أهمية زيارة الأمير خالد بن سلمان الأخيرة إلى طهران

https://rasanah-iiis.org/?p=37568

 وصل وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى العاصمة الإيرانية، طهران، في أول زيارة تاريخية من نوعها منذ عشرين عامًا، حيث عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، والرئيس مسعود بزشكيان، ورئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان اللواء محمد حسين باقري، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي أكبر أحمديان. وخلال الاجتماع، سلّم الأمير خالد رسالةً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى خامنئي، وناقش الوفدان سُبلَ تعزيز التعاون الأمني، ودعم الاستقرار الإقليمي، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي الثنائي.

وعقب الاجتماع، قال المرشد الإيراني في حسابة على موقع إكس: إن «العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية مفيدة لكلا البلدين»، مضيفًا: «من الأفضل بكثير أن يتعاون الأشقاء بمنطقة غرب آسيا ويساعدوا بعضهم البعض بدلًا من الاعتماد على الآخرين». من جانبه وصفَ السفير الإيراني في المملكة علي رضا عنايتي الزيارة بأنها «نقطة تحول» في العلاقات الثنائية بين البلدين، معربًا عن تفاؤله حول مستقبل العلاقات بين الرياض وطهران.

تعكسُ هذه الزيارة تحولًا كبيرًا في العلاقات الثنائية، ما كان ليتحقق إلّا من خلال دبلوماسيةٍ مكثفةٍ تدورُ خلف الكواليس، وإلى حدٍ ما بفضل قدرة طهران على طمأنة الرياض بالتزامات موثوقة بشأن القضايا الإقليمية العالقة بينهما. تجدُر الإشارة إلى أن مناقشات متعددة جرت في الأشهر الأخيرة بين كبار المسؤولين من كلا البلدين؛ ففي نوفمبر 2024، التقى رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية الفريق أول ركن فياض الرويلي بنظيره الإيراني باقري في طهران؛ لمناقشة قضايا تتعلَّق بالأمن الإقليمي والتعاون الدفاعي.

ويُعد توقيت الزيارة مهمًا جدًا لا سيما أنها أتت في خضم المفاوضات النووية الجارية بين طهران وواشنطن، حيث أعرب مسؤولون سعوديون عن دعمهم لمشاركة إيران في المحادثات، واصفين إياها بأنها خطوة نحو سلام واستقرار إقليميين أوسع، كما تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو، وزيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إلى طهران. وفي ظل التحولات الجيوسياسية الجارية، أصبحت المملكة بفضل ريادتها العالمَ الإسلامي ونفوذها المتنامي قوةً محوريةً لا يمكن تجاوزها، وهذا ما تجلَّى في التبادلات رفيعة المستوى الأخيرة بين الرياض وطهران، حيث أدركت الأخيرة مدى النفوذ الاستراتيجي والجيوسياسي الذي تتمتَّع به المملكة.

وبالنسبة لإيران، أصبح التواصل مع المملكة أكثر أهميةً من أي وقتٍ مضى، لا سيما بعدما أدركت أن المشاركة الإقليمية أساسٌ لمعالجة التحديات الاقتصادية المستمرة التي تواجهها البلاد. فبدون هذا التعاون، من غير المرجَّح أن يحقِّق الاقتصاد الإيراني نموًا ملحوظًا، وهي نقطة قد أكد عليها بزشكيان في عدَّة مناسبات، لا سيما أن حكومة بزشكيان تقدم فرصًا لتحسين العلاقات مع الخليج، من خلال المبادرات الاقتصادية والدبلوماسية. ومع ذلك، يجب أن تتوافق أفعالهُ مع مصالح التيار «المحافظ» في الداخل الإيراني، وعلى رأسهم الحرس الثوري الذي لطالما عارضَ مثل هذه التفاعلات مع الجوار. ومن المهم أيضًا ملاحظة أنه في حين يُنظرُ إلى بزشكيان على أنه معتدل، فإن قدرته على متابعة المبادرات مع الخليج وخارجه تتشكَّل من خلال المشهد السياسي الأوسع في إيران؛ حيث ترتكزُ عملية صُنع القرار في البلاد ارتكازًا كبيرًا على المرشد الإيراني، الذي يتمتَّع بسلطة كبيرة على السياسات الخارجية والأمنية الرئيسية، مما حدَّ تاريخيًا من نطاق الإصلاحات والمبادرات الخارجية التي تحيدُ عن المواقف التقليدية لــ «المتشددين».

تُدرك إيران جيدًا أنها في وضعها الحالي الضعيف، والذي ربما يكون الأكثر هشاشةً منذ عام 1979م، لا يمكنها الحفاظ على مكانتها الإقليمية دون الانفتاح أولاً وبناء الثقة مع جيرانها العرب؛ ولمواجهة التحولات السريعة وغير المسبوقة في ميزان القوى الإقليمي، لا بد لإيران من الدخول في مشاركة بناءةٍ مع المملكة، وهذا ما أشار له الاجتماع الأخير في طهران فقد كان تحقيقُ الأمن والاستقرار الإقليميين من الأهداف الرئيسية التي ناقشها الجانبان. ويمكن أن يمهد هذا الحوار الطريق لتعاون عسكري وأمني مستقبلي بين المملكة وإيران، لا سيما مع إدراك إيران أن المخاوف الأمنية للمملكة يجب أن تُعالجَ ضمن أي مشاركة أوسع مع الولايات المتحدة. ونظرًا للترابط الوثيق بين الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة والأمن السعودي، فلا يمكن التعامل معهما كقضيتين منفصلتين؛ لذا سيكون مستقبل وكلاء إيران أيضًا عاملاً حاسمًا في تحديد ما إذا كان من الممكن استعادة الاستقرار الإقليمي بطريقة تتماشى مع المصالح الأمنية الوطنية والإقليمية للرياض.

بالنسبة للمملكة، ثمة عدَّةُ عوامل تشكِّل علاقتها مع إيران، لا سيما أن التعزيزات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر والتوترات المستمرة بين الحوثيين والولايات المتحدة ما زالت مصدرَ قلقٍ كبير للرياض. ومن جانبها، حثَّت إيران الحوثيين على تهدئة التوترات، على الأرجح في محاولة لتجنُّب أي رد فعل عنيف من الجانب الأمريكي ولتعزيز فُرص التوصل إلى اتفاق نووي، لكن لا يمكن التنبؤ كيف سيستجيبُ وكلاء إيران في المنطقة للتطورات الأخيرة في المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن. ولا تزال الحالة اليمنية مسألةً محوريةً لأنها تُهدد الأمن والاستقرار البحري، اللذين كانا نقطةَ خلافٍ رئيسية بين الرياض وطهران. ووفقًا للتقارير، ركَّزت المناقشات خلال زيارة الأمير خالد الأخيرة على هذه القضايا، لا سيما مع انضمام مبعوث المملكة إلى اليمن ضمنَ الوفد السعودي رفيع المستوى. وتُمثل القضية الفلسطينية مصدرَ قلقٍ رئيسيٍ آخر لكلٍ من المملكة وإيران، لا سيما في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر والمتصاعد على قطاع غزة. ويُعدّ اتخاذ موقف موحد بشأن هذه القضية أمرًا بالغ الأهمية؛ لدفع الجهود نحو حلٍ مستدامٍ وقابلٍ للتطبيق للفلسطينيين. ويشترك البلدان في الاهتمام بمعالجة الأزمة الإنسانية التي يُعاني منها القطاع، ومن الممكن أن يساعد تعاونهما في التوصل إلى موقفٍ دوليٍ أكثر تماسكًا.

يُعدّ الاتفاق بين إيران والسعودية بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك أمرًا بالغَ الأهمية للحفاظ على الاستثمارات القائمة وتعزيز الفُرص الاقتصادية الجديدة لإيران مع دول الخليج. وتُشير التقارير إلى أن صادرات إيران غير النفطية إلى السعودية قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام الماضي، مما يعكسُ التغيرات السريعة في التجارة الثُنائية منذ استئناف العلاقات بين البلدين عام 2023. وإدراكًا منها لفُرصة التكيف مع المشهد الجيوسياسي المتغير، تتطلَّع دولٌ إقليميةٌ أخرى، مثل لبنان والعراق وسوريا، بشكلٍ متزايد إلى التعاون البنّاء مع السعودية، لا سيما في مجال العلاقات الاقتصادية. تسعى إدارة ترامب إلى الحفاظ على شراكاتها الاستراتيجية مع حلفائها في الخليج وتوسيعها؛ لذا فأي محاولات من جانب إيران لتقويض هذه الجهود قد تستدعي ردًا قويًا من إدارة ترامب، مما يُعزز من أهمية مشاركة إيران البناءة في المحادثات النووية والأمن الإقليمي. ومنذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، تتعرَّض إيران لضغوطات، إذ حذَّرت واشنطنُ مرارًا من أنها ستتخذُ ردًا عسكريًا إذا لم تتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. أما إيران، فإن تقدمها النووي وقربها من العتبة النووية يمنحانها نفوذًا، لكن الولايات المتحدة لا تزال تتفاوضُ من موقع قوة، سعيًا إلى اتفاق أطول أمدًا وأقوى. ويُمثل الاتفاق النووي خيارًا أكثرَ أمانًا وأقلَ تكلفة، لا سيما وأن دول الخليج تُحذر من مخاطر وتكاليف وقوع أيّ صراع عسكري في المنطقة. وفي هذا السياق، تعكس زيارة الأمير خالد إلى طهران والتطورات الأخيرة في العلاقات السعودية-الإيرانية استعدادَ البلدين لإدارة التوترات ثنائيًا، فضلًا عن مساعي السعودية لضمان استمرار إيران في نهجها الإيجابي لضمان التوصل إلى اتفاقٍ نوويٍ مُرضٍ لتجنُّب المخاطر العسكرية والتصعيد في المنطقة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير