بذلت إيران جهودًا مضنية، وخصَّصت موارد هائلة؛ للحفاظ على صلاحية طائراتها المقاتلة، التي يبلغ عمرها أكثر من نصف قرن. وفي سبتمبر الماضي، خسِر سلاح الجو الإيراني طائرةً مقاتلة من أسطول قواتها الجوية، وهي طائرة روسية الصُنع ومحدَّثة من الطائرة Su-22، وكانت طائرة أخرى مماثلة قد تحطَّمت أيضًا في أغسطس الماضي. وسبق هذه الخسائر تحطُّم طائرة أمريكية الصُنع من طراز. F-14 Tomcat وسبق أن اشترت إيران 79 طائرة من نفس طراز هذه الطائرات الأمريكية، لكن أصبح الحصول على قطع الغيار والمتابعة الفنية للحفاظ على قدرة الطائرات على التحليق، في أعقاب ثورة 1979م، أمرًا شبه معدوم؛ بسبب العقوبات المفروضة عليها. وبحسب ما أفادت به التقارير، تمكّنت إيران من الحفاظ على قدرة نحو 20 طائرة فقط للطيران، خصوصًا أنها تعرَّضت للاستنزاف إبان الحرب الإيرانية-العراقية (حرب الثماني سنوات)، وقرَّرت أيضًا استخدام عددٍ قليل منها كقطع غيار لتشغيل بقية الطائرات. ومع ذلك، ظلَّت المساعدة من روسيا والصين أمرًا بالغ الأهمية؛ للحفاظ على هذه الطائرات، وتعديل قدراتها لحمل الأسلحة الحديثة. ولا تُوجد سوق سوداء لقطع غيارF-14 Tomcats ؛ لأن إيران هي العميل الوحيد لها، على عكس طائرة C-130 وعدد آخر من الأنظمة الأمريكية الأخرى، التي لا تزال ضمن ترسانتها العسكرية.
وفي مايو الماضي، تحطَّمت طائرة مقاتلة من طراز F-7 IRIAFتابعة للقوات الجوية الإيرانية؛ ما أسفر عن مقتل الطيارين. وتُعَدُّ الطائرة الصينية Chengdu F-7 نسخة من طراز MiG-21، التي تعود إلى الحقبة السوفيتية. وعلى الرغم من تقدُّم عمر هياكل ومحرِّكات هذه الطائرات، فإن إيران المتضرِّرة من العقوبات ليست مهتمةً باستبدالها، خاصةً أنها لا تواجه مشكلات حقيقية في استيراد قطع الغيار. وعِوَضًا عن ذلك، تطمح إيران إلى اقتناء طائرات مقاتلة أكثر حداثة. وفي وقت سابق، تحطَّمت طائرات من طراز F-4 وF-5 وMiG-29 الإيرانية؛ بسبب «مشاكل فنية».
وفي هذا الصدد، صرَّح العميد الإيراني كيومارث حيدريان، وهو طيار متقاعد ومخضرم تلقَّى تدريبه في الولايات المتحدة وفرَّ أيضًا مع القوات الجوية الإيرانية بعد الثورة عام 1979م، في مقابلة مع كالة الأنباء الإيرانية «إسنا»: «كان الوضع أفضل حالًا، لو استُبدِل الأسطول المتهالك الحالي، بمقاتلاتٍ حديثة يمكن الاعتماد عليها».
لقد ألحقت العقوبات الأمريكية (بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015م) أضرارًا ماليةً بالغة بإيران، وحال ذلك دون إمكانية حصولها على أنظمة أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مقاتلة حديثة من حلفائها، مثل الصين. إلَّا أن روسيا بقيت متحدِّيةً للعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، لكنها لم تُبدِ موافقة على تزويد إيران بطائراتها المقاتلة، مثل Su-30 Flankers أو MiG-35s، على سبيل الإعارة.
منح الغزو الروسي لأوكرانيا فرصةً لإيران في سبيل تقوية علاقاتها مع قوة عالمية كبرى تتعرَّض للعقوبات مثلها، بينما لا تزال المحادثات لإحياء الاتفاق النووي في فيينا ترقُب مصيرًا مجهولًا. وسُرعان ما واجهت «العملية العسكرية الخاصة» التي يخوضها الكرملين؛ أي الحرب على أوكرانيا، مقاومةً غير متوقعة من الأوكرانيين؛ ما جعل إيران تعرِض على روسيا شراء طائراتها المسيَّرة المسلحة.
وبعد تعثّرها في ساحة العمليات في أوكرانيا، لجأت روسيا إلى إرسال خبرائها لإجراء تقييمات للطائرات الإيرانية المسيَّرة وتلقي التدريبات عليها.
وفي الوقت الذي قدَّمت فيه وزارة الدفاع الروسية قائمة مشترياتها إلى نظيرتها الإيرانية، كانت إيران تستعد لبدء المساومة. وبحسب ما أفادت به التقارير، فإن طهران أبدت موافقتها على بيع طائراتها المسيَّرة إلى روسيا، مقابل الحصول علىSu-35 Flanker-Es ، وهي طائرات حديثة مقاتلة من الجيل 4++ متعددة المهام. وتُعَدّ الصين العميل الوحيد لروسيا لشراء الطائرات المقاتلة طراز Su-35s؛ إذ جرى تشغيل 24 وحدة بالفعل. كما ألغت إندونيسيا طلبها لشراء ذلك الطراز من الطائرات الروسية، مقابل الحصول على طائرات رافال الفرنسية. وتستطيع هذه الطائرات حمل الأسلحة، بما يوائم ميزاتها الحديثة، ومع المدى المناسب للتحليق.
فيما يخُص الجانب المالي من «الصفقة»، تُقدَّر تكلفة طائرة Su-35 الواحدة بـ 45 مليون دولار؛ وبالتالي فإن السعر الإجمالي لـ 24 وحدة مع حزمة الأسلحة المناسبة يفوق 2 مليار دولار. السؤال الذي نطرحه هُنا: كم هي تكلفة الطائرات المسيَّرة التي تبيعها طهران إلى موسكو بأعداد كبيرة؟ إذا كانت الصفقة المزعومة صحيحة، فمن المحتمل أيضًا أن تزوِّد إيران روسيا بمعدات أو خدمات عسكرية أخرى غير معروفة علنًا، حتى الآن، ومن المرجَّح أن يكون العدد الفعلي لطائرات Su-35 لغرض المقايضة، أقل بكثير من العدد المطلوب من الجانب الإيراني.
بالنظر إلى الحقائق على أرض الواقع؛ من تضاؤل الفرص لإحياء الاتفاق النووي، وتعرُّض القوات الإيرانية المتهالكة للاستنزاف لا يزال مستمرًا، ونقص المشتريين للأسلحة الروسية، فإن هذه الصفقة تبدو مجدية وعملية، لاسيّما أن بعض التقارير أكدت أن الطيارين الإيرانيين قد أكملوا بالفعل التدريب على طائرات Su-35 في روسيا.
سيكون الحصول على 12 طائرة من طراز Su-35 Flankers مقابل طائراتها المسيَّرة المحلية الصنع (الانتحارية في أغلبها) إنجازًا مذهلًا للجيش الإيراني، لكن يبقى أداؤها الفعلي على أرض المعركة متغيِّرًا مهمًا في المعادلة العسكرية. وفي الواقع، لم تحقِّق الطائرات المسيَّرة الإيرانية «شاهد-136»، التي استخدمتها روسيا، أيَّ تأثير فعال في ساحة المعركة، مثل طائرات «بيرقدار-2» التركية، لكنها نجحت في تشتيت تركيز القوات العسكرية الأوكرانية من محاربة القوات الروسية إلى تعقُّب وإطلاق صواريخ باهظة الثمن على هذه المسيَّرات الرخيصة. وفي خِضَم هذا اليأس، تأمل روسيا أن تتمكَّن المسيَّرات الإيرانية من تحويل مسار المعركة لصالحها، وهذا الأمل لم يتحقق بالفعل حتى الآن، وقد لا يحدث أبدًا. ويدخل الصراع في أوكرانيا مرحلةً جديدة بسبب عاملين أساسين: عدم كفاءة الجنود المرسلين لساحة المعركة، والعمل في شتاء قارس. وتتعدَّد أوجه اليأس لدى الجانب الإيراني أيضًا؛ بسبب تلاشي الأمل في رفع العقوبات، وتزايُد الحراك في الشارع الإيراني بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن الاحتجاجات الواسعة على مقتل الفتاة الإيرانية مهسا أميني.
إن دخول العشرات من طائرات Su-35 إلى سلاح الجو الإيراني، ما هو إلا حبر على ورق حتى الآن. ولن يحدث هذا، إلا في حال وجدت روسيا أن الطائرات المسيَّرة الإيرانية مفيدة لها، بما يكفي للحصول على المزيد من تلك الطائرات، وتحويل ساحة المعركة لصالحها. ويمكن لمثل هذا التطوُّر أن ينهي اعتماد إيران على طائراتها المقاتلة المتهالكة والقديمة، التي كانت جزءًا من أسطولها لأكثر من 40 عامًا، وباستخدام طائرات الجيل 4++، سيكون لدى «سلاح الجو الإيراني» قدرات دفاعية أفضل، إلَّا أن عقيدة القوة الجوية سوف يصعب تغييرها. وفي حال إحياء الاتفاق النووي، ولو بأي نسبة من النجاح، فسوف تهرع إيران أيضًا للحصول على الطائرات المقاتلة الصينية J-10 بالإضافة إلى حزمة من الأسلحة بأعداد أكبر، وأنظمة دفاع جوي متطورة من بكين وموسكو.