حكمت المحكمة البلجيكية في أنتويرب، بتاريخ 4 فبراير 2021م، بالسّجن 20 عامًا على الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، الذي كان ملحقًا بالسفارة الإيرانية في فيينا؛ لدورِه في «مؤامرة تفجيرٍ فاشلةٍ في فرنسا»؛ وقالت النيابة: إنّه «نقَل متفجِّرات للعملية على متن طائرة تجارية متّجهة من النمسا إلى إيران، وكانت المؤامرة تنوي استهداف مسيرة نظَّمها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، ويُعتقد أنَّ المجلس هو اليد السياسية لـ «منظَّمة مجاهدي خلق» المعارضة للحكومة الإيرانية.
وذكرت عدَّة تقارير أنَّ أسدي جنَّد شركاءه؛ أمير سعدوني ونسيمة نعمي (زوجان بلجيكيان من أُصول إيرانية) في عام 2012م، حيث عملا كمخبرين لأسدي منذ ذلك الحين فصاعدًا. وقال المدير العام لجهاز أمن الدولة البلجيكي جاك رايس إنّ «مؤامرة القنبلة الفاشلة كانت عمليةً مفوَّضةً من الدولة، وتمَّت الموافقة عليها في طهران»، و«لم تكُن مبادرةً فرديةً من أسدي». وقالت السُلطات الألمانية: إنَّه تمّ تسليم أسدي لبلجيكا، حيث أمرت المحكمة باعتقاله بناءً على الأدلَّة المقدَّمة، وما نقلتهُ وكالة «رويترز» عن وثيقةٍ للشرطة هدَّد فيها أسدي بالانتقام، إذا ثبُتت إدانتهُ بعد التحقيق، وصرَّح ممثِّل «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، المحامي ريك فانريوسيل في مقابلةٍ له قائلًا: «كان هناك قنبلةٌ مزروعة في تجمُّع للمعارضة الإيرانية. القنبلة زرعها دبلوماسي، وهذا هو الجاسوس الذي جنَّد عدَّة عُملاء آخرين؛ لتنفيذ هذا الهجوم الشنيع. أن تجري هذه العملية دون علم إيران، لهو أمرٌ مستحيلٌ بالنسبة لي».
وفي عام 2018م بعد التحقيقات الأولية، استنتجت فرنسا أنَّ وزارة المخابرات الإيرانية كانت متورِّطةً في هجوم القنبلة «الفاشل»، الذي استهدف المسيرة التي حضرها العديدُ من السياسيين رفيعي المستوى والدبلوماسيين، من بينهم المحامي الشخصي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رودي جولياني.
وأصدرت وحدة التخلُّص من المتفجِّرات البلجيكية «دوفو» تقريرًا توضِّح فيه بالتفاصيل، كيف نُقِلت المتفجِّرات مع الهوائي والبطاريات وجهاز الإرسال، واعترف كُلٌّ من سعدوني ونعمي بأنّهما استلما طردًا من أسدي، لكنّهما أنكرا معرفتهُما بمحتوى الطرد، وكان بصحبتهما الشاعر الإيراني المقيم في بلجيكا مهرداد عارفاني، الذي اُعتقِل أيضًا لدوره في المؤامرة، وحكمت المحكمة على سعدوني ونعمي بالسجن لمدَّة 18 و15 عامًا على التوالي، وصدَر على عارفاني حُكمًا بالسجن لمدَّة 17 عامًا.
وأساءت الحكومة الإيرانية استخدام قنواتها الدبلوماسية لتنفيذ مثل هذه الهجمات، وانتهكت عدَّة بنود مرارًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م، بالإضافة إلى أنَّ إيران استخدمت سفارتها للتجسُّس على الدول المستضيفة، وللتدخُّل في شؤونهم المحلِّية، وتنُصّ المادَّة رقم 41 من «اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية» بشكلٍ قطعي، على «عدم المساس بالمزايا والحصانات على الأشخاص الذين يتمتَّعون بها، واحترام قوانين ولوائح الدولة المُعتمَدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة»، ولدى إيران تاريخٌ واسع في انتهاك اتفاقية فيينا، بدءًا من عام 1979م حينما هاجم أنصار الثورة الإيرانية واحتلُّوا السفارة الأمريكية، وحمَّلت محكمة العدل الدولية إيران المسؤولية على ذلك، آنذاك.
وفي عام 2011م، هاجم متظاهرون السفارة البريطانية في طهران، ونهبوها ودمَّروا مستنداتها الداخلية، ولم تحمِ الحكومة الإيرانية مقرّ السفارة أثناء الهجوم، منتهكةً بذلك بنود اتفاقية فيينا. وفي عام 2017م، طردت الكويت 15 دبلوماسيًا إيرانيًا، بعد اكتشافها ارتباطهم بشبكات تجسُّس ومنظَّمات إرهابية، وفي انتهاكٍ صريحٍ آخر للاتفاقيات الدبلوماسية، اعتقلت إيران العام الماضي السفير البريطاني بإيران روب ماكير، ووصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الاعتقال بأنَّه «انتهاكٌ صارخ» للقانون الدولي؛ ومؤخَّرًا، اعتُقِل الدبلوماسي الإيراني محمد رضا ناصر زاده في تركيا بتُهمة التخطيط لاغتيال مسعود مولوي وردنجاني، الذي قُتِل في إسطنبول عام 2019م، وكان وردنجاني يعمل سابقًا في الاستخبارات الإيرانية، إلّا أنَّه أصبح مؤخَّرًا من أشدّ معارضي الحكومة الإيرانية، وقبل ثلاثة أشهرٍ من إطلاق النار عليه كتب وردنجاني في منشورٍ له على وسائل التواصُل الاجتماعي، قائلًا: «سأقضي على قادة المافيا الفاسدين.. ادعوا ألّا يقتلوني قبل أن أفعل ذلك»، في إشارةٍ إلى الحرس الثوري الإيراني.
وحذَّرت العديدُ من الحكومات الأوروبية إيران من التخطيط لأنشطةٍ إرهابية في أوروبا، وفي عام 2018م، اتّهمت فرنسا والدنمارك إيران باغتيال قائد «حركة النضال العربي لتحرير الأحواز» المنفِي؛ وهي مجموعةٌ انفصالية تدعو لاستقلال مقاطعة خوزستان الإيرانية؛ وإضافةً إلى ذلك، اتّهمت الحكومة الهولندية إيران بالتخطيط لاغتيالاتٍ في هولندا عام 2019م، وفي تصريحه للبرلمان الهولندي، قال وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك: إنَّ أجهزة المخابرات الهولندية وجدت «أدلَّةً قويّة بأنَّ إيران كانت متورِّطةً باغتيال اثنين من مواطنيها الهولنديين من أصلٍ إيراني»، ويُزعَم أنَّ هذه الاغتيالات وقعت في عامي 2015 و2017م، في مدينتي ألمير ولاهاي الهولنديتين على التوالي.
وخلال مناقشة عبر الإنترنت حول الحُكم الأخير للمحكمة البلجيكية، قال عضو البرلمان ستيف مكابي: إنَّ الحُكم كشَف «كيف تزدري السُلطات الإيرانية الاتفاقيات الدبلوماسية، باستخدام سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية لتصدير الإرهاب»، وعبَّر دبلوماسيون أوروبيون آخرون عن قلقِهم بشأن استخدام إيران لبعثاتها الدبلوماسية، لتوسيع شبكاتها التجسُّسية عبر أوروبا، وأصبح دورُ إيران في الدعم والتخطيط للهجمات الإرهابية حول العالم نقطةَ خلافٍ وقلق مرَّةً أُخرى، خصوصًا بعد الحالات الأخيرة التي كشَفت تورُّط الحكومة الإيرانية مباشرةً بالتخطيط لهجماتٍ في قلب أوروبا، مهدَّدةً بذلك الأمنَ الداخلي للقارّة.