♦ التوغل الإيراني في دول جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى
الـمـقـدمـة
تعد القارة الأفريقية، أو القارة السمراء كما يفضّل البعض وصفها، إحدى أوسع مناطق تضارب المصالح بين الدول الكبرى تاريخياً وحتى يومنا هذا, وذلك لما لموقعها من أهمية استراتيجية بإطلالها على بعض أهم ممرات التجارة العالمية، وغناها بالمصادر الطبيعية، لذا اجتذبت أنظار دول ناشئة في العقود الأخيرة، ومنها إيران، التي تبنت بعد نجاح ثورتها عام 1979 مفاهيم أكثر توسعية كتصدير الثورة وولاية الفقيه اللذين يعدان أبرز ملامح تلك الثورة.
فتصدير الثورة منصوص عليه في الدستور الإيراني في أكثر من موقع، وهو يلزمها بتصديرها إلى الدول والأقليات، فأصبح كما تزعم واجبها الأخلاقي لإنقاذهم من الهيمنة والظلم العالمي، وبذلك اتبعت إيران مناهج واستراتيجيات مختلفة في التعامل مع كل دولة وشعب، بما يتناسب مع مختلف التراكيب الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية، لتسهيل اختراقهم، وتأسيس قاعدة لها لنشر هذه المفاهيم.
وتلبست إيران عباءة الدين الإسلامي والتاريخ المشترك كاستراتيجية لها لتسهيل اختراقها لدول الشرق الأوسط، وهذا الدور جلي وواضح اليوم، ويقوم به الحوثيون في اليمن، والعديد من الأحزاب السياسية والمليشيات في العراق، والأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، وغيرهم من الجماعات المنتشرة في بلدان الدول العربية، والتي لم تخف تبعيتها لنظام ولاية الفقيه.
ولا يختلف الدور الإيراني في دول جنوب الصحراء الأفريقية كثيراً عما تقوم به في الدول العربية، ولكن عند النظر لدول جنوب الصحراء الكبرى يتطلب الأمر تغيير تلك العدسة التي نستخدمها لننظر لدورها في الشرق الأوسط، فالقارة الأفريقية تتميز بتراكيب اجتماعية وديموغرافيات متنوعة تختلف عما هي في الشرق الأوسط الذي تشترك غالبيته الساحقة في الدين واللغة والثقافة الإسلامية بشكل أوسع.
وعلى سبيل المثال، الأديان والثقافات في دول القرن الأفريقي تختلف عما هي عليه في دول الغرب والشرق الأفريقي، حيث تزيد أعداد المسلمين عما هي عليه في الدول الأفريقية الجنوبية، التي تغلب عليها الأديان الأخرى كالمسيحية، ويعد المسلمون فيها أقليات.
إن لإيران مصالح أخرى في توسعها في إفريقيا، وليست محصورة على تصدير الثورة، أو تأسيس لنظام ولاية الفقيه فقط، وإنما هناك مصالح اقتصادية وسياسية بحته، لذلك فمصالحها تختلف من دولة لأخرى، ومن منطقة لأخرى.
وتجاوزت إيران مرحلة التأسيس لنفسها هناك، إذ أوجدت منذ سبعينيات القرن الماضي قاعدة تضمن لها التغلغل بحرية أكبر في هذه الدول، لذا فهي اليوم في رأيي تعدت تلك المرحلة بكثير، وشرعت في مرحلة التوسع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أوساط تلك المجتمعات والدول، والتي أقدرها بأن تكون أطول مرحلة في خارطة طريقها للسيطرة على القارة الأفريقية، وتحجيم أدوار باقي اللاعبين في الشأن الأفريقي.
في هذه المرحلة تتبنى إيران عدة مداخل لتضمن استمراريتها وتوسعها، وكما أسلفت، فإن تنوع ديموغرافية القارة الأفريقية يجعل من الصعب عليها اختراق كل هذه الدول والثقافات والتراكيب بتبني منهج أو استراتيجية موحدة، لذا يتطلب تحقيق خططها أن تكون سياستها الخارجية هناك أكثر براغماتية، لتتأقلم مع تلك التنوعات.
ولكن هناك على الأقل مبدأ مشتركاً تتبناه إيران عندما تبرر لتلك الدول سبب تقاربها معها، وهو وجوب الوقوف معا لهزيمة الهيمنة الغربية، وتحرير شعوب البلدان التي تعاني من تلك الهيمنة، وتأسيس جبهة موحدة تكون إيران طرفاً أساسياً فيها لمواجهة نفوذ الدول المتسلطة بزعمها.
وهذا ما يكرره المسؤولون الإيرانيون خلال زيارتهم المتكررة لدول أفريقيا، منذ أول زيارة قام بها رفسنجاني في عام 1991 إلى السودان[1]، وصولاً إلى عهد روحاني… وهذا ما سنسلط عليه الضوء في هذه الورقة البحثية التي ستناقش مداخل وأهداف التغلغل الإيراني في أفريقيا، من خلال قراءة مفصلة لتغلغلها في دول جنوب الصحراء الأفريقية، واختلاف مناهجها باختلاف المناطق المركزية في تلك القارة كدول القرن الأفريقي ودول الغرب الأفريقي، وأخيراً دول وسط وجنوب – جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى.
» دول الغرب الأفريقي
تشهد سياسة إيران في دول الغرب الأفريقي توافقاً مع سياستها المتبعة في المنطقة العربية، التي تتركز على البعد الديني الذي تبرر به تدخلها في الشأن الداخلي لتلك الدول، إذ يشكل المسلمون الغالبية العظمى في معظم دولها، ولذلك أوجدت إيران لنفسها موطئ قدم في تلك الدول كنيجيريا والسينغال، وبدأت مرحلة التأسيس منذ السبعينيات والثمانينات بشكل خاص، وذلك تزامناً مع هجرة أعداد كبيرة من المهاجرين اللبنانيين من الطائفة الشيعية إبان الحرب الأهلية[2].
وفي دراسة قام بها الدكتور إم. سيي من قسم الدراسة الدينية في جامعة كيب كوست الغانية حول المجتمع الإسلامي في غانا، علق بأن التشيع بدأ يدخل غانا بعد قيام الثورة الإيرانية بعدة طرق، أهمها مساعدة المسلمين السنة “فقط”، عن طريق مراكزها الثقافية، خصوصاً في مناطق الشمال التي تتركز خدماتها فيها، ولم تكن تدعوهم للتشيع، بل على العكس كانت تقدم لهم تذاكر السفر لأداء العمرة سنوياً وترميم منازلهم.
ومن المهم أيضاً أنها لم تبن مساجد أو حسينيات في بداية الأمر، وإنما بدأ الأمر تدريجياً، فكانت تقوم بترميم مساجد السنة، وتنشر الكتب التي تروّج لثورتها فيها، حتى لاقت قبولاً واستحساناً في أوساط الشباب السني.
ومع بداية هجرة اللاجئين اللبنانيين في بداية الثمانينات، تزايد نشاط الدعوة الشيعية، وبدأت منظمات كمنظمة الكوثر في بناء المساجد وتنظيم الاحتفالات الدينية الشيعية كالاحتفال بيوم القدس وعاشوراء وغيرها[3].
واليوم تقدر الإحصائيات بأنه يوجد في غانا وحدها ما لا يقل عن 1.18 مليون ممن يتبعون المذهب الشيعي وهم في ازدياد.
وفي عهد رئيس غانا السابق، كانت إيران أكثر مرونة في أنشطتها على أراضي الشمال، بحجة مساعدة المسلمين والمهاجرين اللبنانيين، ومنها تزايدت وتيرة التشيع بين أبناء السنة، وبدأت في بناء العيادات الطبية والمدارس التي تروّج لها ولثورتها، وأبرزها الجامعة الإسلامية في غانا.
والحال لا يختلف كثيراً عن نيجيريا التي تحتضن اليوم نسبة كبيرة من الشيعة، رغم أنه لم يكن هناك أي وجود شيعي في نيجيريا قبل ثمانينات القرن الماضي نهائياً، ولا توجد إحصائيات ثابتة حول تعداد الشيعة في نيجيريا، ولكن يقدر تعدادهم بما لا يقل عن 3.5 مليون، وهناك مصادر أخرى توضح أن عددهم لا يقل عن 10 ملايين.
ويقود حملات التشيع في نيجيريا إبراهيم الزكزاكي الذي يترأس ما يعرف بالحركة الإسلامية النيجيرية، حيث قامت إيران باستقطابه بعدما رأت فيه انبهاره بثورتها وشعاراتها، فجمع لنفسه أتباعاً، ولم يقحمهم في السياسة إلا مؤخراً، في محاولة منه إلى استنساخ حزب الله اللبناني، والسيطرة على العملية السياسية في نيجيريا. وأخذ من مناطق الشمال، خصوصا في ولايتي كوتو وسوكوتو، ثكنة له وميليشياته، حيث عمل جاهداً للتخلص من النفوذ السني في تلك الولايات.
وكان أبرز ما قام به في هذا الصدد ما حدث في عام 2007 عندما اندلعت مواجهات عنيفة بين السنة والشيعة في تلك المناطق على إثر اغتيال الشيخ السني عمرو دانماشيا المعروف بعدائه لحملات التشيع[4].
وما ساعده في إبراز قوته يشرحه المدعي العام النيجيري عندما ذكر أن ألرز من دعم تأسيس الزكاكزي وجيشه هو عظيم أقه جاني، وهو أحد القياديين في فيلق القدس، وعلي أكبر طبطبائي وهو قائد عمليات فيلق القدس بأفريقيا والذي فر إلى فنزويلا لاحقاً.
وفي عام 2010، ضبطت السلطات النيجيرية شحنة أسلحة قادمة من ميناء بندر عباس في 13 حاوية مسجلة كمواد بناء[5]. ومن هنا بدأت الحرب على الزكاكزي وميليشياته، فكان آخرها عام 2015 بعد أن اندلعت مواجهات اتهمت فيها السلطات النيجيرية الزكزاكي بالتخطيط لاغتيال قائد الجيش النيجيري، فاقتحمت على إثره القوات النيجيرية مقره، وألقت القبض عليه.
أما على الصعيد الاقتصادي والتبادل التجاري الذي يعتبر إحدى أهم ركائز التغلغل الإيراني في القارة الأفريقية، فقد بدأ مع وصول هاشمي رفسنجاني لسدة الحكم ما بين 1989-1997، حيث أولى اهتماماً منقطع النظير لبناء جسور التعاون الاقتصادي في سياسته الخارجية مع الدول الأفريقية، وجذب الاستثمارات الاجنبية.
واستمرت هذه السياسة حتى وصلت ذروتها في فترة حكم محمود أحمدي نجاد الذي في عهده تأسس مصنع “إيران خودرو” للسيارات في السنغال في عام 2007 والذي يعد المصنع الأول من نوعه في السنغال ومنه تصدر إيران منتجاتها من السيارات إلى سائر دول أفريقيا وحتى تركيا بأسعار زهيدة.
تبعها توقيع شركة خودور لصناعة السيارات اتفاقية في عام 2007 أيضاً لتصدير سيارات الديزل والمعدات الثقيلة لدولة غينيا بما يقرب من ملياري دولار، تلاها بعد ذلك في عام 2008 لقاء بين البلدين لتوثيق التعاون أيضاً في مجالات الطاقة والزراعة والقطاع الخاص.
وقد خلق النمو الاقتصادي بين إيران ودول أفريقيا الغربية لها قبولاً في أوساط تلك المجتمعات، ما دعم حريتها في تغلغلها دينياً كما أسلفنا في نيجيريا. ومن ثمار علاقاتها الاقتصادية، التركز على فتح أسواق جديدة للاستثمار أمام القطاع الخاص الإيراني المحاصر والمتأثر بوطأة العقوبات في فترة ما قبل الاتفاق النووي. والأهم في ذلك أن تعزز علاقاتها مع الدول التي تملك اليورانيوم في غرب أفريقيا، كما حدث عندما تم اكتشاف اليورانيوم في غينيا، فهرعت إيران لزيادة تبادلها التجاري معها بنسبة 140%.
» دول القرن الأفريقي
أما في الشرق الأفريقي، أو ما يعرف بالقرن الأفريقي، فهناك ملاحظة على طريقة عمل إيران فيها، فمن المعروف أن التاريخ لا يمكن صياغته كما نشاء، ولا يمكن تبديل أو تغيير الحقائق التاريخية بحقائق تتناسب مع مصالحنا، فهذه الحقيقة لا تؤمن بها إيران التوسعية، لإيمانها بإمكانية إعادة صياغة التاريخ أو تغييره لإقناع عدد كاف من الأجيال الناشئة، ليكون مدخلاً لفرض وجودها التاريخي في الدول المستهدفة.
وتعلم إيران أنه لكي تنجح مثل هذه الاستراتيجية يتوجب عليها أن تبذل جهوداً مستمرة تمتد لأجيال حتى تنجح في إقناع أكبر قدر من الأجيال المستهدفة بأنهم – أي الفرس – كانوا الجزء الأهم في تاريخهم. ومن الملاحظ أنه ليس من الضروري أن تقوم إيران بهذا الدور بشكل مباشر كحكومة، وإنما عن طريق المؤرخين في الجامعات الإيرانية وبعض المثقفين المعروفين[6] في تلك البلدان كالبروفيسور عبدالشريف (Abdel Sheriff) في جامعة دار السلام في تنزانيا، وغيره الكثير في الدول المستهدفة[7].
وقد عرفت دول القرن الأفريقي وتحديداً الساحل الأفريقي والممتد على طول سواحل الصومال وصولاً إلى سواحل زنجبار تنزانيا على مر التاريخ بدخول الإسلام لها عن طريق رحلات التجار العرب، وما يؤمن به أهل هذه المناطق أن الوجود الإسلامي في تاريخهم جاء عن الطريق العرب فترة توسعهم في القرون الأولى للهجرة الإسلامية. ولكن الرواية الإيرانية تختلف عن هذه الروايات، وتدعي أن من أدخل الإسلام هم الشيرازيون القادمون من إيران، وأنتجت العديد من الأفلام الوثائقية على قنواتها لإقناع العالم والمسلمين هناك لأن الإسلام دخل فارسياً عن طريقهم من خلال الإمام الشيرازي علي بن الحسن[8].
ولا توجد إحصائيات موثقة عن تعداد السكان الشيعة في تنزانيا أو الساحل الشرقي الأفريقي بشكل عام، ولكن وبحسب التقرير الصادر حول حرية الأديان في تنزانيا لعام 2013 من وزارة الخارجية الأمريكية، فإن نسبة معتنقي الإسلام في زنجبار وحدها تصل إلى98%, نسبة السنة منها ما بين 80-90%، والباقي منها يتوزع على عدد من الفرق الشيعية يؤمن بها ذوو الأصول الآسيوية[9].
وفي دراسة قام بها الدكتور محمد شيخ علبو من جامعة ماونت كينيا، جمع فيها الكثير من المعلومات حول أنشطة الأقليات الشيعية في كينيا، ذكر فيها أن الفرق الشيعية في كينيا تنقسم إلى فرقتين رئيسيتين وهما الاثنا عشرية والإسماعيلية (البهورة). ومن المهم معرفة أن الفرقة الاثني عشرية هي الأكثر نشاطاً في الترويج للمذهب الشيعي رغم قلتهم، إلا أنه يتركز معظمهم في نيروبي ومومباسا وكوسومو وبعض المدن الرئيسية الأخرى. ويوكل هذا النشاط للمنظمات الشيعية وأبرزها منظمة بلال مسلم الخيرية التي أسسها السيد سعيد اختر رضوي، حيث أشار إلى أن أنشطتها تتركز في السواحل الشرقية، وتستهدف وتستقطب الشباب السني لا المسيحي في تلك المناطق عن طريق البعثات التعليمية والأنشطة الدينية المختلفة.
وأوضح الدكتور محمد نوه أيضاً أن هذه النسب في تزايد، وذلك يعود للدعم الذي تقدمه إيران لهذه المنظمات. وبالنظر لتاريخ المنظمة التي تنشط فروعها في الشرق الأفريقي، تجد أن السيد رضوي أسس هذه المنظمة بعد زيارته للمرجع العراقي السيد محسن الحكيم في سبعينيات القرن الماضي[10].
أما على الصعيد الاقتصادي، فالحال لا يختلف كثيراً عما تقوم به في سائر دول أفريقيا، ففي عام 2007 وصل التبادل التجاري بين إيران وإثيوبيا إلى35 مليون دولار، مرتفعاً من 19 مليون دولار مع نهاية عام 2004، وبحلول عام 2008 وقع البلدان عدة اتفاقيات لزيادة التعاون في مجالي الغاز والزراعة.
أما في كينيا، فقد عرضت إيران أن تساعدها في بناء محطات نووية والتعاون في المجالات الزراعية والمعدات والطاقة بشكل عام. ومن المهم ألا ننسى أن القطاع السياحي وبشكل خاص في دول القرن الأفريقي يعتبر من أهم مصادر الدخل الوطنية لتلك الدول ككينيا وتنزانيا، حيث تعرف دول القرن الأفريقي بجذبها للسياح الأجانب، فتجد الشباب الإيراني يتوجه لهذه الدول، ويؤسس شركات تخدم في هذا المجال، وأيضاً تجدهم نشطين في تأسيس شركات لتصدير الغاز الإيراني. التقيت كثيراً منهم في نيروبي وأصبحوا يمتلكون شركات سياحية وشركات للاستيراد في مشتقات النفط، أحدهم يدعى محمد مير جعفري الذي تعرفت عليه في عام 2013 من خلال أحد زملائي الأتراك، لم يكن وقتها يملك المال الكافي لتسديد إيجار سكنه، ولكن وبعد مرور عامين فقط إذ بي أعلم أنه افتتح فرعاً لإحدى شركات تصدير مشتقات النفط (Bitumen) الإيراني في كينيا تدعى سايريس بتروليوم والتي وكما جاء في موقعها شركة حديثة النشأة، وتعمل في عشر دول[11], وكذلك أحد زملائه والذي يملك اليوم شركة سياحية تعمل في كينيا وتنزانيا.
ولاحظت أنهم يعملون بطريقة أكثر تحرراً ولا يمتون بالدين بصلة, فهم ليسوا متدينين، بل على العكس تماماً, فتجدهم يستقطبون الفئة غير المسلمة من المحليين والسياح الأجانب.
ومن الملاحظ أن إيران استغلت ضعف وجود الشباب العربي المستثمر في القارة الأفريقية لزيادة نفوذها، وأصبحت تروّج لنفسها كقوة اقتصادية مسلمة لتجتذب لها الدولة الأفريقية. وأخيراً تقوم أيضاً بدعم بعض دول الشرق الأفريقي مادياً ومعنوياً لكسب موقعها الاستراتيجي كالحال مع إريتيريا التي منحتها إيران قرضاً بقيمة 25 مليون يورو في عام 2009 بعد زيارة قام بها الرئيس الإريتيري، وكما هو معروف أيضاً فإيران تمتلك قاعدة عسكرية في إريتيريا مكنتها من دعم الحوثيين خلال عاصفة الحزم.
» دول وسط وجنوب – جنوب الصحراء الأفريقية
تعرف غالبية دول هذه المنطقة بأنها غير مسلمة، فنسبة المسلمين فيها ما زالت ضعيفة، وما زالوا يصنفون كأقليات دينية، لذلك فإيران تركز كثيراً على بناء علاقات اقتصادية وسياسية قوية بعيداً عن الدين.
إن مناطق وسط وجنوب – جنوب أفريقيا أيضاً معروفة بوفرة مصادرها الطبيعية كالنفط واليورانيوم. فعلى سبيل المثال أنغولا ذلك البلد الغني بالنفط، قامت إيران في عام 2009 ولصالح شركة النفط الوطنية الأنغولية ببيع ما نسبته 20% من مشروع حقل الغاز بارس الجنوبي-12 (South Pars-12 project)، أي ما يعادل 1.5 مليار دولار. وأيضاً ومن هذه الدول دولة جنوب أفريقيا التي تربطها علاقة متينة جداً مع إيران في مجالات عدة أبرزها النفط الذي كان أساس نشأة العلاقات الإيرانية – الجنوب أفريقية في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين بحلول عام 2007 إلى أربعة مليارات دولار مدفوعة بالصادرات النفطية، ورغم العقوبات الدولية على إيران وعلاقاتها الحميمة مع أمريكا ما زالت جنوب أفريقيا حليف إيران الرئيسي في جنوب -جنوب الصحراء الأفريقية وعلاقاتهما في تزايد، إذ نتج عن هذا التعاون أيضاً منح إيران شركة (MTN) الجنوب أفريقية رخصة التشغيل على أراضيها، وما بين عامي 2007-2008 غطت تلك الشركة ما نسبته 40% من شبكة التغطية للهاتف النقال[12].
إضافة إلى ذلك فإن من أبرز الدول التي تهتم بها إيران في دول الوسط الأفريقي هي جمهورية الكونغو الغارقة في الحروب الأهلية والغنية باليورانيوم، فتصدر الكونغو ما تحتاجه إيران من اليورانيوم وبشكل غير رسمي، حتى لا تكون الحكومتان طرفاً في مثل هذه الصفقات، ومن أبرز الأحداث التي حصلت ما جاء في التقرير الأممي عام 2006 الذي أبلغت عنه تنزانيا الأمم المتحدة بأنها أوقفت شحنة من اليورانيوم مصدرها جمهورية الكونغو، وأن الشحنة كانت في طريقها لإيران، إلا أن جمهورية الكونغو تنكرت لما جاء في التقرير[13].
وهذا التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين إيران ومعظم دول تلك المنطقة وعلى الأخص الدول الفاعلة على المستوى الدولي، والدول الغنية باليورانيوم، له أهداف استراتيجية لإيران، فالاهتمام ببناء الشراكات والعلاقات المتينة مع دول جنوب – جنوب الصحراء الأفريقية تحديداً يعطي لنا تفسيراً لما تسعى إيران له، وذلك من خلال معرفة ماذا تملك تلك الدول من نقاط قوة. فتستفيد إيران من خلال بناء علاقات متينة معها في كثير من الجوانب، أهما كان الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي في تلك الفترة لتفتح لنفسها أبواباً أخرى تستطيع من خلالها تعويض ما تفشل في تحقيقه في بلدان ملتزمة بفرض العقوبات الدولية عليها، وترفض التعامل معها. فتستغل حاجة الدول الأفريقية للخدمات والصناعات الأقل كلفة، فتقوم بتوفيرها لها.
وتسعى إيران لاستقطاب هذه الدول في المحافل الدولية لإنقاذها من تمرير عقوبات دولية عليها في العديد من الملفات، كملفات حقوق الإنسان وبرنامجها النووي, فنجحت إيران في إسقاط قرارات دولية، مستخدمة أصدقاءها في دول جنوب – جنوب الصحراء الكبرى, وما حدث خلال تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية، ففي يوليو 2008 والذي أشار لاستمرار إيران في تخصيب اليورانيوم استخدمت إيران عضوية جنوب أفريقيا في مجلس الأمن لتكون صوتها للدفاع عنها ضد إقرار أي قرار يتعلق بإضافة مزيد من العقوبات على إيران، وفي مارس 2008 أيضاً كرر سفير جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة رفض بلاده المساعي الأمريكية والإسرائيلية لمحاصرة البرنامج النووي الإيراني بفرض مزيد من العقوبات، بل قام بدعم حق إيران في امتلاك التقنية النووية، ورفع كافة العقوبات لخلق أرضية لإنهاء الملف دبلوماسياً.
ورغم تمسك بلاده بعدم انتشار الأسلحة النووية، إلا أن موقفها مع إيران يجعلها تدافع عن حقهم في امتلاكها. لذلك من المهم عدم التقليل من أصوات الدول الأفريقية في المحافل الدولية، حيث تمثل تلك الدول ثلث مقاعد منظمة الأمم المتحدة، لذلك يكرر المسؤولون الإيرانيون تعبيراً منهم عن أهمية أفريقيا لهم بترويجهم لفكرة تشكيل جبهة أفريقية – إيرانية لمواجهة التعنت والهيمنة الغربية والمستعمرين, فتعلم إيران جيداً مدى عقدة الأفارقة من سيطرة قوى الاستعمار، لذلك تحاول إيران إظهار نفسها بصف تلك الدول التي تواجه الاستعمار بثورتها كما جاء على لسان علي لاريجاني في نوفمبر 2010 عندما قال: “تنظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدول افريقيا بنظرة خاصة، وبطبيعة الحال، فإن استراتيجية الجمهورية الإسلامية تقوم على محاربة الاستعمار والاستكبار العالمي وكذلك الدفاع عن المظلومين، وخاصة الدول الأفريقية.”[14]
ورغم الانتقادات التي واجهتها حكومة نجاد لاعتمادها على دول أفريقية لا تستطيع الخروج عن إرادة الدول المانحة كأمريكا وبريطانيا وغيرهما لتنضم للتكتل الإيراني، كما حدث في عام 2010 عندما صوتت نيجيريا وأوغندا على إضافة المزيد من العقوبات على إيران من قبل الأمم المتحدة، حيث لاقت كل استثمارات نجاد في استقطاب أصواتها لإسقاط القرارات الدولية بالفشل.
♦ نتائج الدراسة
النتائج التي خرجت بها الدراسة:
استطاعت إيران وفي فترة قياسية أن تؤسس لنفسها في أفريقيا مكانة قوية ونفوذاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وما زالت توسع دائرة هذا النفوذ.
نجحت إيران في نشر المذهب الشيعي في دول لم يكن بها وجود شيعي من قبل.
تستغل المنظمات الإيرانية غياب المنظمات العربية المدعومة للقيام بالأعمال الخيرية.