أطلقَت إيران الشهر الماضي عدة صواريخ باتجاه المنطقة الكردية في العراق، وأشارت تقارير إلى أن الصواريخ أصابت مناطق بالقرب من مبنى القنصلية الأمريكية.
وحسب المديرية العامّة لمكافحة الإرهاب في كردستان، جرى إطلاق 12 صاروخًا باليستيًّا على مدينة أربيل.
وقال الحرس الثوري الإيراني إنّ الهجمات الصاروخية على أربيل جاءت ردًّا على الضربات الإسرائيلية التي قتلت عسكريين إيرانيين في سوريا. وأصدر الحرس الثوري بيانًا قال فيه إنّ «المركز الإستراتيجي للتآمر والأعمال الخبيثة قد استُهدف بالصواريخ القوية والدقيقة التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني». وجاء هذا التصعيد العسكري وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية. فعلى سبيل المثال، توقفت المحادثات النووية في فيينا، ولا يزال العالم الغربي، لا سيّما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، منشغلًا بالعدوان الروسي على أوكرانيا.
وقالت حكومة إقليم كردستان إنّ الهجمات الصاروخية استهدفت مناطق مدنية، لا قواعد أجنبية، ودعت المجتمع الدولي إلى التحقيق في الأمر. ويهدف التصعيد العسكري إلى إبراز نفوذ إيران في العراق، لردع الهجمات الأمريكية والإسرائيلية ضد أفرادها وأصولها وبنيتها التحتية ووكلائها في المنطقة. وتشنّ الميليشيات المدعومة من إيران هجماتها بشكل منتظم على القواعد الأمريكية في العراق في السنوات الأخيرة، وصعّدَت طهران هجماتها في أعقاب مقتل قائد «فيلق القدس» السابق التابع للحرس الثوري قاسم سليماني.
وكان القائد الحالي لـ«فيلق القدس» إسماعيل قا آني قد أشاد مؤخرًا بالهجمات الأخيرة على إسرائيل، وقال إنّ هذه الهجمات «أظهرت انعدام حيلة [إسرائيل] وقوة جبهة المقاومة، التي تتزايد بحمد الله كل يوم، بفضل دماء الشهداء العظماء».
ومن الواضح أن بين إيران وإسرائيل تصعيدًا في المنطقة، ردًّا على عملية إيرانية مزعومة استهدفت قاعدة سرِّية للموساد في أربيل، فقد أفادت التقارير بأن إسرائيل استهدفت مصنعًا لإنتاج الطائرات المسيرة يستخدمه الحرس الثوري الإيراني.
وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، استهدفت الهجمات الإسرائيلية مستودع أسلحة تابعًا لميليشيات موالية لإيران قرب مطار دمشق الدولي. ويُشار إلى أنه في السنوات الأخيرة بدت إسرائيل والولايات المتحدة قلقتين للغاية من حصول وكلاء إيران على طائرات مسيرة، وبالتالي تعزيز قدراتهم على استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وهدَّد برنامج الطائرات المسيرة الإيراني في الآونة الأخيرة الأمن الإقليمي، إذ استهدف وكلاءُ إيران -مثل الحوثيين في اليمن- المدنيين والبنية التحتية في المملكة العربية السعودية، من خلال استخدام الطائرات المسيرة.
وتشير التطوّرات الجيوسياسية الإقليمية الأخيرة وتصاعد التوترات إلى ثلاث قضايا رئيسية: أولًا، ضغطت إسرائيل على الولايات المتحدة في ما يتعلق بشروط الاتفاق النووي المستجد مع إيران، وحثَّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على عدم رفع العقوبات عن إيران. ولا تريد طهران مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لأن ذلك سيفتح عليها تهديدًا كبيرًا في وقت تواجه فيه أزمات داخلية خطيرة. وبالتالي من المرجح أن تردّ إيران على الضربات الإسرائيلية المستقبلية من خلال وكلائها. ثانيًا، تعتزم إيران الحفاظ على نفوذها في المنطقة، غير أن المحاولات الإيرانية لاستخدام دول مثل العراق ساحة معركة لتصفية حساباتها مع إسرائيل، ستُعرِّض الدفع نحو السلام والاستقرار في البلاد لمزيد من الخطر. يأتي ذلك على خلفية إعلان التيارات السياسية الشيعية العراقية المقرَّبة تقليديًّا من إيران أنها ستلجأ إلى العنف في حال لم يجرِ ضمُّها إلى الائتلاف الحاكم الجديد. وقد تعرَّضت التحالفات الرئيسية الموالية لإيران لهزيمة فادحة في الانتخابات البرلمانية العام الماضي. ثالثًا، سوف تنتهز إيران كل فرصة لإحراج الولايات المتحدة، وتشير الهجمات الأخيرة على أربيل إلى نيتها استفزاز الولايات المتحدة، وسط بيئة جيوسياسية متوترة. وتمرّ المحادثات النووية أيضًا بمنعطف حرج، وسط خلافات قوية، مثل الخلافات بشأن المطالب الإيرانية من الولايات المتحدة بإزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب. وتدرك إيران أن تركيز واشنطن المباشر الآن مُنصَبّ على الصراع الأوكراني. وفي الآونة الأخيرة لجأت طهران كثيرًا إلى التصعيد العسكري لممارسة مزيد من الضغط على الولايات المتحدة، وسط ما تواجهه من معضلات جيوسياسية.
ويشير موقف واشنطن من الهجمات الصاروخية التي تستهدف أربيل إلى نهج حذر لتجنُّب تصعيد القضية، بهدف خلق بيئة مواتية للمحادثات النووية. وقد تستغلّ إيران هذا الحذر الأمريكي للتصعيد أكثر، لأنها تدرك تمامًا تركيز واشنطن على أزمة أوكرانيا، وحاجتها إلى إنهاء الصفقة النووية الإيرانية، حتى تتمكن من التعامل مع التحديات الجيوسياسية الأخرى، سواء كانت مع روسيا أو الصين.