زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مؤخّرًا نيكاراغوا وفنزويلا؛ لبحث سُبُل تعزيز التعاون الثنائي. ويعكس التقدُّم الذي تحقِّقه إيران في أمريكا اللاتينية، في الوقت الذي تتعرض فيه للإدانة الدولية والعزلة، هدفها المنشود من أجل الحصول على دعم دبلوماسي أوسع نطاقًا وأيضًا لمعالجة أزماتها الاقتصادية.
التقى عبد اللهيان برئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونظيره دينيس مونكادا في ماناغوا، وأبرموا مذكرة تفاهم للتشاور والتعاون السياسي. يأتي هذا الاتفاق، في سياق التعاون الوثيق بين البلدين في السنوات الأخيرة. وفي عام 2022م، أبرم البلدان اتفاقية تعاون شاملة، ترمي إلى تعزيز العلاقات الثنائية بينهما. كما أعربت إيران في وقت سابق من هذا العام، عن اهتمامها بتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الصحة والطب. إلّا أنَّ جُل جهود إيران، التي انصبّت في مجال تعزيز العلاقات الثنائية مع نيكاراغوا، كانت في مجال الطاقة، كما هو الحال في الاستثمارات بمصفاة Supremo Sueno de Bolivar المملوكة مشاركةً بين نيكاراغوا وإيران وفنزويلا.
والتقى عبد اللهيان خلال زيارته إلى كاراكاس بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وبحثا الحاجة الملحَّة لحماية المصالح الوطنية من الضغوط الخارجية، وسلَّط الضوء على الحاجة إلى تسريع عملية تنفيذ المشاريع، التي يشترك فيها كلا البلدين. وعمَّقت طهران من تعاونها الثنائي في مجال الطاقة مع كاراكاس، في الأشهر الأخيرة، خاصةً أنَّ العديد من أنظمة التكرير في فنزويلا لا تزال خارج الخدمة. وضاعفت إيران من جهودها لتجديد مصافي النفط الكبيرة لفنزويلا، وفازت بعقد قيمته 110 ملايين يورو للمساعدة في إصلاح مصافي تكرير النفط، وأعلنت العام الماضي عن امتلاك أول مصفاة لها في الخارج، تُسمَّى El Palito، وزوَّدت إيران فنزويلا في السنوات الأخيرة بالنفط الخام والمكثّفات، إلى جانب الخبرة الفنية للتغلب على العقبات والأعطال في منشآت التكرير الفنزويلية. وحسبما أفادت به التقارير الأخيرة، من المتوقَّع أن يبدأ العمل في مجمع مصفاة باراغوانا قريبًا لمدة 100 يوم؛ للقيام بأعمال التجديد والإصلاح، لزيادة قُدرة المصفاة على تقطير الخام كجزء من الجهود المشتركة لشركة Petróleos de Venezuela (PDVSA) الفنزويلية، والشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط (NIORDC).
في السياق الحالي، تؤثِّر عدة عوامل واعتبارات على الوجود الإيراني المتنامي في أمريكا اللاتينية، وتعميق إيران من تعاونها مع دول مثل فنزويلا ونيكاراغوا. أولًا: تركت العقوبات الأمريكية آثارًا كبيرة على الاقتصاد، في كلٍّ من إيران وفنزويلا ونيكاراغوا. كانت المخاوف المشتركة والعداء المتبادل ضد الولايات المتحدة، نقطة ارتكاز لنفوذ إيران المتزايد في المنطقة. وبسبب اعتماد اقتصاد فنزويلا وإيران بشكل أساسي على عائدات النفط، فإنَّ التعاون بين البلدين للالتفاف على العقوبات الأمريكية يُعَدُّ أمرًا بالغ الأهمية. ثانيًا: قد يُغيِّر قرار الولايات المتحدة برفع بعض العقوبات واستئناف استيراد النفط من فنزويلا من التوجُّهات الإقليمية. سمحت وزارة الخزانة الأمريكية العام الماضي لشركة شيفرون بشراء النفط من فنزويلا، وتراجعت واشنطن عن قرارها، الذي اتخذته في السابق إزاء الاعتراف بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس لفنزويلا. ويشير النهج الأمريكي المتغيِّر، إلى أن واشنطن تهدف الآن إلى تغطية أوجه النقص في إمداداتها النفطية في خضم الحرب في أوكرانيا، ويمكن أن تزيد وارداتها تدريجيًا من فنزويلا، إلّا أنَّ احتمالية حدوث ذلك، سوف تتوقَّف على قُدرة فنزويلا على إصلاح مصافي التكرير وزيادة إنتاجها. حذَّر مسؤولون إيرانيون مؤخّرًا من نوايا واشنطن تجاه فنزويلا، عندما أعرب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن استعداده لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. ثالثًا: أدركت إيران بمرور الوقت التحديات، التي تقف أمام الإستثمار في أمريكا اللاتينية، وهي تعتزم التغلُّب عليها. على الرغم من وجود العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية، تقلِّل العقبات اللوجستية والحواجز، التي تقف أمام عملية النقل والدفع بسبب العقوبات الأمريكية، من فُرص تحقيق نتائج ملموسة. وكشفت التقارير الصادرة مؤخَّرًا عن صحف نيكاراغوا، عن إخفاق «الشراكة الأيديولوجية» بين إيران ونيكاراغوا في التحوُّل إلى «مشاريع تنمية اقتصادية ملموسة». رابعًا: بسبب استمرار تعثُّر المحادثات النووية، لا تزال فُرص دخول النفط الإيراني إلى السوق العالمية مُستبعَدة، وبالتالي سوف يزيد النظام الإيراني من جهوده الرامية إلى تعميق التعاون مع حلفائه؛ من أجل تعظيم الآفاق الاقتصادية، وإبراز نوع من التحدي في مواجهة الضغط الأمريكي. أبدى رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا مؤخَّرًا دعمه لبرنامج إيران النووي، وقال إنَّ كوريا الشمالية وإيران لديهما الحق في تطوير أسلحة نووية. خامسًا: تعتزم إيران تنويع تعاونها وزيادة تواجدها العسكري تدريجيًا في أمريكا اللاتينية. وقد أبحر الأسطول رقم 86 التابع للبحرية الإيرانية عبر الشواطئ الغربية لأمريكا اللاتينية، في وقتٍ سابق من شهر يناير؛ لتعزيز وجوده في المياه الدولية، وفي الممرّات البحرية الإستراتيجية، بما في ذلك قناة بنما، التي تمثِّل مصدر قلق أمني خطير لواشنطن.
وفي الختام، من المرجَّح أن تستكشف إيران طُرُقًا جديدة لزيادة تواجدها في أمريكا اللاتينية، واستخدام تحالفاتها وشراكاتها لتحدِّي واشنطن من مسافة أقرب. إلّا أنَّ الاهتمام الإيراني الرئيسي في السنوات المقبلة سوف يكون جُلّه منصبًا نحو زيادة التعاون، لاسيّما في مجال الطاقة. ومن المرجَّح أن يُساعد هذا التوجُّه في صعود الحكومات اليسارية والمناهضة للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية إلى سدّة الحُكم مع بروز الفكر اليساري؛ الأمر الذي ينذر ببزوغ فجر جديد في سياسات المنطقة.