خلال القمة الرابعة عشرة الافتراضية، التي انعقدت في بكين يوم 24 يونيو 2022م، قدّمَت الخارجية الإيرانية طلبًا رسميًّا للحصول على عضوية مجموعة الاقتصادات الناشئة (بريكس). يسّر ذلك الطلبَ الضوءُ الأخضر الذي منحته بكين وموسكو لطهران، في ظلّ إحياء مشروع «بريكس بلس»، ومن واقع سعيهما لتشكيل جبهةٍ مناهضةٍ للغرب والولايات المتحدة، ولتعزيز الصين شراكاتها مع إيران كحليفٍ موثوقٍ في منطقة الشرق الأوسط، بموقعها الجيوسياسي المهمّ من أجل تنفيذ مشروعاتها الطموحة. كما تتطلع روسيا إلى علاقاتٍ أقوى مع الصين والهند وإيران من أجل مقاومة ما يعتقده الروس بالرغبة الأمريكية والغربية في تدمير بلادهم.
وفي ضوء التحولات التي تشهدها الساحة الدولية منذ قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى سُدَّة السلطة، وتبنِّيه خطةً تستهدف إشعال المنافسة الإستراتيجية مع الصين وروسيا لاحتواء قوتهما الصاعدة المهدِّدة لمكانة الولايات المتحدة، كانت للصين وروسيا جهودهما لتعزيز قوتهما وتحالفاتهما من أجل النهوض بمقتضيات هذه المنافسة.
لا تُعَدُّ مجموعة «بريكس» تَكتُّلًا سياسيًّا رسميًّا، ولكنها مجموعةٌ دوليةٌ ماليةٌ صاغ اسمها، الاقتصادي جيم أونيل عام 2001م لوصف الصعود المذهل للبرازيل وروسيا والهند والصين. وعقدت دول «بريكس» قمتها الأولى عام 2009م في روسيا، وانضمَّت إليها جنوب إفريقيا عام 2010م. وتَبنَّت المجموعة نهجًا يقوم على تعزيز قوة الاقتصادات الناشئة في المنظمات الدولية الأكبر مثل «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي»، بجانب خلق تكتلٍ منافسٍ لتكتلاتٍ أخرى مثل «مجموعة الدول الصناعية السبع G7»، والتعاون بين بلدان (الجنوب-الجنوب)، ومقاومة السياسة الحمائية التي تنتهجها الولايات المتحدة.
ويُعَدُّ «بريكس» من أكثر التكتلات تَطوُّرًا في المجال الاقتصادي في العالم، إذ يستحوذ على نحو 26% من الاقتصاد العالمي، وتمثِّل الصين أكثر من 70% من القوة الاقتصادية الجماعية للمجموعة البالغة 27.5 تريليون دولار.
وخلال قمة 2017م تَبنَّت دول «بريكس» خطةً لتوسيع المجموعة وفق آلياتٍ معيَّنة، وتطرَّقَت قمة يونيو 2022م من جديدٍ وبعزمٍ أكبر إلى مسألة توسيع عضوية التكتل. ويبدو أنَّ بكين تحاول توسيع قاعدة هذا التكتل الاقتصادي، عبر توجيه الدعوة إلى عدة دول من بينها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية ومصر للانضمام إلى مجموعة «بريكس». وكان بعض هذه الدول كالمملكة العربية السعودية يتطلع إلى تكتُّل «بريكس» في إطار تحولات السياسة الخارجية السعودية التي باتت أكثر استقلاليةً، فضلًا عن إيران التي كانت تبحث عن شركاء في ظلّ الضغوط والعقوبات، وتقدمت بطلب الانضمام فيما لا تزال المملكة تنظر في العرض المقدَّم من الصين.
في الواقع لا يمكن النظر إلى التوجُّه نحو توسعة «بريكس» بمعزلٍ عن التطورات الجارية على الساحة الدولية، وأبرزها المنافسة الإستراتيجية التي أشعلتها إدارة بايدن من أجل مواجهة التحولات التي تقودها الصين وروسيا لإحداث تغييرٍ في هيكل القوة الدولية، خصوصًا بعد التصعيد الأمريكي في بحر الصين الجنوبي، والأزمة الأوكرانية، والمواقف المعارضة لبعض الدول للسياسة الأمريكية، وإظهار بعض التحدي لسياساتها، مثل الرفض الخليجي للتأثير في أسواق الطاقة، وهو ما تحاول الصين وروسيا استغلاله لإضعاف الهيمنة الأمريكية.
ولطالما راود إيران حلم الحصول على فرصةٍ لدعم مسار «التحرك بعيدًا عن الغرب»، وقد نشأ اهتمامها بمجموعة «بريكس» منذ سنوات.وزاد اهتمام إيران بالمجموعة بعد انهيار الصفقة النووية عام 2018م، وتبنِّي الولايات المتحدة «إستراتيجية الضغوط القصوى» ضد إيران، تَزامُنًا مع رغبة «بريكس» في توسيع عضويتها، إذ تابعت إيران نهج المقاومة ورفضت الانصياع للضغوط الأمريكية، وتابعت سياسة «التحرك بعيدًا عن الغرب» شرقًا نحو روسيا والصين.
وتنظر إيران إلى أنَّ الانضمام إلى «بريكس» يساعدها على تحقيق أهدافها في التحول إلى رقمٍ اقتصاديٍّ في المعادلات الإقليمية والدولية، إذ قدَّم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال كلمته في قمة «بريكس» بلاده كممرٍّ للربط بين دول مجموعة «بريكس» وممرات الطاقة والأسواق الدولية، وكمسارٍ فاعلٍ ضمن مبادرة الصين «حزام واحد.. طريق واحد».
ويمكن النظر إلى أهمية التحرك الإيراني في إطار حالة التنافس بين القوى الإقليمية، والتحولات الجارية في المنطقة، بما في ذلك عملية تشكيل التحالفات بين القوى الفاعلة، مثل التقارب التركي-السعودي أو التحالف الذي يُزمِع الرئيس بايدن تدشينه في الفترة المقبلة، والذي يسعى فيه لتشكيل هيكلٍ جديدٍ للأمن الإقليمي.
من الفرص المتوقعة لإيران نتيجة انضمامها إلى هذا التكتل، أن تصبح مجموعة «بريكس» ناديًا للقوى المناهضة للولايات المتحدة. وكما يمكن أن تحصل إيران على فوائد، فإنَّ أعضاء «بريكس» يمكن أن يحصلوا على فرص أيضًا. ومما لا شك فيه أنَّ انضمام إيران إلى تكتُّل «بريكس» سيحقّق قيمًا مضافة للطرفين، وإن كانت إيران ستكون أكبر المستفيدين، سياسيًّا واقتصاديًّا، إذ سيمثِّل ذلك إنجازًا مهمًا لحكومة رئيسي، ولبرنامجها في تعزيز تحالفاتها على الساحة الدولية، كما أنَّ عضويتها في تكتُّل «بريكس» سوف تعزز موقفها على طاولة المفاوضات في مواجهة الولايات المتحدة والغرب. كما ستقدِّم إيران فرصًا هائلةً لـ«بريكس» من خلال موقعها الإستراتيجي، وسعيها لتصبح ممرًّا فاعلًا في النقل الدولي، على خطوط «الترانزيت» التي تسهِّل حركة التجارة بين بكين وموسكو، اللتين تربطهما اتفاقاتٌ إستراتيجيةٌ طويلة المدی مع طهران.
كما ستستفيد الصين من أنَّ تَجمُّع هذه القوى في تكتُّلٍ واحدٍ هي على رأسه، سوف يصبّ في صالح مشاريعها الدولية وطموحاتها نحو الهيمنة. فهذه الدول هي المصدر الأهمّ للنفط والطاقة في العالم، وسوقٌ صاعدةٌ هائلةٌ، لكن ذلك لا ينفي أنَّ بين هذه الدول تناقضاتٍ ومصالحَ جيوسياسيةً وتنافسًا اقتصاديًّا، كما يتعارض وجودها في مثل هذا التكتل مع المشروع الأمريكي-الإسرائيلي لبناء تكتُّلٍ إقليميٍّ لمواجهة إيران، ولعل هذا يفسر تلبية إيران دعوة الصين في حين لا تزال دعوة دول الخليج ومصر قيد البحث وانتظار التحولات الراهنة التي ستحسم إمكانية ضمِّها إلى تكتل «بريكس».
وأخيرًا، يمكن القول إنَّ التحولات الدولية الراهنة تصبُّ في صالح إيران، إذ أتاحت أمامها فرصًا عديدة، لا سيما على صعيد بناء التحالفات، وتخفيف وطأة العقوبات. وبإضفاء الطابع المؤسسي على «بريكس»، كإستراتيجيةٍ جيوسياسيةٍ لسوقٍ ماليةٍ ناشئة، فإنَّ مستقبلها سيكون مشروطًا بأي أرباحٍ قد تحصل عليها خلال السنوات القادمة نتيجةً للعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يمثِّل وضعًا مُغرِيًا لإيران. فهل ستضغط الولايات المتحدة على حلفائها في «بريكس» مثل الهند لحرمان إيران من نيل عضوية هذا التكتل، أم ستعمل على احتواء إيران والعودة إلى الاتفاق النووي لتفسد على روسيا والصين بناء تَحالُفٍ من القوى المناهضة للولايات المتحدة؟ والسؤال الأهمّ، ليس ذلك الذي يشير إلى مقدرة إيران على الالتحاق بـ«بريكس»، بل عما يمكن أن يقود إليه هذا التكتُّل إذا اقتصر على هذه البلدان الخمسة إضافةً إلى انضمام إيران المُحتمَل. وفي ظلّ ابتعاد قوى وازنة مثل السعودية والإمارات ومصر عنه، فإن نجحت إيران في ذلك، فينبغي التركيز على موازنة نموِّها وما ستجنيه من هذا التكتل، مما يمكن أن يزيد نفوذها الإقليمي.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد