قامت إيران مؤخرًا بمحاكمة وإعدام الصحفي الإيراني روح الله زم البالغ من العمر 42 عامًا، بعد إدانته بتهمة «الإفساد في الأرض»؛ ويُنظر إلى الإعدام على أنه رسالةٌ قوية من النظام الإيراني إلى كلِّ من ينتقدُه. ودفع هذا، العديدَ من الدول الأوروبية إلى مقاطعة منتدى طهران الاقتصادي. فيما ندَّد الاتحاد الأوروبي بشدّة بتنفيذ الإعدام، الأمر الذي زاد من توتّر العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي. لقد أدَّى إعدام زم إلى تدهور سمعة إيران الدولية، ولا سيما بعد إعدام المصارع الإيراني نافيد أفكاري قبل ثلاثة أشهر، وقد دفع إعدام زم المجتمع الدولي مرةً أخرى (بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، والدولية ومنظمات حقوق الإنسان) إلى إدانة الإعدام بشدّة.
وأدانت المحكمة العليا الإيرانية زم بتهمةٍ مبهمة، ألا وهي: «الإفساد في الأرض» التي تُعد واحدةً من أخطر الجرائم في إيران. الجدير بالذكر أن التعديلات الأخيرة التي أُدخلت على قانون العقوبات الإيراني في عام 2013م، وسّعت من نطاق الإدانات مثل «الإفساد في الأرض» لمقاضاة النشطاء/المعارضين السياسيين والحكم عليهم بالإعدام.
وشارك زم في احتجاجات الحركة الخضراء التي عمّت جميع أرجاء البلاد في عام 2009م، وذلك في أعقاب الانتخابات الرئاسية المُتنازع عليها، وبعد قضاء بعض الوقت في السجن، طلب زم اللجوء إلى فرنسا حيث أدار قناةً إخبارية على تطبيق التليغرام باسم «أمد نيوز» أثناء الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عامي 2017 و 2018م؛ وبينما كان يُعدُ التقارير عن مجموعةٍ واسعة من القضايا، حقَّق زم أيضًا وكتب عن الفساد المالي في إيران ونشر النتائج التي توصَّل إليها والتي وضعته تحت دائرة الضوء من قِبل القيادة الإيرانية. ووفقًا لبعض التقارير في أكتوبر 2019م، فقد تم إقناع زم بالسفر إلى العراق بناءً على ما يبدو أنه دعوة من مكتب علي السيستاني، ولدى وصوله إلى العراق، أشارت تقارير أنه اختُطف على يد الحرس الثوري، لكن مكتب السيستاني نفى هذه التقارير تكرارًا ومرارًا، وعند وصوله إلى إيران، أُدين زم بارتكاب انتهاكاتٍ تمسُّ الأمن القومي الإيراني، وحكمت عليه المحكمة العليا الإيرانية بالإعدام. حيث اتُهم زم بارتكاب أنشطةٍ إجراميةٍ خطيرة بما في ذلك التدخُّل في الاقتصاد الإيراني، والتجسُّس لصالح المخابرات الفرنسية، والتآمر مع الولايات المتحدة والسعودية ضدَّ إيران. إعدام زم ليس حادثةً فرديةً إذ تُشير عدةُ تقارير إلى ضلوع إيران في سلسلةٍ من عمليَّات الخطف والقتل في عام 2020م وحدَه.
ويُعَد إعدام زم انتهاكًا مروّعًا لحقوق الإنسان؛ وفي هذا الصدد صرَّحت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت: إنّ «حكم الإعدام الصادر بحق روح الله زم وإعدامه شنقًا يُمثلان نموذجين لنمط من الاعترافات القسرية التي تم انتزاعها تحت التعذيب وبُثَّت على وسائل الإعلام الحكومية، والتي يتم استخدامها لإدانة الناس».
وفي خضم المخاوف المتزايدة حول انتهاكات إيران لحقوق الإنسان، حثَّ بعضُ الخبراءِ الاتحادَ الأوروبي التأكيد على حقوق الإنسان عند التعامل مع طهران، فيما قاطع سفراء فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا منتدى طهران الاقتصادي، ووصَفَت فرنسا الإعدام بأنه «بربري وغير مقبول»؛ وبالإضافة إلى ذلك، أدانت العديدُ من المنظمات الدولية غير الحكومية، مثل «مراسلون بلا حدود» و«منظمة العفو الدولية»، هذا الإعدام. كما أصدر « اتحاد الكتّاب الألمان» المعنيُ بحرية التعبير، بيانًا شدَّد فيه أنه يجب أن تكون هناك عواقبُ دبلوماسية واقتصادية على إيران جرَّاء هذا الإعدام، واقترح كذلك إعادة تسمية الشارع الذي تقع فيه السفارة الإيرانية في برلين إلى «روح الله زم» وذلك لتسليط الضوء وجذب الانتباه أكثر ليس فقط على قضية إعدام زم بل أيضًا على انتهاكات إيران المستمرَّة لحقوق الإنسان، وطالب نائب رئيس رابطة القلم الألمانية ليندر سوكوف مجلسَ الشيوخ في برلين بتبنّي مقترحٍ وهو أن يوضع اسم روح الله زم على كل رسالةٍ تُرسل إلى سفارة إيران؛ تذكيرًا للقيادة الإيرانية بجريمتهم البشعة.
وتتزامن التوترات الجديدة مع إيران بشأن انتهاكات حقوق الإنسان مع تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في شهر يناير، وخلال حملته الرئاسية، كان بايدن قد أشار إلى نيّته في الانضمام إلى الاتفاق النووي إذا التزمت إيران ببنود الاتفاق، ووسط الكثير من التكهُنات حول كيفية تعامُل إدارة بايدن القادمة مع إيران، علّق بعضُ كبار مساعدي بايدن على إعدام زم، إذ انتقدَ مرشّح بايدن لمنصب وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، والمرشّح لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، الإعدامَ، وأكَّدا أن الإدارة الأمريكية القادمة «ستتصدى لانتهاكات إيران»؛ وليس من الواضح ما يعنيه بذلك وما قد ينطوي عليه، وما إذا كانت الإدارة الجديدة ستتّخذُ خطواتٍ مثلَ فرضِ مزيد من العقوبات على النظام الإيراني أو ما إذا كان مِلف حقوق الإنسان سيتم إدراجه في الاتفاق النووي إلى جانب مِلفاتٍ أخرى مثل مِلف برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية والتدخل في الشؤون الإقليمية أو ما إذا كان سيتمُ التعامل مع هذا المِلف بشكلٍ منفصل عبر إجراءاتٍ عقابية أو بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين لإضافة ضغوطٍ واسعة على القيادة الإيرانية لمعالجة هذا المِلف، وينتظر المراقبون ليروا ما إذا كان الديمقراطيون يأخذون هذا المِلف على محمل الجد أم لا، وذلك بعد أن غضّوا الطرف عنه أثناء التوقيع على الاتفاق النووي لعام 2015م، مُجنّبين النظام الإيراني تحمُّلَ المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها في حقّ شعبه في الداخل وشعوب المنطقة في سوريا والعراق واليمن.