صدر بحق حميد بقائي مساعد الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد حكم بالسجن لمدة 15 عامًا، وردّ مبلغ 3.76 مليون يورو و590 ألف دولار أمريكي إلى خزينة الدولة، ودفع غرامة مالية تقدر بـ9.5 مليون دولار، مع الجَلد والمنع من تولّي أي مناصب في الدولة، وذلك بناءً على بلاغ تقدمت به هيئة استخبارات الحرس الثوري الإيراني اتهمت فيه بقائي بتسلُّمه مبلغ 3.76 مليون يورو في أغسطس عام 2013م من فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والمكلف بالعمليات الاستخباراتية والقتالية خارج الحدود الإيرانية، ليقوم بتوزيعها كهدايا على رؤساء بعض الدول الإفريقية، واتهمت استخبارات الحرس الثوري بقائي باستيلائه على المبلغ.
خلفية الصراع بين أحمدي نجاد والسلطة القضائية:
شن أحمدي نجاد هجومًا شرسًا على الأخوين لاريجاني وتحديدًا صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، متّهِمًا إياه بالفساد المالي، واستغلال سلطاته القضائية في تصفية حساباته الشخصية واعتقال كل من يتوجه بالنقد في حقه وحق ابنته التي اتهمت بالتجسس لصالح بريطانيا، فضلًا عن تحويله السلطة القضائية لجهاز قمع سياسي. ويبدو أن الرسالة العلنية الأخيرة التي بعث بها أحمدي نجاد لخامنئي، مطالبًا فيها بعزل صادق لاريجاني من السلطة القضائية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية لعزل على لاريجاني الأخ الشقيق لصادق من رئاسة البرلمان، قد أشعلت الحرب بين عائلة لاريجاني وجماعة نجاد.
ضربات متتالية من صادق لم تفلح في إسكات أحمدي نجاد:
يجمع بين أحمدي نجاد ومساعده التنفيذي حميد بقائي، ونائبه الأول رحيم مشائي، علاقة قوية، وبات توجيه أي ضربة سياسية لكل من بقائي ومشائي بمثابة ضربة مباشرة لأحمدي نجاد. تعرّض بقائي للاعتقال عدة أشهر في عام 2015م دون سبب واضح، ثم صدر قرار من مجلس صيانة الدستور بمنعه من الترشح لرئاسة الجمهورية في عام 2017م، أما رحيم مشائي فقد عارض المرشد علي خامنئي تعيينه كمساعد أول لأحمدي نجاد، ولم يخضع نجاد لأمر المرشد لفترة لكنه في النهاية رضخ، ثم ردّ على ذلك بعزل وزير الاستخبارات غلام حسين محسني اجيي لكونه أشد المعارضين لمشائي، وقد تم اعتقال رحيم مشائي في 17 مارس 2018م بعد اعتراضه على الحكم الذي صدر بحق بقائي وإحراقه لنسخة من الحكم أمام السفارة البريطانية بطهران.
دفاع أحمدي نجاد عن بقائي:
بعد أن قبض على بقائي وإعلانه الإضراب عن الطعام، أرسل أحمدي نجاد رسالتين علنيتين إلى قاسم سليماني بحكم منصبه كقائد لفيلق القدس، جاء فيهما أن الحكم الذي صدر بحق بقائي هو حكم سياسي وليس قضائيًّا، وأن القول الفصل في هذه التهمة لا يخرج عن أمرين، هما: “إما أن فيلق القدس الذي هو تحت قيادتكم قد دفع بالفعل هذا المال لبقائي، ومن ثم يجب أن نعرف لماذا دفعه، ولأجل أي شيء دفعه، وطبقًا لأي قانون، وأين الأوراق الرسمية التي تثبت هذا، وإذا لم يكن فيلق القدس قد دفع هذه الأموال فلماذا تصمت أنت وفيلق القدس على هذا الظلم؟! إنّ وسائل الإعلام تقول إنك قدمت تضحيات لمواجهة الظلم في سوريا وفي مناطق أخرى، فلماذا تسكت على ظلم كبير في بلدك ويستخدم اسمك فيه؟ وعليك أن تستعدّ تمامًا لأني سوف أعلن التعاملات التي تمت بيني وبينك والتي أشرت إليها في رسالتي السابقة لك. ولتعلموا أن الله قادر منتقم، وبلطف الله سوف يُفضَح الظالمون سريعًا، وحينها سوف يكون الوقت متأخرًا جدًّا للندم”.
لم ينتظر أحمدي نجاد كثيرًا حتى شن هجومًا على المرشد نفسه في سابقة لم تحدث من قبل إلا منه هو نفسه عندما هاجم رفسنجاني متهمًا إياه بالفساد، هذه المرة أعلن أحمدي نجاد أن ثروة خامنئي تقدر بـ190 مليار دولار، واتهمه بالنهب وقمع الشعب الإيراني، وحدد عددًا من المؤسسات التابعة للمرشد تم توزيع المبلغ المذكور عليها.
إدانة كاملة للنظام:
تحتوي صحيفة الاتهام الصادرة بحق بقائي على عدة نقاط تدين النظام الإيراني، منها أن استخبارات الحرس الثوري قد أقرّت بأنها تدفع رشى لرؤساء بعض الدول الإفريقية ولدعم جماعات إرهابية ومتمردة في بعض الدول الإفريقية، وهو ادّعاء يُدين فيلق القدس التابع للحرس الثوري والنظام الإيراني كله، فضلًا عن أنه يستوجب رد فعل من منظمة الاتحاد الإفريقي كمنظمة دولية تمثل جميع الدول الإفريقية، بعد أن اتهمت هيئة رسمية تابعة للحكومة الإيرانية رؤساء بعض الدول الإفريقية بتلقي رشى من الحرس الثوري.
الأمر الثاني أن هذه الأموال التي دفعت لبقائي دفعت في وقت لم يكن يتولى فيه أي منصب حكومي يسمح له بتقاضي هذا المبلغ، كما يثبت ادعاء استخبارات الحرس الثوري هذا أن الأموال في إيران توضع بيد قادة الحرس الثوري دون رقابة أو حساب، مما يؤكد قيامهم بأنشطة غير قانونية من دعم للإرهاب وتمويل جماعاته، وتقديم رشى سياسية بما يخدم مصالح الحرس كتنظيم إرهابي، وبالتالي التهم التي وجهت إلى بقائي تدين الحرس الثوري والنظام الإيراني بجرائم أشد من الاختلاس بكثير.
مع توالي الصراعات داخل دائرة النخبة الإيرانية الحاكمة انكشف كثير من الجرائم التي ارتكبوها بحق بلادهم، بدءًا من إعدامات عام 1988م، والرواتب الفلكية للجهاز الإداري في حكومة روحاني، والحسابات البنكية لرئيس السلطة القضائية، وها هي نشاطات الحرس الثوري تنكشف واحدًا تلو الآخر، فضلًا عن فضائح مالية وأخلاقية أشد وطأة وإن لم تحظَ بتغطية إعلامية كبيرة، لرغبة الأطراف الضالعين فيها في التكتم والتستر عليها.