إيران تعترف على مضض ببيع طائرات مسيّرة لروسيا في خضم عزلتها الدولية

https://rasanah-iiis.org/?p=29643

أقرَّت إيران في نوفمبر الحالي، أنها أرسلت طائرات مسيّرة إلى جارتها الشمالية روسيا، بعد أشهرٍ من نفيها هذا الفعل، لكن أصرَّت وبصورةٍ مضلِّلة على أنها شحنت هذه المسيّرات قُبيل اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022م. ويهدُف اعتراف إيران إلى تجنُّب الضغوط الدولية المتزايدة عليها لدعمها الهجوم العسكري الروسي ضد أوكرانيا، وذلك بعد دعوة كييف من أجل اتخاذ إجراءات دولية؛ لمنع إيران من شحن المزيد من الطائرات المسيّرة.

ومن المتوقع أن يؤدي تزويد إيران إلى روسيا بالأسلحة والمسيّرات، إلى تصعيد التوتُّرات بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي السابق، الذي لم يُتوصَّل إلى الاتفاق بشأنه بعد، خاصةً مع استمرار تعثُّر المحادثات النووية في فيينا.

قالت واشنطن في منتصف أكتوبر الماضي، إنها سوف تفرض عقوبات جديدة على إيران؛ بسبب بيع إيران الصواريخ لروسيا. وطالبت حليفتها الأخرى، إستونيا، بإجراءاتٍ رادعة قوية ضد طهران لوقف مبيعات الأسلحة، وفرض الأوروبيون عقوبات على طهران تتعلَّق بحقوق الإنسان، بعد حملة القمع الوحشية ضد المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع منذ أكثر من شهر وحتى الآن، في أعقاب مقتل الفتاة كردية الأصل مهسا أميني.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن إيران متواطئة في حملة الإرهاب الروسية ضد بلاده، ويجب ألا تمُر أفعالها دون عقاب، مرددًا بذلك المطالب الغربية في هذا الشأن. وعلى الرغم من أنه كان من المقرر أن يجتمع مسؤولون إيرانيون وأوكرانيون في أوروبا لمناقشة الأمر، إلا أن كييف رفضت الحضور. طالبت طهران من أوكرانيا تقديم الدليل، الذي يثبت تزويد روسيا بطائرات مسيّرة إيرانية. إلا أن أوكرانيا رفضت الرواية الإيرانية بشأن توقيت شحنات الطائرات المسيّرة، وأصرَّت على أن أوكرانيا أسقطت أكثر من 250 طائرة إيرانية مسيّرة في الأشهر الأخيرة.

خفَّضت كييف أيضًا من مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بسحب اعتماد السفير الإيراني منوشهر مرادي، وخفَّضت عدد الموظفين والدبلوماسيين بالسفارة الإيرانية بشكل كبير؛ بسبب إمداد روسيا بما وصفته بطائرات مسيّرة «شريرة»، بما في ذلك طائرات كاميكازي المسيّرة من طراز «شاهد-136». وحسب ما أشارت إليه التقارير، فإن أربع من تلك الطائرات المسيّرة أُسقِطت فوق ميناء أوديسا. وتصرّ أوكرانيا كذلك على أن الطائرات الإيرانية المسيّرة سيئة الصُنع، وأنها أسقطت بالفعل 70% من تلك الطائرات.

أصرّ ممثِّل موسكو لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليناسكي، على أن الطائرات المسيّرة المستخدمة في أوكرانيا، روسية الصنع، وذلك من أجل دعم الموقف الإيراني الجديد. ولتهدئة التوتُّرات، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن بلاده ملتزمة بضمان إحلال السلام في أوكرانيا. كما أعرب كبار المسؤولين الإيرانيين عن اهتمامهم بأن تتوسط بلادهم؛ لإنهاء الحرب الأوكرانية-الروسية.

وقال المبعوث الأمريكي إلى إيران روبرت مالي، إن طهران نقلت عشرات الطائرات إلى روسيا، كما شُوهِد أفراد عسكريون إيرانيون يتمركزون في الأجزاء، التي تحتلها روسيا من أوكرانيا، وهو ما يُعَدّ دليلًا واضحًا على انخراط طهران المباشر في الحرب، بحسب قول المبعوث الأمريكي. وبدأت واشنطن بفرض عقوبات على إحدى شركات النقل الجوي؛ بسبب نقلها للطائرات المسيّرة الإيرانية، وقالت إنها سوف تستهدف منتجي الطائرات المسيّرة، والجهات التي اشترتها.

وصرَّح مسؤولون غربيون أيضًا أن طهران تخطِّط لإرسال المزيد من الأسلحة لمساعدة روسيا، بما في ذلك الصواريخ المتطورة والموجَّهة بدقّة. وفي أغسطس الماضي، من المحتمل أن روسيا قد نقلت أموالًا، وصاروخًا بريطانيًا مضادًا للدبابات من طراز NLAW، وصاروخَ «جافلين/Javelin» أمريكيًا مضادًا للدبابات، وصاروخ «ستينغر/Stinger» مضادًا للطائرات إلى طهران. وقالت مصادر لشبكة «سكاي نيوز»، إن الصواريخ كانت جزءًا من الأسلحة الغربية، التي زوَّدت بها أوكرانيا، والتي سقطت في أيدي الروس، ونقلت إلى إيران حيث ستُصنَع بطريقة الهندسة العكسية.

ومع تزايُد الضغوطات الدولية على إيران بسبب ظهور أدلّة كثيرة تُثبِت الدور العسكري الإيراني في أوكرانيا، لم يكُن مفاجئًا تأكيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أن بلاده كانت من حيث المبدأ معارضةً للحرب، وذلك خلال اجتماعه مع سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف في أوائل نوفمبر الجاري. إلا أن الهدف من وراء رحلة باتروشيف إلى إيران، كان لمناقشة الحرب في أوكرانيا، وأثارت التكهنات في الغرب بأن موسكو كانت تسعى للحصول على مزيد من الدعم الإيراني؛ لأنها تعرضت إلى انتكاسات عسكرية جديدة، مثل الانسحاب من خيرسون.

ربما أسهمت الزيارة إلى عقد صفقة شراء مزيدٍ من الطائرات المسيّرة بين موسكو وطهران، بعشرات الملايين من الدولارات. وتقول إيران إن من حقها بيع الأسلحة بموجب شروط الاتفاق النووي لعام 2015م، الذي ألغى قرار حظر الأسلحة، الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران في أكتوبر 2020م.

لكن يتعيَّن على إيران من الناحية الفنية، الامتثال لنظام مراقبة الأمم المتحدة، الذي يتتبَّع تدفُّقات أسلحتها التقليدية ومبيعاتها. وفي حال لم يتوصل الغرب وإيران إلى حل فوري بشأن مصير الاتفاق النووي، فإن الحرب في أوكرانيا تُهدِّد بعزل إيران بشكل أكبر على الساحة الدولية، إذ من المحتمل أن تواجه المزيد من العقوبات القاسية؛ لمنعها من بيع مزيد من الأسلحة إلى موسكو.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير