تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن التأثير الراهن للعقوبات الأمريكيَّة المفروضة على إيران، واستعرضنا مدى التأثير على بعض القطاعات الاقتصادية والتراجع المستمر في الأرقام خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وكذلك ظهورًا سريعًا لتأثير الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكيَّة. في هذا المقال سوف نستعرض الخيارات الإيرانيَّة التي قد تلجأ إليها طهران لتخفيف وطأة العقوبات.
في المجمل توجد ثلاثة خيارات رئيسية:
الخيار الأول يتمثل في لجوء النِّظام الإيرانيّ إلى استراتيجية التصعيد عبر عدة أدوات، من أبرزها استهداف بعض المصالح الأمريكيَّة والغربية في المنطقة عبر الجماعات والميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري مثل حزب الله والحوثي والحشد الشعبي وغيرها، أو عبر الحرس الثوري مباشرة عبر التحرُّش بناقلات النِّفْط في مياه الخليج العربي، أو اللجوء إلى التصعيد في أفغانستان والجبهة اللبنانية-الإسرائيلية وحركة حماس، ويكون هذا الحدث بمثابة رسالة تحذير إلى واشنطن للتراجع عن سياسة الخنق الاقتصادي لطهران. سيعزز هذا الخيار اتخاذ الاتِّحاد الأوروبيّ موقفا قريبًا من الموقف الأمريكيّ من برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانيَّة، ومِن ثَمَّ فرض بعض العقوبات على طهران، مع تأكيد أوروبا التزامها الاتفاق النووي. هذا الخيار سيكلف إيران كثيرًا دبلوماسيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، وقد يكون رد الفعل الغربي أكبر بكثير من الفعل ذاته، وقد يجده بعض الدول في الوقت الراهن هدية إيرانيَّة لتنفيذ عملية عسكرية مركَّزة ضدّ بعض المواقع الإيرانيَّة في الداخل أو الخارج، أو فيهما معًا.
الخيار الثاني، يعتمد على الصمود والمقاومة داخليًّا، والثبات في السياسة الخارجية واللعب على الوقت خلال العامين القادمين حتى تتضح ملامح الإدارة الأمريكيَّة القادمة. تستطيع إيران إذا ما استمرَّت الاستثناءات الأمريكيَّة للدول الثماني أو معظمها باستيراد النِّفْط الإيرانيّ بعد انقضاء فترة الاستثناء، تستطيع أن تتعايش لعدة سنوات مع العقوبات الأخرى من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد واعتماد سياسة اقتصادية تقشُّفية متشدِّدة ورفع صادراتها من المنتجات غير النِّفْطية، إلى جانب تعزيز الاقتصاد الموازي المتمثل في الحرس الثوري والمؤسَّسات “الخيرية” المرتبطة بمكتب خامنئي، والاعتماد على سياسة التهريب والتحايل وتنشيط خلاياها الاقتصادية النائمة من كيانات وأفراد للمساهمة في مساعدة الاقتصاد الإيرانيّ خلال هذه الفترة العصيبة. أرى أن هذا الخيار ممكن التحقُّق على المديين القريب والمتوسط، بخاصَّة إذا تراخت واشنطن في موقفها وفي تطبيق استراتيجيتها بدقة، ولم تجد تعاوُنًا كافيًا من الدول الإقليمية، وبالأخصّ دول الجوار الإيرانيّ التي قد تعتمد عليها إيران كثيرًا في التهرُّب من العقوبات.
الخيار الثالث، وصول الساسة في إيران إلى قناعة كاملة بأن الخيارين الماضيين يُعَدّان مغامرة غير مضمونة النتائج، وأن الكلفة السياسية والاقتصادية ستكون كبيرة جدًّا، وأن شعبية النِّظام سوف تتآكل بسبب الأوضاع المعيشية المتردية واستمرار الاحتجاجات والمظاهرات في أرجاء البلاد، ومِن ثَمَّ تلجأ إلى القبول بالتفاوض مع الإدارة الأمريكيَّة، ومحاولة الوصول إلى عَقْد صفقة معها بهدف وقف النزيف الاقتصادي المستمر، بخاصَّة إذا ما التزمت الدول الثماني المستثناة من العقوبات الأمريكيَّة، أو معظمها، تنفيذ العقوبات، ووقفت تعاملها الاقتصادي مع إيران، وكذلك لكسب بعض الوقت عبر التفاوض المشروط، ربما برفع بعض العقوبات أو تجميدها. قد يواجه هذا الخيار معارضة شديدة من الحرس الثوري، وأقلّ حدة من خامنئي، وتشجيعًا من حكومة روحاني، لكن طهران ستجد نفسها في نهاية المطاف مضطرَّة إلى ذلك، لا سيما إذا ما استمرَّت الاحتجاجات الشعبية في الداخل وعجز النِّظام عن تحقيق كثير من التزاماته المالية الداخلية والخارجية. في هذا الخيار أيضًا قد تُظهِر طهران مرونة في بعض الملفات الإقليمية الأقلّ أهمِّيَّة بالنسبة إليها، لكن ذلك لن يتحقق في أول المفاوضات، بل ستجعله طهران جوكرًا تستخدمه إذا ما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. في نظري هذا الخيار هو الأقرب إلى التحقُّق شريطة استمرار الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في الضغط على إيران والعمل على إقناع دول الجوار الإيرانيّ بعدم التعاون مع طهران في التهرُّب من العقوبات، مع الاستمرار في تتبُّع كل الخروقات الإيرانيَّة والشركات والأفراد الذين يُسهِمون في مساعدة إيران في تجاوز العقوبات ووضعهم على القوائم السوداء.
في المجمل، نجاح الاستراتيجية الأمريكيَّة تجاه إيران أو فشلها مرتبط أكثر بجدِّية واشنطن في تطبيق العقوبات وتعاون الحلفاء معها في ذلك، وتوفير بدائل تغطِّي العجز في أسواق الطاقة، ومحاولة استقطاب الدول المستهلكة للنِّفْط الإيرانيّ وتقديم تسهيلات أفضل من تلك التي تقدِّمها طهران، وتتبُّع ثغرات العقوبات وسدّها بسرعة وبتقييم مستمر.
المصدر: العربي ا لجديد
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد