منيت إيران بهزيمة كبيرة يوم الجمعة الماضي 6 مايو 2016م في خان طومان بجنوب حلب، ولأول مرة يندلع الجدل داخل الأوساط الإيرانية الحاكمة حول الجدوى من المشاركة في الحرب السورية، بعد أن هزمت جميع الميليشيات الإيرانية في هذه المعركة الفاصلة، فهزم جيش الفاطميين الذي كوّنته إيران من اللاجئين الأفغان الشيعة، ومعه جيش الزينبيين المكوّن من شيعة باكستان، إضافة إلى ميليشيات الشيعة العراقية، فضلاً عن حزب الله الإيراني، وبلغ مجموع القتلى 80 فرداً، لكن ما جعل إيران تعيش منذ يوم الجمعة في حالة حداد عام هو مقتل أفراد من الوحدات الإيرانية الخاصة المعروفة بذوي القبعات الخضراء، وهي نخبة النخبة في الحرس الثوري الإيراني، وأسر عدد منهم على يد قوات المعارضة السورية.
الأسرى الإيرانيون في معركة خان طومان
تكمن أهمية خان طومان العسكرية في موقعها الاستراتيجي، إذ إنها تتحكم في طريقين يوصلان لحلب ودمشق، وهي تقع على بعد 15 كيلومتراً جنوب حلب، وكانت قوات الطاغية بشار الأسد استعادتها من يد المعارضة في ديسمبر العام الماضي، لكن الأهم من الموقع الاستراتيجي هو الحالة المعنوية التي خلقها انتصار خان طومان، فبعد أن خارت عزائم الجميع، وظل العالم الإسلامي يترقب سقوط حلب وحدوث المجازر فيها مثلما حدث على مدار الأسبوعين الماضيين في القصف الوحشي الذي استهدف حلب وريفها، يأتي نصر الله بفضل منه وحده، فينقلب اليأس إلى أمل.
ووفقاً لشهادة إيران نفسها “مع اختلاف الألفاظ المستخدمة في وصف قوات المعارضة”، حدث انتصار خان طومان بعد أن توحدت فصائل المعارضة، فاشترك جيش الفتح وأحرار الشام ولواء بدر وجند الشام في هذه المعركة، وقاموا بمحاصرة القوات الإيرانية بالأساس، واستمر سقوط القتلى والأسرى في صفوف الإيرانيين لساعات، حتى قامت قوات الأسد بتوفير غطاء بنيران المدفعية لتنفيذ الانسحاب.
وأرجعت الأوساط الإعلامية الإيرانية وقوع الهزيمة في صفوف الميليشيات الإيرانية إلى تلقي المعارضة السورية لدعم تسليحي من المملكة العربية السعودية، من خلال شراء أسلحة من كرواتيا، وإيصالها لقوات المعارضة عبر الأراضي الأردنية، ولو صح ما قاله الإيرانيون، فهي خطوة طال انتظارها، ومست الحاجة إليها لنصرة المظلومين من أبناء الشعب السوري الذي ما فتئ بشار تقتيلاً وحرقاً فيه ببراميله المتفجرة، كما ذكرت أيضاً تحرك آليات مدرعة تركية ودخولها الأراضي السورية، وإن كان الأمر مستبعداً إلى حد كبير، لبعد موقع المعركة عن الحدود التركية، وعدم صدور أنباء من روسيا ترصد ذلك، لأنه لو حدث فعلياً ما سكتت روسيا.
الغريب في الأمر أن الإيرانيين وسط عويلهم وبكائهم على قتلاهم، أخذوا يتحدثون عن تدخل المملكة في النزاع، مع أن القتلى قتلاهم، بما يجعل أي دعوى إيرانية بأن دعمهم لبشار يقتصر على تقديم الاستشارات العسكرية محض كذب وادعاء، فأسقط في يدهم، وأدركوا مدى تخبط خطابهم الإعلامي وعدم منطقيته، فراحوا يستخدمون حجة أن تدخلهم بناء على طلب رسمي من الحكومة الشرعية السورية، نفس الادعاء الذي يستخدمه الروس.
الإيرانيون بعد هزيمتهم أخذوا يلقون باللائمة على الروس، لعدم تقديمهم الدعم الجوي لقواتهم المحاصرة في خان طومان، واعتبروا الأمر خيانة من حلفائهم، وزادوا على الأمر بأن موافقة روسيا على الهدنة التي أعلنت لمدة 48 ساعة كانت عملية خيانة من الأساس.
وكعادتهم لا يشترك الإيرانيون بشكل مباشر في الصراعات، وإنما يدفعون بالشيعة المخدوعين من جنسيات أخرى كالأفغان والباكستانيين والعراقيين واللبنانيين، تحت دعوى حماية المقدسات الشيعية في دمشق، وعلى رأسها مقام السيدة زينب.
إن النجاحات التي حققها بشار، وعلى وجه الدقة التي حققها الروس، جعلت الإيرانيين يتخلون عن حذرهم، ويدفعون بوحدات (تكآوران) قوات النخبة الإيرانية ذات القبعات الخضراء، معتقدين أن هذه القوات ستظل في سوريا بعد القضاء على المعارضة، أو على الأقل تشكيل الدويلة العلوية السورية في دمشق والساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط، ليقوموا بتثبيت الأقدام الإيرانية، والمطالبة بالمميزات والغنائم من بشار، ولم تمض أسابيع على دخول هذه القوات الإيرانية إلى الأراضي السورية، حتى وقعت معركة خان طومان، وسقط جنود تكآوران الواحد تلو الآخر، ومعهم الغرور الإيراني، والزهو الزائف بوحداته الخاصة، وأخذت وسائل الإعلام الإيرانية تتحدث عن سبب السقوط السريع لهذه القوات الخاصة عالية التدريب على يد فصائل معارضة، أغلبهم إن لم يكن جميعهم من المدنيين الذين حملوا السلاح حديثاً بدون تدريب مسبق.
الإيرانيون لم يثبتوا أمام أول هزيمة حقيقية مباشرة لهم، ودب الخلاف بين صفوفهم حول جدوى الاشتراك في هذا الصراع، وهو ما حدث بين قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس بالحرس الثوري وجواد ظريف وزير الخارجية، حتى إن صحفاً إيرانية كصحيفة قانون في عددها الصادر يوم الأحد 8 مايو عقدت مقارنة بين حال الجنود الإيرانيين في جبهة حلب والجنود الإيرانيين في الحرب مع العراق، وتتعجب من كون هؤلاء الجنود الموجودين في حلب يحاربون إلى جوار نظام بشار البعثي، في حين أن رفاقهم كانوا يحاربون ضد بعثي آخر هو صدام حسين. إن ما حدث في خان طومان هزم الروح المعنوية للإيرانيين، وتكرار الأمر وبشكل سريع سيجعلهم يتخبطون على المستوى الداخلي، ولن تثبت أقدامهم في المعارك التالية.