أهمية زيارة رئيسي إلى الجزائر

https://rasanah-iiis.org/?p=34523

زارَ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الجزائر، في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيسٌ إيراني إلى الجزائر منذ 14 عامًا. وقد زارَ رئيسي الجزائر لحضور «القمَّة السابعة لمنتدى الدول المصدِّرة للغاز»، وخلال زيارته التقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وأبرم عدَّة اتفاقيات ثنائية. وأكد الزعيمان خلال اجتماعاتهما التزامهُما بتعزيز العلاقات الثنائية. وتعكس الزيارة جهود الحكومة الإيرانية لتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية؛ لأجل مواجهة العقوبات الاقتصادية، والتحدِّيات المتعلِّقة بالتجارة الدولية الإيرانية. يهدُف التواصل الإيراني مع أفريقيا إلى الاستفادة من الآفاق الاقتصادية، لا سيّما في مجال الطاقة والبنية التحتية، من خلال تنويع الشراكات وفُرَص الاستثمار. كما تسعى إيران من خلال تعزيز نفوذها السياسي في أفريقيا؛ للحصول على دعمٍ إقليمي لمواجهة الهيمنة الغربية.

صبَّت القمَّة الـسابعة للمنتدى تركيزها على موضوع «الغاز الطبيعي من أجل مستقبل طاقةٍ آمن ومُستدام»؛ الأمر الذي يؤكِّد أهمِّيته في دفْع عجلة التنمية الاقتصادية. سلَّطت القمَّة الضوء على الغاز الطبيعي كمورد طاقة منخفض التكلفة وموثوقٍ ومُستدام وهام لضمان أمن الطاقة. وشاركت الوفود في المناقشات، التي تناولت أحوال السوق الجيوسياسية والاقتصادية والغاز الطبيعي، وأكَّدوا من جديد التزامهم بالدعوةِ إلى اعتبار الغاز الطبيعي مصدرًا للطاقة يمكن الاعتماد عليه، وأيَّد القادة إعلان الجزائر.

 وعلى هامش القمَّة، أبرمت الجزائر وإيران اتفاقيات تعاون ثنائية، تُغطِّي جوانب الطاقة والتعدين والزراعة والسياحة والبنية التحتية. أدَّت محاولات الجزائر للعمل على نحوٍ وثيق مع إيران، إلى جانب تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، إلى توتُّر علاقاتِ الجزائر مع الولايات المتحدة. الجدير بالذكر هُنا أنَّ الجزائر وإيران حافظتا لفترةٍ طويلة على علاقاتٍ تجارية محدودة، ومع ذلك، شهِدَت علاقتهما الاقتصادية نموًا تدريجيًا. وحسبما أفادت به التقارير، بلغت صادرات إيران غير النفطية الجزائر 1.1 مليون دولار من مارس إلى يونيو 2023م، مُسجِّلةً ارتفاعًا بنسبة 109% عن العام السابق. نظرًا لاحتواء كلا البلدين على احتياطات كبيرة من الغاز؛ يتمتَّع كلٍّ من إيران والجزائر بالقُدرة على التعاونِ في عدَّة  قطاعات مختلفة، لا سيّما في قطاعات الطاقة والصناعة والبتروكيماويات. وفي السنواتِ الأخيرة، وجَّه البلدان أيضًا الجهود نحو خلْق بيئة أعمال مواتية، وكذلك تعزيز فُرَص الاستثمار والسياحة. اتفقت إيران والجزائر خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الجزائري أحمد ألطاف إلى طهران في يوليو 2023، على تخفيف إجراءات منح التأشيرات وإلغاء مُتطلَّبات التأشيرة لجميع المسافرين في نهاية المطاف، وبالتالي تعزيز التواصل بين الشعبين.

 تُعَدُّ قمَّة المنتدى العالمي للغاز، أمرًا بالغ الأهمِّية بسبب اهتمام أوروبا الشديد بالغاز الجزائري في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا في عام 2022م. وعلى الرغم من كون كُلٍّ من الجزائر وإيران، منتجين رئيسيين للغاز، فإنَّهما يُواجهان تحدِّياتٍ في تلبية الطلب بسبب القصور في البنية التحتية والاقتصادية. وتسعى إيران لزيادة إنتاجها من الغاز في السنوات المقبلة، لكن عرقلت العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الإيراني، قُدرتها على الدخولِ في صفقات طاقةٍ مع دول أخرى. وتُواجِه إيران تحدِّيات في الوفاء بالتزاماتها بتصدير الغاز؛ الأمرُ الذي أدى إلى انخفاض مبيعاتها لكبارِ العملاء. وعلى النقيض، ، تسعى الدول الكبرى المصدرةِ للغاز جاهدةً لتعزيزِ قُدراتها على تصديرِ الغاز الطبيعي المُسال لتلبيةِ الطلب العالمي المتزايد، الأمرُ الذي يُسَلطُ الضوءَ على مدى الصعوباتِ التي تواجهُا إيران في الحفاظِ على مَوْطِئ قدمٍ لها في سوقِ الغاز العالمي.

وتتقاسم الجزائر وإيران مواقف متماثلة حول القضايا الإقليمية، بما في ذلك دعمهما للنظام السوري و«جبهة البوليساريو» في الصحراءِ الغربية. كما انتقد البلدان الدعم الأمريكي لإسرائيل، في خِضَمّ الحرب على غزة، وكرَّرا دعمهما الثابت للقضية الفلسطينية، ويُشكِّل توافقهما حول قضية فلسطين حجر الزاويةِ في سياساتهما الخارجية.

ولقد أعربت كلٌ من الجزائر وإيران عن معارضتهما لـ «اتفاقيات إبراهيم»، أو ما يُعرَف أيضًا بالـــ «الاتفاقيات الإبراهيمية». أدَّى قرار الولاياتِ المتحدة بالاعتراف بالصحراء الغربية كجزءٍ من المغرب مقابل موافقة الرباط على توقيع «اتفاقيات إبراهيم»، إلى توتُّرات بين الولايات المتحدة والجزائر. ويُشكِّل هذا القرار خروجًا عن السياسة الأمريكية، القائمة منذ فترة طويلة لدعم الجهود، التي تقودها الأُمم المتحدة للتوصُّل إلى حلٍّ تفاوضي لصراع الصحراءِ الغربية. وعلى النقيض من ذلك، شجَّعت الولايات المتحدة الجزائر على زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا كبديلٍ للغاز الروسي؛ الأمرُ الذي قد يؤثِّر إيجابًا على العلاقات الأمريكية-الجزائرية، على الرغم من الخلافات حول بعض القضايا، مثل الصحراء الغربية والعلاقات مع روسيا. علاوةً على ذلك، وعلى الرغم من الاختلافات بين الدولتين، تعتزم الجزائر تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الشركات الأمريكية وجذْب الاستثمارات، من خلال تنويع الشراكات وتسهيل قوانين الاستثمار. وتهدُف اللقاءات الأخيرةِ بين المسؤولين الجزائريين والأمريكيين إلى تخفيف حدَّة  التوتُّرات، التي تفاقمت بسبب الحملاتِ السياسية الأمريكية، التي تسعى إلى اتّخاذ إجراءاتٍ عقابية ضدَّ الجزائر؛ بسبب علاقاتها الدفاعية الوثيقة مع روسيا.

وأخيرًا، تشكِّل هذه الزيارة للرئيس الإيراني إلى الجزائر في السياقِ الراهن، تطوُّرًا كبيرًا في علاقاتهما الثنائية؛ ما يُسلِّط الضوء على التزامهما المشترك بتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون الدبلوماسي، الذي تجلَّى في إبرامِ اتفاقيات تعاونٍ مختلفة، خصوصًا في قطاع الطاقة. وتُشكِّل هذه التطوُّرات أيضًا بعض التحدِّيات، خصوصًا فيما يتعلَّق بعلاقة الجزائر مع الغرب، التي لا تزال تحتفظ بأهمِّيتها البالغة بالنسبة للجزائر. ولاتزال الحكومة الجزائرية تواصل العمل من أجل زيادة صادرات الغاز، لا سيّما في ظل الاهتمام الأوروبي بتنويع مصادر الطاقة لديها. وفي الوقتِ نفسه، حفَّزت مواقف الجزائر وإيران المتقاربة إزاء القضايا الإقليمية، لا سيّما دعْم القضية الفلسطينية في خِضَمّ حرب غزة، المصالح المشترَكة بين البلدين.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير