إسرائيل تُثقِل على كاهل أمريكا

https://rasanah-iiis.org/?p=36678

منذ اغتيال الأمين العام لـــ«حزب الله» حسن نصر الله، أصبحت لبنان موضع اهتمام الإعلام الإقليمي والعالمي، مع استمرار إسرائيل في زحفها العسكري في غزة، وتجديد تحذيراتها لسُكّان شمال القطاع لإخلاء منازلهم. وخلال اجتياحهم لبنان، لم يرفع جنود إسرائيل أيديهم عن الزناد في وجه قوّات حفْظ السلام (اليونيفيل)، ولا حتى في وجه متطوِّعي الصليب الأحمر اللبناني.

وردًّا على التنديدات التي طالت ذلك الهجوم الإسرائيلي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أنَّ الأمين العام للأُمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شخصٌ غير مرغوب فيه، وطالب بانسحاب قوّات حفْظ السلام. وتابع نتنياهو موجِّهًا حديثه لغوتيريش: «إنَّ رفضك سحْب قوّات اليونيفيل، يجعل منهم رهائن بيد حزب الله، وهذا يعرِّضهم للخطر، ويعرِّض حياة جنودنا للخطر كذلك».

ورُبَّما يلعن الآن الرئيس الأمريكي جو بايدن، نتنياهو، لكنّه يقف بحزمٍ خلفه، داعمًا حملته العسكرية على غزة ولبنان، مع استمرار تدفُّق خط إمدادات الأسلحة إليه. وفي تصريح سابق لبايدن عندما كان نائبًا للرئيس، قال: «لو لم تكُن هناك إسرائيل؛ لاخترعنا واحدة».

وفي سياق تأكيده على «الدعم القوي» من جانب البنتاغون لحقِّ إسرائيل في حماية نفسها، حثَّ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على تنسيق الجهود للانتقال من العمليات العسكرية إلى المسار الدبلوماسي، في أقرب وقت ممكن. وقد صرَّح سابقًا في مارس من هذا العام، بأنَّ إسرائيل قتلت أكثر من 25 ألف إمرأة وطفل في غزة. ويرى البيت الأبيض أنَّ ردْع نتنياهو عن الأعمال العدائية بلا فائدة، لكنَّهم يعبِّرون عن قلقهم بحذر. وعلى مدار عام، استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض ضدّ كل قرارات مجلس الأمن الداعية إلى وقْفٍ إنساني فوري لإطلاق النار، ووافقت على أكثر من 120 صفقة أسلحة منذ السابع من أكتوبر، ناهيك عن أنَّ واشنطن تدعم إسرائيل بصفقات أسلحة متطوِّرة بقرابة  3.8 مليار دولار، على شكل مساعدات سنوية. ومع كل هذا، لم تحترم إسرائيل الخطوط الحمراء، التي وضعها بايدن، والشاهد الماثل هُنا كان اجتياح رفح. وخلال استهدافها عناصر حزب الله في لبنان، انتهكت إسرائيل بقصفها المُفرِط للمناطق السكنية المكتظَّة، جميع أعراف الحرب.

والآن، نرى إسرائيل تسعى على قدمٍ وساق لوأد فُرَص حل الدولتين، على الرغم من أنَّ الإدانات تتصاعد في وجهها، إزاء ارتكابها إبادات جماعية متتالية في شمال غزة. ومع وجود متطرِّفين على رأس السُلطة، لم تترك إسرائيل مجالًا للشك بشأن مصير الضفة الغربية، حيث تسيطر ميليشيات المستوطنين، التي تُعرَف غالبًا بـــــ «ذراع الدولة الخفية»، على الأمور هناك، بالتنسيق مع الجيش. والواقع أنَّ البنية الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية تتغيَّر بما يتناسب ليس فقط مع أهواء نتنياهو، بل أيضًا مع أهواء وزير الداخلية إيتامار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

ويتلخَّص الهدف المُعلَن لائتلاف نتنياهو في «إنشاء دولة يهودية من النهر إلى البحر، مع منْح حقوق سياسية محدودة للرعايا غير اليهود، إن لزم الأمر، لكن يفضِّل عدم منحهم أيَّة حقوق على الإطلاق، حتى لو كانوا يحملون الجنسية الإسرائيلية». ويعمل حزب «القوَّة اليهودية» لـ «بن غفير»، على إحياء حركة الحاخام «كاهانا كاخ» المُدرَجة كمنظَّمة إرهابية، والتي تدعو لإجلاء الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم. كما دعا سموتريتش في ورقة سياسات نشرها عام 2017م، إلى تسوية «القضية الفلسطينية» بالقوَّة.

في حين تتّجِه حكومة الائتلاف اليمينية المتطرِّفة نحو حلّ الدولة الواحدة، يعارض «سيِّد الأمن» نتنياهو سياسيين إسرائيليين، وقادة سابقين، مثل إسحاق رابين وإيهود باراك وأرييل شارون وبيني غانتس، وحتى وزير الدفاع الحالي يوآف جالانت. ومع كل هذا، لا يزال نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف يسيطرون على الساحة.

وبعد مرور عام من الصراع الدائر، أظهر الغرب مقاومة رمزية ومتأخِّرة، بفرض عقوباتٍ على عدد قليل من الأفراد الإسرائيليين، ومنْع بيع بعض الأسلحة إلى إسرائيل. وفي ذروة  احتدام السباق الرئاسي الأمريكي، لا يخاطر الحزب الديمقراطي بأموال حملته الانتخابية، والأصوات في الولايات المتأرجِحة، والهجوم من قِبَل وسائل الإعلام، بإدانةٍ صريحة لاستخدام إسرائيل المُفرِط للقوَّة وقصفها المكثَّف للمناطق السكنية.

وباستثنائها إسرائيل، تفقد الولايات المتحدة مصداقية خطابها، حول النظام القائم على القواعد؛ فتعدِّي إسرائيل غير المتكافئ لا يحرم الفلسطينيين من ممتلكاتهم فحسب، بل يضُرُّ أيضًا بسمعة الولايات المتحدة، ومصالحها الإستراتيجية. ولن تجدِّد الولايات المتحدة عضويتها في «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأُمم المتحدة، والسبب الرئيسي هو سياستها تجاه إسرائيل. وحتى إذ أُعيد انتخاب دونالد ترامب، فسوف يتخلَّى عن مقعد واشنطن، كما حدَثَ في عام 2018م؛ بسبب انتقادات ذلك المجلس لإسرائيل.

وبالعودة إلى التاريخ، وصَفَ الرئيس الأمريكي السابق علاقة بلاده بإسرائيل بـــــ «العلاقة الخاصَّة»، وهذه  التسمية كانت حصرًا لبريطانيا العظمى؛ آنذاك  لم يكُن لدى إسرائيل أسلحة نووية ولا سلام مع اثنين من جيرانها الثلاثة. وبعد ستة عقود، يزداد مرض «العلاقة الخاصَّة» تردِّيًا؛ بسبب المتطرِّفين الدينيين، الذين يسعون لجني مكاسب قصوى. إنَّ سياسة واشنطن ذات المسار الواحد، ستُفضي إلى تآكُل نفوذها في الشرق الأوسط لصالح منافسيْها؛ الصين وإلى حدٍّ ما روسيا.

لم تتعهَّد حملة كامالا هارس بمعاقبة إسرائيل على الإبادة الجماعية للمدنيين، لكن تذكِّرنا رئاستها المُحتمَلة بعهد باراك أوباما؛ حينها أصبح نتنياهو أكثر عدوانية، وكانت الضغوطات الأمريكية بلا فائدة تُذكَر. فعندما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأُمم المتحدة بشأن المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية، عبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي عن غضبه علنًا. فهل تذهب «الرئيسة» كامالا هاريس إلى هذا الحدّ في انتقاد إسرائيل؟ رُبَّما ستتجنَّب هاريس مواجهة هذا التحدِّي الصعب مباشرةً، في بداية رئاستها، إلّا في حال توتَّرت العلاقات مع إسرائيل.

إنَّ إفلات إسرائيل من العقاب يشكِّل عبئًا إستراتيجيًا ثقيلًا على كاهل الولايات المتحدة، لكن تباطؤ واشنطن في إدانة الاستخدام المُفرِط للقوَّة، وتجويع وقتْل المدنيين، وغضّها الطرف عن الإصابات في قّوات حفْظ السلام التابعة للأُمم المتحدة، يُشير إلى موافقتها على العقلية الصهيونية القائلة إنَّ «للعرب العديد من البُلدان، ولدينا دولة واحدة فقط. ويمكن للفلسطينيين اختيار إلى أين يهاجرون». وإذا لم يكُن هذا كافيًا، فإنَّ حربًا قذِرة ودموية ستندلع في المنطقة، وستستنزف الولايات المتحدة أكثر ممّا تستطيع حمايته والحفاظ عليه.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير