زار مؤخرًا سلطان عمان هيثم بن طارق طهران، حيث التقى بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لمناقشة مجموعة من القضايا الدبلوماسية والأمنية. وقد عُقد الاجتماع على خلفية اتفاق التقارب السعودي-الإيراني والمحادثات النووية المتوقفة. وتكتسب الزيارة الأخيرة أهميةً خاصة في سياق بعض التقارير التي كشفت عن زيارة مستشار الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك إلى عُمان في مايو الماضي لمناقشة القضايا المتعلقة ببرنامج إيران النووي. ويُعتقد أن الولايات المتحدة تسعى إلى عقد جولة أخرى من الحوار لحل المأزق المتعلق بالملف النووي الإيراني
تشتهر عُمان بدور الوساطة التي تلعبه في الشرق الأوسط، إذ تتمتع بسجلٍ من الوساطة بين الدول العربية وإيران وكذلك بين إيران والغرب. بالإضافة إلى ذلك، تُشير بعض التقارير إلى أن التقارب المحتمل بين إيران ومصر هو نتيجةَ وساطةٍ عُمانية. وفي الآونة الأخيرة، توسَّطت عُمان في إتمام صفقة لتبادل الأسرى بين إيران وبلجيكا التي ساهمت في إطلاق سراح عامل الإغاثة البلجيكي أوليفييه فانديكاستيل الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 40 عامًا عَقِب إلقاء القبض عليه في عام 2022م بتهمة التجسس. وفي المقابل، أفرجت بلجيكا عن الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي حكمت عليه محكمة أنتويرب بالسجن 20 عامًا في عام 2021م بتهمة التخطيط لشن هجومٍ بالقنابل، كان يستهدف تجمعًا نظَّمهُ معارضون إيرانيون بالقرب من باريس. وأكدت تصريحاتٌ رسمية من عُمان أنها ساعدت أيضًا في الإفراج عن مواطنين نمساويين ومواطن دنماركي من إيران. بالإضافة إلى ذلك، لعبت عُمان دورًا مهمًا في تأمين الإفراج عن الأمريكيين المعتقلين في السجون الإيرانية. وخلال زيارة السلطان العماني الأخيرة، أبرمت وفودٌ من البلدين اتفاقيات لزيادة التعاون في مجالات الطاقة والاستثمار والاقتصاد والتجارة. كما أبرمت إيران وسلطنة عُمان اتفاقيةً للتنقيب المشترك في حقل هنغام النفطي الواقع في مضيق هرمز. وبموجب الاتفاقية، سيجري إعداد خطة تطوير رئيسية بعد إجراء دراسة عن آفاق المشروع. ويُغطي حقل نفط هنغام مساحة 288 كيلومترًا مربعًا ويقع ما يقرب من 80% من حقل النفط في الأراضي الإيرانية. وتُجري طهران ومسقط مناقشات حول إمكانيات تصدير الغاز الإيراني إلى سلطنة عمان منذ عام 2008م، وأيضًا حول الاستكشاف المشترك لحقل هنغام النفطي. ومع ذلك، أعاقت التعقيدات المتعلقة بالعقوبات التقدم في التعاون بين البلدين على مدى العقدين الماضيين
كشفت التقارير الأخيرة أن التجارة الثنائية بين إيران وسلطنة عُمان تتجاوز 1.88 مليار دولار؛ فخلال السنة المالية 2022-2023م، بلغت الصادرات الإيرانية إلى سلطنة عُمان 1.08 مليار دولار، وتُسجل بذلك زيادةً بأكثر من 50% مقارنةً مع العام السابق. وقد طوَّرت إيران وعُمان علاقاتهما الثنائية تدريجيًا وناقشتا بعض الآليات لزيادة التعاون التجاري بينهما. عُقد منتدى الأعمال الإيراني-العُماني في طهران الشهر الماضي للمساعدة في بناء شراكة إستراتيجية لزيادة الاستثمارات واستكشاف سُبلٍ جديدة للتعاون الاقتصادي بين البلدين. وقد أعرب كلا البلدين عن اهتمامهما بزيادة التعاون في الزراعة والبناء والأدوية والمواد الغذائية، لا سيما من خلال تسهيل التعاملات بين الشركات التجارية المعنية
تُشير العوامل التالية إلى أهمية عُمان بالنسبة لإيران في سياق نهج السياسة الخارجية المتغيرة التي تتبناه طهران والسعي للتخفيف من تأثير العقوبات
أولاً: لعبت عُمان تقليديًا دورَ الوسيط بين إيران والغرب، وتشير زيارة السلطان هيثم بن طارق الأخيرة إلى طهران، إلى محاولات دبلوماسية جديدة للتوصل إلى اتفاق نووي. ولعلَّ الدليل على هذا التوجه أن كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كان حاضرًا في الوفد الإيراني خلال الاجتماع مع سلطان عُمان
وعلاوةً على ذلك، تشير بعض التقارير الأخيرة إلى أن إدارة بايدن ناقشت مع شركاء أوروبيين اقتراحًا لإبرام اتفاقٍ مؤقت مع إيران، من شأنه أن يمدد الإعفاء عن بعض العقوبات على طهران مقابل تراجعها عن أجزاءٍ من برنامجها النووي
ثانيًا: تعتزم إيران توسيع نطاق المشاركة مع عُمان للتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن نظام العقوبات القاسي عليها، لاسيما أن كلًا من الاقتصاد الإيراني والعُماني يعتمدان على الطاقة، وقد اتبعت إيران في السنوات الأخيرة بعض الآليات للالتفاف على العقوبات من خلال العمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والعالميين
وفي هذا الصدد، قال عبد العالي رحيمي مظفر، عضو مجلس إدارة لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني: «إن عمل إيران مع الدول المجاورة مثل عُمان سوف يساهم في تعزيز دبلوماسية الطاقة في البلاد»
ثالثًا: تعتزم إيران تخفيف حدة التوترات والتحرك نحو التقارب مع الدول العربية المجاورة. وفي إطار هذا المسعى الإيراني، تُعد عُمان وسيطًا موثوقًا به لتقديم المساعدة في نهج السياسة الخارجية الإيرانية الجديد، ناهيك أن عُمان ساعدت في رفع التجميد عن أصولٍ إيرانية؛ ففي العام الماضي وخلال اجتماع بين محافظي البنكين المركزيين في إيران وسلطنة عمان، قال محافظ البنك المركزي الإيراني السابق علي صالح عبادي: إن عُمان ساعدت إيران في استرداد 500 مليون دولار من المملكة المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، ونتيجةً لوساطة عُمان، وحسبما أفادت به بعض التقارير بأن إيران ستحصل على 24 مليار دولار من الأصول المجمدة من العراق وكوريا الجنوبية قريبًا
رابعًا: تتلاقى المصالح والاهتمامات المشتركة بين البلدين، خاصةً على صعيد الأمن البحري، وفي ضوء ذلك، أجرت إيران وسلطنة عمان مناورات بحرية مشتركة، وأعربت إيران مؤخرًا عن رغبتها في تشكيل تحالفٍ بحريٍ جديد مع السعودية والإمارات والبحرين
وفي الختام، وفي خضمّ مساعي الولايات المتحدة لمعالجة الملف النووي الإيراني، وفي سياق نهج السياسة الخارجية المتغيرة لإيران، من المرجَّح أن تكون عُمان هي الخيار الأنسب لكلا البلدين للعب دورِ الوساطة أملاً في كسر الجمود النووي