التكنوقراطيون هم تلك الفئة من المديرين من أصحاب التخصص والقدرات الفنية في إدارة الأمور لكن غير الملتزمين بأيديولوجيا النظام كثيرًا، وقد استُبعد التكنوقراطيون سنوات الثورة الأولى في خضم النزاع بين التعهّد والتخصص، كونهم من الأغراب، ومن بين المديرين المحسوبين على التيار الإصلاحي، وصل البعض إلى مستوى عالٍ من المعرفة والتجربة الإدارية، وتحولوا إلى مدراء أقوياء، لكنّ هذه الفئة التي ابتعدت قليلًا عن أيديولوجيا النظام حُذفت بذرائع من قبيل ليبرالي، وموالي للغرب، وغير ثوري، ومثير للفتنة، فالنظام لا يخشى أن يُطاح به، لكنه يخشى ما يسميه بـ «التحوّل».
خلال السنوات الأخيرة، وفي عهد حكومة الاعتدال ظهر نوع جديد من المديرين، الذين يشبهون في ظاهرهم التكنوقراطيين، لكنهم في الباطن منافقين انتهازيين، فأسلوبهم في اللباس وحجمُ لِحاهم وهيئتهم الظاهرية تشبه التكنوقراطيين، لكنهم لا يمتلكون المعرفة والتخصص والجرأة، وفي المقابل يتقنون فنون وتفاصيل العمل في الأنظمة الإدارية الفاسدة أكثر من معرفتهم بأسس الإدارة العلمية، وهم من أصحاب عقد الصفقات والبحث عن المصالح الشخصية، وهذا النوع من المديرين أخطر من المديرين الأيديولوجيين، ويبدو أنّ أعدادهم تزداد عامًا بعد عام، لكنّ النظام لا يخشى التكنوقراطيين المزوّرين.
حصل التكنوقراطيون المزوَّرون على شهاداتهم الجامعية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه وهم على رأس عملهم، لكنّ شهاداتهم هذه تفتقد للقيمة الأكاديمية، فهي مجرّد أداة للترقية الإدارية، حتى إنّ بعضهم ترقّى في النظام بشهادات مزوّرة، وعلى العكس من التكنوقراطيين الحقيقيين الواثقين بأنفسهم والمستقلين بشخصياتهم والأمناء، نجدهم كالحرباء يتلوّنون بحسب الظروف المتغيرة والبيئة المحيطة بهم، فهم يمتلكون شخصيات هلاميَّة، ويُعدّون من أهل الصفقات التجارية والمحسوبيات.
ورد في تعريف الحرباء، أنها باستثناء القدرة على تغيير اللون «لها القدرة على الرؤية بزاوية 360 درجة، ويمكنها أن ترى في كلا الاتّجاهين في الوقت نفسه، ولها عينان تتفوقان على عيون الزواحف الأخرى، فباستطاعتهما التركيز على جسمين مختلفين في آنٍ واحد، وهذا يمنحها القدرة على تحريكهما بشكل منفصل، وعندما ترى الفريسة تركّز كلتا العينين عليها»، ويُشْبه تلاعب التكنوقراطيين المزوّرين بالتياريْن السياسييْن طبع الحرباء في إيران.
يبرر بعض التكنوقراطيين الخائفين هذه الشخصية المتلوّنة المتغيرة بأنها شخصية معتدلة، فهم لا يقولون «لا» لأحد، ويعدّون إدارتهم التي يسيطرون عليها مائدة يمكن للجميع الجلوس إليها، كما أنّ التكنوقراطي المزوّر لا يُخلص لأحد سوى نفسه، فهو انتهازي ووصولي، وأهم مبدأ لديه هو اللا مبدئية، إذ يهزأ بالتيارين السياسيين في خلوته، لكنه في المحافل الرسمية يُلصق نفسه بهذا التيار أو ذاك بحسب ما يقتضيه الموقف، ودائمًا ما يترك لنفسه طريقًا مواربًا للإنكار والهروب وتغيير التوجّه.
إنَّ إدارة التربية والتعليم اليوم بيد مثل هؤلاء التكنوقراطيين أو المختصّين المزوّرين، ففي الصباح يدافع الوزير في مجلس الوزراء عن «التعهيد»، وخصخصة الخدمات التعليمية، وكيفية رفع الكفاءة الإنتاجية، وعند الساعة الحادية عشرة يتباحث مساعده في مقر مؤسَّسة التخطيط والميزانية مع محمد باقر نوبخت حول مشروع «معلم بدوام كامل» لخداع المعلمين، وفي تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا يجتمع مع مسؤولي نقابة المعلمين، ويتباكى على أوضاعهم المعيشية، ويرحّب بالنقابيين السياسيين والنشطاء الإعلاميين مخادعًا إيّاهم، وبعدها يتناول الغداء مع أعضاء جبهة الصمود[المتشددة] في البرلمان مطلِقًا الشعارات المنددة بالنيوليبرالية، ثمّ يلف الكوفية حول عنقه، ويجتمع خلسة مع قادة الحرس ولا يقدّم أيّ تقرير لرئيس الحكومة.
وعندما يحلّ الظلام يتوجّه الوزير نحو «تويتر»، حيث المسؤول عن كتابة تغريداته صحفي متحرر يعرف نبض الفضاء الافتراضي، ويقوم بالتغريد على لسان الوزير بعبارات تبهر الإصلاحيين والمتنوّرين وتخلب لبّهم كمحاربة مافيا امتحان الثانوية العامة، ترويج السعادة في المدارس، شعارات مناهضة للواجبات المنزلية، إلغاء نظام الامتحانات والعلامات، الثناء على السيدة توران [أم أدب الأطفال في إيران ومن كبار مستشاري وزارة التربية والتعليم في زمن الشاه]، لكنه عندما ينظر في ملفاته يصاب بالضّجر، إذ يجد فيها «نقصًا في المعلمين، المدارس الخرِبة، سقوط الجدران والأسقف، العقاب البدني، مدارس بلا مرافق صحية وماء للشرب، احتجاجات المعلمين، شجارات مساعديه مع بعضهم البعض».
ينظر الوزير إلى صوَرهِ، فيرى أنّ كلّ شيء منظّم وحسب الأصول، يتذكّر حينها ما قاله له أحد المتملّقين الموهوبين «أنت جديرٌ بأن تكون رئيسًا للجمهورية بهذا الهندام المرتب»، يشعر حينها بتحسّن، ويضحك من أعماق قلبه.
مادة مترجمة عن صحيفة «همدلي» الإيرانية
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد
