إيران تخسر حليفًا قويًّا بعزل عمران خان

https://rasanah-iiis.org/?p=27995

تمرّ باكستان بمرحلة انتقالية ديمقراطية بعد التصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء عمران خان. وقد عُيِّن شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، في منصب رئيس الوزراء من قِبَل البرلمان الباكستاني. 

ولم يكن رحيل خان سلِسًا، بعد أن فقدَ الأغلبية في البرلمان، إذ زعم أنه بسبب زيارته لروسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين وسط الصراع الروسي-الأوكراني، تآمرت الولايات المتحدة للإطاحة بحكومته، بشراء برلمانيين من حزبه «حركة إنصاف»، وكذلك من أحزاب المعارضة. واكتسبت نظرية المؤامرة هذه زخمًا في الشارع الباكستاني، إذ حشد خان الشارع للدعوة إلى انتخابات مبكرة.

وبينما راقبت الصين والمملكة العربية السعودية وتركيا التطوّرات السياسية الجارية في باكستان عن كثب، سارعت إيران إلى التعبير عن دعمها لرئيس الوزراء الباكستاني السابق العالق في الأزمة، إذ نُشِرت نظرية المؤامرة التي يتبنّاها خان بطريقة مُبالَغ فيها، في وسائل الإعلام الإيرانية الإلكترونية والمطبوعة. ولم يكن التناغم بين حزب خان والحكومة الإيرانية مفاجئًا على الإطلاق، فموقف خان الراسخ المناهض للولايات المتحدة منذ أواخر التسعينيات، ومعارضته لحرب الولايات المتحدة على الإرهاب، وغزوها العراق، وهجماتها بالطائرات المسيرة داخل باكستان، زاد شعبيته، ليس في باكستان فحسب، بل في إيران أيضًا. وبحلول عام 2011م انضمّت شخصيات بارزة ومعروفة بتبنِّيها مواقف مؤيدة لإيران إلى حزب خان. وأصبحت شيرين مزاري -محللة في الشؤون الخارجية التي لم تُنتخَب عضوًا في البرلمان من قبل- من المقرَّبين جدًّا لخان. وكانت مزاري من أشدّ المعارضين صراحةً للعرب وللولايات المتحدة في حزب خان، فيما كانت مؤيدة لإيران بشدة في ذلك الوقت. كما انضمّ آخرون إلى هذا الصفّ، إذ تبنّى شاه محمود قريشي، الذي أصبح وزيرًا لخارجية باكستان في ظل حكومة خان، وجهات نظر مماثلة لمزاري. وطَوال فترة ولاية خان منذ عام 2018م، كانت عَلاقات باكستان مع الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج بعيدة جدًّا عن كونها ودّية، بل وصلت العَلاقات الثنائية لإسلام أباد مع حلفائها التقليديين إلى أدنى مستوياتها في بعض الأحيان.

في المقابل، وطّدت حكومة خان عَلاقاتها مع طهران، إذ كان وزير الخارجية الإيراني أكثر من يتردد على إسلام أباد. ولولا الخوف من العقوبات الأمريكية لشهدنا تعزيز التجارة الاقتصادية بين البلدين، وبيع التكنولوجيا العسكرية. وبعد أن حاصر وزراء الحكومة والمستشارون ذوو المواقف المؤيدة لإيران خان بقوة، زادت عزلة باكستان على جبهة السياسة الخارجية، خصوصًا مع دول الخليج. وعلى الرغم من ذلك كان بين باكستان وإيران في عهد خان بعض القضايا الشائكة، إذ ازداد التهريب على الحدود الباكستانية-الإيرانية، فيما لم تُغلَق الحدود المشتركة خلال المرحلة المبكرة والأكثر خطورة من جائحة كورونا. كما أثار بعض الإجراءات -مثل اعتقال مرتزقة «زينبيون» العائدين إلى باكستان، ودعم المسلَّحين البلوش عبر الحدود- التوترات بين البلدين، لكن هذه الإجراءات لم تمنع قادة القوّات المسلحة الإيرانية من زيارات متعدّدة لإسلام أباد. والآن، بعد أن خلف شهباز شريف خان رئيسًا للوزراء، من المرجح أن تظل العَلاقات مع إيران دافئة، لكن من غير المرجح أن نشهد وزراء الحكومة يتبنّون مواقف مؤيدة لإيران ومعادية للعرب.

الحرية المطلقة الممنوحة لجماعات الضغط الإيرانية قد لا تظلّ على حالها، ففي خطابه الأول أقرَّ رئيس الوزراء شهباز شريف بأهمية العَلاقات مع إيران، وضرورة تحسين العَلاقات الاقتصادية، مع تأكيد أهمية العَلاقات مع حلفاء وشركاء باكستان التقليديين، مثل الصين والسعودية وتركيا والإمارات ودول الخليج الأخرى. وليس في الحكومة الائتلافية الحالية أغلبية كبيرة من حزب بعينه، وبالتالي لن تكون قادرة على إجراء تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية فورًا، لكنها ستكون قادرة بالتأكيد على تصحيح مسار العَلاقات الثنائية. ومن المؤكد أن عَلاقات إسلام أباد مع الولايات المتحدة ودول الخليج سوف تتحسَّن، لا سيّما مع المملكة العربية السعودية، نظرًا إلى عَلاقات شهباز شريف وأخيه الودّية مع الرياض، ما سيخيِّب أمل إيران.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير