عوامل القوة والضعف في الاستراتيجية الأمريكيَّة تجاه إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=15131

تحميل الدراسة بصيغة PDF

حدَّد الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب هدف إدارته، وهو الوصول إلى صفقة جديدة مع إيران تضمن تعديل سلوك النِّظام الإيراني، وأوضح وزير الخارجية مايك بومبيو ملامح هذا التعديل المطلوب في اثني عشر بندًا، تعالج بالأساس ثلاث قضايا رئيسية: الخلل في الاتِّفاق النووي، والقدرات الصاروخية الإيرانيَّة، وسلوك النِّظام الإيرانيّ المهدِّد للأمن والاستقرار الإقليميَّين. واعتمد ترامب استراتيجية «الضغوط القصوى»، للوصول إلى هذه الصفقة، وتُعَدّ العقوباتُ الرافعةَ الأساسية ضمن هذه الاستراتيجية. وتختبر إدارة ترامب استراتيجيتها عبر التصعيد التدريجي مع عرض الجلوس إلى طاولة التفاوض، من أجل التوصل إلى اتِّفاق جديد.
في هذا الإطار تحاول هذه الورقة أن تقدِّم إجابة عن تساؤل رئيسي حول مَواطن القوة والضعف في استراتيجية «الضغوط المكثفة» الراهنة وأثرها في تحقيق هدف تعديل سلوك إيران، وذلك من منطلق أربع فرضيات رئيسية:
– أن الاتِّفاق النووي ترك أمام إدارة ترامب جملة من التحديات في ما يتعلق بالملفّ الإيرانيّ، والوصول إلى اتِّفاق جديد يحتاج التغلُّب على تلك التحديات.
– أن التصعيد الأمريكيّ التدريجي في إطار استهداف تعديل سلوك إيران قد يمكِّن من الوصول إلى لحظة تفاوض مع إيران دون ردود فعل غير متوقَّعة تُربِك المشهد الإقليمي أو الدولي، إلى جانب وصولها إلى تلك اللحظة وهي منهكة بحيث تقلِّص مكاسبها المتوقَّعة في عملية التفاوض إلى الحَدّ الأدنى.
– أن تغليب الصراع على التعاون بين الولايات المتَّحدة والأطراف الدولية الفاعلة في النِّظام الدولي، يفرض تحديات حقيقية أمام إنجاز الاستراتيجية التي تتبناها إدارة ترامب.
– أنه كلما اتسمت الاستراتيجية الأمريكيَّة بالتكامل والتوازن بين عناصرها كافة، حقَّقَت هدفها في تعديل سلوك إيران وحرَمَتها فُرَص المناورة وكسب الوقت.

أولًا: عوامل قوة الاستراتيجية الأمريكيَّة تجاه إيران
تحتلّ الولايات المتَّحدة المكانة الدولية الأهمّ بفارق كبير عن غيرها من القوى الدولية، وتدعم هذه المكانة استراتيجية الضغوط القصوى التي تتبعها الولايات المتَّحدة تجاه إيران، وتظهر عوامل قوة هذه الاستراتيجية في عدد من العناصر كالتالي:
1- القدرة على حظر التعاملات المالية الواقعة ضمن نطاق العقوبات
تكتسب العقوبات التي تمارسها الولايات المتَّحدة على التعاملات المالية الإيرانيَّة قوتها من القدرة الأمريكيَّة الهائلة على السيطرة على حركة الأموال والتعاملات المالية دوليًّا بفعل قوة ومكانة الدولار الأمريكيّ[1]، كما أن القانون الأمريكيّ يخوِّل إلى الرئيس ترامب فرض عقوبات على «جمعية الاتصالات المالية العالَمية بين المصارف»، وهي المؤسَّسة الرئيسية المستخدمة لتحويل الأموال بين البنوك في جميع أنحاء العالَم [سويفت]، وعلى مديريها، وذلك في حال رفض هذه الجمعية فصل البنوك الإيرانيَّة عن التعاملات المالية الدولية، ويمكن للرئيس أن يستخدم صلاحياته التنفيذية لوضع أعضاء مجلس إدارة وكبار مسؤولي البنك المركزي الأوروبيّ وبنك الاستثمار الأوروبيّ والبنوك المركزية الوطنية ضمن قائمة الجزاءات الأمريكيَّة.
كذلك لوزارة الخزانة الأمريكيَّة سلطة استهداف الشركات الإيرانيَّة كشركات الشحن الوطنية وشركات الطيران والتأمين ومنظَّمة الطاقة الذرية التي كانت ضمن قائمة العقوبات التي وُقّعت في الرابع من نوفمبر 2018، بالإضافة إلى الشركات التي يملكها أو يتحكَّم فيها الحرس الثوري وصناعة الدفاع الإيرانيَّة، وتمثل هذه القطاعات نحو 20% من إجمالي القيمة السوقية لبورصة طهران المالية. ويمكن أن تفرض وزارة الخزانة الأمريكيَّة عقوبات على مجموعة الشركات التابعة للمرشد علي خامنئي التي تبلغ ميزانيتها 200 مليار دولار، بما في ذلك الصناديق والمؤسَّسات الخيرية، حيث يجمّد مسؤولو النِّظام أموالهم. كذلك يمكن أن يستخدم ترامب صلاحياته التنفيذية لاستهداف الشركات التي يملك فيها الحرس الثوري الإيرانيّ حصة، وتوسيع العقوبات لتشمل صناعات التعدين والبناء والهندسة في إيران، وأي قطاع آخر ذا أهمِّيَّة استراتيجية[2].
إلى جانب ذلك يمكن للولايات المتَّحدة فرض عقوبات تشمل الكيانات كافة من الدول والمؤسَّسات والشركات والأفراد الذين يخالفون برنامج العقوبات الأمريكيَّة. لهذا حرم ترامب -بمجرَّد تهديده بالانسحاب من الاتِّفاق النووي- إيران من ثمار الاتِّفاق[3]، فقبل أن تدخل العقوبات حيز التنفيذ خرج عديد من الشركات الكبرى من السوق الإيرانيَّة تحت تأثير التهديدات الأمريكيَّة، فضلًا عن إعادة عديد من الدول تقييم مواقفها وانتظار ما سيُسفِر عنه الموقف الأمريكيّ، بل عجزت دول كالاتِّحاد الأوربي عن توفير بديل للتبادل المالي عن الجمعية العالَمية (سويفت). يوضح حجمَ تلك القدرة التفاهماتُ التي دخلت فيها ثماني دول رئيسية مستوردة للنِّفْط الإيرانيّ في مفاوضات مع الولايات المتَّحدة لاستثنائها لمدة ستة أشهُر، فضلًا عن التزام دول أخرى وقف واردتها من النِّفْط الإيرانيّ وخروج شركات أخرى من السوق الإيرانيَّة بعدما رفضت الولايات المتَّحدة منحها استثناءً لاستمرار عملها، كشركة توتال التي اضطُرَّت إلى بيع نصيبها في حقل بارس النِّفْطي.
2- إمكانية التأثير على سوق النِّفْط وخفض الصادرات الإيرانيَّة
لدى الولايات المتَّحدة تأثير كبير على سوق النِّفْط، لأنها المنتج الثاني عالَميًّا، ومرشَّحة خلال فترة زمنية قصيرة لتكون المنتج الأول بمعدَّل 12 مليون برميل يوميًّا، متخطية روسيا التي يبلغ معدَّل إنتاجها 11.6 مليون برميل. ولأن النِّفْط يمثِّل المصدر الرئيسي للدخل القومي في إيران (كانت صادرات إيران 2.7 مليون برميل قبل توقيع العقوبات، وأصبحت بعد الرابع من نوفمبر 1.1 مليون برميل في اليوم)[4]، فقد صممت الولايات المتَّحدة عقوباتها لحرمان إيران من عوائد هذا المورد الحيوي، ليس هذا وحسب، بل إن الولايات المتَّحدة من خلال التعاون مع حلفائها يمكن أن تضمن استقرار سوق النِّفْط من خلال:
أ- تعويض أي نقص في السوق نتيجة خروج النِّفْط الإيرانيّ بعد توقيع العقوبات على قطاع الطاقة.
ب- تخفيض الأسعار من خلال زيادة المعروض في الأسواق، ولهذا الدور أهميته في نجاح أو فشل الاستراتيجية الأمريكيَّة تجاه إيران.
تمثل العقوبات النِّفْطية ركيزة مهمَّة في استراتيجية الضغوط القصوى التي تتبناها إدارة ترامب، ومنذ دخول العقوبات على قطاع الطاقة في الرابع من نوفمبر حيز التنفيذ ولفترة تمتد إلى ستة أشهُر فإن هذه العقوبات ستكون محلّ اختبار ومراجعة من الإدارة الأمريكيَّة لتحديد مساحات الحركة المتاحة والخيارات الممكنة[5]. وبقدر ما ينظر البعض إلى أن الاستثناءات التي منحتها الولايات المتَّحدة لثماني دول بالاستمرار في استيراد النِّفْط الإيرانيّ لمدة ستة أشهر تعكس ضعفًا في أحد عناصر الاستراتيجية، فإن هذه الاستثناءات -على العكس- تمَّت عبر الحوار والتفاهم مع هذه الدول، وهذا له دلالته، فضلًا عن أن بعضها يُعَدّ من حلفاء الولايات المتَّحدة الذين يمكن احتواؤهم، كما أن هذه الاستثناءات تمَّت ضمن اتِّفاق ونقاش حول تخفيض واردات هذه الدول من النِّفْط الإيرانيّ خلال فترة الاستثناء، وهو ما يعني أن الولايات المتَّحدة تملك الضغط على هذه الأطراف باستثناء روسيا والصين أو مساعدتها في إيجاد بدائل خلال فترة السماح.
3- العلاقة الاستراتيجية مع الحلفاء الإقليميين
لدى الولايات المتَّحدة حلفاء استراتيجيون يتفقون وينسِّقون معها من أجل الوصول إلى هدف تعديل سلوك النِّظام الإيرانيّ، بل يمكن القول إن هؤلاء الحلفاء وعلى رأسهم المملكة العربية السعوديَّة قد لعبوا دورًا مهمًّا في عملية إعادة تقييم الإدارة الأمريكيَّة الجديدة لدور إيران في مرحلة «ما بعد الاتِّفاق النووي»، وقد وفَّر هؤلاء الحلفاء، تحديدًا السعوديَّة، المناخ وقوة الدفع لنجاح استراتيجية ترامب، فقد كان خطر إيران كلمة مفتاحية في فهم توجُّهات السياسة الخارجية والدفاعية السعوديَّة، ولا شك برزت هذه التوجهات في مواجهة السياق الإقليمي الضاغط والتفكير في إعادة التموضُع الإقليمي لمواجهة تداعيات عدم الاستقرار التي صاحبت اتساع نفوذ إيران، وقد مهَّدَت التوجهات السعوديَّة لإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة واستعادة دفء العلاقات الأمريكيَّة-الخليجيَّة تحت شعار «مواجهة خطر إيران»[6].
تستفيد الولايات المتَّحدة من التنسيق مع حلفائها في المنطقة لفرض مزيد من الضغوط على إيران[7]، فعلى مستوى التنسيق الأمني تبذل الولايات المتَّحدة جهودًا لتشكيل تحالف أمني من أهدافه المعلنة مواجهة خطر إيران، وتأتي هذه الترتيبات في ما يطلق عليه البعض تشكيل «ناتو عربي»[8]، أو ما يُعرَف بـ«تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي»، وذلك بمشاركة خمس دول خليجية بالإضافة إلى مصر والأردن، وتجري خلال المرحلة الراهنة مشاورات بين الولايات المتَّحدة ودول هذا التحالف من أجل الوصول إلى الصيغة المناسبة والدور المنوط به، وذلك على الرغم من التحدِّيات العديدة التي تواجهه، لكن بأي حال يعكس هذا التحالف جانبًا من جوانب السياسات الأمريكيَّة لمواجهة النفوذ الإيرانيّ[9]. ويبدو أن هذا التحالف سيكون مظلَّة حماية إقليمية ذات طابع مشترك وبديلًا من مظلة الحماية الأمريكيَّة السابقة، وذلك على ضوء عدم الرغبة الأمريكيَّة في إعادة انتشارها العسكري في الشرق الأوسط.
وعلى مستوى التنسيق الاقتصادي، من المتوقَّع أن تعمل دول المنطقة، بخاصَّة الخليجية، على اتباع سياسة العصا والجزرة من خلال بناء علاقات مع الشركات التي اضطُرَّت إلى الانسحاب من السوق الإيرانيَّة أو تجميد علاقاتها التجارية معها ومنحها حصصًا استثمارية تنافسية في الأسواق المحلية من ناحية، ومن ناحية أخرى وقف هذه الدول أيَّ تعاملات تجارية مع الشركات التي تتجاهل العقوبات وتتعامل مع إيران. وأخيرًا يدعم الاستراتيجيةَ الأمريكيَّةَ تنسيقُ الولايات المتَّحدة سياساتها النِّفْطية مع دول الخليج، وهذا التنسيق:
أ- يمكن أن يخفض الأسعار.
ب- يوفِّر بديلًا نفطيًّا في السوق.
وهذا الوضع يمنح الولايات المتَّحدة فرصًا أكبر لتشديد العقوبات النِّفْطية على إيران[10].
4- المصداقية والقدرة على صناعة الزَّخْم والتأثير
اتسمت مواقف ترامب تجاه إيران بالجِدِّيَّة، واكتسبت مصداقية مع شروعه في تحويلها إلى سياسات واقعيه بدايةً من الانسحاب من الاتِّفاق النووي ثم استعادة كامل العقوبات على إيران، الأمر الذي أعطى الاستراتيجية زَخْمًا وتأثيرًا نفسيًّا كبيرًا، فقبل الانسحاب من الاتِّفاق النووي خلقت تصريحات ترامب ومواقفه أجواءً من الشك أخذها عديد من الدول والكيانات الاقتصادية العالمية في الحسبان، ومِن ثَمَّ حرم هذا الزَخْم إيران من الاستفادة الكاملة من الاتِّفاق[13].
أما بعد الخروج من الاتِّفاق النووي فقد تراجعت الصادرات النِّفْطية الإيرانيَّة، إذ خرج عديد من الشركات الكبرى من السوق الإيرانيَّة، وأغلبها شركات عاملة في قطاعات محورية للاقتصاد الإيرانيّ كالنِّفْط والغاز والطيران والبنوك والتأمين والنقل البحري والصناعة، وفي جانب آخر وقفت شركات أخرى تعاقدات سابقة مع إيران بمليارات الدولارات، كما قفز سعر الدولار الأمريكيّ أمام التومان الإيرانيّ في السوق الموازية بنسبة ارتفاع فاقت 110%، من 4200 تومان للدولار في نهاية ديسمبر 2017 إلى 9000 تومان للدولار الواحد في الرابع والعشرين من يونيو 2018، ثم وصل إلى 20 ألف تومان في شهر أغسطس، ثم انخفض واستقر نسبيًّا عند سعر 13-15 ألف تومان للدولار الواحد، ومؤخَّرًا خلال ديسمبر 2018 وصل إلى 10500 تومان. وفي غضون ذلك، ارتفع العجز في الميزانية الإيرانيَّة في الربع الثالث من السنة الحالية بشكل ملحوظ، وهو في تصاعد كبير مقارنة بالأشهر القليلة الماضية، كما أن نِسَب التضخُّم في البلاد وصلت حسب بعض التصريحات الرسميَّة إلى قرابة 35%، وبعض السلع الاستهلاكية من الموادّ الغذائية تضاعفت قيمتها بنسبة 400%.
نتيجةً لتلك الأوضاع زادت نسبة التذمُّر وعدم الرضا الشعبي نتيجة سياسات النِّظام وعدم تقديم حلول حقيقية للمطالب المتكررة للمجتمع والمشكلات التي يعاني منها، بخاصَّة في مجال تضخُّم الأسعار والبطالة وعدم دفع كثير من المؤسَّسات والشركات شبه الحكومية رواتب موظفيها، علاوة على ارتفاع سعر العملة الأجنبية وشُحِّها، واستمرار النِّظام في إنفاق الأموال على الميليشيات في المنطقة ودعم النِّظام السوري ماليًّا على حساب الداخل الإيراني[14].
5- القدرة على التأثير على شرعية النِّظام الإيرانيّ
مع الصعوبات الاقتصادية التي صاحبت الانسحاب الأمريكيّ من الاتِّفاق النووي، انفجرت الاحتجاجات الفئوية في إيران، وانضمّ إلى الاحتجاجات تجار البازار، واتسع نطاق الإضرابات، وارتفعت الشعارات التي تندِّد بالنِّظام ورموزه وسياساته في الداخل والخارج، وقد تَسبَّب ذلك في أزمة بين أجنحة النِّظام، وأُطيحَ بعدد من المسؤولين الماليين كمحافظ البنك المركزي وبعض الوزراء[15]، فضلًا عن توجيه لوم واسع إلى الرئيس حسن روحاني وتحميله مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي[16].
جاءت هذه التطورات متوافقةً مع الرهان الأمريكيّ على الداخل كأداة ضغط على النِّظام قد تُجبِره على الجلوس إلى طاولة التفاوض، وفي ظلّ تزايُد وتيرة الضغوط والتحديات الاقتصادية المصاحبة لها فإن الوضع الداخلي يجعل إيران بيئة مناسبة لفاعلية الاستراتيجية الأمريكيَّة التي تركِّز على تفجير الوضع الداخلي عبر حرمان النِّظام من الموارد اللازمة لتحقيق برنامجه الاقتصادي ومعالجة مشكلاته الداخلية، إذ سيكون في توفير العملات الأجنبيَّة صعوبة، وستواجه طهران صعوبات بالغة في تحصيل عائدات صادراتها النِّفْطية وغير النِّفْطية.
كذلك يعزِّز فرصَ نجاح الاستراتيجية «عجزُ النِّظام الإيرانيّ نفسه عن تقديم أي حلول لأزماته الداخلية التي تتسع رقعتها جغرافيًّا واجتماعيًّا، في ظلّ انهيار كبير في القطاع التجاري الصغير والمتوسط، وخروج هذين القطاعين تمامًا من السوق في ظلّ تدهور العملة المحلية والضرائب والعقبات البيروقراطية، فضلًا عن خروج مؤسَّسات حكومية مثل الحرس الثوري عن جميع هذه المعوقات عبر إعفاءات وتسهيلات حكومية، واعتماده أيضًا على التهريب وامتلاكه شركات حكومية تقدِّم تسهيلات مباشرة وغير مباشرة لشركات أخرى موالية له تحت أسماء مدنية»[17]، ناهيك بالفساد والفجوة الكبيرة بين النخبة والجماهير.
6- المواءمة والتدرُّج
بقدر ما تبدو الضغوط الأمريكيَّة المتدرجة لدى البعض عنصر ضعف ضمن الاستراتيجية الأمريكيَّة، فإنها في الواقع بمثابة سياسة بديلة عن ممارسة ضغوط حاسمة غير مأمونة العواقب، كما أنها تتواءم مع هدف تعديل السلوك لا تغيير النِّظام. هذا التدرُّج يضمن تضييق الخناق على إيران عبر مراحل لامتصاص ردّ فعله عبر سياسة النَّفَس الطويل، ودفعه في النهاية إلى طاولة التفاوض وهو في حالة إنهاك وعدم قدرة على المساومة والمراوغة، كما أنه في الوقت نفسه مسار يعطي فرصة للإدارة الأمريكيَّة لمراجعة استراتيجيتها وتقييمها، مع مزيد من الوقت لتكوين أكبر قدر ممكن من الإجماع الدولي ضدّ إيران، لا سيما أن عددًا من الأطراف الدولية المؤثرة غير راضٍ عن السياسة الأمريكيَّة تجاه إيران، بل إن بعضها لا يزال حريصًا على استمرار علاقاته مع إيران ومساعدتها على الالتفاف على العقوبات بالمخالفة للسياسة الأمريكيَّة، ناهيك بعدم إثارة بعض الأطراف التي لديها استعداد لتحدِّي السياسة الأمريكيَّة لإيران ومحاولة تليين مواقفها مع الوقت، وأخيرًا تَجنُّب ردود فعل إيرانيَّة غير محسوبة قد تضرّ بالولايات المتَّحدة أو حلفائها في المنطقة، لا سيما وأن إيران تهدِّد بوقف صادرات النِّفْط من المنطقة إذا ما حُرمت من تصدير نفطها[18].
كذلك لا تودّ الولايات المتَّحدة أن تفقد العقوبات جدواها، إذ سبق وحذَّر وزير الخزانة الأمريكيّ الأسبق جاك لو في خطاب في 2016، من «المخاطرة في أن يؤدِّي الاستخدام المفرط للعقوبات في نهاية المطاف إلى تقليص قدرة الولايات المتَّحدة على استخدامها على نحو فعَّال ودفع المعاملات المالية العالَمية والأعمال بعيدا عن الولايات المتَّحدة»[19].
7- تقويض الاتِّفاق النووي وتثبيت سقف التفاوض ليشمل مُجمَل سلوك إيران
لا شك أعادت استراتيجية ترامب إيران إلى دائرة الاستهداف وسلَّطَت استراتيجيته على جوانب خطرة في سلوك إيران وحددت سقفًا من الصعب على أي إدارة بعده أن تتجاوزه، لا سيما في ظلّ ما تَكشَّف من استفادة إيران من الاتِّفاق النووي وجَعْله وسيلة لتعزيز سياساتها ونفوذها وتوجهاتها بعيدًا عمَّا كان منتظَرًا بعد توقيع الاتِّفاق.
على ضوء ذلك يبدو من الصعب العودة إلى الحديث عن تفعيل الاتِّفاق مرة أخرى، بل سيكون هدف أي إدارة أو مسؤول هو الوصول إلى اتِّفاق جديد مع إيران لا يقتصر على المعالجة النووية وحسب[20]، بل حتمًا يجب أن يشمل تفاوُضًا حول مُجمَل سلوك إيران العدائي والتوسُّعي الذي يهدِّد مصالح الولايات المتَّحدة ومصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، فضلًا عن ضمان عدم الوصول إلى العتبة النووية في المستقبل، من خلال تغيير ما يُعرَف ببند الغروب في الاتِّفاق النووي، وهو خاص بانتهاء بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تدريجيًّا اعتبارًا من 2025، بما قد يسمح لإيران باستكمال برنامجها النووي[21].
النِّظام الإيرانيّ ينتظر نتائج الانتخابات الأمريكيَّة القادمة ومعرفة ما إذا كانت الإدارة الحالية سيُعاد انتخابها أم ستأتي إدارة على نمط الإدارة السابقة، لكن كل ذلك يُعَدّ مجازفة إيرانيَّة محفوفة بالمخاطر في ظلّ السقف الذي أعاد فيه ترامب تصنيف إيران دولةً مارقة تهدِّد مصالح الولايات المتَّحدة، بل وفي ظلّ اتِّفاق الدول الأوروبيَّة مع هذا التصنيف إلى حدّ كبير.
8- تواضع خيارات النِّظام الإيرانيّ في مواجهة الضغوط الأمريكيَّة
يصبّ تَواضُع نتائج السياسات الإيرانيَّة في مواجهة العقوبات، في تعزيز استراتيجية الضغوط التي تتبناها إدارة ترامب، فعلى سبيل المثال قد يؤدِّي عَجْز الدول الأوروبيَّة عن تلبية الشرط الإيرانيّ بفتح قنوات مالية بديلة وإيجاد حلول بنكية لتحفيزه على البقاء في الاتِّفاق النووي إلى انهيار الاتِّفاق من جهة، ويعزِّز الضغوط الأمريكيَّة على إيران من جهة أخرى، كما أن التعويل على استراتيجية المقاومة تجرِبة ثبت فشلها من قبل، لأن الاقتصاد الإيرانيّ اقتصاد ريعيّ يعتمد بصورة أساسية على عائدات النِّفْط، واتباع سياسات تقشفية وسياسات مالية لمعالجة الأزمة لن توقف حالة التدهور والتراجع التي يعاني منها الاقتصاد، وتنعكس بصورة أساسية على مستوى معيشة المواطنين الذين تزايد سخطهم ونقمتهم على النِّظام.
كذلك قد تحقِّق أساليب التحايل بعض النجاحات، لكنها في النهاية ستكون لتقليل الخسائر فقط لا لتجنُّبها، فالتأثير السلبي للعقوبات سيحدث لا محالة، فعندما عرضت إيران جزءًا من إنتاجها النِّفْطي في بورصة داخلية بسعر مخفض لم تجد مشترين، فاضطُرَّت إلى مزيد من خفض السعر لتتمكن من بيع بعضه. حتى في ظل اللجوء إلى المقايضة مع دول مثل تركيا والهند والصين واليابان، والاتِّفاق على دفع قيمة وارداتها من الطاقة الإيرانيَّة عبر العودة إلى الأساليب التقليدية القديمة جدًّا، فإن هذه الطريقة ستكون مفيدة بالدرجة الأولى للدول المستوردة للطاقة الإيرانيَّة لضمان تصريف مُنتَجاتها، وجعل طهران مرهونة لها، مِمَّا يجعل المعاناة الإيرانيَّة مستمرة في عدم حصولها على العملة الصعبة، ومِن ثَمَّ ستستمرّ الضغوط الاقتصادية تدريجيًّا، وهذا كلّه سيصبّ في صالح الولايات المتَّحدة وسيعزز استراتيجيتها.

ثانيًا: عوامل الضعف في الاستراتيجية الأمريكيَّة تجاه إيران
على الرغم من عناصر القوة التي تميِّز استراتيجية الضغوط القصوى التي تتبناها إدارة ترامب من أجل تعديل سلوك النِّظام الإيرانيّ، فإنها في الوقت نفسه تواجه بعض التحديات وتعاني بعض جوانب القصور، وذلك على النحو الآتي:
1- الفجوة بين الولايات المتَّحدة والقوى الدولية
مع استمرار العمل بالاتِّفاق النووي وفق صيغة 4+1 بعد انسحاب الولايات المتَّحدة منه، ظهرت فجوة كبيرة بين موقف ترامب من الاتِّفاق وباقي الدول الموقِّعة عليه، إذ إن هذه الأخيرة حاولت الفصل بين الاتِّفاق كإطار يحرم إيران من المضي قُدُمًا في تطوير البرنامج النووي بعدما وصلت إيران بالفعل إلى العتبة النووية قبل توقيع الاتِّفاق، ومُجمَل سلوك إيران الذي يعتبره ترامب انتهاكًا لروح الاتِّفاق[21]، تُعَدّ هذه الفجوة بين أطراف الاتِّفاق النووي ثغرة في استراتيجية الضغوط التي يمثِّل الإجماع الدولي ركيزة مهمَّة لأجل وصولها إلى المرحلة القصوى المؤثرة والفاعلة.
هذه الاختلافات في وجهات النظر لم تكُن على نفس المنوال قبل توقيع الاتِّفاق النووي، إذ لعب الإجماع الدولي والالتزام الأوروبيّ إلى جانب الالتزام الروسي والصيني إلى حدّ كبير بالعقوبات الثانوية الأمريكيَّة، دورًا مهمًّا في توقيع خطة العمل المشتركة[23].
وفي ظلّ الطبيعة الصراعية التي فرضها ترامب على الساحة الدولية لم يعُد الخلاف بين القوي الدولية المعنيَّة بملفّ إيران ينحصر في ما تمثله إيران من فرصة للتعاون أتاحها الاتِّفاق النووي أو ما تمثله من تَحدٍّ بسبب سلوكها في المرحلة التي أعقبت الاتِّفاق، وإنما اعتبر البعض انسحاب ترامب من الاتِّفاق تقويضًا لدور الدبلوماسية الدولية متعددة الأطراف[24].
لا شكّ عزَّزَت شرعية الاتِّفاق النووي دوليًّا مواقف القوى الدولية المعارضة للولايات المتَّحدة، التي أكَّدت بدورها استمرار العمل بالاتِّفاق ما دامت إيران ملتزمة بنودَه، لا سيما وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكَّدت في ثلاثة عشر تقريرًا حتى نوفمبر 2018 التزام إيران بُنودَ الاتِّفاق النووي[25]، بل إن هذه الدول سعت للتغلب على العقوبات وبحث آليات بديلة للتعاملات المالية مع إيران بعيدًا عن “سويفت”، كغرفة المقاصة الأوروبيَّة، وآلية التبادل الصينية أو الروسية.
2- تَحدِّي الوصول بصادرات النِّفْط الإيرانيّ إلى معدَّلات مؤثرة
تحتلّ العقوبات الأمريكيَّة على قطاع الطاقة في إيران أهمِّيَّة بالغة ضمن الاستراتيجية الأمريكيَّة، لأن النِّفْط والمنتجات النِّفْطية تشكِّل 70% من إجمالي صادرات إيران[26].
مع هذا تواجه استراتيجية تصفير صادرات النِّفْط الإيرانيَّة أو تقليلها لحدود الفاعلية تحديات كبيرة، إذ يمثِّل تأمين أي تقلُّبات في سوق النِّفْط نتيجة العقوبات التحدِّيَ الرئيسيَّ في هذا الإطار، وقد واجهت الولايات المتَّحدة بالفعل في بعض الأوقات اتهامات بالمسؤولية عن ارتفاع أسعار النِّفْط بسبب العقوبات الأمريكيَّة على إيران، وذلك قبل أن تعاود الأسعار انخفاضها، إذ اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتَّحدة بذلك صراحةً، بقوله إن «العقوبات الأمريكيَّة على قطاع النِّفْط في إيران واحد من أسباب رفع أسعار النِّفْط عالَميًّا، وذلك في إطار تعليقه على شكوى ترامب من ارتفاع سعر النِّفْط ومطالبته أوبك بالعمل على خفض السعر»[27].
يتمثَّل التحدِّي الثاني في إقناع مستوردي النِّفْط بوقف وارداتهم النِّفْطية من إيران[28]، فعلى الرغم من صرامة الموقف الأمريكيّ في ما يتعلق بالضغط بورقة النِّفْط، لكن من الواضح أن الولايات المتَّحدة تدرك أن العقوبات لن تُؤتِي أُكُلَها فورًا، لهذا أعلن وزير الخزانة الأمريكيَّة أن الوصول بصادرات النِّفْط الإيرانيَّة إلى مستوى الصفر صعب تحقيقه، وأن الولايات المتَّحدة فقط تستطيع تخفيض الصادرات النِّفْطية الإيرانيَّة خلال هذه المرحلة بمعدَّل 20%، وذلك على ضوء الضغوط ومواقف الدول المستوردة للنِّفْط من إيران، فضلًا عن تأثير قطع إمدادات النِّفْط الإيرانيّ على أسعار النِّفْط عالَميًّا، الذي تتأثر به الولايات المتَّحدة نفسها، وعلى ضوء ذلك يمكن فهم أسباب منح الولايات المتَّحدة ثماني دول [الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان] إعفاءات على واردات النِّفْط الخام من إيران لمدة ستة أشهُر إلى حين ترتيب أوضاعها والبحث عن بدائل[29].
التحدِّي الثالث أمام سياسة تصفير النِّفْط الإيرانيّ هو النجاح في التعامل مع الحيل الإيرانيَّة لتهريب نفطها، سواء عن طريق دول الجوار أو من خلال عديد الوسائل والطرق الأخرى، فبين عامَي 2011 و2015، تَبَنَّت إيران عددًا من التكتيكات للتهرب من العقوبات وإيجاد أسواق غير مشروعة لخامها. وهنا يُفهم لماذا ضغطت الولايات المتَّحدة على دول جوار إيران لتضييق حلقة الحصار الاقتصادي على إيران، خصوصًا قطاعي النِّفْط والغاز، وفي هذا الإطار جاءت جولة جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكيّ، إلى دول القوقاز الجنوبي[30]، كما يُفهَم في الإطار ذاته الضغوط على العراق وتركيا، ناهيك بالعقوبات المرتبطة بعمليات الشحن والتأمين ونقل النِّفْط الإيرانيّ التي أُقِرَّت ضمن عقوبات الرابع من نوفمبر 2018.
التحدِّي الأخير أمام سياسة تصفير الصادرات النِّفْطية هو الموقف من الدول المستثناة من العقوبات النِّفْطية بعد انتهاء مهلة الشهور الستة، وذلك على ضوء مكانة بعض هذه الدول على الساحة العالَمية ومواقفها الصراعية مع الولايات المتَّحدة، تحديدًا روسيا والصين اللتين لهما سوابق في استمرار التعامل مع إيران في ظلّ العقوبات، بالإضافة إلى عدم وجود علاقة اقتصادية أو مالية تربط الكيانات التي تتعامل مع إيران بالولايات المتَّحدة، ومِن ثَمَّ عدم الاكتراث بالعقوبات، وكذلك مدى الاحتياجات الفعلية لهذه الدول إلى النِّفْط الإيرانيّ، ناهيك بمدى توافر بدائل أخرى أمامها.
3- غموض استراتيجية آليات تعديل سلوك إيران الإقليمي
تخلو الاستراتيجية الأمريكيَّة من التكتيكات الكافية لمواجهة السلوك الإقليمي لإيران، رغم أنه من أهم الأهداف الأمريكيَّة ضمن سلَّة المطالب المتعلقة بتعديل سلوك إيران، بل على العكس تعزِّز إيران نفوذها بما قد يحبط الاستراتيجية الأمريكيَّة نفسها ويقيِّد في المستقبل قدرة الولايات المتَّحدة على مواجهتها في المستقبل.
فعلى الساحة السورية تعاني الاستراتيجية الأمريكيَّة من الغموض وعدم الاتساق مع ما تتطلبه استراتيجية الضغوط القصوى على إيران، فإيران تتحرك بأريحية في سوريا وتكرِّس وجودها عسكريًّا، بل ومدنيًّا، عبر عمليات تغيير ديموغرافي واسع، وتعوِّل الولايات المتَّحدة على روسيا في تحجيم دور إيران، مع أن الطرفين الروسي والإيرانيّ تجمعهما مصالح مشتركة، تتناقض فعليًّا مع مصالح الولايات المتَّحدة، ويعكس قرار ترامب سحب القوات الأمريكيَّة من جنوب سوريا ثم العدول عنه تحت ضغوط البنتاغون، افتقار الاستراتيجية الأمريكيَّة تجاه التعامل مع مجمل سلوك إيران إلى التنسيق والتكامل.
وفي اليمن لم تقدِّم الولايات المتَّحدة، على الرغم من انتشار قواتها وقواعدها في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب وصولًا إلى الخليج العربي، الدعم الكافي للحلفاء المشاركين في التحالف العربي لاستعادة الشرعية، من خلال فرض حصار بحري لمنع تدفُّق السلاح إلى الحوثيين، ومِن ثَمَّ وقف الهجمات الصاروخية للحوثيين على دول الخليج، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر وعبر مضيق باب المندب.
4- ضعف أساليب المواجهة مقارنة بحجم التهديدات الإيرانيَّة في الإقليم
وَفْقًا لتوجُّهات الرئيس ترامب الخارجية فإنه «لا يريد مشاركة عسكرية أمريكيَّة طويلة الأمد في الشرق الأوسط»، رغم أن التهديدات الأمنية ونفوذ بعض القوي الإقليمية والدولية قد تزايد بما يهدِّد المصالح الأمريكيَّة نفسها، ويمثِّل هذا التوجُّه نقطة ضعف في الاستراتيجية التي تتبناها الولايات المتَّحدة لتعديل سلوك إيران، لأن الفراغ الذي تركته الولايات المتَّحدة خلق بدوره مساحات تحركت فيها قوي دولية أخرى كروسيا وقوى إقليمية كإيران[31]، فبعدما كانت الولايات المتَّحدة وحلفاؤها الإقليميون، بمن فيهم تركيا، قد اصطَفُّوا لمواجهة خطر إيران، وبدا من المؤكَّد أن هذه القوى الإقليمية المدعومة من واشنطن ستنجح في الحَدّ من هذا التهديد، تحديدًا في سوريا، انقلبت الأوضاع، وأدَّى عدم وجود استراتيجية واضحة لتحقيق هذا الهدف فضلًا عن تحوُّلات ومتغيرات إقليمية ودولية مهمَّة أهمها الدور الروسي في المنطقة، إلى تغيير المعادلة الإقليمية وأداء إيران دورًا إقليميًّا بارزًا، بل إن التحالف الواسع أُصيبَ بتصدُّع فانجرفت تركيا نحو التعاون مع روسيا وإيران ضمانًا لمصالحها وخشيةً من توجهات الولايات المتَّحدة[32].
بل أدَّت تطوُّرات الصراع الإقليمي إلى بلورة «تحالف مصالح» تركيّ-إيرانيّ، وقد تنضمّ إليه دول كقطر وسوريا في المستقبل، بالإضافة إلى حركات المقاومة والمليشيات في بعض البلدان، وبغطاء دولي من روسيا وربما الصين، وهذا التحالف يفتح أمام إيران نوافذ يمكن أن تتغلب من خلالها على الضغوط والعقوبات. إلى جانب ذلك لا تُظهِر الاستراتيجية الأمريكيَّة آلية ردع فعَّالة لمواجهة تطوير إيران قدراتها الدفاعية عبر تطوير مَدَيَات الصواريخ الباليستية، ونقل الأسلحة والمعدات للمليشيات التابعة لها في المنطقة، بل نقل تكنولوجيا التصنيع إلى بعض المناطق في جنوب لبنان وسوريا وربما مناطق أخرى.
5- تبنِّي نهج البديل الواحد [التفاوض] مع إيران
يُعَدّ تكرار تأكيد التفاوض هدفًا من وراء استراتيجية الضغوط المكثفة عاملَ ضعفٍ ضمن الاستراتيجية الأمريكيَّة، ولو كان ذلك غاية ولا بدائل عنها، لأن هذا التأكيد يُشعِر النِّظام الإيرانيّ باستبعاد الخيارات الأخرى، ومن ضمنها مثلًا المواجهة العسكرية المباشرة أو غير المباشرة.
كذلك أصبح النِّظام الإيرانيّ على يقين من حدود الحركة الأمريكيَّة، وأصبح يتعامل مع الموقف على أنه أصبح منحصرًا في كيفية إدارة هذا الحصار الاقتصادي المضروب على صادرات النِّفْط وعلى حركة الأموال والتعاملات المالية مع الخارج، وأنه بإمكانه التغلُّب على هذا الحصار في ظلّ غياب إجماع دولي حول حصار إيران، ومع جود عدد من الشبكات الدولية والدول التي لديها الاستعداد لتقديم الدعم للتغلُّب على تلك العقوبات، لهذا فإن النِّظام قد يتمكَّن من كسب الوقت والإفلات من هذه الضغوط انتظارًا لإدارة أمريكيَّة جديدة، خصوصًا أن الداخل في إيران بات يدرك أن مسألة تغيير النِّظام غير واردة ضمن استراتيجية الولايات المتَّحدة وأن أي تفاهمات حول السياسة الخارجية قد تُنهِي هذه الضغوط وتمنح النِّظام شرعية جديدة.
إن الاستراتيجية بوضعها الراهن قد لا تُجبِر إيران على قبول الشروط الأمريكيَّة، إذ تركِّز على العقوبات الاقتصادية كرافعة أساسية، وعلى الداخل كساحة مؤثِّرة على النِّظام الإيرانيّ، ويعتقد الإيرانيّون أنها ضغوط ضمن حرب نفسية تشنُّها الولايات المتَّحدة وتفتقر إلى آليَّات أخرى[33]. وفي هذا الصدد أشار رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان محمد رضا بور إبراهيمي، إلى أن الولايات المتَّحدة استنفدت كل سهامها ضدّ إيران، وأن العقوبات الاقتصادية هي آخر هذه السهام[34].
6- طبيعة علاقات إيران بدول جوارها الجغرافي
تسعى إيران لمواجهة الضغوط والعقوبات عبر حدودها المتسعة والمصالح المتبادلة مع عدد من دول الجوار الجغرافي، كالعراق وتركيا اللتين أعلنت القيادة السياسة فيهما رفض العقوبات الأمريكيَّة، إضافةً إلى العمق الاستراتيجي الإيرانيّ في سوريا ولبنان واليمن الذي يوفِّر لإيران أوراق ضغط في إطار تحدِّي الضغوط الذي تواجهه[35]. وقد حدَّد روحاني ضمن استراتيجية إيران لمواجهة الضغوط الأمريكيَّة، لا سيما ما يتعلق بالعقوبات النِّفْطية، أهمِّيَّة تحرك إيران على عدة محاور إقليمية لمواجهة العقوبات إلى جانب تلك الدول، فأشار إلى جانب تركيا والعراق إلى أفغانستان ودول حوض بحر قزوين وبعض دول الخليج العربي[36].
على سبيل المثال توفِّر البنوك ومكاتب الصرافة في عدد من الدول الإقليمية قنوات للتغلب على العقوبات المالية، فإيران استخدمت البنوك الأفغانية لدفع ثمن الواردات الإيرانيَّة وتحويلها إلى دولارات أمريكيَّة مقابل حصول الوسطاء على عمولة تتراوح بين 5% و7%، إلى جانب تجار المقاطعات الحدودية الأفغانية الذين يحولون الدولار خلال تجارتهم مع إيران، ونجم عن هذا التبادل المالي نقص الدولار الأمريكيّ في أفغانستان إلى نحو مليونين أو 3 ملايين دولار يوميًّا[37].
كذلك يوفِّر عدد من الشبكات في هذه الدول خدمات مهمَّة في ما يتعلق بعديد من إجراءات ووسائل التحايل على العقوبات، فهذه الشبكات تنخرط فيها دول وشركات ذات صفة وطنية، وشركات خاصَّة ووسطاء، وشركات شحن إيرانيَّة وغير إيرانيَّة، فضلًا عن مصارف محلية داخل إيران، ولا سيما البنك المركزي، ومصارف وبنوك في الخارج في أكثر من دولة، فضلًا عن مليشيات إقليمية تابعة لإيران، وأخيرًا شركات مختلفة الأنشطة ورؤساء شركات. وتفيد المعلومات بأن هذا النمط يحقِّق لإيران ثلاثة أهداف رئيسية:
أ- التغلُّب على العقوبات المتعلقة بالصادرات النِّفْطية.
ب- التغلُّب على العقوبات المتعلقة بالتعاملات المالية مع الخارج.
ج- تقديم المساعدة للمليشيات وحركات المقاومة في المنطقة[38].
7- خبرة إيران في التحايل على العقوبات
يخفِّف تأثيرَ العقوبات الأمريكيَّة أن الحكومة الإيرانيَّة لديها قرابة أربعين عامًا من الخبرة في التعامل مع الضغط المالي الأمريكيّ، فمجموعة هائلة من الأدوات جرَّبها الإيرانيّون، وأتقنت إيران طرق التحايل والالتفاف لتخفيف تأثير العقوبات، والتهرب والاستمرار في الأعمال تجارية.
وقد أفادت مجموعة تانكر تركرز Tanker Trackers بمحاولة إيران تهريب النِّفْط بعيدًا عن آليات الرقابة الدولية، من خلال استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب، مثل وقف إشارات تعقب الناقلات، واستبدال شحنات السفن في منتصف الطريق، وإخفاء هُوِيَّة ناقلات النِّفْط الإيرانيَّة من خلال تغيير أسماء السفن ورفع أعلام دول أخرى ووقف أجهزة التتبُّع لتفادي الرقابة عبر الأقمار الصناعية[39]. وفي المجال ذاته تلجأ إيران إلى تخزين النِّفْط في دول أخري، بالإضافة إلى التخزين البحري[40].
وقد قال النائب الأول لرئيس الجمهورية: «لدينا حلول لتصدير نفطنا»، وصرح كذلك وزير النِّفْط الإيرانيّ بأن «الحكومة الإيرانيَّة تحاول مواجهة العقوبات الأمريكيَّة المجحفة المفروضة على إيران بأساليب شتَّى»، لافتًا إلى أنه لا يمكن توضيح أساليب مواجهة تلك العقوبات[41].
وكعناصر داعمة لخطط وطرق التحايل على العقوبات النِّفْطية قدَّمَت طهران مجموعة من الحوافز للمستوردين، منها تقديم خصم على أسعار النِّفْط الخام وتقديم شحن مجاني في بعض الحالات، وتوفير حماية خاصَّة على الشحنات النِّفْطية، نظرًا إلى حظر شركات التأمين الدولية الرئيسية من التعامل مع إيران، واستخدام ناقلاتها الخاصَّة لتحل محل ناقلات كبرى لشركات الشحن متعددة الجنسيات[42].

خاتمة
لا شك أن الضغوط أثرت بقوة على الاقتصاد الإيرانيّ، إذ إن المؤشّرات الاقتصادية الكلية في تراجع، ونتيجة للعقوبات الأمريكيَّة فقد انتهجت الحكومة الإيرانيَّة سَلَّة من الإجراءات الاقتصادية لتخفيف وطأة الأزمة ونقص الموارد المعتمدة في الأساس على عائدات الطاقة، حتى إن الحكومة صمَّمَت الميزانية الإيرانيَّة القادمة بمقدار لا يتعدى 25% من عائدات النِّفْط[43].
مع ذلك لم يُلَبِّ النِّظام الإيرانيّ دعوة ترامب للتفاوض المباشر، ممَّا يعني أن الضغوط لا تزال غير كافية. والواقع أنه ما دامت الاستراتيجية تعاني جوانب ضعف، وما بقيَت منافذ تعطي إيران فرصة للمناورة والحركة والتغلُّب على العقوبات، فإنها لن تأتي إلى طاولة المفاوضات طواعية.
لكن يبقى السؤال الرئيس هنا: ماذا يمكن للولايات المتَّحدة أن تفعل لتجنُّب حالة سيولة قد تنتاب استراتيجيتها المعتمدة على العقوبات في الأساس، وكذلك تجنُّب إفلات إيران من الضغوط أو لجوئها إلى مسارات تصعيدية أخرى؟
للإجابة عن هذا التساؤل يمكن الإشارة إلى العناصر التالية:
1- إيجاد بدائل للتفاوض
يحتاج نجاح الاستراتيجية إلى وجود خيارات متعددة في حال فشل أحد الرهانات، فماذا لو لم تؤثِّر العقوبات على النِّظام الإيرانيّ، ومِن ثَمَّ لم يُضطرُّوا إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ تبدو الاستراتيجية بحاجة إلى دعم في هذا الإطار، بحيث لا يصبح الوصول إلى مرحلة التفاوض غاية، بل الغاية هي تعديل السلوك، ووسائل تحقيقها قد تأتي من خلال التفاوض، أو من خلال بدائل أخرى ربما منها اللجوء إلى القوة، أو التهديد بها، إلخ.
2- تنويع الأدوات والآليات لتتناسب مع طبيعة وحجم الأهداف
تركز الاستراتيجية الأمريكيَّة على العقوبات والضغوط الاقتصادية لتحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف يمكن حصرها تحت ثلاث عناوين رئيسية: تعديل الاتِّفاق النووي، وتعديل السلوك الإقليمي، ووقف التهديدات الصاروخية. لهذا تبدو الاستراتيجية بحاجة إلى أدوات ضغط أخرى بجانب العقوبات لتحقيق الأهداف المتنوعة.
تحتاج الولايات المتَّحدة إلى تدابير دبلوماسية وعسكرية واستخبارية ضمن حملة منسَّقة تستهدف مجمل سلوك إيران، فضلًا عن استهداف المليشيات كافَّةً التابعة لإيران في العراق وسوريا وغيرها من الدول بنفس الطريقة التي تستهدف بها حزب الله في لبنان، عبر إدراجها ضمن الكيانات الخطرة العابرة للحدود، كما يمكن أن تتَّسع قوائم العقوبات لتطال شخصيات مؤثرة داخل النِّظام وضمن قوات الحرس الثوري.
فدُونَ مواجهة إيران وميليشياتها العاملة على الأرض في المنطقة، بالتوازي مع الحَدّ من القدرات المادية والمالية التي تدعم إيران من خلالها تلك المليشيات، فإن الاستراتيجية الأمريكيَّة تكون مبتورة وقد تفشل في تحقيق هدف تعديل سلوك إيران الإقليمي، إذ يوفِّر وجود إيران في لبنان والعراق وسوريا نفوذًا تضغط من خلاله وتكتسب أوراق ضغط تساوم بها الولايات المتَّحدة، ليس هذا وحسب بل إن تلك الساحات المخترَقة من جانب إيران توفِّر حديقة خلفية تلتفّ من خلالها إيران على العقوبات، وتشكِّل بها شبكات دولية لمساعدتها على الالتفاف على العقوبات، ومِن ثَمَّ إحباط الاستراتيجية الأمريكيَّة والاستمرار في سلوكها المعتاد[44].
3- عنصر الوقت
تحتاج الاستراتيجية إلى إطار زمني محدَّد لتحقيق الأهداف المطلوبة حتى لا تفقد عناصر الاستراتيجية جدواها وتأثيرها، لا سيما وأن إيران تراهن على عامل الوقت حتى انتخابات 2020 الرئاسية، وحتى هذا الوقت سيستمرّ سلوك إيران لأنه لا توجد آليات ردع ضاغطة على النِّظام في المنطقة والداخل، وقد تأخذ إيران مسارًا تصعيديًّا وتعمل على إعادة تخصيب اليورانيوم، إن لم تكُن بدأت فعليًّا بصورة سرية.
4- تنسيق الجهود
في هذا الإطار يجب أن لا يتحول ملفّ إيران في داخل الولايات المتَّحدة إلى قضية انتخابية بين المتنافسين، على حساب ما تمثِّله إيران من خطر وتهديد فعليّ.
تحتاج الاستراتيجية الأمريكيَّة إلى تنسيق أكبر بين الجهات المعنية والمؤسَّسات المختلفة بتنفيذ وتنسيق عناصر الاستراتيجية، بحيث تنسق الجهود الاقتصادية لوزارة الخزانة ووزارة الخارجية في ما يتعلق بصرامة تطبيق العقوبات، مع جهود وكالات الاستخبارات والأمن القومي في تعقُّب الأنشطة غير المشروعة للنِّظام والشبكات والمليشيات المتعاون معه، إضافة إلى إشراك البنتاغون في وضع آليات ردع محدَّدة لدفع إيران إلى تعديل سلوكها الإقليمي باعتبارها ضمن أهداف الاستراتيجية الأمريكيَّة وضمن مطالب الولايات المتَّحدة الاثني عشر، كما تحتاج الولايات المتَّحدة إلى سد الفجوة بين مواقفها ومواقف حلفائها في ما يخصّ ملفّ إيران، ولا سيما الحلفاء الأوربيين، فضلًا عن حلفائها الإقليميين.
وأخيرًا تحتاج الاستراتيجية إلى آليات فعَّالة لمنع دول الجوار من مد يد العون إلى النظام الإيرانيّ ومساعدته في التغلُّب على العقوبات.
في النهاية يمكن القول إن استراتيجية العقوبات القصوى التي تتبناها إدارة ترامب قد بدأت بالفعل، ولا شك أن الإدارة الأمريكيَّة بصدد عملية مراجعة ومتابعة من خلال المجموعة المعنية بالملفّ الإيرانيّ في وزارة الخارجية التي يرأسها برايان هوك، ومن الصعب القول بأن الرئيس الأمريكيّ سيسمح بأن تكون تلك الاستراتيجية السبب في التأثير على شعبيته داخليًّا ومكانة الولايات المتَّحدة دوليًّا في عهده، لذا يرجَّح أن إيران في انتظار مزيد من الإجراءات التصعيدية. لكن في المقابل ليست الولايات المتَّحدة اللاعب الوحيد في هذا الملفّ، وتواجه تحدياتٍ حقيقية على مستويات مختلفة داخلية ودولية وإقليمية، إضافة إلى أنه من الصعب تصور قبول إيران خسارة كل مكتسباتها، وقبول الشروط الأمريكيَّة كافَّةً التي تعني في حقيقتها تقويض شرعية النِّظام إلى حدّ بعيد. لهذا قد يكون فتح مجال للتفاوض من خلال قنوات مباشرة أو غير مباشرة هو الحل الذي سيجنِّب الطرفين خوض مباراة صفرية نتائجها غير مضمونة لأي طرف.

[1]
ستيوارت آيزنستات، مهرنجيز كار، ومهدي خلجي، هل تؤثر الإجراءات الأمريكية على السياسة الإيرانية؟، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ١٥ نوفمبر ٢٠١٨، وصول في: 22 نوفمبر 2018. http://cutt.us/OJaNJ
[2]
Mark Dubowitz, Richard Goldberg, Iran, Get Ready for the Battle Rail, Foundation for Defense of Democracies, May 21, 2018, accessed on: 28 Nov. 2018. http://cutt.us/njUwf
[3]
روزنامه كيهان، دستاورد برجام از «تقریبا هیچ» اوباما به «نزدیک صفر» ترامپ رسید!، ۰۶ آذر ۱۳۹۷، وصول في : 3 ديسمبر 2018. http://cutt.us/N0ph4
[4]
Oil and gas journal, Iran’s oil exports likely to remain 1.1-1.3 million b/d, 12/10/2018, ac-cessed on: 13/10/2018. http://cutt.us/Zgy4v
[5]
سبوتنيك عربي، ترامب يكشف أسباب منح استثناءات في العقوبات على إيران، 7 نوفمبر 2018، وصول في: 22 نوفمبر 2018. http://cutt.us/aGopG
[6]
إيمان زهران، الولايات المتحدة وتشكيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي "MESA"، السياسة الدولية، 30 نوفمبر 2018، وصول في: 4 ديسمبر 2018. http://cutt.us/5HQgo
[7]
خبرگزاری مهر، همسویی پادشاه سرزمین شنها با دونالد، وقتی اوپک خرج ترامپ می‌شود،۱ تیر ۱۳۹۷، وصول في: 2 ديسمبر 2018. https://bit.ly/2IMvtQC
[8]
أخبار الخليج، وزير الخارجية: البحرين تدعم تحالفًا استراتيجيًّا لصَدّ عدوان إيران، 29 سبتمبر 2018، وصول في: 30 سبتمبر 2018. http://cutt.us/sCO2P
[9]
روزنامه وطن امروز، تکاپوی بنزینی بن‌سلمان برای ترامپ، ۹ مهر ۱۳۹۷، وصول في: 1 ديسمبر 2018. https://bit.ly/2y3k8bG
[10]
روسيا اليوم، ترامب يشكر السعودية لمساهمتها في تراجع أسعار النفط، 21 نوفمبر 2018، وصول في: 22 نوفمبر 2018. http://cutt.us/Ic8Ng
[11]
Peter Eavis, Europe Plans a Way to Evade Sanctions on Iran. Will It Work?, New York times, Oct. 4, 2018, accessed on: 28 Nov.2018. http://cutt.us/e4hhb
[12]
الشرق الأوسط، بولتون يحذّر أوروبا من خطة اتصالات مالية تنتهك عقوبات إيران.. بومبيو ينتقد نظام الدفع المقترح لتمكين التجارة مع طهران، 27 سبتمبر 2018، وصول في: 16 ديسمبر 2018. http://cutt.us/zSiuD
[13]
پاتريك كلاوسون، الاقتصاد الإيراني في حالة ركود حتى قبل إلحاق الضرر به من قبل العقوبات الأمريكية الجديدة، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 29 أكتوبر 2018، وصول في 22 نوفمبر 2018. http://cutt.us/zToy8
[14]
محمد بن صقر السلمي، الأثر الراهن للعقوبات الأمريكية على طهران، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 04 ديسمبر 2018، وصول في 10 ديسمبر 2018. http://cutt.us/jg5Ou
[15]
مجلس رای اعتماد خود از کرباسیان را پس گرفت + جزئیات آرا، خبرگزاری مجلس شورى إسلامى(خانه ملت)، ۴ شهریور ۱۳۹۷، وصول في 2 سبتمبر 2018: http://cutt.us/G2Df7
[16]
روحانی در مجلس: مردم در آینده نظام دچار تردید شده‌اند، رادیو زمانه، ۰۶ شهریور ۱۳۹۷، وصول في 2 سبتمبر 2018: http://cutt.us/JHKOI
[17]
محمد بن صقر السلمي، إيران وخيارات مواجهة المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 05 نوفمبر 2018، وصول في 10 ديسمبر 2018. http://cutt.us/4gFzA
[18]
اسپوتنیک خبرگزاری، این روزها شاخ وشانه کشیدن میان ایران وایالات متحده به اوج خود رسیده وگفتارهای سیاسی ودیپلماتیک جای خود را به تهدید های نظامی داده، 6 يوليو 2018، وصول في: 7 ديسمبر 2018. https://goo.gl/mXetWn
[19]
Peter Harrell, The Path to Renewed Oil Sanctions on Iran: How Trump Can Significantly Reduce Tehran's Exports, Foreign Affairs, August 8, 2018, accessed on: 9 Dec. 2018. http://cutt.us/2L1UO
[20]
IAEA Chief Reconfirms Iran's Commitment to N. Deal,Fars News Agency,Sep 10, 2018, accessed on 7 Oct. 2018. http://cutt.us/ums8c
[21]
Rebecca kheel, Corker, Cotton to propose bill changing Iran deal oversight, The hill, 13 Oct. 2017, accessed on 8 Oct. 2018. http://cutt.us/9WVVV
[22]
By Ilan Goldenberg and Elizabeth Rosenberg, How to Save the Iran Nuclear Deal, March 13, 2018, accessed on: 4 Dec. 2018. http://cutt.us/jq6uV
[23]
Erica S. Downs and Suzanne Maloney, Getting China to Sanction Iran, The Brookings In-stitution, February 23, 2011, accessed on: 4 Dec. 2018. http://cutt.us/TzgeH
[24]
Wendy Sherman, How We Got the Iran Deal And Why We'll Miss It, foreign affairs, Sep-tember/October 2018 Issue, accessed on: 7 Dec. 2018. http://cutt.us/uVawk
[25]
خبرگزاری جمهوری اسلامی ایران، عراقچی‌: تحریم ها مغایر با حاکمیت واعتبار اروپا است، 25/8/1379، وصول في: 4 ديسمبر 2018. https://bit.ly/2zZ7k71
[26]
Peter Harrell, The Path to Renewed Oil Sanctions on Iran: How Trump Can Significantly Reduce Tehran's Exports, Foreign Affairs, August 8, 2018, accessed on: 9 Dec. 2018. http://cutt.us/2L1UO
[27]
CNBC International, Putin says Trump should blame himself for high oil prices, 3 Oct 2018, accessed on: 22 Nov. 2018. http://cutt.us/McC1q
[28]
روزنامه ابتكار، ترامپ رویا پردازی می‌کند خواب بی‌تعبیر آمریکا برای قطع صادرات نفت ایران بزرگنمايي قلم، 24 أكتوبر 2018، وصول في: 1 ديسمبر 208. https://bit.ly/2y9AlNd
[29]
موقع برترين ها، کواکبیان: آمریکا به شکست در برابر ایران اعتراف کرد، ۰۱ آبان ۱۳۹۷، وصول في: 1 ديسمبر 2018. https://bit.ly/2OJl53W
[30]
قدیر گلکاریان، چمبره فشار آمریکا توسط همسایگان، روزنامه "مستقل"، 28 مهر 1397، وصول في: 1 ديسمبر 2018. http://soo.gd/owSt
[31]
Michael R. Pompeo, Confronting Iran: The Trump Administration’s Strategy, Foreign Af-fairsm October 15, 2018, accessed on: 10 Dec. 2018. http://cutt.us/zXvOQ
[32]
Colin P. Clarke, Ariane M. Tabatabai, Is Major Realignment Taking Place in the Middle East? Why Turkey Is Pivoting Toward Iran and Russia, Foreign Affairs, October 31, 2018, ac-cessed on: 9 Dec 2018. http://cutt.us/xoaUk
[33]
نادي الصحفيين الشباب، صرح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان، حشمت الله فلاحت بيشه، هي استراتيجية الحرب النفسية. ۱۵ آبان ۱۳۹۷، وصول في: 7 ديسمبر 2018. https://goo.gl/X4f7Vi
[34]
موقع فردا نيوز، پورابراهیمی: امروز آمریکا حرفی برای گفتن در دنیا ندارد، ۱۶ آبان ۱۳۹۷، وصول في: 7 ديسمبر 2018. https://bit.ly/2yZy3ki
[35]
پرویز سروری، شکست کدخدا، صحيفة حمايت، وصول في 2 ديسمبر 2018. https://bit.ly/2SHnLNT
[36]
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، تقرير الحالة الإيرانية، نوفمبر 2018، (الرياض: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ديسمبر 2018)، ص 45.
[37]
منال سجيني، كيف تتحايل إيران على العقوبات الأمريكية؟، مكة، 8 نوفمبر 2018، وصول في 25 نوفمبر 2018. http://cutt.us/IVpI3.
[38]
U.S. Department of the Treasury, Treasury Designates Illicit Russia-Iran Oil Network Supporting the Assad Regime, Hizballah, and HAMAS, November 20, 2018, accessed on 23 Nov. 2018. http://cutt.us/yEZJb
[39]
Jackie Northam , Iran And Trading Partners Will Find Ways To Skirt Sanctions, Analysts Say, National Public Radio, November 11, 2018, accessed on: 26 Nov. 2018. http://cutt.us/NEn1Q
[40]
راه‌های دور زدن تحریم کدام است؟، اتاق بازرگاني، صنايع، معادن وکشاورزي تهران، 6/9/1397، وصول في: 28 نوفمبر 2018. http://cutt.us/kxByj
[41]
وكالة خانه ملت، روش های مقابله با تحریم های آمریکا گفتنی نیست، ۱ آبان ۱۳۹۷، وصول في: 7 ديسمبر 2018. https://bit.ly/2NVm5Nf
[42]
منال سجيني... مرجع سبق ذكره.
[43]
Council on Foreign Relations, U.S. Policy Toward Iran After JCPOA, December 5, 2018, accessed on: 11 Dec. 2018. http://cutt.us/yOSFM
[44]
بي بي سي عربي، الفاينانشيال تايمز: عقوبات واشنطن تؤلم الإيرانيين لكنها لن تُحدِث تغييرًا، 7 نوفمبر 2018، 7 ديسمبر 2018. http://cutt.us/LEZdO
د. محمود حمدي أبو القاسم
د. محمود حمدي أبو القاسم
مدير تحرير مجلة الدراسات الإيرانية