أهمية اتفاق التعاون الأمني بين إيران والعراق

https://rasanah-iiis.org/?p=30990

وقَّعت إيران والعراق مؤخَّرًا اتفاقًا أمنيًا؛ لحماية حدودهما المشتركة وتعميق تعاونهما الأمني. وتؤكد الاتفاقية، حسبما أفادت بعض التقارير، جهود العراق في الحيلولة دون استخدام مناطقه الكردية لشن هجمات على إيران. تأتي هذه الاتفاقية في ظل خلفية تصاعُد التوتُّرات في الأشهر الأخيرة، على طول المنطقة الحدودية المشتركة، إثر استهداف إيران لجماعات المعارضة الكردية المتمركزة في العراق؛ وذلك لتحريضهم -كما تزعم إيران- على الاحتجاجات الحالية في إيران.

وقَّع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ومستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي الاتفاق الأمني في بغداد، بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، كما رافق محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين ومسؤولون آخرون بوزارة الخارجية شمخاني إلى بغداد، وتطرَّقت الاجتماعات إلى التطوُّرات والتعقيدات الاقتصادية والأمنية والسياسية الأخيرة بين البلدين.

أعربت السلطات الكردية العراقية عن قلقها، بشأن الوضع الأمني في حدودها المشتركة مع إيران، وتحدَّثت عن إمكانياتها العسكرية المحدودة، في ظل تصاعُد التوتُّرات؛ إذ تفتقر البيشمركة للموارد العسكرية اللازمة لاحتواء الهجمات عبر الحدود. وفي العام الماضي، أدان رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني القصف الإيراني عبر الحدود، ودعا إلى ضبط النفس. وفي مقابلة، نفى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الادّعاءات الإيرانية بأنَّ حكومة إقليم كردستان العراق متواطئة في الهجمات، التي شنّتها العراق، مضيفًا أنَّ إقليم كردستان ليس «جزءًا من المناوشات، أو تصفية الحسابات مع إيران».

سيُمكِّن الاتفاق الأمني الأخير إيران من تسريع جهودها لاحتواء جماعات المعارضة الكردية المتمركزة شمال العراق؛ فقد كان من الصعب احتواء عمليات الجماعات المعارضة الكردية، أثناء تنقُّلاتهم من موقع لموقع آخر، وبالأخصّ عمليات حزب كومله. ناهيك عن أنَّه في وقت سابق، خسِر الحزب الديمقراطي لكردستان الإيرانية وحزب الحرِّية الكردستاني، ومقرّهما شمال العراق، عدَّة مقاتلين، وتعرَّضا لأضرار؛ بسبب القصف الإيراني.  وقال عضو المكتب السياسي لحزب كومله عبد الله أزربار، في مقابلة له مؤخَّرًا، إنَّ إيران تستخدم عدّة وسائل لاستهداف حزبه، وذكر أزربار أيضًا أنَّ إيران تستخدم «الضغط السياسي لمحاولة دفع كُلٍّ من حكومة إقليم كردستان في أربيل والحكومة العراقية في بغداد لمنعنا من التمركُز هُنا، ومن بين الاثنين، كان الضغط الذي تلقّيناه من بغداد هو الأقوى». استهدفت سلطات إيران المناطق الكردية في شمال العراق باستمرار، مدّعية بأنَّهم يمثِّلون تهديدًا وشيكًا على الأمن القومي الإيراني. علاوةً على ذلك، ادّعت إيران بوجود صلات بين جماعات المعارضة الكردية ووكالة التجسس الإسرائيلية «الموساد». ثمّة عدّة عوامل مهمّة لفهم نهج إيران ودوافعها، خلف توقيع الاتفاق الأمني مع العراق. أولًا: يعكس الاتفاق نفوذ إيران على السياسة العراقية، خاصةً أنَّ الائتلاف الحاكم الآن يضُم الأحزاب السياسية الموالية لإيران إلى حدٍّ كبير. لقد قلَّل اعتماد العراق على إيران من استقلالها الإستراتيجي بصورة كبيرة، لكن لم يمنع ذلك بغداد من التواصل مع دول الخليج، التي كانت مصدر قلق لطهران. ثانيًا: الحدود بين إيران والعراق سهلة الاختراق، ولم تتمكَّن العراق من السيطرة عليها. وفي هذا الصدد، من المرجَّح أن يجتمع البلدان بموجب الاتفاق لمعالجة القلاقل حول الحدود، وبالتالي تثبيط احتمالية نشوب مزيد من المشاكل والاشتباكات بشأن التحركُّات عبر الحدود، وهذه أولوية مهمّة لإيران. ثالثًا: حرصت إيران أيضًا على عقد صفقات مهمّة مع الحكومة العراقية في الأشهر الأخيرة، وزيادة التعاون الثنائي، إذ أبرم الجانبان أثناء اجتماع الدورة الخامسة لــ«الجنة العراقية الإيرانية المشتركة»، التي عُقِدت في 12 مارس ببغداد، اتفاقيات لإنشاء مدن صناعية مشتركة تهدُف إلى زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. وتعتزم طهران زيادة تعميق مشاركتها مع بغداد، وكذلك استخدام نفوذها السياسي؛ للتوسُّط بين بغداد وأربيل. رابعًا: كثيرًا ما أشارت إيران إلى التوتُّرات على طول الحدود المشتركة مع العراق، على أنَّها عمليات خارجية منظَّمة بقصد تهديد السيادة الإيرانية؛ لذا يمكن اعتبار الاتفاق الأمني هُنا انعكاس لمخاوف طهران واستمرارية لتصوُّرها الأمني. ومنذ اندلاع الاحتجاجات في إيران بعد مقتل مهسا أميني، استهدف الحرس الثوري الإيراني مقرّ الجماعات المعارضة الكردية شمال العراق، وأكدت طهران أنَّ الهجمات عبر الحدود كانت ردًّا على «الدخول غير القانوني لفِرَق مسلَّحة على صِلة بجماعات كردية إرهابية». وصرَّحت أيضًا البعثة الدائمة لإيران لدى الأمم المتحدة بأنَّ الدبلوماسية فشلت في ردع التهديدات الأمنية، وليس أمام إيران أيّ خيار آخر سوى استخدام القوة العسكرية ضد جماعات المعارضة الكردية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير