أصيب الأوروبيّون بالارتباك من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي، إذ أصبح الأمر صعبًا بعد دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكيَّة على إيران حيِّز التنفيذ في الرابع من نوفمبر الماضي، فيما انسحبت شركات كبرى من إيران، لكن رغم ذلك يستمرّ الأوروبيّون في جهدهم. تتمثل فكرتهم في إيجاد «نظام بديل للدفع» كي تتمكَّن الشركات بواسطته من أن تتجنب النِّظام الماليّ للولايات المتَّحدة وتستمرّ في معاملاتها التجارية مع إيران والمقايضة معها، فقد وافقت حتى الآن فرنسا وألمانيا على أن تتعاونا من أجل تأسيس قناة مالية لهذا الغرض، رغم خطر العقوبات.
وترافق النِّظامَ الماليَّ الجديدَ أخطارٌ يمكن أن يستخدمها النِّظام الإيرانيّ آليةً أخرى لتمويل الإرهابيين ومغامراتهم العسكرية، إذ يمكن للعقوبات الثانوية الأمريكيَّة أن تستهدف الشركات، لكن ستكون إيران حرَّة في استخدام مصادرها المالية لتنفيذ أنشطة تخريبية، ويعرف الأوروبيّون هذه الأخطار، لكنهم لم يُولُوها أيَّ اهتمام.
أحبطت السلطات الأوروبيَّة في يونيو الماضي خطةً لوضع متفجرات في اجتماع للمعارضة الإيرانيَّة في ضاحية باريس، وبعد أشهر حالت السلطات الدنماركية دون تنفيذ خطة لاغتيال أحد المعارضين على يد عملاء إيران، ومن النادر أن تتساهل الدول تجاه دولة تخطط للاغتيال على أراضيها، فلماذا عزم الأوروبيّون – كما يفعلون حاليًّا- على الاحتفاظ بنظام طهران، فيما يخاطر الإيرانيّون بأرواحهم من أجل التعبير عن غضبهم تجاه النِّظام الإيرانيّ؟ هنا يكمن اللغز.
لا شكّ أن البعض لا يستطيع أن يتجاوز الوهم الذي كان سائدًا في عهد الرئيس الأمريكيّ السابق باراك أوباما، الوهم القائل بأنه إذا سمحنا للحكومة الإيرانيَّة بالاستفادة من مزايا التجارة العالَمية فستتوقف عن التدخُّل في الشرق الأوسط، لأن من الممكن أن يتعرض البعض للتهديدات الإيرانيَّة، والسلطات الإيرانيَّة تقول فعلًا “إما أن تمنحونا المزايا المترتبة على إلغاء العقوبات، وإما أن نصنع قنبلة نووية ونستخدمها”، لكن لا يستطيع الأوربيون أن يعتبروا استئناف الإرهاب تهديدًا، لأن النِّظام الإيرانيّ لم يوقف نشر الإرهاب من الأساس.
الطريق المعقول لأوروبا هو أن تكفّ عن مدح القادة الإيرانيّين الداعمين للإرهاب، وتنضمّ بدلًا من ذلك إلى جهود الولايات المتَّحدة للوصول إلى اتفاق أفضل لا يهمل أنشطة إيران غير النووية المدمِّرة، وستُضطرّ إيران في لحظة ما إلى الاختيار بين تصدير الإرهاب والبلطجة النووية من جهة، وتخصيص الموارد المتاحة لشعب هذا البلد من جهة أخرى.
مادة مترجمة عن موقع «صوت أمريكا» الإصدار الفارسي نقلا عن افتتاحية مجلة «ويكلي ستاندرد» الأمريكية)
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المعهد