مقدمة
عانى المواطن الإيراني كثيرًا خلال السنوات الماضية خلال فترات الحصار الاقتصادي، وتَأثَّر مستوى المعيشة سلبيًّا في أثناء فترة العقوبات الغربية، ثم علّق الآمال والأحلام على عام 2016، عام بداية تفعيل الاتفاق النووي مع الغرب بعد الوعود الانتخابية التي قطعها السياسيون بتحسين الأوضاع المعيشية بمجرَّد توقيع الاتفاق النووي وعلى رأسهم الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني. وبمرور أكثر من عام على فكّ الحصار الاقتصادي عن إيران، تكشف المؤشِّرات الاقتصادية مدى تَقدُّم أو تراجُع مستوى المعيشة خلال عام 2016، وتنير طريق استشراف مستقبل مستوى المعيشة في إيران في المستقبل القريب.
يرتبط مستوى معيشة الفرد في أي دولة بمنظومة متكاملة من العوامل التي تتداخل لتشكِّل في النهاية مستوى معيشيًّا يتراوح بين قطبَي الرفاهية والشقاء، إذ تتأثر مستويات المعيشة بمتغيرات اقتصادية مختلفة، مثل معدَّلات التضخُّم ومعدَّلات البطالة والتشغيل ونموّ القطاعات الرئيسية للاقتصاد والسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الدولة في خُطَط الموازنة العامَّة بالتوسُّع في معدَّلات الإنفاق الحكومي لمواجهة الأزمات وزيادة معدَّلات النمو، أو بالتقشُّف الذي يعكس تراجع موارد الدولة ومحاولة تقليل النفقات أو مواجهة أوضاع اقتصادية معيَّنة.
تهدف هذه الدراسة إلى رسم صورة واضحة عن مستويات المعيشة في إيران وَفْقًا للمتغيرات الاقتصادية المختلفة للاقتصاد الإيراني، وخُطَط الحكومة المالية وسياستها الاقتصادية وانعكاساتها على الظروف المعيشية وتأثيرها على جودة الحياة داخل المجتمع الإيراني في الحاضر والمستقبل.
أوضاع اقتصادية وتداعياتها على مستوى المعيشة
وقع حَدَثَان هامَّان خلال ستة أشهُر حتى فبراير 2017، سيكون لهما تبعاتهما حتمًا على مستوى معيشة المواطن مستقبَلًا إذا لم تُراعَ الجوانب الاجتماعية، هما رفع الدعم المالي عن آلاف الأشخاص لتقليل عجز الموازنة العامَّة للحكومة، وتدهور سعر صرف الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية.
الحدث الأول هو رفع الدعم عن 200 ألف شخص خلال النصف الثاني من عام 2016 بموافقة البرلمان الإيراني كجزء من خُطَّة لرفع الدعم المالي عن أعداد أكبر تصل إلى ملايين الأشخاص[1]، وهي خطوة أُجِّلَت أكثر من مرة خوفًا من الغضب الشعبي، لكنها أُقِرَّت مؤخَّرًا مع قرب نهاية الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الإيراني حسن روحاني. وسيكون لرفع الدعم النقدي المباشر تبعات جدّية على مستوى المعيشة في إيران.
خطوة مثل هذه رغم أنها ستوفّر موارد مالية إضافية للحكومة فإنها ستكون لها تبعات اجتماعية خطيرة، فإلغاء الدعم المالي سيزيد معاناة الأسر الفقيرة، وفي الوقت نفسه يقلِّل معدَّلات الاستهلاك والطلب الكلِّي على السلع والخدمات ويزيد فرص ركود الأسواق مما يبطئ معدَّلات النموّ الاقتصادي عمومًا. وقد كان تطبيق نظام الدعم النقدي المباشر بعد رفع الدعم عن الطاقة والخبز في أواخر 2010 سببًا مباشرًا في تخفيض معدَّل الفقر في إيران من 15% إلى 9% حتى عام 2013 على أساس خطّ فقر مقدَّر بـ5.5 دولار في اليوم، ومع رفعه ستعود معدَّلات الفقر إلى الارتفاع مرة أخرى. وسيقود رفع الدعم المالي عن نحو 200 ألف شخص إلى تزايد معاناة الطبقات الفقيرة، فإذا كان كل شخص منهم يعول أسرة من أربعة أفراد فقط فسوف يؤثّر هذا الرفع على مستوى معيشة مليون شخص فيقلّ حجم الاستهلاك الكلي في الاقتصاد.
أما الحدث الثاني المؤثِّر قطعًا على مستويات معيشة المواطن الإيراني فهو تدهور سعر صرف الريال الإيراني كثيرًا بنهاية عام 2016 (التدهور الأخير في سعر الريال الإيراني هو جزء من سلسلة تراجعات بدأت مع الألفية الثانية وتفاقمت في عام 2013 مع سريان حظر التصدير النِّفْطي) وسوف يتبع تدهور سعر صرف العملة المحلِّية ارتفاع معدَّل تضخُّم الأسعار باستمرار لارتفاع تكلفة السلع المستورَدة، وكذلك ارتفاع تكلفة الموادّ الخام الداخلة في التصنيع المحلّي، وسينعكس الأمر بزيادة أسعار المنتجات تامَّة الصنع في النهاية.
الأثر الأكثر عمقًا سيكون على الطبقات الفقيرة إذا مسّ ارتفاع الأسعار السلع الأساسية بالنسبة إليهم كالغذاء والدواء، ومثل هذه السلع لا يستغني عنها أي مواطن، لكن مع ارتفاع أسعارها وعدم توافر بديل محلّي ستتراجع معدَّلات الرعاية الصحية وتتزايد معدَّلات الأمراض والوَفَيات في مثل هذه الظروف المعيشية الصعبة، وستُضطرّ الحكومة إلى التدخُّل لدعم هذه السلع ماديًّا مرة أخرى وإلا فستواجه غضبًا شعبيًّا قد يتطور إلى أحداث عنف.
وبالإضافة إلى الأحداث الأخيرة، تؤثّر مجموعة من المتغيرات الاقتصادية على مستوى معيشة المواطن في إيران، مثل:
1- نتيجة لسياسات نقدية خاطئة خلال النصف الثاني من عام 2016 من المتوقَّع زيادة معدَّلات التضخُّم خلال الفترة القادمة، إذ بالغ البنك المركزي في زيادة الإصدار النقدي بنسبة بلغت 30% بنهاية شهر سبتمبر 2016 مقارنةً بنفس الشهر في عام 2015[2]، في حين نما الناتج المحلِّي الإجمالي لإيران في نفس العام بما لا يزيد على 4.5%، وهذا خطأ اقتصادي وقع فيه مسؤولو السياسة النقدية في البلاد، لأن زيادة الإصدار النقدي بنحو 7 أضعاف معدَّل النموّ الاقتصادي أمر لا يحدث إلا في الاقتصادات غير المنضبطة، ويعكس سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد، وسيؤدي حتمًا إلى زيادة سريعة في مستويات الأسعار لعدم توافر سلع مقابلة لزيادة عرض النقود في أيدي الشعب، وبالطبع تزايد فقر الطبقات الفقيرة وتراجع الطبقات المتوسطة وتأكُّل قيم مدّخَرات المجتمع.
وكان معدَّل التضخُّم سجَّل خلال النصف الثاني من عام 2016 نحو 11% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق له، ورغم أنها نسبة مرتفعة فإنها أفضل بكثير من أعلى معدَّل وصلت إليه إيران في 2012 الذي سجَّل وقتها 45%. وأكثر الأشياء التي تشهد ارتفاعًا في الأسعار هي قيم إيجارات الوحدات السكنية والموادّ الغذائية، بخاصَّة المستوردة منها، تأثُّرًا بتراجعات أسعار الصرف.
2- يوجد ما يقرب من 5 ملايين شابّ عاطل عن العمل من إجمالي عاطلين بلغ 7 ملايين عاطل، وبلغ متوسط معدَّلات البطالة خلال 2016أكثر من 12%، كما بلغ جاءت إيران في نفس العام بين الدول الأكثر بطالة في العالَم في المرتبة الثانية والعشرين، هابطةً من المرتبة الخامسة والعشرين في عام 2015. وتتوقع الجهات الرسمية الإيرانية وصول عدد العاطلين عن العمل إلى 13 مليونًا خلال عشرة أعوام[3].
ويكشف هذا الهبوط عن عدم قدرة الحكومة على تغيير مسار معدَّلات البطالة المرتفعة خلال العام الماضي واتجاهه إلى الثبات على هذه المعدَّلات المرتفعة خلال الشهور القادمة إن لم تزدَد ارتفاعًا، وسط مخاوف من هروب الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا الأوروبية خوفًا من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية التي يهدّد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصاد الإيراني من حين إلى آخر.
وما يعمّق مشكلة المعدَّلات المرتفعة للبطالة استمرار أزمة قطاع الصناعة مع توقُّف عديد من المصانع والشركات عن العمل، ومعروفٌ عن القطاع الصناعي استخدامُه الكثيف للعمالة بعد قطاع الزراعة، فبعد سنوات طويلة من الحصار الاقتصادي أصبحت تكنولوجيا الإنتاج متقادمة وفي حاجة إلى تطوير عاجل لتنافس السلع الأجنبية المهرَّبة إلى الأسواق الإيرانية والرخيصة الثمن في نفس الوقت، كما أن كثيرًا من الوحدات الإنتاجية يعمل بأقل من 20% من طاقتها الإنتاجية نتيجة لازدياد الديون والتعثُّر المالي، بالإضافة إلى عراقيل التحويلات البنكية التي تواجه 70% من الوحدات الصناعية وَفْقًا للمسؤولين الإيرانيين، بالإضافة إلى ارتفاع ديون الشركات الحكومية المستحَقَّة للقطاع الخاصّ في قطاعات حيوية كالإسكان والمقاولات، وتعريض أعمال هذه القطاعات لخطر الإفلاس أو تسريح العمالة، وإضافة أرقام جديدة إلى قائمة البطالة بجانب تفاقم مشكلة الإسكان. كذلك يؤدِّي العامل الإيراني أعماله وسط ظروف عمل صعبة في بعض القطاعات كالصناعة والبناء بسبب تدنِّي أساليب السلامة والأمان لدرجة تؤدِّي إلى وفاة نحو 5 أفراد يوميًّا جراء حوادث العمل.
3- تشكِّل قضية السكن عمومًا أزمة في إيران تؤرِّق الفئات ذات الدخل المحدود، إذ ينفق العامل الإيراني على المسكن نحو 60% من راتبه الأساسي[4] وَفْقًا لأمين عامّ نقابات العمال في إيران هادي أبوي، بسبب ارتفاع أسعارها، وهذا معدَّل كبير للغاية يُضطرّ معه العاملون إلى البحث عن أعمال إضافية لتلبية باقي متطلبات الحياة لهم ولعائلاتهم.
وما يفاقم الأزمة هو تَراكُم الديون الحكومية لصالح القطاع الخاصّ في قطاع الإسكان، وتَزايُد هذه الديون سيعرقل قدرة الشركات الخاصة على استكمال مشروعات البناء، ويضخم حجم الأزمة العقارية. لذا فإن نقص المعروض من المساكن، خصوصًا المساكن الاجتماعية، سيؤدِّي إلى ارتفاع أسعارها بما لا يتناسب مع حجم دخل الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الشعب وزيادة العبء على كاهل المواطن خلال الفترة القادمة ما لم تتدخّل الدولة سريعًا بزيادة الإنفاق العامّ الموجَّه إلى الإعمار والإسكان، وخصّصت ميزانية العام القادم 18% من حجم النفقات للإعمار والبناء (نحو 60 ألف مليار تومان، أو 18 مليار دولار) لمواجهة مشكلة السكن التي تؤرّق المواطن وتستنزف دخله، وحلّها قد يحتاج إلى سنوات من العمل الجادّ وزيادة التمويل اللازم لتخفيض الآثار السلبية الناجمة عن الأزمة وتداعياتها على مستوى معيشة المواطن خلال الفترة القادمة.
أثر خُطَّة الموازنة الجديدة على المواطن مستقبَلًا
عادةً ما تنتهج خُطَّة الموازنات الحكومية إحدى 3 طرق: إما أن تكون موازنة توسُّعيَّة تزيد فيها الإنفاق العامّ من مشروعات خدمية واستهلاكيَّة لتنشيط حركة الأسواق وحلّ أزمات اقتصادية كالركود والبطالة المرتفعة، أو تكون موازنة تقشُّفية ينخفض فيها الإنفاق العامّ لأقلّ درجاته لتوفير الموارد المالية المحدودة أو في حال وجود معدَّلات معقولة للنموّ الاقتصادي والبطالة أو ارتفاع معدَّلات التضخُّم، أو أن تنتهج الموازنة خُطَّة متوازنة بين الطريقتين السابقتين.
وأصدرت الحكومة الإيرانية مؤخَّرًا بيان خُطَّة الموازنة المالية للعام المالي القادم 2017/2018 (بداية من مارس 2017)، وتعكس هذه الخطة أكثر من مؤشِّر مرتبط بالتأثير على مستوى المعيشة في إيران خلال الفترة القادمة، بخاصَّة عند مقارنتها بموازنة العام المالي السابق. والمتتبِّع لخُطَط الموازنة الإيرانية وحجم الإنفاق الحكومي يلاحظ وجود اختلالات واضحة وعدم تناسب الموازنة وحجم الإنفاق العامّ للدولة مع حجم موارد الدولة المتغيرة.
ففي حين كانت موازنة عام 2016 مقدارها 96 مليار دولار، وكانت موازنة تقشُّفية لتراجع إيرادات الموازنة نتيجة لانخفاض أسعار النِّفْط في هذا العام، ولأن إيران كانت لا تزال تكافح في زيادة حجم الإنتاج النِّفْطي بعد التوصُّل إلى الاتفاق النووي، جاءت موازنة عام 2017 بقيمة 97 مليار دولار بزيادة اسمية قدرها مليار دولار فقط على ميزانية العام الماضي (على أساس السعر الرسمي للدولار الذي حدّدَته الحكومة في الموازنة بمقدار 3300 تومان للدولار، أما سعر السوق فـ3900 تومان للدولار”، تنخفض القيمة الحقيقية للميزانية إلى 82 مليار دولار، أي إنها أقلّ من موازنة العام الماضي بـ14 مليار دولار)، وهو ما يعني أن بناء هذه الميزانية جاء على أُسُس تقشُّفية بحتة وأوضاع اقتصادية متأزمة، في حين أن الأوضاع الحالية لن تكون أكثر سوءًا من السنة الماضية بكل المقاييس، التي شهدت انخفاض أسعار النِّفْط إلى ما دون 40 دولارًا للبرميل ومحاولات إيرانية مستميتة لزيادة تصدير النِّفْط إلى الخارج وفتح أسواق جديدة بعد فقدها جرَّاء سنوات الحصار الاقتصادي وحظر التصدير النِّفْطي. في حين زاد حجم الإنتاج النِّفْطي لإيران بنهاية عام 2016 إلى الضعف، أو بأكثر من 1.5 مليون برميل، وكذلك ارتفع سعر البرميل من 40 إلى 55 دولارًا بحلول يناير 2017.
وعلى هذا الأساس كان من المفترَض طرح ميزانية توسُّعية تواجه الأزمات الاقتصادية الموجودة، ويزداد حجم موازنة عام 2017 بشكل ملحوظ على موازنة عام 2016 تماشيًا مع التغيرات المستجدة على الموارد المالية للدولة مقارنة بالعام المالي السابق، لكن الخطة جاءت على عكس المنتظر منها لتكشف الأرقام عن عدم تناسب حجم الموازنة مع حجم الموارد المالية المتدفقة للاقتصاد الإيراني خلال العام المالي الجديد مع ارتفاع أسعار النِّفْط واحتمالية استرداد الأموال الإيرانية المجمَّدة في الخارج. وتثير علامات استفهام عن حجم الإنفاق خارج الموازنة العامَّة للدولة غير المُدرَج بوضوح في أبواب الموازنة على حساب النواحي الاقتصادية والاجتماعية التي من المفترض أن تكون لها الأولوية القصوى بعد الخروج من حصار اقتصادي دام لسنوات أثّر على مستويات المعيشة والدخول الحقيقية للمواطن ومعدَّلات الاستثمار والتشغيل.
ونوضح في ما يأتي حجم الزيادة المتوقَّع في موارد الدولة خلال العام المالي الجديد 2017 مقارنةً بالعام الماضي 2016، إذا تشكِّل إيرادات صادرات النِّفْط والغاز بالإضافة إلى إيرادات الضرائب وأرباح الشركات ومصانع القطاع العامّ الإيراني المصادر الأساسية للدخل، بالإضافة إلى مصادر أخرى، ووَفْقًا لأقل التقديرات كان تصدير إيران من النِّفْط خلال 2016 نحو مليونَي برميل بمتوسط سعر 45 دولارًا للبرميل، وعلى هذا الأساس يكون الدخل من صادرات النِّفْط خلال العام 32.8 مليار دولار. ومع بداية عام 2017 تصدّر إيران ما لا يقل عن 2.2 مليون برميل بسعر مفترَض 50 دولارًا للبرميل (في حين يبلغ السعر حاليًّا 55.5 دولار للبرميل، وتخطِّط “أوبك” لرفعه إلى أكثر من 70 دولارًا بنهاية العام الحالي)، وبهذا يصل إجمالي إيرادات النِّفْط خلال عام 2017 إلى 40.1 مليار دولار، أي بزيادة 7 مليارات دولار على العام الماضي، ومرشَّحًا للزيادة إذا ارتفع سعر النِّفْط على مستوياته الحالية.
ووصلت إيرادات الضرائب المتوقَّعة في موازنة عام 2016/2017 إلى 149 ألف مليار تومان (نحو 45 مليار دولار بسعر صرف 3300 تومان)، في حين بلغت إيرادات الضرائب المتوقَّعة في موازنة العام المالي القادم إلى 157 ألف مليار تومان (47.5 مليار دولار بسعر صرف 3300 تومان للدولار) بزيادة 5% على إيرادات الضرائب المتوقعة للعام الماضي.
بمعنى آخَر، فإن إيرادات الموازنة القادمة لن تقلّ عن 87.6 مليار دولار من إيرادات النِّفْط والضرائب فقط دون احتساب إيرادات صادرات الغاز والبتروكيماويات والسلع الأخرى التي تصدِّرها إيران إلى الخارج، في حين كانت إيرادات الموازنة العام الماضي 77.8 مليار دولار (باحتساب إيرادات صادرات النِّفْط والضرائب فقط)، أي إن إيرادات الموازنة القادمة من النِّفْط والضرائب فقط زادت بنسبة 12.5% على إيرادات موازنة العام الماضي، لكنها لم تنعكس في زيادة حجم الموازنة وتوجيه هذه الموارد لزيادة الإنفاق العامّ وتبنِّي سياسة اقتصادية توسُّعية تُخرِج الاقتصاد من أزماته الحالية وتُسهِم في تغيير مستوى المعيشة إلى الأفضل.
وبالإضافة إلى طرح موازنة تقشُّفية، توجد قضية عدم عدالة توزيع الإنفاق أو مخصَّصات التنمية على مناطق إيران المختلفة بما يضمن تطوير المحافظات كافَّةً، ويضمن مستوًى معيشيًّا متقاربًا نسبيًا لمواطني الدولة كافَّةً، إذ تحوز العاصمة طهران النسبةَ الكُبرَى من مخصَّصات الميزانية، في حين تُهمَّش مناطق أخرى يسكنها أقلِّيات، منها محافظة سيستان وبلوشستان التي لا يتعدَّى نصيبها في الميزانيات الحكومية المخصَّصة للعمران 1%، ويسكنها قرابة 3 ملايين نسمة. وكنتيجة مباشرة لعدم العدالة في توزيع مخصَّصات التنمية العمرانية ستزداد معدَّلات الهجرة من المناطق المحرومة من التنمية في إيران إلى المناطق الأكثر تحضُّرًا، وسيترتب على هذا الانتقال المتزايد زيادة الضغط على مرافق وخدمات المناطق المستقبِلة للهجرة الداخلية، وانخفاض المستوى العامّ لجودة الخدمات المقدَّمة لجميع سكان هذه المناطق في النهاية.
الخلاصة
اجتماع عدد من الأزمات والمتغيرات الاقتصادية السلبية، كرفع الدعم عن ملايين الأفراد واستمرار تدهور أسعار الصرف وعدم تقديم حلول جذرية لأزمات كالبطالة وسوء بيئة العمل وارتفاع الأسعار مع زيادة طبع النقود دون خلق إنتاج مقابل بخاصَّة أسعار السكن، كل هذا يكشف عن مشكلات يصعب معها التمتُّع بمستوًى معيشيّ جيد، وتعكِّر صفو حياة المواطن الإيراني، كما تعكس السياساتُ الاقتصادية للدولة خلال المرحلة المقبلة تراجع الدور الاجتماعي للدولة رغم الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها الاقتصاد الإيراني، واتجاه مسار الأوضاع المعيشية إلى التأزُّم لا الانفراج، ما لم تكشف المرحلة المقبلة عن تغيير في السياسات الاقتصادية أو تدخُّلات حكومية عاجلة لتصحيح الأوضاع الراهنة ومراعاة الجوانب الاجتماعية.
كما نلاحظ خللًا في إدارة إيرادات الدولة وعدم توجيهها لرفع مستوى معيشة الشعب بما يتناسب مع قدرات الاقتصاد الإيراني وفرض خُطَط تَقَشُّفية مقابل الإنفاق خارج بنود الميزانية في أمور لا تعود بالنفع على المواطن، مثل الإنفاق على تمويل الصراعات العسكرية خارج البلاد لتحقيق أحلام توسُّعية، بدلًا من زيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي الذي لا يتناسب مع معدَّلات البطالة التي تَخَطَّت 12% خلال النصف الثاني من عام 2016، فمن غير المنطقي أن لا يوجد فرق يُذكَر في حجم الموازنة القادمة عن الموازنة السابقة استجابةً للتغيُّرات التي حدثت للاقتصاد الإيراني بعد تخفيف العقوبات واستعادة صادرات النِّفْط إلى الخارج وارتفاع سعر النِّفْط العالَمي خلال عام، التي من المتوقع أن تزيد حجم الإيرادات الحكومية مقارنةً بها العام الماضي.
لهذا فإن استمرار السياسات التقشُّفية للحكومة الإيرانية دون تقديم حلول جِذرِيَّة لمعالجة الأزمات والمتغيرات الاقتصادية السلبية، سوف يعزِّز توقُّعات تدنِّي مستويات المعيشة دون تغير ملحوظ خلال العام الحالي وما بعده.