فاز الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرًا في الانتخابات بعد حصوله على 95.1% من الأصوات، غير أنَّ هذه الانتخابات غير شرعيَّة في نظر عِدَّة أطرافٍ فاعلة منها الولايات المتّحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، إذ ورد في البيان المشترك لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ما نصَّهُ «ندينُ قرار نظام الأسد إجراء انتخاباتٍ خارج الإطار الذي فصَّله قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وندعم أصوات جميع السوريين بمن فيهم منظمات المجتمع المدني والمعارضة السورية الذين أدانوا العمليَّة الانتخابية ووصفوها بغير الشرعيَّة».
أمّا الأسد فقد عارض الانتقادات الموجَّهة إلى الانتخابات وتعهَّد بالتركيز على التحديَات المقبلة، إذ يواجه عددًا من التحديات المتعلقة بإعادة إعمار سوريا، كما أنَّ تحقيق أولوياته بعد فوزه في الانتخابات يقوم على الدعم الاقتصادي والعسكري الخارجي، ولا تزال إيران الحليف الأكبر لسوريا. وتظهِر الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق واجتماعاته مع الأسد ومسؤولين آخرين؛ نية طهران المحافظة على نفوذها في سوريا وتوسيعه عن طريق الاستفادة من مواردها الاقتصادية والعسكرية.
وفي ضوء العقوبات المتزايدة على النظام السوري، فإنَّ دمشق تعتمد -حتّى الآن- على حلفائها الروس والإيرانيين، إذ تغلغلت إيران مع مرور الوقت في القوات المسلحة السورية وعزَّزت علاقاتها مع النُخب التجارية المرموقة في البلاد. وقد ركزّت زيارة ظريف على دعم الأسد اقتصاديًّا وعسكريًّا، ولاسيَّما أنَّ دمشق لا تزال تعتمد على طهران اعتمادًا كبيرًا لتوفير الطاقة والآلات، كما تزايدت في السنوات الأخيرة صادرات إيران لموادَّ هامةٍ للمساعدة في إعادة إعمار سوريا وكذلك تعمقت علاقات إيران الاقتصادية مع سوريا.
وبحسب تصريح المدير العام لمكتب الشؤون العربية والأفريقية بمنظمة تنمية التجارة الإيرانية فرزاد بيلتن، فإنَّ الإمكانات التجارية الثنائية بين البلدين تقدَّر بــ 1.5 مليار دولار. وفي الأشهر الأخيرة اتخذت إيران وسوريا أيضًا خطوات مشتركة لتوثيق الربط البحري عن طريق إنشاء خط بحري مباشر بين ميناء بندر عباس الإيراني وميناء اللاذقية السوري. وقد يُستخدم هذا الخط في تقديم الدعم اللوجستي إلى القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، ووَفقًا لما ذكره رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة كيوان كاشفي، فإنَّ خط الشحن البحري المباشر يمكن أن يسهم أيضًا في تعميق العلاقات التجارية بين البلدين. وبينما توسِّع إيران علاقاتها الاقتصادية في سوريا فإنها تتنافس أيضًا مع روسيا هناك، إذ تفيد تقاريرُ إلى أن كلًا من إيران وروسيا تستهدفان القطاعات الاقتصادية نفسها مثل استخراج الفوسفات والنِّفط وإعادة بناء الموانئ، بيد أنَّ الشركات الروسية حققت نجاحًا أكبر في الفوز بالعقود الاقتصادية على مدى السنوات السبع الماضية.
وفيما تقدِّمُ إيران دعمها الاقتصادي والعسكري لسوريا فهي أيضًا تتطلّع بشدة إلى التوسط بين تركيا وسوريا، ويشير ذلك إلى نية طهران في تعزيز «دبلوماسيتها» وإبراز نفسها كلاعب رئيس في سوريا. وبينما يُلاحظ أنَّ روسيا تحتاج إلى ميليشيات إيران في سوريا لتوفير دعم عسكري بري للدفاع عن الأسد، فإنَّ موسكو قلِقة الآن بشأن إيجاد حلٍّ سياسي للصراع. وفي الوقت ذاته تُتَّهم إيران بدرجة كبيرة باستخدام قدرات قوتيْها الخشنة والناعمة في توطيد نفوذها في سوريا، كما أنَّ موسكو أعربت أيضًا عن عدم رضاها عن نهج الأسد في الصراع الدائر، إذ كتب الدبلوماسي الروسي السابق والمستشار ألكسندر أكسينيوك مؤخرًا: «إنَّ دمشق ليست مهتمة تحديدًا بإظهار نهجٍ بعيد النظر ومرن، وتواصل البحث عن حلٍّ عسكري بدعم من حلفائها ومساعدة مالية واقتصادية غير مشروطة». وتتقاطع مصالح موسكو وطهران في المنطقة، إذ تهدفان إلى الحد من نفوذ دول الغرب وتوثيق علاقاتهما الاقتصادية مع دمشق وبالرغم من ذلك فإنَّ المصالح الروسية والإيرانية كثيرًا ما تتصادم.
وفي سوريا عمل «الحرس الثوري» الإيراني على حماية مصالح طهران من خلال تجنيد وتدريب ونشر مقاتلين من بلدانٍ أخرى دفعتهُم المشاكل الاقتصادية مثل البطالة وتدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى الالتحاق بركب الجماعات الوكيلة لإيران التي جنَّدت الآلاف تحت اسم «قوات الدفاع المحلي في سوريا».
ويتطلَّع الأسد إلى استعادة ما تبقى من الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية ويُعَد الدعم العسكري الإيراني مهمٌ جدًّا في هذا الصدد، كما أنَّ نفوذ إيران الثقافي والديني المتنامي في مناطق مثل حلب ودير الزور مهمٌ أيضًا لمستقبل الأسد السياسي. وختامًا، فمن المرجّح أن توفّر إيران مزيدًا من الدعم الاقتصادي لسوريا في حال إعفائها من العقوبات ومن شأن هذه الخطوة -بلا شكّ- أن تعزِّز دورها في سوريا، كما تعتزم إيران تدعيم سياستها التوسعية في المنطقة عن طريق السيطرة على مواقع إستراتيجية في سوريا مِمَّا سيضمن توسيع نطاق ربطها البرّي بين لبنان والعراق. وحاليًّا فمن المتوقَّع أن يستمر الاعتماد السوري على إيران في الحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري، وبعد الانتخابات السورية فمِن المرجح أن تعجِّل طهران من جهودها الرامية إلى المحافظة على مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في سوريا.