مقولاته ومقولات النخب الإيرانية الدينية والسياسية والعسكرية، المتعلقة بالانتفاضتين العراقية واللبنانية، وليس من خلال التجزئة مِن السياق العام.
- موقف رئيس السلطة القضائية
قال حجة الإسلام [22] إبراهيم رئيسي -رئيس السلطة القضائية وَأبرز المرشحين لخلافة خامنئي-، تعليقًا على الموجة الأولى للانتفاضة العراقية، إنّ تلك المظاهرات فتنةٌ أمريكية-سعودية؛ لإحداث فوضى ومنع العراقيين مِن المشاركة في الأربعينية الحسينية. ونفس الكلام ردده يحي رحيم صفوي المستشار العسكري الأعلى للمرشد، وعددٌ مِن المسؤولين الإيرانيين [23].
والحديث عن مسيرة الأربعين في سياق الاحتجاجات هو بمثابة تطييف للمسألة برمتها، وإثارة للنزعة المذهبية، ومحاولة تذكير المتظاهرين ذوي الأغلبية الشيعية بمذهبهم وحواضن طائفتهم، والإحساس بالخطر الذي يتهدد المذهب والجماعة الشيعية، بسبب تلك التظاهرات!
- موقف أئمة جمعة طهران
في أول جمعةٍ بعد الموجة الأولى لانتفاضة العراقيين، قال آية الله إمامي كاشاني، إمام جمعة طهران، في صلاة الجمعة 4 أكتوبر 2019م، تعليقًا على التظاهرات: «إنَّ العدو يولي اهتمامًا بمسيرة الأربعين والعراق ويخلق المتاعب؛ لأنّ قضية الأربعين ثقيلة بالنسبة لهم. وَمِن الثقيل بالنسبة للعدو أنْ يتوجه أكثر أو أقل من 20 مليون شخص إلى كربلاء. إنَّ سبب هذه المعارضة هو أنَّ راية الحسين هي الشهادة والصمود، وهذه الراية تُوقظ الأمم للوقوف ضد القمع. وهذه الراية هي راية: هيهات منا الذلة، وكل الجموع التي تشارك في مسيرة الأربعين هم تجسيدًا لـ هيهات منا الذلة، والعدو لا يريد أن يرى ذلك. بعون الله، سيتم حل القضايا والمشاكل التي ظهرت، وسوف تشارك الجموع في مسيرة الأربعين» [24].
وهنا مفارقاتٌ مهمة يجب أن تُقرأ في هذه الخطبة، أهمها: أنّ إمام جمعة طهران ربط بين تظاهرات العراق، والعمالة للخارجِ، وكأنّ الشعب العراقيّ لا يتحرك مِن أجل أوضاعٍ معيشيةٍ وَسياسية، وربط كذلك بين التظاهرات وبين مسيرات الأربعين، في إثارةٍ واضحة للنزعة الطائفية والمذهبية.
وأبرز تناقضٍ في خطبة إمام جمعة طهران حديثه عن الشهادة والصمود، وشعار هيهات منا الذلة، في سياق المظاهرات العراقية، وكأنَّ تلك المظاهرات أولًا لا ينطبق عليها شعار «هيهات منّا الذلة» وليست صمودًا ولا شهادةً على درب الحسين، ثمّ هي ثانيًا كأنّها في هذا السياق، ضد الصمود ومقاومة الاستكبار، وضد شعار «هيهات منّا الذلة». وهو لا شكّ اتهامٌ مباشرٌ للمتظاهرين.
هذا ما التفت إليه الشيخ ياسر عودة في لبنان [25]، عندما انتقد التعامل العنيف مع المتظاهرين، وألمح إلى تناقض الشعارات الشيعية مثل شعار «هيهات منّا الذلة» مع طرائق التعامل العنيف مع المتظاهرين الذين خرجوا يطبقون هذا الشعار عمليًا. ويبدو أنَّ هذا الشعار تستعمله النخبة الدينية الإيرانية توظيفًا وَاستغلالًا ضد خصومها المذهبيين والسياسيين فقط، أمّا أنْ يُستعمل ضدها فهذا ما لم تقبله تلك النخبة؛ لأنّها منصوبةٌ مِن الله، وَفقًا لمقتضيات ولاية الفقيه، بقراءتها الخمينية!
واعتبر كاشاني أنّ الحياة الحقيقية هي حياة الشهداء في طريق الله: «أولئك الذين يواصلون طريق الشهداء ويتصدون للمشاكل والأعداء ولديهم حياة حقيقية» [26]، وكأنّ الثائرين العراقيين أيضًا لا تنطبق عليهم تلك الحياة! وهذا على ما فيه مِن تناقض، إلّا أنّه مُعبّر عن عقيدة النخبة الدينية الإيرانية، التي تحتكر الدين والمذهب والثورة، فهي وحدها مَن تُقرر: أيُّ نظامٍ يُمكن الثورة عليه، وأيّ نظامٍ لا يُمكن الخروج عليه، لأنّها تتحدث نيابةً عن المعصوم، وهو ترسيخٌ لمبدأ معصومية نائب المعصوم، وإنْ لمْ يُصرَّح به فقهيًا.
وفي يوم الجمعة 11 أكتوبر2019م، خطب إمام الجمعة المؤقت في طهران أحمد خاتمي، خلال خطبة يوم الجمعة، قائلا: «إنَّ أعداء الشعب الإيراني قد ركبوا على موجة الاحتجاجات في العراق. وقد سعى أعداء الشعب الإيراني مِن وراء هذه الاحتجاجات إلى تحقيق أربعة أهداف: أولها: التعتيم على المسيرة الأربعينية حيث أرادوا بثّ الخوف والرعب في قلوب الشعب حتى لا يذهبوا إلى هذه المسيرة، ولكنهم فشلوا في تحقيق ذلك. والثاني: بثّ الفرقة بين الشعبين الإيراني-العراقي. والهدف الثالث هو: استهداف محور المقاومة، ويرجع الهدف الرابع إلى الانتقام مِن بعض المسؤولين العراقيين الذين صمدوا في مواجهة المطالب غير المشروعة للكيان الصهيوني وأمريكا» [27].
وأرجع خاتمي تلك التظاهرات إلى ثلاثة أضلاع: الضلع الأول في نظره يتمثل في: أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، وقال إنّ الكيان الصهيوني يلقب المتظاهرين العراقيين بالثوريين العراقيين، وهذا كفيلٌ في نظره لتشويه المتظاهرين، وإلغاء مطالبهم!
أما الضلع الثاني يتمثل في بعض الدول العربية، وَوفقًا لكلامه فإنّ تلك الاحتجاجات من قبيل الفوضى التي تقف وراءها بعض الدول العربية الرجعية؛ لأنّ هذه الدول تريد نشر الاضطرابات والفوضى في العالم! وجعلَ مِن فلول البعثيين الضلع الثالث الذي يثير الفوضى بالعراق [28].
وبعد الموجة الثانية لانتفاضة العراقيين (25 أكتوبر2019م)، خطب آية الله موحدي كرماني في خطبة الجمعة في طهران [29]، الأول من نوفمبر، ليقول معلقًا: «إنّ النّقطة الّتي ينبغي أن أبيّنها في احتجاجات العراق هي نفوذ بعض المجاميع المنحرفة والتي نصطلح عليها بشيعة الإنجليز أيضًا، خصوصًا وقد ارتكبوا جرائم في كربلاء والبصرة وتحديدًا العمارة، ويجب على الشّعب العراقيّ أنْ يعزل صفوفه عنهم» [30].
وهي محاولاتٌ حثيثة لتطييف الصراع مرةً ثانية، باتهام الشيرازيين بأنهم يقفون خلف تلك الانتفاضة، ولم يُشِر مجرد الإشارة لآلاف الشهداء والمصابين مِن جانب المتظاهرين!
وقد ختم موحدي كرماني خطبته بالدعاء: «سائلًا المولى عز وجل بأنْ تخمد نار هذه الفتن سريعًا وأنْ يذوق الشعبان اللبناني والعراقي طعم الوحدة على وجه السرعة» [31]. ونلحظُ هنا استعمال مصطلح «الفتنة»، مِن النخب الدينية الإيرانية لوصف كل ما يُهدد مصالحها، في حين يستعملون مصطلح الثورة والانتفاضة لوصف التحركات التي تخدم أهدافهم الإستراتيجية.
ويُمكن تلخيص الجامع المشترك في خطب الجمعة بطهران طيلة شهريْ أكتوبر ونوفمبر تجاه المظاهرات العراقية واللبنانية، بأنّها:
- يقف وراءها الغرب وأمريكا ودولٌ عربية.
- فوضى وفتنة هدفها تقسيم الشعوب.
- يؤجّجها فلول البعث.
- تستهدفُ محور المقاومة.
- يؤجّجها شيعة الإنجليز.
وأخيراً فإنّ موقف رجال الدين لا يختلف كثيرًا عن موقف الدبلوماسية الإيرانية، التي تبنته وزارة الخارجية في بياناتٍ رسمية [32]، وكذلك مع تصريحات المسؤولين الأمنيين، فوَفقًا لأحد قادة الوحدات الخاصة بالشرطة الإيرانية فإنّ تلك التظاهرات تستهدف إضعاف جبهة المقاومة في المنطقة، التي هي أعظم إنجاز للجمهورية الإسلامية [33].
ثانيًا: طرق تعامل الإيرانيين مع الانتفاضتين
بعد كلام خامنئي والنخب الدينية وَالسياسية، السلبيّ، إزاء تظاهرات العراق، دخل الحرس الثوري على الخطّ، فَوفقًا لتقريرٍ لرويترز فإنّ ضباطًا كبارًا في الحرس الثوري ذوي خبرة في احتواء الاضطرابات المدنية، اجتمعوا أثناء الاحتجاجات بمسؤولين أمنيين عراقيين، وحذر المستشارون الإيرانيون مِن تقويض المظاهرات للحكومة في حال استمراريتها [34]. ولذا كانت هناك نيّةٌ مبيتةٌ لقتل المتظاهرين، وهو ما صرّح به حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقيّ السابق، وهو لا شكّ مِن المصادر المطلعة على ما يدور في دولاب الدولة العراقية [35]. ويبدو أنّ الخبراء الإيرانيين أدلوا بتوصياتهم مبكرًا مِن أول يومٍ لانتفاضة العراقيين، فتمّ التعامل مع المظاهرات والمتظاهرين بعدة وسائل استُعملت مِن قبل في احتجاجات ديسمبر2017م في إيران، أهما:
1. القنص والقتل المباشر
حيث بلغ عدد القتلى في موجة التظاهرات الأولى في العراق أول أكتوبر، أكثر من مئة شهيدٍ مِن المتظاهرين، وما يقرب من أربعة آلاف جريح، بعضهم في حالةٍ خطرةٍ جدًا [36]. وفي الموجة الثانية للتظاهرات العراقية التي انطلقت يوم 25 أكتوبر قُتل أكثر مِن 60 متظاهرًا، وأُصيب أكثر من ألفي شخص [37]. علاوةً على مقتل وإصابة العشرات في موجاتٍ جزئيةٍ بين الموجتين، وبعد الموجة الثانية، في كربلاء والنجف وبغداد ومدن الوسط [38].
وقد نفت الحكومة العراقية رسميًا تعرض قواتها الأمنية لأيٍّ مِن المحتجين بالرصاص الحيّ، ونوّهت إلى أنها ستفتح تحقيقًا موسعًا حول مقتل المتظاهرين، مما يؤكد صحّة تقرير رويترز أنّ القناصة الذين شاركوا في قتل المتظاهرين مِن الميليشيات المنضوية تحت مظلة ولاية الفقيه وليست مِن القوات الأمنية النظامية [39]، خاصة في مجزرة الموجة الأولى للانتفاضة.
2. منع الإنترنت وحظر التجوال
حيث قامت الحكومة العراقية بمنع الإنترنت في البلاد وحظر التجوال يوم الخميس 3 أكتوبر2019م، خوفًا مِن مظاهرات الجمعة 4 أكتوبر [40]. لكنّ آلاف المتظاهرين كسروا حظر التجوال ونزلوا إلى ميادين التظاهر، مما أفشل القرار الحكومي في نهاية المطاف [41]، وتكررت إجراءات حظر التجوال طيلة أيام الانتفاضة، وتكرر فشل منع المتظاهرين مِن التظاهر. فلم تُجْد نفعًا أيٌّ مِن تلك الوسائل لمنع الثائرين مِن ميادين المظاهرات في كافة المدن العراقية تقريبًا، واستمرّ دويّها دون توقف.
3. حمامات الدم
تحولت ميادين التظاهر في العراق إلى حمامات دم حسب تقارير منظمة العفو الدولية، فقد تم ترهيب المتظاهرين وتهديدهم وعوائلهم جسديًا وَنفسيًا مِن الملاحقة، وَالاعتقال، وَالطرد مِن الوظائف العامة، والاختطاف، وغير ذلك مِن أعمالٍ خارج نطاق القوانين [42].
4. وبخصوص الانتفاضة اللبنانية
فإنّ ثمة ميليشيات تابعة لحزب الله نزلت واعتدت على المتظاهرين في الساحات، علاوةً على التخوين وتهم التآمر والعمالة التي لاحقت المتظاهرين من إعلام حزب الله وموالين له [43].
وهذا التعامل مع انتفاضتي العراق ولبنان، خاصة الانتفاضة العراقية، مِن قبل الميليشيات والمستشارين العسكريين التابعين لإيران، حسب رويترز، يتوافق تمام الاتفاق مع الطرح الديني والأيديولوجي للنخبة الدينية الحاكمة في إيران، ورؤيتها في منصوبية الوليّ الفقيه، وصورية الانتخابات والسيادة الشعبية، وهو ما نقلناه آنفًا مِن كلام مصباح يزدي وغيره، مما انسحب على التعامل العنيف مع المتظاهرين رغم انتمائهم للمذهب الشيعي.
ثالثًا: موقف المرجعية الدينية في النجف
اختلف موقف النجف عن موقف طهران، واتخذ شكلًا تصاعديًا مع مرور الأحداث. ولكن مِن الملاحظ أنّ أشدّ بيانٍ للنجف جاء بعد اتهام المتظاهرين بالعمالة مِن قبل المرشد الإيراني علي خامنئي، فقال آية الله السيستاني –فيما اعتُبر ردًّا على التدخل الإيرانيّ-: «لا يحق لأي جهة أو طرف إقليمي أو دولي مصادرة إرادة العراقيين» [44]، في إشارةٍ إلى اتهام خامنئي للمتظاهرين بالعمالة للخارج، وإثارة الشغب، وأنّ المطالب تنحصر في الطرق القانونية فقط.
وفي نفس ذلك اليوم الذي قالت فيه المرجعية العليا –السيستاني-هذا الكلام، وحذرت من تدخلات خارجية تصادر إرادة العراقيين، قال خطيب جمعة طهران بأنّ العراق يتعرض لمؤامرة!
وإذا ما تأملنا تسلسل الأحداث سنجد أنّ موقف المرجعية العليا في النجف ثابتٌ وواضحٌ تجاه تأييد المظاهرات، بيد أنّها في نفس الوقت ليست مؤسَّسةً صلبة، ولا يمكن أنْ تدخل في اشتباكٍ مفتوحٍ مع الإيرانيين غير محمود العواقب بالنسبة لها، وكذلك مع الميليشيات العسكرية على الأرض.
ففي يوم الجمعة الموافق 4 أكتوبر بعد أحداث الموجة الأولى للانتفاضة، قالت المرجعية العليا في خطبة الجمعة: «يجب تدارك الأمور قبل فوات الأوان». وبخصوص العنف قالت: «إنَّ هناك اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين وعلى القوات الأمنية. وعلى الحكومة أنْ تغير نهجها في التعامل مع مشاكل البلد. على الحكومة النهوض بواجباتها وأن تقوم بما في وسعها لتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل والابتعاد عن المحسوبيات في الوظائف العامة واستكمال ملفات المتهمين بالتلاعب بالأموال العامة وسوقهم إلى العدالة» [45].
وفي يوم الجمعة 11 أكتوبر، قال الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل آية الله السيد علي السيستاني خلال خطبة صلاة الجمعة في كربلاء إنَّ «الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولةٌ عن الدماء الغزيرة التي أريقت في مظاهرات الأيام الماضية»، محددًا مهلة أسبوعين للسلطات كي تعلن نتائج تحقيقاتها [46].
وفي خطبة الجمعة 25 أكتوبر وهو يوم نشوب الموجة الثانية للانتفاضة، قالت المرجعية في خطبة الجمعة: «إنَّ الإصلاح الحقيقي، والتغيير المنشود لإدارة البلاد ينبغي أنْ يكون بالطرق السلمية. وينبغي مكافحة الفساد، وإلغاء امتيازات كبار المسؤولين. إنّ تقرير لجنة التحقيق بشأن التظاهرات السابقة لم يحقق الهدف المرتقب منه، ولم يكشف عن الحقائق، وَمِن هذا المنطلق نطالب بتشكيل هيئةٍ قضائيةٍ مستقلة، لمتابعة أحداث التظاهر، وحصر السلاح بيد الدولة، وسنّ قانونٍ انتخابيٍّ جديد. وينبغي التصدي للتدخلات الخارجية في شؤون البلاد، بقوة» [47].
ورغم أنّ المرجعية طالبت في هذه الخطبة بالتصدي للتدخلات الخارجية بقوة، إلّا أنّ المرشد الإيراني تكلم في الشأن العراقي في خطابٍ له يوم الأربعاء 30 أكتوبر، وحسب موقعه الرسمي فقد «أوصى الحريصين على البلدين بأن يعالجوا أعمال الشغب المدارة مِن قبل أمريكا والكيان الصهيوني» [48].
وفي خطبة الجمعة الأول مِن نوفمبر أكدت المرجعية العليا نصيحتها للدولة بعدم استعمال العنف ضد المتظاهرين، وعدم الزجّ بالقوات الأمنية في مواجهة الشباب، ونددت باطنيًا بالتدخل الإيرانيّ، خاصة تصريحات المرشد الأعلى الذي وصف فيها أحداث العراق بأعمال الشغب، فقالت المرجعية: «إنَّ المرجعية الدينية تجدد التأكيد على موقفها المعروف مِن إدانة التعرض للمتظاهرين السلميين وكل أنواع العنف غير المبرر، وضرورة محاسبة القائمين بذلك، وتُشدّد على الجهات المعنية بعدم الزجّ بالقوات القتالية بأيّ من عناوينها في التعامل مع الاعتصامات والتظاهرات السلمية، خشية الانجرار إلى مزيدٍ مِن العنف. إنَّ احترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسيّ وَالإداريّ لبلدهم مِن خلال إجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق، واليوم تؤكد على أنّ الإصلاح وإنْ كان ضرورةً حتمية ـ كما جرى الحديث عنه أكثر مِن مرة ـ إلا أنَّ ما يلزم مِن الإصلاح ويتعين إجراؤه بهذا الصدد موكولٌ أيضًا إلى اختيار الشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه مِن أقصى البلد إلى أقصاه، وليس لأيّ شخصٍ أو مجموعةٍ أو جهةٍ بتوجه معين أو أيّ طرفٍ إقليمي أو دولي أنْ يصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم» [49].
ولم يختلف موقف المراجع الآخرين عن موقف السيستاني، إذ قال ممثل آية الله النجفي: «موقفنا تجاه المظاهرات في العراق والحكومة العراقية والتحديات التي تواجه العراق هو نفسه ما تم عرضه عبر خطب الجمعة المقامة في العتبة الحسينية. إنَّ النجف الأشرف لطالما شخصت الأخطاء في الدولة العراقية ولفتت انتباه المسؤولين فيها إلى هذه الأخطاء وضرورة إيجاد الحلول المناسبة لها، ولابد من إيجاد الحلول الصحيحة والمناسبة لهذه المشاكل وتأمين الحياة الكريمة للمواطن العراقي» [50].
وفي بيانٍ للمرجعية الدينية يوم السبت 9 نوفمبر2019م، نفت فيه ما تردد في وسائلَ إعلاميَّة عن اتفاقٍ بين المرجعية والقوى السياسيَّة لإبقاء حكومة عبد المهدي، وإنهاء الاحتجاجات الجارية، وأكّد البيان أنَّ موقف المرجعية الدينية تجاه الاحتجاجات الشعبية والتعامل معها والاستجابة لمطالب المحتجين هو ما أعلنت عنه بوضوح في خطب الجمعة، وقد أبلغته لجميع مَن اتصلوا بها بهذا الشأن. وكل ما يُنسب إليها خلاف ذلك فهو لغرض الاستغلال السياسيّ مِن قبل بعض الجهات والأطراف ولا أساس له مِن الصحّة [51].
وصدر بيان للمرجعية يوم الاثنين 11 نوفمبر2019م، بعد استقبال آية الله السيستاني للسيدة جينين هينيس بلاسخارت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، جاء فيه تأكيد المرجعية على حقّ الناس في التظاهر، وأنّ المتظاهرين لن يرجعوا إلى بيوتهم حتى تتحقق مطالبهم الحقّة، ومنْع التدخل الخارجي، وقال آية الله السيستاني: «إنه لا يمكن أنْ يستمر الحال على ما كان عليه قبل الاحتجاجات الأخيرة» [52].
ونلاحظ أنّ المرجعية كررت التأكيد على رفض التدخل الخارجي، وعلى حقّ الناس في التظاهر السلمي، وذلك لأنَّ المرجعية استشعرت الحرج مِن الناس والمحتجين، إذ إنَّ أعداد القتلى والمصابين كبيرةٌ جدًا، مما وضع المرجعية في مواجهة المتظاهرين الذين طالبوا بفتوى مِن المرجعية تحميهم مِن بطش القوات الأمنية، والميليشيات الموالية لإيران.
وتتمثل أهمّ النقاط التي ركّزت عليها المرجعية العليا في كافة خطب الجمعة وبياناتها، في النقاط التالية:
- منع تدخل الأطراف الخارجية في الشأن العراقيّ.
- تشكيل لجانٍ قضائيةٍ مستقلةٍ للتحقيق ومتابعة سير المظاهرات.
- نبذ العنف تجاه المتظاهرين، والعكس.
- حصر السلاح بيد الدولة العراقية.
- عدم الزج بالقوات الأمنية في وجه المتظاهرين.
- ينبغي تلبية مطالب المحتجين المشروعة.
في حين لم نجد في خطاب المرجعية، أيّة مفردات متعلقة بالتآمر والعمالة، وأحداث الشغب، والتشيع البريطاني، والأيادي الصهيو-أمريكية، على نحو ما جاء في خطب وبيانات النخب الدينية الإيرانية.
ولكن لا يُتوقع أنْ يمتّد موقف المرجعية العليا في النجف لما هو أبعد مِن التنديد وإصدار البيانات، كما حدث في أحداثٍ سابقة، كمظاهرات البصرة التي جوبهت بالرصاص الحيّ [53]، وغيرها مِن تظاهراتٍ التزمت فيها المرجعية بالبيانات والتنديد فقط؛ ذلك أنّ المرجعية الدينية في العراق ذات سلطةٍ روحيةٍ على الساسة والسياسة، ولا ولاية لها على الشأن العام بالمفهوم الولائي الإيراني، وليست كذلك مؤسَّسةً مِن مؤسَّسات الدولة الصلبة التي يمكن أنْ تتحدى بعض الميليشيات المسلحة التابعة لإيران، ولذا تدعو المرجعية دومًا لحصر السلاح بيد الدولة. بالإضافة إلى تشابك بعض المصالح والنفوذ لرجال الدين، بما يُهدد شبكات المصالح الاقتصادية والسياسيّة برمتها إذا حدثت تغييرات جوهرية في صلب الدستور العراقيّ وأنماط العلاقة بين الفقهاء والساسة المُشكّلة منذ 2003م وحتى اليوم!
وفي هذا السياق جاء قرار الحكومة الإيرانيّة بإيقاف الرحلات الدينية إلى المزارات الدينية الشيعية في العراق وكأنه تأديبًا للنجف على موقفها المساند للمتظاهرين.
فقد نقل التلفزيون الإيراني عن مصدرٍ في بعثة المرشد الإيراني علي خامنئي أنَّ «الأمن غير متوفر في الوقت الراهن لحضور الزوار الإيرانيين» [54]، فربما يكون هذا جزءٌ مِن رسالةٍ للمرجعية العليا بأنَّ استمرار التظاهرات يعني ضعفًا في واردات المزارات الدينية في النجف وكربلاء، وَمِن ثَمَّ تأثر الوضع الاقتصادي للمرجعيات الدينية العراقية، حيث إنّ الموارد المالية للمزارات الشيعية في النجف وكربلاء تعتمد في الأساس على كثافة السياح الإيرانيين. وحدث مثل هذا تاريخيًا، فعندما وصلَ رضا خان (1878- 1944م) إلى السلطة في إيران سنة 1925م، منعَ الزوّار الإيرانيين مِن زيارة النجف وكربلاء، وأوقف الدعم المالي لحوزة النجف، وهو ما سبب معاناةً كبيرةً لعلماء الدين وكيفية توفير الموارد المالية، للإنفاق على المدارس الحوزوية والطلاب، والمشروعات القائمة التابعة للمرجعية. ووضع الشاه شروطًا للموافقة على إعادة إرسال الأموال، منها معرفة الأشخاص الذين تُنفق عليهم تلك الأموال، وقد اشتكى المرجع الأصفهاني، والميرزا النائيني عدم وصول الأموال والحقوق الشرعية من إيران، وأنَّ ما يصلهم فقط مِن أفغانستان وزنجبار، فحصل إرباكٌ واضحٌ في الوضع المالي تسبّب بمرور الوقت في هجرة عددٍ مِن طلاب الحوزة، وانخفضَ عدد الدارسين بشكل ملحوظ. وعندما زار ناصر الدين شاه (1831-1896م) النجف، رفض الميرزا الشيرازيّ الاجتماع به، في حين أنَّ باقي فقهاء النجف رحبوا به، وتوترت علاقتهم بالشيرازي بسبب موقفه المتعنّت مِن الشاه، خشية من العواقب الاقتصادية المحتملة لموقف الشيرازي [55].
وبعبارة أحد المفكرين الشيعة: «فاقتصاديات النجف وصورتها كمركز في العراق وإيران، وتميزها عن باقي المدن في ظل السلطة العثمانية كانت إلى حدٍ كبيرٍ ثمرةً مِن ثمار مثل هذه الزيارة التي يقوم بها زعماء وأشخاص بارزون، وتكفي قراءة سريعة لتاريخ المدن المقدسة لاكتشاف أنّ المشروعات العمرانية المهمة التي جرت فيها كانت ثمرةً لزيارات زعماء من هذا النوع، ولا سيَّما من ملوك وأمراء إيران» [56].
وعلى كلّ حال فإنّ القرار الإيرانيّ بمنع الزوار الإيرانيين مِن السفر إلى المزارات الشيعية في العراق يحمل رسالةً إلى المرجعية العليا في النجف، وإلى الأعيان والتجار والمسؤولين في النجف وكربلاء، وكذلك فيه إقرارٌ ضمنيٌّ بالتظاهرات وفاعليتها، وزيادة رقعتها، وفيه كذلك إقرارٌ بأنّ الوجود والنفوذ الإيرانيّ مستهدفٌ حتى في قلب العواصم الشيعية.
رابعًا: رجال دينٍ مستقلون وَإصلاحيون
هناك عددٌ كبيرٌ مِن رجال الدين غير التابعين لمرجعية النجف، ولا المحسوبين كليًا على الدولة الإيرانية، ساندوا التظاهرات، وبعضهم شارك فيها.
فرجل الدين اللبناني الشيخ ياسر عودة –أحد رجال الدين الإصلاحيين وَمِن تلامذة حسين فضل الله، أعلن تضامنه مِن أول يوم مع التظاهرات اللبنانية والعراقية، وشارك بنفسه في انتفاضة اللبنانيين يوم 17 أكتوبر2019م [57].
وفي الانتفاضة الأولى للعراقيين 1 أكتوبر2019م، قال الشيخ ياسر عودة: «هل حكومة الحسين تنهب؟ هل حكومة الحسين سارقة؟ حكومة الحسين تقتل الناس بدم بارد؟» [58]، في إشارةٍ إلى الفساد المستشري في الحكومة العراقية.
وبعدما تعرض عددٌ مِن المتظاهرين للمضايقات والعنف في لبنان قال عودة: «سلامٌ لكلّ الشباب المنتفض، فهم أحرار لبنان. أقول لهم: استمروا مهما كان الضغط كبيرًا، والتهديد عظيمًا، على الأقل كي لا يلعنكم أبناؤكم، كما فعل أبناؤنا لأننا كنا أزلامًا للزعماء في طوائفنا. إنني أقف مع الشباب حتى لو كانوا علمانيين، مسيحيين، دروز، علويين، سنّة، ومهما كانوا سأبقى معهم؛ لأنّ الحقّ هو أنْ يأخذ الإنسان حقّه حتى ولو كان كافرًا، هكذا تعلمنا من الإمام عليّ» [59].
وردّ الشيخ ياسر عودة على أحد فقهاء ولاية الفقيه الذين حرموا «دفن شهداء الانتفاضة المقتولين برصاص قوات الأمن، في مقابر المسلمين لأنهم مرتدين على الدولة الإسلامية» [60]، والدولة الإسلامية المرادة –وَفقًا للولائيين-هي إيران، واستنكر عملية التشويه الأخلاقي، والتسقيط الديني الذي يتعرض له المنتفضون، قائلا: «أنا عميلٌ للفقراء، أنا عميلٌ للمستضعفين» [61].
وأعلن المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي زعيم حزب الفضيلة، دعمه للتظاهرات، وقال في بيانٍ له: «أعتقد أنَّ مِن أغلى الثمرات التي حققتها نهضة الشباب الواعي الغيور في انتفاضة التحرير هي استعادة الهُويَّة الوطنيَّة التي سلبها الطائفيون والفاسدون والعملاء حتى أفقدونا الأمل بإحيائها وأجبروا الكثير مِن أبناء الوطن على الهجرة منه تاركين أهلهم وذكرياتهم وعيونهم شاخصة إلى من خلفهم». ورفض العنف ضد المتظاهرين فقال: «أما الإصرار على سياسة القمع واستعمال العنف فإنه لا يجدي نفعًا بل يجرّ البلاد والعباد إلى الهاوية، وإنكم لا تستطيعون هزيمة شباب يُقدِمون على الموت ويتلقون الرصاص بصدور عارية» [62]. واليعقوبي وإنْ كان محسوبًا على نخبة الحكم العراقية إلّا أنّ بيانه يؤكد أنّ المتظاهرين أجبروا الداخل العراقي الدينيّ برمته على أنْ يعلن دعمهم، مما يؤكد أنّ التظاهرات محلّ إجماع وطنيّ، وأنّ مفردات العمالة والتخوين لم تتوجه صوب المتظاهرين مِن مرجعياتٍ دينيةٍ معتبرة داخلية، بل جُلّها مِن خارج الحدود!
وَمِن رجال الدين العراقيين الإصلاحيين الذين ساندوا المظاهرات الشيخ ميثاق العسر، الذي دافع عن حقّ المتظاهرين، وانتقد تعامل الإيرانيين مع الانتفاضة العراقية، وحاكمهم إلى مقولات الخمينيّ ورفاقه في الثورة والدولة، وأورد بعض نصوص الخميني الذي كان يلقيها في أتباعه أثناء الثورة الإيرانية ويدعوهم فيها للإضراب والتظاهر وإيقاف الحياة العامّة.
وَمِن المراجع الذين دعموا التظاهرات وطالبوا بإقالة الحكومة المرجع الديني كمال الحيدري، فقال في درسٍ له: «إنه مع شديد الأسف وُضع الشعب العراقي في محنةٍ أخرى لا تقل خطورةً عن سابقتها، حيث استحكمت طبقةٌ فاسدةٌ على مقدرات الأوضاع السياسيَّة وَالاقتصاديَّة وَالاجتماعيَّة، أوجدت لدى الأمة حالةً مِن اليأس والإحباط في وطنه. لقد نبّهتُ مرارًا في السنوات الماضية إلى تفشي حالة الفساد التي تعيشها الطبقة الحاكمة بكل اتجاهاتها ومكوناتها وتياراتها وأحزابها والتي أصبحت حالةً معمَّمةً في الحياة العامة للبلد دون أيّ رادعٍ دينيٍّ أو قانونيّ. وما المظاهرات التي خرجت وستخرج إلا بمثابة ردّ فعلٍ طبيعيٍّ على هذه الحالة. إننا نعلن وقوفنا الكامل مع مطالب المحتجين في القضاء على هذه الطبقة الحاكمة، ونطالب الشعب العراقي بعدم السماح لأيّ جهةٍ فاسدة شاركت في الفساد بكل مكوناتها ومختلف مرجعياتها، لركوب الموجة، نطالب الشعب العراقي بعدم السماح لأيّ جهةٍ فاسدة شاركت في الحكومات الفاسدة بركوب الموجة وتضييع المطالب الحقة للمتظاهرين» [63].
وَمِن المؤيدين أيضًا رجل الدين محمد حسن الأمين، الذي أيّد تظاهرات اللبنانيين والعراقيين، وقال بأنّ الدولة المدنية باتت مطلبًا شعبيًّا للجميع [64].
وَمِن الذين هاجموا المرشد الإيرانيّ واتهموه بالوقوف وراء قمع الشعبين العراقي واللبناني الشيخ صبحي الطفيلي [65]، واتهم إيران بتخريب العراق ولبنان [66].
وَمِن المراجع المؤيدين للتظاهرات منذ أول يوم المرجع الدينيّ تقي المدرسي [67]، الذي طالب رجال الدين بتوجيه الحكومة والوقوف بجانب الناس ([68])، وقد جدد تأييده للتظاهرات بعد أحداث العنف الأخيرة [69]. وهناك عشراتٌ مِن المعممين ورجال الدين الشيعة شاركوا في تظاهرات لبنان والعراق، ضد الهيمنة العراقية والنخب الحاكمة [70].
وهناك تياراتٌ شيعية عريضة ساندت المتظاهرين، وانتقدت التدخلات الإيرانية، مثل التيار الشيرازي، فقد أصدر المرجع الديني صادق الشيرازي زعيم الشيرازيين بيانًا جاء فيه: «يؤسَف للعراق هذا أنْ يصبح أتونًا للقتلى والجرحى للمؤمنين. إنّني وفي هذه المأساة الجارية والأليمة أُوصي الجميع بالسعي الحثيث لإيقاف هذه المجازر التي يندى لها جبين التاريخ. كما أُوصي الحكومة والجيش والشرطة والأمن لفسح المجال للمظاهرات السلمية أيًّا كانت، والمسارعة إلى تنفيذ مطالب المتظاهرين الكرام وترك المساس بهم، كما كان يصنع أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أيّام حكومته العظيمة العادلة والفضيلة. كما أُوصي الشعب العراقي الأبيّ والمظلوم والمثابر الذي عانى ومنذ العقود العديدة الأخيرة عبر الحكومات الظالمة كل حيفٍ واستبداد وطغيان بالالتزام في المظاهرات (بالسلمية) وبكل تأكيد، أنْ لا يسمحوا بكل إصرار بأنْ يتوغّل في صفوفهم من يشوّهون سمعة هذا الشعب الغيور» [71].
ونخلُص مِن هذا كلّه أنَّ النخبة الدينية الإيرانية الحاكمة هي وحدها من ترى في التظاهرات تآمرًا، وعمالةً، وأنها ممولةٌ مِن قوى دوليَّة وَإقليميَّة، لكنّ النخب الدينية المحلية التقليدية والإصلاحية في معظمها تدرك حاجات الشباب والأجيال الجديدة للديمقراطية ولدولةٍ مدنية، وعدالةٍ اجتماعية! لكنّ إيران هي من تملك القوّة على الأرض، مما يجعل كفتها راجحةً في مواجهة النخب الدينية والحوزات المحلية التي تناهض الهيمنة الإيرانية.
خامسًا: الدلالات والأبعاد
هناك عدّة دلالات يُمكن قراءتها مِن خلال انتفاضتيْ العراقيين وَاللبنانيين، مِن أهمها:
1. حواضن التقليد وَالتمرّد على الوليّ الفقيه
واجهت ولاية الفقيه تمرداتٍ عميقةٍ في بنية المجتمعات الشيعية في السنين الأخيرة، تدل على أنَّ َثَمَّة تغييراتٍ جوهرية آخذةٌ في التطور في بنية النسيج الشيعيّ، والعقل الجمعيّ، والذاكرة التاريخية، تُجاه النخبة الدينية الإيرانية وأطروحتها. تلك التحولات في المشهد الديني الذي تولى كبرها الشباب والنساء وأجيال ما بعد الثورة الإيرانية، بدت ملفتةً وجاذبة، إذ هي لم تنحصر في مكانٍ واحد حتى يمكن القول إنَّ الإشكال مكانيّ أو زمانيّ، بل اتسعت رقعة تلك التحولات لتشمل مواضع النفوذ الصلبة للولائيين، وتشمل الداخل الإيرانيّ نفسه، بل بدأت تلك التمردات مِن الداخل نفسه كحركات اعتراضٍ فردية أو فئوية، حتى تشكلت بوصفها مطالبَ عامة لها ملامح واضحة، سياسيَّةً وَاقتصاديَّةً وَاجتماعيَّة.
ويُمكن تفكيك خارطة تآكل بنى التقليد على مستوى الداخل والخارج من خلال ما يلي:
- تآكل بنى التقليد داخليًا:
تواجه النخبة الدينية الإيرانية موجاتٍ احتجاجيَّةٍ ضخمة في الداخل الإيرانيّ، مستمرةٌ منذ سنين، كان آخرها العام الماضي، ففي يناير2018م، قام المحتجون بحرق إحدى الحوزات العلمية ومهاجمة بيوتٍ لرجال الدين. وقال آية الله غياض الدين طه محمدي، إمام صلاة الجمعة في همدان، في إشارةٍ إلى الغضب والاشمئزاز مِن الناس بشأن القمع والفساد والسرقة: «إنه خلال الانتفاضة تعرض 60 مكتبًا مِن مكاتب أئمة الجمعة للهجوم في معظم المدن الإيرانية» [72].
ثمّ في موجةٍ احتجاجيَّةٍ أخرى في أغسطس2018م، هوجمت بيوت رجال الدين، وأُلقيَت الحجارة على بعض الحوزات العلمية، وحاول المتظاهرون كسر أبوابها، ورددوا هتافات «الموت للديكتاتور» [73]، في إشارةٍ إلى المرشد الأعلى.
وكانت تلك التمردات الداخلية والتجرؤ على المرشد الأعلى والنخبة الدينية، بمثابة كسرٍ للقداسة الدينية والهالة التي أحاطتها تلك النخبة بنفسها وبشخص المرشد، وهي في حقيقةِ الأمرِ تمرداتٍ على التقليد، وعلى ولاية الفقيه.
- تآكل بنية التقليد خارجيًا:
لم يمر سوى عامٌ واحدٌ مِن تلك التمردات الداخلية، حتى واجهت النخبة الدينية الإيرانية تمرداتٍ خارجيَّة في لُبّ هلالها الشيعي في العراق ولبنان، ومواقع نفوذها التاريخية والمذهبية، وعواصم التشيع المركزية، فانتفض العراقيون واللبنانيون ومنهم أكثريةٌ شيعية، ضد المرشد الإيرانيّ والنخبة الإيرانية وأذرعها المحلية الدينية والميليشياتية.
2. بروز الخلاف الإيرانيّ-النجفيّ
تباينت مواقف الحوزات العلمية والنخب الدينية الشيعية إزاء الانتفاضتين اللتين نشبتا في العراق ولبنان، في أكتوبر2019م.
والحقيقةُ أنّ مواقفَ النُّخب الدينية الشيعية تجاه تلك المظاهرات لها دلالاتٌ عميقةٌ متعلقةٌ بالخلاف التاريخيّ بين النجف وَقُمّ، وبين الإصلاحيين والتقليديين.
فالنجف تاريخيًا لا تؤمن بأيّة ولايةٍ للفقهاء على شؤون الناس السياسيَّة وَالمدنيَّة، إلا في الأمورِ الحسبية فحسب، في حين أنّه وَوَفقًا لنظرية ولاية الفقيه بقراءتها الخمينية فإنّ ولاية المرشد الإيرانيّ لا تنحصر داخل الحدود الإيرانيّة، بل تمتدّ لتشمل كافة المسلمين بكلّ مذاهبهم وأطيافهم، وليس على عموم الشيعة فقط، ولذا فعادةً ما يُلقّب المرشد في الإعلام الرسمي الإيرانيّ بـ «وليّ أمر المسلمين»، وَمِن ثَمَّ فإنّ تحديد الحكومة الولائية ضمن رقعةٍ جغرافيةٍ خاصّة هو من باب الاضطرار فقط، بعبارة حجّة الإسلام محسن كديور [74].
ووَفقًا للقراءة المعتمدة للنخبة الدينية الإيرانيّة ومُنظّري التيار الولائي فإنّ منصب المرشد الأعلى إنما هو بالتنصيب لا بالاختيار، ودور مجلس الخبراء إنما هو دورٌ كاشف، لا مؤسِّسٌ. وولاية الفقيه ولايةٌ مطلقةٌ تشمل ما هو دينيّ وَما هو دنيويّ.
وهذه الأبعاد الثلاثة (ولاية المرشد خارج الحدود، وشمول الولاية للدينيّ وَالدنيويّ، وابتناء الولاية على النصب لا الاختيار) هي المتحكمة في فلسفة النخبة الدينية وجماعة الفقهاء الإيرانيين في العلاقة مع الداخل المذهبي والجغرافي، ومع الخارج المذهبي والجغرافي أيضًا.
وهذه الفلسفة التي يعتمدها الولائيون، تُواجَه بصدود وعدم رضاءٍ مِن التقليديين النجفيين والقُمّيين على السواء، فثمة خلافاتٍ عميقةٍ بين المدرستين: الولائية والتقليدية بخصوص النظرية السياسيّة ومتعلقاتها.
وقد حاول الإيرانيون «الولائيون» السيطرة على النجف منذ نجاح الثورة العام 1979م، إذ إنَّ الشاه لم يسع لهذه السيطرة مِن قبل لأنّه علمانيّ لا يتبنى مشروعًا دينيًّا حركيًا، ولأنّه أيضًا هدف إلى نقل الثقل الشيعي إلى النجف بعيدًا عن قمّ كي يتجنب الصراع المستمرّ مع الحركيين مِن رجال الدين.
في حين أنّ نظام ما بعد 1979م هو دينيّ صرف، يصارع النجف على المذهب داخليًا ويُصارع المؤسَّسات الدينية كالأزهر، وكذلك العواصم السنية المركزية مثل مكة والمدينة ودمشق وإسطنبول، والقاهرة، على الدين خارجيًا، فالمعركة عنده هي معركة صراعٍ على الإسلام وتمثيله، وعلى توجه ولاءات المسلمين.
وتبَنَّى الإيرانيون إستراتيجيةً عمليةً في هذا الصراع الدائر حول الدين والمذهب، تشكلت مِن مسارين: تعلَّقَ المسار الأوّل، بخلق جيوب وأذرع صُلْبة على غرار نموذج الحرس الثوري الإيرانيّ، كَـ «الحشد الشعبي» في العراق، وَ«حزب الله» في لبنان، وَ«أنصار الله» في اليمن.
وتعلَّق المسار الثاني بتخليق بيئةٍ دينيةٍ مواليةٍ لطهران، وموازيةٍ للنجف ومنافسةٍ لها في ذات الوقت بغية إضعافها إنْ لم يتمّ السيطرة عليها بمرور الوقت خاصةً بعد رحيل المرجعية العليا الحالية -الممثلة في آية الله السيستاني-التي تدرك إلى حدّ بعيد تلك التعقيدات وخرائط الصراع التي تمرّ بها الجماعة الشيعية ومدى الضغوط الإيرانيّة عليها. ولمْ يكن الاستثمار في خلق هذا الهلال الشيعي مصادفةً أو محض عشوائية بل كان نتيجة تخطيطٍ إستراتيجيٍ عملت عليه النخبة الدينية الحاكمة منذ نجاح الثورة وحتى اليوم، وقد سمّاه أحد المقربين مِن الخمينيّ بـ «البحر الشيعي الممتد من حدود باكستان حتى البحر المتوسط» [75].
لكن لم يسلم هذا الهلال مِن نتوءاتٍ عكّرت مزاج الإيرانيين، إذ بدى أنه غير صُلب، وتعتريه هشاشة بسبب الطرائق التي أدار بها الإيرانيون علاقتهم مع الدول الوطنية ذات السيادة، ومع الجماعات المحلية دون الدولة، خاصةً فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصاديَّة وَالسياسيَّة وَالاجتماعيَّة، بل وربّما المذهبية، علاوةً على حالة الاستعلاء الإيرانيّ القوميّ تجاه تلك المجتمعات.
بدت هذه الهشاشة جليّةً في تلك الانتفاضة العارمة التي شهدتها المناطق الشيعية في العراق ولبنان، وما رافقها مِن هتافات ضد إيران وتمزيق لصور المرشد الإيرانيّ، ومحاولات اقتحام للمقرات الدبلوماسية الإيرانيّة في عواصم التشيع التاريخية كما حدث في النجف وكربلاء.
وبدا على السطح أيضًا ذلك الخلاف التاريخيّ بين النجف والأطروحة الخمينية، المستمرّ منذ آية الله محسن الحكيم الذي اختلف كثيرًا مع الخمينيّ عندما كان في النجف، ثم خليفته آية الله الخوئيّ الذي اختلف أيضًا مع الخمينيّ لكن بمواجهةٍ أعمق، ومنافسةٍ أشدّ، ثمّ في صورته الراهنة بين آية الله السيستاني والمرشد الإيرانيّ علي خامنئي، فلم ترضخ إيران قطّ لمرجعية النجف منذ الخمينيّ الذي ذهب إلى النجف بوصفه مرجعيةً حركيةً يبحث عن بيئة تقليدٍ وَنفوذ، لا كمُقلّد وتابع للنجفيين، ولم ترضخ النجف هي الأخرى لإرادة الإيرانيين ولا لفلسفتهم، وتنظرُ إليهم بريبة وشكّ.
خاتمة: تدميرُ الذات.. تآكل الهلال الشيعيّ
مِن اللّافت للنظر هو انتفاضة الناس في العواصم المركزية للتشيع ضد الهيمنة الإيرانية وأذرعها المحلية، فهذا الحراكُ الشيعيّ يُعتبر أول تمرّدٍ عريضٍ ضد التبعية للوليّ الفقيه في إيران، في قلب العواصم التي عدَّتها إيران يومًا مّا جزءًا مِن مجالها الحيويّ الصلب، لكن مؤشرات هذا الحراك تدلّ على أنّه كان ثَمَّة تضخيمٌ متعمدٌ مِن الجانب الإيرانيّ للقوة الإيرانية في المنطقة، وللهلال الشيعي والأذرع العسكرية الإيرانية، وأنَّ ثَمَّة هشاشةً في بنية هذا الهلال، هشاشةً مذهبيةً، وَسياسيةً، وَاقتصاديةً، أدت إلى انفجار الجماهير.
والحقيقةُ أننا شهدنا تمرداتٍ داخلية ضد ولاية الفقيه في إيران في أعوام 2009م، وَ2017-2018م، بقوة وبكثافة، وانتشرت حتى عمت كافة المدن الإيرانية، ولا يزال قطاعٌ عريضٌ ممّن شاركوا فيها قيد الاعتقال أو الاختفاء القسريّ. هذه التمردات تزداد وتتسع رقعتها وفاعليتها في أوقات الأزمات، ويدرك النظام ذلك جيدًا فيحاول دومًا تخليق أعداء وصناعة هاجس مظلومية واستشعار للخطر في جانب الأمّة الإيرانية والمذهب الشيعي، مما يكفل له تماسك العصب الإيرانيّ، في مواجهة الخطر المتوهَّم الخارجيّ، والأعداء المحيطين بإيران ممن يريدون القضاء عليها. فتمّ صناعة العدو التركي، والعدو السعودي، والعدو الأمريكي، وهلم جرّا. والمتابع للصحافة اليومية الإيرانية وخطابات النخب الدينية والسياسية يدرك بأدنى وهلة صناعة الأعداء وزيادة وتيرة النبرة الإيرانية للتحذير من تلك المخاطر المحيطة بالأمة الإيرانية والحضارة الإيرانية. لكن ومع زيادة معدلات الفقر والفساد، والاستبداد، داخليًا، ما عاد يجدي هذا الخطاب مع الناس التي مسّها الضرّ بفعل النخبة الحاكمة.
قريبًا مِن هذا حدث على المستوى الخارجي إذ بعدما انتصر العراقيون على تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وهُزم العدوّ الحقيقيّ واستردوا المدن المحتلة، بدأ الناس يطالبون بحقوقهم في الحياة الكريمة، والمشاركة السياسية العادلة.
أيضًا فإنّ النجف ضاقت ذرعًا بالنفوذ الإيرانيّ في العراق، ومحاولتها كبح النجف، وتخليق مرجعياتٍ موالية لها، على خلاف الميراث الحوزويّ، والدرس الفقهي التاريخي المعتمد نجفيًا وَشيعيًا، وترى النجف أنها أصل التشيع، وأنها الامتداد الطبيعيّ للأئمة المعصومين وَمن بعدهم، وفي نفس الوقت يرى الوليّ الفقيه أنّ ولايته تمتدّ حتى على فقهاء النجف، ويتجاوزهم في كثيرٍ مِن الأحايين. وَمِن ثَمَّ فإنّ النفوذ الإيرانيّ في العراق على مستوى المذهب والسياسة هو نفوذٌ غير خالص، ولا يُمكن الجزم بديمومته على المدى البعيد.
إذن نحن أمام مواجهةٍ شيعية-إيرانية، الجماعة الشيعية تُواجه إيران في الداخل والخارج، فخطاب الثورة، لم يعُد يغري هذه الفئات لأنّ إيران ترفع شعار الثورة، وتقمع ثورتهم، في نفس الوقت. ترفع شعار «هيهات منّا الذلة»، وتذيقهم سوء القنص والمعتقلات، والاستبداد، والفساد. فأدرك الناس ازدواجية الخطاب الإيراني، وتوظيفه للدين، واستغلاله للمذهب. ولذا فإنّ إيران ومع ديمومة سياستها فإنها تدمر ذاتها، وسيأتي يومٌ تواجه فيه الجماعة الشيعية برمتها، وَمِن ثَمَّ فإنَّ أفضل إستراتيجيةٍ لمواجهة إيران هي إخلاء الساحة لها كي تستمر في استفزاز أبناء طائفتها الذين باتوا يدركون جيدًا عدوّهم الحقيقيّ.
حينما أراد العراقيون واللبنانيون أن يتوحدوا تحت رايةٍ وطنيةٍ واحدةٍ وأنْ ينبذوا الطائفية والمحاصصة، فوجئوا أنّ القادة يرفضون العدول عن المحاصصة، وفوجئوا أنّ الإيرانيين وأذرعهم المحلية ينفخون في أوتار المذهبية والطائفية كي تتحول التظاهرات/ الثورات إلى تطاحنٍ طائفيّ، واشتباكٍ مذهبيّ، وحينئذ تبرز إيران كنصير وحاضن لطائفتها ومذهبها، كعادتها في ذلك التوظيف.
وأخيرًا، فإنّه وبغض النظر عمّا ستؤول إليه أحداث انتفاضتيْ العراق وَلبنان فإنّ الإيرانيين خسروا جزءًا كبيرًا مِن هيبتهم المذهبية، إذ لم تتوقع الجماعة الشيعية أنْ يتوجه السلاح الإيراني صوب رؤوسها في يومٍ مِن الأيّام، وإنّ تلك الهشاشة فيما ظنته إيران هلالًا شيعيًّا مواليًا لها، آخذة في التمدد لا محالة بفعل الأجيال الجديدة التي لا يروقها خطابات الأيديولوجيا والإسلام السياسيّ، بقدر ما تريد حياةً كريمةً على الأرض.
المراجع
[1] جبريل العبيدي، مظاهرات العراق… ثورةٌ ضد التغلغل الإيراني، الشرق الأوسط، 6 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nywوالعربية نت، العراق.. قتلى وجرحى وفرض للطوارئ وهتافات ضد إيران، 3 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nyx-
[2] منظمة العفو الدولية، العراق: مشاهد مروعة للجوء قوات الأمن إلى استخدام القوة المميتة لتفريق احتجاجات كربلاء، 29 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/np2
[3] بي بي سي: مظاهرات العراق: متظاهرون في مدينة كربلاء يحاولون اقتحام القنصلية الإيرانية، 4 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/not والجزيرة نت: ليلة رعب جديدة.. خفايا مثيرة عما يجري في كربلاء، 4 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nou والجزيرة نت: غضب المتظاهرين العراقيين يمتد إلى القنصلية الإيرانية في كربلاء، 4 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nov
[4] الحرة: إيرانيون يعلقون على حرق قنصلية بلادهم في البصرة، 7 سبتمبر2018م. http://ksa.pm/nyy
[5] الجزيرة نت: بالصور.. مظاهرات البصرة تعود من جديد، 29 يونيو2019م. http://ksa.pm/nyz
[6] القدس العربي: العراق: حملة الشهادات العليا يتحدّون القمع ويجددون تظاهراتهم للمطالبة بفرص عمل، 26 سبتمبر2019م. http://ksa.pm/nnn والعتبة الحسينية المقدسة: تعرف على موقف المرجعية الدينية العليا مِن حملة الشهادات العليا وماهي الكلمة التي وجهتها للحكومة والجهات النيابية، 26سبتمبر2019م. http://ksa.pm/nno
[7] بي بي سي: مظاهرات لبنان: الجيش يتضامن مع المتظاهرين ونصرالله يحذر “سوف ننزل إلى الشارع ونغير المعادلات”، 19 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nz1
[8] الموقع الرسمي للجيش اللبناني: بيان حول التحركات المطلبية للمتظاهرين، 19 تشرين الأول 2019م. http://ksa.pm/nz7
[9] سي إن إن بالعربي: رد متظاهرين على كلمة حسن نصرالله امين عام حزب الله.. مقاطع فيديو تبرز بتويتر، 20 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nz8
[10] الحرة: “ثورة.. ثورة” من بيروت إلى “مناطق حزب الله”.. والأمن في الشارع، 18 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nz9
[11] رابط تدوينة خامنئي، بتاريخ 6 أكتوبر2019م. https://twitter.com/ar_khamenei/status/1180922270535032833
[12] هو أحد فلاسفة النظام ومُنظّريه المعاصرين، وُلد سنة 1934م، أخذ عن الطباطبائي، والخمينيّ. وهو من الصقور المتشديين في نظام ولاية الفقيه.
[13] محمد تقيّ مصباح اليزدي: “آنجه روشنفكران مذهبى ادعا ميكنند، انكار دين است”، رضا صنعتي، كفتمان مصباح، ص658.
[14] صادق حقيقت، توزيع السلطة في الفكر السياسي الشيعي، ترجمة حسين صافي، ط1/ مركز الحضارة بيروت 2014م، ص294.
[15] محمد تقي مصباح اليزدي: صحيفة خرداد، 3/ 9/ 1999م، صحيفة آفتاب يزد 26مايو2001م، صحيفة نشاط 7يونيو 1999.
[16] صادق حقيقت، توزيع السلطة في الفكر السياسي الشيعي، ص295.
[17] توفيق السيف، حدود الديمقراطية الدينية، ص137.
[18] محمد تقي مصباح اليزدي: صحيفة آفتاب يزد 26مايو 2001م. نقلا عن توزيع السلطة ص305.
[19] الموقع الرسمي للمرشد الإيراني على خامنئي: الإمام الخامنئي: تحقّق مطالب النّاس المحقّة في العراق ولبنان متاح ضمن الأطر القانونيّة حصراً، 30 أكتوبر2019م. http://arabic.khamenei.ir/news/4806
[21]وكالة أنباء الحوزة، تحليل للشيخ عباس الكعبي: إنّ الإمام الخامنئي لم يصف التظاهرات السلمية والاحتجاجات المطلبية بأعمال الشغب، 3 نوفمبر2019م. https://cutt.us/oHBTl
[22] لا يزال إبراهيم رئيسي في رتبة حجة الإسلام، ولم يصل بعد لمرتبة آية الله، ومع ذلك ومنذ أن تولى السلطة القضائية بات الإعلام الرسمي الإيراني يصفه بـ “آية الله”. وكالة أنباء فارس: آية الله رئيسي: الفتنة الأمريكية السعودية في العراق تستهدف مسيرة الأربعين، 7 تشرين الأول 2019م. http://ksa.pm/o0r وراجع: مجموعة من الأخبار في إذاعة طهران تصفه بآية الله: http://arabicradio.net/tag/23491
[23] العربي الجديد: تظاهرات العراق تُقلق إيران: “فتنة أميركية سعودية” و”مندسّون”، 7 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzh
[24] وكالة أنباء فارس: حضور ۲۰ میلیون نفر در راهپیمایی اربعین برای دشمن سنگین است، لذا ایجاد مزاحمت میکند. ۱۲/۷/ ۱۳۹۸، تاريخ الاطلاع: 6 نوفمبر2019م. https://bit.ly/31PS3lK
[25] الشيخ ياسر عودة، رجل دين لبناني، ولد سنة 1969م، من أشهر الإصلاحيين الشيعة المعاصرين، تتلمذ على يد الشيخ حسين فضل الله. راجع: ياسر عودة … الشيخ الذي أثار جدلا واسعا، تقرير: يمنه فواز، منشور على يوتيوب بتاريخ: 29 أكتوبر2015م. https://www.youtube.com/watch?v=F8B9BryjCts
[27] تسنيم، آیتالله خاتمی: راهپیمایی اربعین جهان اسلام را معطر کرده است، 11 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nmm
[29] هو رجل دين وسياسي إيرانيّ، ولد سنة 1931م، عُين إمام جمعة مؤقت في طهران، ومن المناصب التي تولاها: الأمين العام لجمعية علماء الدين المجاهدين، وعضو مجلس الخبراء، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، وعُيّن رئيسًا مؤقتًا له بعد وفاة رفسنجاني. راجع: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة»: كرماني علي عرش رفسنجاني في مجمع التشخيص، 3 فبراير2019م. http://ksa.pm/nta
[30] خطبة الجمعة في طهران، المؤرّخة: 1 تشرين الثّاني، 2019م. نص الخطبة بالفارسية، وترجمتها بالعربية بواسطة الشيخ ميثاق العسر –رجل دين عراقيّ إصلاحي-على صفحته الرسمية بموقع الفيس بوك. http://ksa.pm/nzo
[31] وكالة تسنيم، خطيب جمعة طهران: بعض الجماعات المنحرفة تغلغلت بين صفوف الشعب العراقي، 1 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nml
[32] وكالة تسنيم للأنباء: الخارجية الإيرانية تعرب عن أسفها العميق للأحداث الأخيرة في العراق، 26 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/o0s
[33] أمد للإعلام: رغم الغضب الشعبي من التدخل.. مسؤول إيراني: “الاضطرابات في العراق ولبنان تستهدف اضعاف جبهة المقاومة”، 4/ 11/ 2019م. http://ksa.pm/nzq
[34] رويترز: حصري-فصائل تدعمها إيران نشرت قناصة في احتجاجات العراق، 17 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzr
[35] قال حيدر العبادي: “إنّ العدد الرسمي للشهداء في انتفاضة مطلع تشرين الذي أعلن عنه والذي ورد في تقرير اللجنة الوزارية للتحقيق 149 شهيد، ولكن عدد المتظاهرين السلميين الذين أصيبوا إصابات مميتة ولكنهم لم يموتوا أكثر من 400 متظاهر. بمعنى أنّ إطلاق النار كان بقصد القتل وليس لدفع المتظاهرين إلى التفرق والهرب”. راجع: في متناول اليد حيدر العبادي، تلفزيون الشرقية، حلقة منشورة على يوتيوب بتاريخ 22 أكتوبر2019م. https://www.youtube.com/watch?v=S2mU6tcC3G4 وبي بي سي: بلا قيود مع رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، حلقة منشورة على يوتيوب بتاريخ 20 أكتوبر2019م. https://www.youtube.com/watch?v=pBcY7pOdkqk
[36] DW: العراق: آخر حصيلة لضحايا التظاهرات بلغت 100 قتيل وأربعة آلاف جريح، 5 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzs
[37] DW: 63 قتيلا وآلاف الجرحى حصيلة احتجاجات العراق خلال يومين، 26 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzt
[38] منظمة العفو الدولية، العراق: هجمات مميتة للقناصة وترهيب المحتجين وحملة قمع مكثفة ضدهم، 9 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/noz
[39] سكاي نيوز: الحكومة العراقية تنفي قتل المتظاهرين.. وتتحدث عن طرف ثالث، 26 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzu
[40] DW: العراق: المحتجون يتحدون حظر التجول وعدد القتلى في ارتفاع، 3 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzv وبي بي سي: مظاهرات العراق: السلطات تحجب الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وانتشار وسم #العراق_ينتفض، 3 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzw
[41] بي بي سي: مظاهرات العراق: آلاف يكسرون حظر التجول في العاصمة بغداد، وقتلى ومئات الجرحى في مصادمات في كربلاء، 29 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nzx
[42] منظمة العفو الدولية: العراق: وقوع مجموعة من الإصابات الشنيعة المميتة بسبب اختراق قنابل غاز جديدة مسيلة للدموع جماجم المحتجين، 31 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/noy
[43] عربي21: أنصار حزب الله و “أمل” يعتدون على متظاهرين ببيروت (شاهد)، 29 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/np6 والحرة: “زعران” حزب الله يعتدون على المتظاهرين جنوبي لبنان، 23 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/np7 وأورينت نيوز: بالسكاكين والعصي.. عناصر من “حزب الله” يعتدون على المتظاهرين اللبنانيين (فيديو)، 29 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/np8
[44] شفقنا، سماحة السيد السيستاني “دام ظله”: لا يحق لأي جهة أو طرف إقليمي أو دولي مصادرة إرادة العراقيين، 1 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nmn
[45] مونت كارلو الدولية: العراق: المرجعية الدينية الشيعية العليا تدعو الحكومة لتغيير نهجها في التعامل مع مشاكل البلد، 4 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nng وشفقنا: موقف سماحة السيد السيستاني (دام ظله) من الأحداث الجارية في العراق، 4 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nnh
[46] السيستاني: الحكومة “مسؤولة عن الدماء الغزيرة” في احتجاجات العراق، 11 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nni وراجع موقع السيستاني على هذا الرابط: https://www.sistani.org/arabic/archive/26350/
[47] إيليفنت نيوز: بعد مقتل اثنين من المتظاهرين السيستاني يدعو قوات الأمن العراقية بضبط النفس، 25 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nnl وراجع خطبة السيستاني على موقعه الرسمي: https://www.sistani.org/arabic/archive/26351/
[48] موقع خامنئي: الإمام الخامنئي في مراسم تخريج دفعةٍ مِن طلاب جامعات الضباط للجيش: تحقّق مطالب النّاس المحقّة في العراق ولبنان متاح ضمن الأطر القانونيّة حصرًا. http://ksa.pm/np9
[49] شفقنا: سماحة السيد السيستاني “دام ظله”: عدم زج القوات القتالية في مواجهة التظاهرات السلمية، وليس لأي جهة أو طرف إقليمي أو دولي مصادرة إرادة العراقيين، 1 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nnj وكالة أنباء الحوزة، ممثل آية الله النجفي: موقفنا تجاه المظاهرات العراقية يطابق لما عرض عبر خطب الجمعة في الصحن الحسيني، 26 أكتوبر2019م.
[50] شفقنا، تصريح لمصدر مسؤول في مكتب سماحة السيد (دام ظلّه) حول بعض ما نُشر في وسائل الإعلام، 9 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nnk
[51] موقع آية الله السيستاني، استقبال سماحة السيد (دام ظله) لرئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، 11 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nte
[52] الإمام الحسين، المرجعية العليا تعلن عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع في البصرة وترفض إطلاق الرصاص على المواطنين، 7 سبتمبر2018م. http://ksa.pm/nnp
[53] الجزيرة نت، بسبب الاحتجاجات.. إيران توقف الرحلات الدينية إلى العراق، 3 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/npl
[54] راجع: محمد السلمي، ومحمد الصياد: الفقيه والدين والسلطة، ط/ مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية2017م، ص21- 22.
[55] توفيق السيف، ضد الاستبداد.. الفقه السياسي الشيعي في عصر الغيبة، ط/ المركز الثقافي العربي 1999م، ص17.
[56] راجع: رسالة إلى ثوار لبنان، منشور على يوتيوب بتاريخ 21 أكتوبر2019م. https://www.youtube.com/watch?v=Zl1vJwZR6j0
[57] راجع: الصفحة الرسمية للشيخ ياسر عودة على الفيس بوك، فيديو بتاريخ: 17 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nti
[58] جنوبية: بالفيديو الشيخ عودة رافضًا التخوين: سلامٌ على المحتجين، 10 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/ntc
[59] ياسر عودة، لماذا تخلقون الفتن بين أبناء الشعب الواحد؟، منشور على صفحته الرسمية على فيس بوك. http://ksa.pm/nth
[61] البديل العراقي، بيانٌ للشيخ اليعقوبي مرشد حزب الفضيلة يتملق به انتفاضة تشرين الباسلة، 31 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nnm
[62] راجع: السيد كمال الحيدري يدعو إلى إسقاط الطبقة الحاكمة في العراق ويتضامن مع المتظاهرين، منشور على يوتيوب بتاريخ 23 أكتوبر2019م. https://www.youtube.com/watch?v=ksHxylhjzQY
[63] جنوبية: محمد حسن الأمين يحي الانتفاضة البيضاء، 4 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nnr
[64] هو رجل دينٍ لبنانيٍّ، ولد سنة 1948م، وهو أول أمينٍ عام لحزب الله، قبل أنْ ينشقّ عليه، وله مواقفَ مناهضة لتدخل إيران وحزب الله في سوريا والعراق واليمن. وله ملاحظاتٌ كثيرة على العمل السياسيّ لحزب الله.
[65] راجع: خطبة الجمعة 1/11/2019: «وكونا للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا»، منشورة على يوتيوب بتاريخ 1 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/ntf وَعن مواقفه القديمة من إيران، راجع: بيروت أوبزيرفر، صبحي الطفيلي: ٣ دول يحكمها شيعة.. وهذا هو حالها، 25 أغسطس2018م. http://ksa.pm/ntg
[66] هو مرجعٌ دينيٌّ عراقيّ، ولد في كربلاء، سنة 1945م، وكان مُنظّرًا للتيار الشيرازيّ، قبل تشظي التيار وانشقاقه عنه بعد وفاة محمد مهدي الشيرازي. راجع: السيرة الذاتية على الموقع الرسمي للسيد محمد تقي المدرسي، على هذا الرابط: http://ksa.pm/ntb وراجع بعض أفكاره، في: بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، الحراك الشيعي في السعودية، ط1/ الشبكة العربية للأبحاث والنشر 2013 م، ص86 وما بعدها.
[67] وكالة أنباء الحوزة، آية الله المدرسي يحدد أبرز أسباب المظاهرات ويدعو العلماء لتوجيه الحكومة والوقوف مع الناس، 13 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nnv ووكالة أنباء الحوزة، المدرسي: آية الله المدرسي: ضرورة وجود قوى الضَّغط لتصحيح مسار الدولة وتنظيم الجماهير، 26 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nnw والمدرسي: كنز الأموال وسلب حقوق الناس سبب دمار البلاد، 13 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nnx
[68] وكالة أنباء الحوزة، آية الله المدرسي يجدد دعمه للمظاهرات السلميّة ويحذّر من التأثر بإعلام الفتنة، 10 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/npa
[69] جنوبية، رغم الاضطهاد رجال الدين الشيعة يشاركون في الحراك، 10 نوفمبر2019م. http://ksa.pm/nnt وَراجع: جنوبية، الشيخ كاظم ياسين للشيعة: ممنوع يكون فيه ضربة عصاية، 31 أكتوبر2019م. http://ksa.pm/nnu
[70] الشيرازي نت: بيان سماحة المرجع الشيرازي حول المظاهرات الأخيرة في العراق والأحداث الفجيعة التي تلتها، 30 صفر1441هجري. http://ksa.pm/nnq
[71] المعهد الدولي للدراسات الإيرانية: الإيرانيون يتظاهرون أمام حوزة رجال الدين… قراءة في السياقات والدلالات، 7 أغسطس2018م. http://ksa.pm/o0o
[74] محسن كديور، الحكومة الولائية، ترجمة السيد مهدي محمد حسن الأمين، ط/ مؤسَّسة الانتشار العربي 2015م، ص11.
[75] راجع: محمد حسنين هيكل، مدافع آيات الله، ط/ دار الشروق القاهرة 2009م، ص265.