في 27 مايو، تعهّدت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) المؤلَّفة من عشر دول، ومجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول، والصين، بالسير معًا على «مسارٍ موحَّد وجماعي نحو مستقبل سِلْمي ومزدهر وعادل». تضُمّ هذه الكُتلة الثلاثية دولًا يصِل تعدادها السُكّاني إلى 2.15 مليار نسمة، وبإجمالي ناتج محلِّي يبلغ نحو 24.87 تريليون دولار. ويمثِّل هذا التكتُّل 27% من سُكّان العالم، و20% من إجمالي الناتج المحلِّي العالمي، ويتميَّز بتنوُّعه الجغرافي وثرواته الطبيعية والمعدنية الهائلة؛ ما يجعله مرشَّحًا لأن يكون مركز قوَّة بديل في النظام الدولي. وقد جاء انعقاد قمَّة كوالالمبور، وسط حالة من القلق الدولي المتزايد إزاء الأُحادية وتراجع العولمة.
وفي بيان مشترك، أكَّدت الأطراف التزامها بـ «على العمل يدًا بيد لإطلاق العنان لكامل إمكانات شراكتنا، وضمان أن يُترجَم تعاوننا إلى فوائد ملموسة لشعوبنا ومجتمعاتنا». وقد أقرّ إعلان آسيان-الخليج «إطار التعاون 2024–2028م»، الذي يحدِّد آليات عمل ومبادرات مشتركة في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والشؤون الاجتماعية.
ويُعَدُّ مجلس التعاون الخليجي سابع أكبر شريك تجاري لـ«آسيان»، بحجم تبادُل بلغ 130.7 مليار دولار، كما يحتلّ المرتبة 16 كمصدر للاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 390.2 مليون دولار في عام 2023م. وإذا تحقَّقت التوقُّعات بنموٍ تجاري بنسبة 30%، فسيصِل حجم التبادل إلى 180 مليار دولار بحلول عام 2032م. وكانت القمَّة الخليجية-جنوب شرق آسيا، التي انعقدت في الرياض في أكتوبر 2023م، قد أرست أُسُس التنسيق الثلاثي مع الشريك التجاري الأكبر للطرفين؛ الصين. وقد عُقِدت هذه القمَّة في حالة من عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية، وتصاعُد السياسات الحمائية.
وفي كوالالمبور، اتّفقت الأطراف الثلاثة على تعميق التعاون في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، وتعزيز الترابط الاقتصادي وسلاسل الإمداد، وتطوير مجالات الزراعة والطاقة والتمويل والاقتصاد الرقمي. ومن جانبه، قال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم: «هذا لقاء عقول لأشخاص يسعون لتطوير بلدانهم، ويؤمنون بالاستقلال والحقوق والديمقراطية، ويتطلَّعون لتعزيز التجارة وزيادة الاستثمارات». أمّا رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، فأكدّ أنَّ القمَّة تمثِّل فُرصةً لــــ«بناء نموذج عالمي للتعاون والتنمية في هذا العصر»، وسط بيئةٍ دولية تزداد تعقيدًا واقتصادٍ عالمي يعاني من الركود. كما أيَّد الدعوة التي طرحتها رئاسة «آسيان» لإطلاق حوار حضاري كونفوشي-إسلامي. وتعهَّد لي بأنّ تعمل الصين مع آسيان ومجلس التعاون على «مواءمة الاستراتيجيات التنموية، وتعزيز التنسيق على المستوى الكلِّي، وتوسيع التعاون في مجالات التخصُّص الصناعي».
واتّفقت الأطراف كذلك على إطلاق برامج تدريب وبناء قُدرات في مجال السلامة النووية، وتكنولوجيا المفاعلات، والأُطُر التنظيمية. ويُعَدُّ مجلس التعاون الخليجي خامس أكبر شريك تجاري خارجي لـ آسيان، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 63 مليار دولار في عام 2024. أمّا ماليزيا، فقد سجَّلت نموًا بنسبة 60% في تبادلها التجاري مع دول الخليج بين عامي 2019 و2024م.
وعلى الرغم من أنَّ الصين لا تزال الشريك التجاري الأكبر لدول الخليج، إلا أنَّها فقدت مركزها الأول كوجهة تصدير لـ«آسيان» لصالح الولايات المتحدة العام الماضي. فمنذ عهد دونالد ترامب، شهِدَت الرسوم الجمركية الأمريكية ارتفاعًا حادًّا، ما خلَقَ حالةً من الضبابية. فقد فرضت واشنطن في أبريل الماضي رسومًا وصلت إلى 49% على واردات كمبوديا، و48% على لاوس، و46% على فيتنام؛ ما دفع بـ«آسيان» إلى البحث عن أسواق بديلة، لا سيّما الأسواق الخليجية النابضة.
وقال كارميلو فيرليتو؛ الرئيس التنفيذي لـــ«مركز التعليم السوقي | CME» وهو معهد فكر مقرّه في ماليزيا وإندونيسيا: إنَّ «الولايات المتحدة تُعَدُّ أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر التراكمي في آسيان، بقيمة بلغت نحو 480 مليار دولار في عام 2023، أي ما يقارب ضعف استثماراتها المجمَّعة في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان». ومع ذلك، تبقى مكانة الصين التجارية مع دول الخليج راسخة، بل مرشَّحة للتعزيز مستقبلًا.
أمّا المكسب الملموس وطويل الأمد لدول الخليج، فهو احتمال انضمامها إلى «اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة | RCEP»، الذي يضُمّ 15 دولةً بقيادة الصين و«آسيان». وتعتزم «آسيان» إجراء دراسة جدوى حول الشراكة مع مجلس التعاون، يليها توقيع اتفاقية تجارة حُرَّة ثنائية.
وعلى عكس الشرق الأوسط وجنوب آسيا، تخلو منطقة «آسيان» من النزاعات والاضطرابات؛ ما يجعلها شريكًا مثاليًا لدول الخليج. ومع دخول الصين إلى هذا المسار متعدِّد الأطراف، تبرُز آفاق واسعة للتعاون في مجالات تمتدّ من الطاقة إلى المصارف، ومن السياحة إلى نقْل التكنولوجيا.
ويجمع «آسيان» ودول الخليج والصين دافعٌ مشتركٌ بأهمِّية الإنجاز، لا سيّما على صعيد التعاون الاقتصادي. ومن المتوقَّع أن يكون انضمام دول الخليج إلى اتفاق RCEP خطوةً سريعةً وذات فائدةٍ استراتيجية كبيرة للأطراف الثلاثة. كما أنَّ فُرَص بناء القُدرات في المجال النووي سترتقي بمستوى الشراكة النوعية. وعندما تنعقد قمة «آسيان» المقبلة في نوفمبر، ستسعى ماليزيا بقوَّة للدفع قُدُمًا نحو مبادرة الخليج والصين، التي أطلقها رئيس الوزراء إبراهيم.