سارع العديد من المسؤولين السياسيين في إيران إلى تأييد قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بعد الخروج التاريخي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي عقب الاستفتاء في الثالث والعشرين من يونيو الماضي 2016، وبنوا على خروج بريطانيا الكثير من الآمال والأحلام غير الواقعية لكن وبنفس سرعة فرح النظام بخروج بريطانيا جاءت سرعة خيبة الأمل بعد تولي تيريزا ماي رئاسة الوزراء.
لم تستطع الخارجية الإيرانية إخفاء فرحها بالخروج وسارعت إلى إصدار بيان عقب نتيجة الاستفتاء قالت فيه: “تحترم جمهورية إيران الإسلامية، تصويت الشعب البريطاني على مغادرة الاتحاد الأوروبي، ونعتبر ما يجري مطابقا لإرادة الغالبية العظمى من البريطانيين، لتبني سياسة خارجية خاصة بها”. وأيد مسؤولون سياسيون وعسكريون كبار في إيران قرار الخروج البريطاني، كنائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية مسعود جزايري، وحميد أبو طالبي مساعد الشؤون السياسية بمكتب الرئيس الايراني حسن روحاني والذي غرد على موقع التواصل الاجتماعي “توتير” بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يكون إشارة إلى اقتراب انهيار الاتحاد وحث صناع القرار الإيرانيين على الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي قُدمت لهم.
» إيمان النظام الإيراني بسياسة “فرق تسد”
يعود ابتهاج القادة الإيرانيين وتأييدهم لخروج بريطانيا لثلاثة دوافع: أولها أسباب اقتصادية وسياسية وإيمان النظام الإيراني الذي اعتاد على التدخل في شؤون دول الجوار بمبدأ “فرق تسد”، وأملهم في استغلال الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي في كسر حالة العدائية والحذر في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الاتحاد الأوروبي وإيران، وإمكانية عقد اتفاقيات تجارية جديدة مع بريطانيا على حساب علاقاتها التجارية مع باقي دول الاتحاد الأوروبي خاصة بعد تأثر الاقتصاد البريطاني جزئياً بالخروج وانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني.
وتأمل إيران في بدء مفاوضات مع بريطانيا أكثر تساهلاً من باقي دول الاتحاد الأوروبي خاصة في ما يتعلق بنقل التكنولوجيا التي تحتاجها إيران في عدة مجالات لتحديث اقتصادها المتقادم بعد حظر أوروبي فُرض عليها لسنوات، وعادة ما يعني كسب حليف تجاري كسب حليف سياسي بالتبعية في مقابل التحالف الأكبر، وهو الاتحاد الأوروبي – الأميركي المعادي للتوجهات الإيرانية. ويحتاج الاقتصاد الإيراني المتأزم إلى زيادة استكشاف وإنتاج وتصدير النفط للخارج بمساعدة شركات النفط البريطانية العملاقة مثل “بي.بي” و”رويال داتش شيل” القادرتين على تطوير قطاع الطاقة الإيراني كمحاولة من إيران لدعم الميزانية الحكومية المتخمة بالديون الداخلية والخارجية.
» تفكك الاتحاد الأوروبي وتضارب مصالحه مع أمريكا حلم غير واقعي
وثاني دافع هو حلم إيران بأن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة بداية لتفكك باقي دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين كما صرح حميد أبو طالبي، وبالتالي إحداث تغيير جذري في خريطة الجغرافيا السياسية لأوروبا أو الاتحاد الأوروبي وهو أحد الأقطاب الرئيسية -بجانب الولايات المتحدة-المعارضة لتوجهات إيران النووية، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يضغط على إيران باستمرار منذ أعوام بسبب انتهاكات متكررة في ملف حقوق الإنسان بالإضافة إلى الملف النووي. وبالتالي إمكانية كسب الدول المنفردة لصالحها وعقد مفاوضات منفصلة مع كل دولة بما فيها بريطانيا بحسب ظن الجانب الإيراني.
وثالثها اعتقادهم بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يعكس اختلافا في المصالح البريطانية الأميركية وانقساما وخلافات مستقبلية بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية التي كانت ترفض خروج بريطانيا وتدعو إلى البقاء كعضو أساسي وقوي داخله. لكن وبالرغم من عدم تأييد الولايات المتحدة لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي إلا أن المصالح المشتركة بين البلدين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي والتأثير على موازين القوى الدولية أكبر وأقوى من أن يُحدث الخروج البريطاني شرخاً في علاقات البلدين، وكأكبر حليف لها في أوروبا وحلف الناتو.
وجاء تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد نتيجة الاستفتاء مباشرة ليعزز متانة العلاقات بين البلدين الحلفين وأكد فيه على احترام قرار الشعب البريطاني وأنه ليس له تأثير على علاقات البلدين في مجال السياسة الخارجية والأمن والاقتصاد.
» مستقبل شائك لعلاقة بريطانيا الجديدة بإيران
بعد سرعة الفرح بخروج بريطانيا جاءت سرعة خيبة الأمل لتبين أن الواقع والمستقبل أبعد ما يكون عن الأماني الإيرانية تجاه بريطانيا في المستقبل القريب بعد تولي رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تيريزا ماي، ذات التوجهات المعارضة لإيران على طول الطريق وهي من أكثر المحافظين المتشددين في بريطانيا تجاه إيران، وكانت دائما تعارض افتتاح سفارة لبريطانيا في طهران أو حتى مكتب لإصدار التأشيرات لدخولها، لكن الحكومة البريطانية السابقة قررت فتحها فقط لتنال نصيباَ من العلاقات التجارية الأوروبية – الإيرانية.
على الناحية السياسية، على إيران ألا تتوقع تغييرا سريعا في العلاقات الخارجية بين البلدين مع تولي تريزا ماي رئاسة الوزراء والتي شغلت منصب وزير الداخلية السابق، وتعتقد أن مكانة بريطانيا الدولية عادت لها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهددت في تصريحات واضحة وصريحة في البرلمان البريطاني عقب توليها رئاسة الوزراء بأنها قد تضغط على أزرار الأسلحة النووية في حال وجود مخاوف تهدد الأمن الداخلي والخارجي ولن تكترث بحجم الضحايا حتى إذا كان من بينهم أطفال. وتشتهر ماي بتقربها من اليهود وإسرائيل لدرجة أن إريك بيكلز، رئيس رابطة أصدقاء إسرائيل داخل حزب المحافظين، قال إن إسرائيل تستطيع الاطمئنان بأن إنجلترا ستكون موجودة بجانبها حال احتاجت لها، بقيادة تيريزا ماي.
ومتوقع من بريطانيا الجديدة أن تتبع منهجاً متوازناً على الساحة الدولية مقرباً من منهج الولايات المتحدة وأوروبا تجاه العلاقات مع إيران، إن لم يكن منهجاً أكثر عدائية لإيران مع قدوم رئيسة وزراء متشددة بشكل عام تجاه أمن بريطانيا وبشكل خاص تجاه إيران، في مقابل قربها من إسرائيل وبالتالي الولايات المتحدة. لهذا فقد بالغ المسؤولون الإيرانيون في توقعاتهم غير الواقعية ويغيب عنهم أن مشاكل إيران الهيكلية السياسية والاقتصادية أكبر من أن تحل بمعادة أغلب دول العالم مقابل علاقات وثيقة مع دولة واحدة كبريطانيا.
وعلى الجانب الاقتصادي وبغض النظر عن تاريخ رئيسة الوزراء الجديدة المعادي لإيران، فلن تكون علاقات بريطانيا التجارية مع إيران على حساب الاتحاد الأوروبي بأي شكل من الأشكال، لأن حجم التبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ضخم وأكبر بكثير من أن يتأثر بسرعة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتوجه لأسواق ناشئة حتى ولو كانت جاذبة للاستثمار. حيث وصل حجم التبادل التجاري بين بريطانيا وأوروبا إلى 510 مليار جنيه إسترليني في عام 2015 (668.8 مليار دولار)، بينما لم يتعد حجم التبادل التجاري بين بريطانيا وإيران 144 مليون دولار في عام 2015، وهو رقم ضئيل للغاية.
وخلال عام ونصف عام، تراوحت نسبة الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي ما بين 38 و 49% شهرياً من إجمالي الصادرات البريطانية على الخارج، بينما تراوحت الواردات البريطانية من دول الاتحاد الأوروبي ما بين 47 و 56% خلال نفس الفترة الزمنية، وفقا لوحدة إحصائيات التجارة البريطانية (HMRC). أي أن الاتحاد الأوروبي هو السوق الأساسية للصادرات والواردات البريطانية بلا منازع.
وحالياً فإن الآمال الإيرانية الطامحة لعلاقات تجارية وثيقة مع بريطانيا تعتبر غير واقعية على المدى القريب، وبجانب الترابط السياسي يعد الترابط التجاري الكبير بين بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة أكبر وأعمق بكثير من أن تتم المجازفة به أو تسمح بريطانيا بأن يتأثر سلبيا في المستقبل القريب بناءً على قرارات سياسية أو اقتصادية غير محسوبة مع دولة كإيران تعادي أهم شركاء بريطانيا التجاريين كالولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج. وفي حال حدوث تغيرات مستقبلية في حجم التجارة بين بريطانيا وإيران فإنها لن تكون ملحوظة مقارنة بحجم تجارة بريطانيا مع دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأهم لها.