ربما مررتم يوماً بزقاق «فرهنك حسيني» في طهران، إلى الشمال قليلاً من ميدان «وليعصر»، زقاقٌ تزخر جدرانه بإعلانات بيع الكلى أو أنواع فصائل الدم المختلفة، بالطبع تقع جمعية «إهداء الكلى» في نفس الزقاق، وأمام مقرها يقف حارسٌ يخرج بين الحين والآخر من غرفته ليوجّه تنبيهاته لكل من يريد تعليق إعلان بخصوص بيع أو شراء الكلى، وفضلاً عن الجدران ستجدون أن عدادات الغاز والأبواب وزجاج النوافذ كلها مليئة بملصقات أرقام الهواتف وفصائل الدم، وربما يكتب البعض في زاوية من هذه الإعلانات قصةً محزنة ، تشرح حاجة البائع أو المشتري الماسة. ستجدون أناساً يتجولون في هذا الزقاق طيلة النهار، ما أوصلهم إليه هو الفقر والجوع أو القروض التي أثقلت كاهلهم، فهم يريدون بيع إحدى كلاهم لإنقاذ حياتهم، والأسعار بالطبع مختلفة، فهي تبدأ من 15 مليون تومان (3500 دولار) وتنتهي عند 70 مليون تومان (16 ألف دولار)، وهذا رهنٌ بكون البائع مدمن على المخدرات أو مبتلى بأمراض أخرى، أم أنه سليم.
لا يرغب أي إنسان في تعريض حياته للخطر وأن يبيع كليته بسبب الفقر في الوضع الطبيعي، لكن ربما لم يبق أمامه حلٌ سوى هذا الحلّ. ويشير رئيس مركز إدارة زراعة الأعضاء في وزارة الصحة الدكتور مهدي شادنوش إلى مخاوف بيع وشراء الكلى غير القانوني. وذكر أن الدعاية لبيع الكلى أو تأسيس موقع على الانترنت للدعاية لذلك يعتبر جريمة. وبحسب تقرير لوكالة «ايسنا» يبين شادنوش أن «البعض يقومون ببيع كلاهم عن طريق الإعلانات»، لافتا إلى أن الدعاية لبيع الكلى، وتأسيس موقع على الانترنت بغية ذلك هي جريمة، ووزارة الصحة تراقب ذلك، لكن يجب على الأجهزة الأخرى أن تساعد من خلال فرض رقابتها في هذا المجال أيضاً، كما يجب سنّ قوانين تمنع الأشخاص من الدعاية لمثل هذا الأمر، فعلى سبيل المثال نرى أحياناً على جدار أحد المستشفيات إعلانات حول بيع الكلى، أو من يقومون بالدعاية لذلك على مواقع الانترنت.
واستطرد كيانوش موضحاً أن وزارة الصحة لا يمكنها فرض الرقابة وحدها، بقوله: إن «الدعاية في هذا المجال أكبر من أن تتمكن وزارة الصحة من فرض الرقابة عليها، لذا يجب على سائر الأجهزة المعنية التدخّل، لأنه في حال احتاج إنسان إلى عضو، وكان هناك من يرغب بالتبرع، فآلية هذا واضحة، فنحن في وزارة الصحة وجمعية دعم مرضى الكلى لدينا قائمة بمن يرغبون إهداء الكلى من الأحياء، أو من يرغبون بالتبرع من المصابين بموت دماغي، ويمكن للمرضى أن يراجعوا هذه الجهات ويسجلوا أسماءهم في قائمة الانتظار».
الاتّجار الحرّ بأعضاء البدن
إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي يعتبر فيها الاتجار بأعضاء البدن قانونياً. وكان مثل هذا الأمر قانونياً في الفلبين والهند، لكنه واجه انتقادات وأصبح غير قانوني، وأهم استدلال لمن يطالبون بتجريم بيع وشراء الأعضاء هو أن هذا الأمر يدخل ضمن قضية تهريب البشر، وفي نفس الوقت تلعب الملاحظات الطبية والأخلاقية دوراً في هذا المجال، لكن في مقابل هذه الفكرة، التي تقول أنه لا يجب أن يؤدي الفقر إلى أن يقوم شخص ببيع عضو من أعضاء بدنه، وبعد ذلك يعاني من فقدانه لذلك العضو طيلة حياته، وأن هذا الموضوع من الأساس غير أخلاقي، يوجد هناك من يقولون بوجوب أن يكون هذا الأمر قانونياً، فمن وجهة نظرهم إن إضفاء طابع قانوني على هذا الأمر يجعله يخضع للرقابة، ويجري وفق الأسس الصحية، وفي نفس الوقت يؤمن احتياجات الشخص المحتاج المالية ولو بشكل غير مناسب، وفي نفس الوقت يعالج أشخاصاً آخرين. هذا الاستدلال هو ما جعل بيع الكلى في إيران قانوني، وعلى أي حال المسلّم به هو أن شحّ المتبرعين تسبب بظاهرة بيع الكلى، ومن أجل إغلاق الطريق أمام سماسرة الكلى في إيران يجب تنظيم عملية زراعة هذا العضو من خلال الارتقاء بمستوى الرفاهية الاجتماعية، وإيجاد فرص العمل، والارتقاء ثقافياً بموضوع إهداء الكلى في المجتمع، وتقليص مدة انتظار الراغبين بالحصول على كلية من قبل الجمعية.
إيران الدولة الوحيدة التي تبيع الكلى
تجب الإشارة إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن أن تباع فيها الكلى بشكل قانوني، هذا في حين يموت في أمريكا يومياً 12 شخصا ممن ينتظرون في قوائم الحصول على كلية، وتنقل وكالة «تسنيم» عن تقرير لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز» تقول فيه بأن «أطراف أحد المستشفيات الكبيرة في طهران مليئة بالإعلانات المكتوب عليها «كلية للبيع»، وتحت هذه العبارة نجد رقم الهاتف، وفصيلة دم البائع، ويبدو أن أعداد هذه الإعلانات تزداد يوماً بعد يوم، وخلف كلّ إعلان تكمن قصة عن البطالة والديون والمشاكل العائلية». يقول علي رضائي الفني في مجال التكييف، الذي يبلغ من العمر 42 عاماً، وقد أفلست شركته: «لو استطعت لبعت كليتي، حينها سأتخلص من ديوني… أنا على استعداد لبيع كبدي كذلك، إنّ إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي يعتبر فيها بيع الكى قانونياً، فهناك جهة حكومية تقوم بتسجيل البائع والمشتري، وتعرّفهم على بعضهم البعض، وتحدد سعراً ثابتاً وهو 4600 دولار للكلية الواحدة».
منذ عام 1993 حتى الآن، قام الأطباء الإيرانيون بزراعة ما يزيد على 30 ألف كلية من خلال هذا النظام، لكن النظام لا يعمل دائماً كما هو موضّح، فالباعة تعلموا كيفية الالتفاف عليه، وبيع كلاهم بأسعار أعلى للزبائن، ولا يمكن للأجانب الحصول على كلية من خلال هذا النظام، في حين يقول المسؤولون الإيرانيون أن هذا النظام طريقة موثوقة للفقراء من أجل الحصول على مقدار من المال، وفي نفس الوقت يؤدي إلى إنقاذ حياة كثير من المرضى، كما أن تكاليف الجراحة في هذه الآلية منخفضة، ومدة انتظار المرضى للحصول على كلية تتقلص.
يقول رئيس قسم جراحة المسالك وزراعة الكلى في مستشفى لبافي نجاد إن «الناس يبيعون كلاهم بسبب احتياجاتهم المالية، وهذا الأمر حقيقة في جميع أنحاء العالم، فبدلاً من أن يلجؤوا إلى أعمال غير قانونية مثل السرقة أو التهريب لتسديد ديونهم، فهم قبل كل شيء يساعدون في إنقاذ حياة أحد الأشخاص، وهذا لا يعتبر استغلالاً، فالنتيجة النهائية للبائع والمشتري جيدة». أكثر الأشخاص يمكنهم الاستمرار في حياتهم بكلية واحدة، لكن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات العالمية تعارض بشدة الاتّجار بأعضاء البشر، وتعتقد بأن التجار يستغلون بيعهم أعضاء البشر، وهذه القضية ستؤدي إلى القيام بعمليات جراحية عالية المخاطر من قبل الأطباء.
مادة مترجمة عن صحيفة «قانون» الإيرانية