لم تمضِ سوى ساعاتٍ على منحِ السُلطة القضائية في النظام الإيراني لعبد الملك الحوثي جائزةَ حقوق الإنسان على الطريقةِ الإيرانية، إلّا وهزّت قضيةُ «طفلة الماء» الشارعَ اليمني، حيث تم استهدافُ الفتاة «رويدا» عن طريقِ قناصٍ حوثي، أثناء طريقها لجلب الماء لعائلتها، الأمرُ الذي أثارَ سخطَ الشارع اليمني والأوساطَ المتابعة للشأنِ اليمني، قَبل سُخريتهم من الجائزة الإيرانية، على اعتبار أنها استخفافٍ بدماء اليمنيين قَبل عقولِهم، فإيران المُدانة بانتهاك حقوق الإنسان بقرارٍ من الجمعية العامة للأُمم المتحدة، تمنحُ مُتمرّدًا على حكومةٍ شرعية جائزةً في حقوقِ الإنسان قد منحتها من قَبل لعددٍ من قادةِ الميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط، فما الرابطُ بين حقوق الإنسان والميليشيات المسلحة؟
ولعلّ ما قاله المتحدث باسم ميليشيات الحوثي محمد البخيتي عبر إحدى القنوات الداعمة للإرهاب بشكلٍ صريح، «نضع المجتمع الدولي ومجلس الأمن تحت أقدامنا» يجيبُ عن التساؤل السابق إن إيران وميليشياتها يعزلون أنفُسهم داخل عالمِهم الخاص، وينسجون قواعد وقوانين وفق رؤيةٍ إيرانية لا ترى الحق إلّا في طرحِهم هم فقط، فإذا كان العالم بمنظّماته الدولية يدين طهران فهي ستُدين العالم ومؤسساته الأُممية، هذا الأسلوب الذي تستخدمُه إيران في تكميم المعارضة الداخلية للنظام قد نجحَ بعض الشيء، فنتيجة القمع السياسي المُمنهج لا يمكن أن تؤدي إلى شيءٍ على الصعيد الدولي سوى السخرية، وفي الوقت نفسه يُعبِّر عن استهتار الميليشيات بالاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والطفل في اليمن، وتبنّي الميليشيات الحوثية المنهجيةَ الإيرانية فيما يتعلق بحقوق الإنسان في اليمن المناقضة للقانون والأعراف الدولية، حيث تدعم رموز التطرف والإرهاب.
وبالنّظر إلى العديد من الأدلة والتقارير الأُممية التي تتداولُها الأُمم المتحدة، بالإضافة إلى المنظمات الحقوقية، والتي تُثبت الانتهاكات الجسيمة من قِبل الميليشيات الحوثية لحقوق الطفل والإنسان في اليمن، نجد الدعم الإيراني السخي للميليشيات الحوثية تُعبِّر عنهُ جائزةُ النظام لعبد الملك الحوثي من أجل استمرار معاناة أطفال اليمن والشعب اليمني، إذ إن قضية «طفلة الماء» لم تكُن الأولى، بل هي ضمن سلسلةٍ من الانتهاكات الحقوقية للميليشيات بحق أطفال اليمن، حيث توثّق التقارير الميدانية اليمنية أن الحوثي استهدف أكثر من 366 من أطفال اليمن، وحصد رصاصُ الحوثي أرواحَ ما لا يقل عن 130 طفلًا وأصاب 236 طفلًا أعمارُهم بين 1-17 سنة في مختلف أنحاء محافظات اليمن، بالإضافة إلى عملية تفخيخِ عقولِ الأطفال وفرضِ أيديولوجيتهم العنصرية المتطرفة وتشويهِ المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، حيث تتبنّى الميليشيات عمليةَ الغرسِ الثقافي الطائفي للأطفال، ويتلقّى الطفلُ اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات موجاتٍ متطرفة لشحنِه عقائديًا وسياسيًا، وذلك قبل الدفع بهم إلى معارك الموت؛ ولا تقتصر انتهاكات الميليشيات الحوثية على حقّ الطفل اليمني بل تمتد إلى مصادرة حقوق الشعب اليمني بأوجُهٍ متعددة، ابتداءً من عملية زرع الألغام العشوائية التي ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء المدنيين، والقرارات التي تتسمُ بطابعٍ طائفي والتي من أبرزها إجبار اليمنيين على دفع الخُمس 20% من أموالهم لتمويل الجبهات وقتل اليمنيين بأموالِ اليمنيين، حيث سياستها العدائية في إقصاء جميع الأطراف اليمنية الأخرى، ومدى التمييز العُنصري المبني على مبدأ طائفي حرمت الشعب اليمني من حقِّ العيش الكريم على أرضه وزادت من عملية التهجير والتشريد.
في المقابل هناك جهودٌ تُبذل من قِبل الحكومة اليمنية الشرعية ودولِ التحالف؛ بهدف توفير بيئةٍ آمنة لأطفال وشعب اليمن، واحترام حقوقهم وحمايتهم بما يكفلُ لهم العيشَ الكريم، وتجنيبهم ويلات النزاعات المسلحة، بما يتوافق مع القوانين الدولية؛ وقد مثّل القرارُ الأُممي برفع اسم التحالف من قائمة انتهاكاتِ حقوق الطفل في اليمن، مدى التزامِ الحكومة الشرعية ودولِ التحالف بالقانون والأعراف الدولية، فيما يتعلق بحقوق الإنسان والطفل اليمني، والعمل على الحدِّ من تجنيد الأطفال من قِبل الميليشيات الحوثية، وذلك عبرَ عدَّة مراحل يتم فيها إعادة الأطفال المُجندين من قِبل الميليشيات إلى ذويهم في ظلِّ استمرار الحوثي بتجنيدِهم واستخدامِهم كدروعٍ بشرية.
انعكس مشروع التوسُّع الإيراني على سلوك النظام في المنطقة، حيث لم يعُد مشروعًا توسعيًا بقدر ما يوصفُ بأنّه حالةٌ من العُزلة أخرجت النظام من عملية التعايش السلمي بتبنّي دعم الميليشيات الإرهابية بالمنطقة، وخلقِ حالةٍ من عدم التناغُم مع منظومة المجتمع الدولي.
إن مكافئة النظام الإيراني للميليشيات الإرهابية بجوائز لحقوق الإنسان تُعتبرُ امتدادًا للانتهاكات الإيرانية لحقوق المواطن في الداخل الإيراني.
حيث تُشير إحصائيات مؤسسة Iran Human Rights Monitor إلى أن النظام الإيراني لا يلتزم بأي مادةٍ من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدَر عام 1948م؛ وكشف مؤشر الرِّق العالمي لعام 2018 أن النظام الإيراني يأتي سنويًا ضمن البلدان العشرة الأكثر احتضانًا لمظاهر العبودية خاصةً في صفوف الأطفال، وتجدُر الإشارة إلى أن رئيس السُلطة القضائية للنظام الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي مَنح أبو مهدي المهندس وعبد الملك الحوثي جائزةَ حقوق الإنسان كان عضوًا في لجنة الموت عام 1988م، والتي كانت مسؤولةً عن القتل الجماعي للمعارضين في السجون الإيرانية، حتى أنّ الإصلاحيين في إيران يلقبونهُ بـ «آية الله إعدام».
فهل جائزةُ حقوق الإنسان الإيرانية مُزايدةٌ على المجتمع الدولي، أم محاولةٌ لخِداع الداخل الإيراني.. لا شكَّ أنها تجمعُ بين الاثنين بنفس قدرِ الفشل الذي ستُحقّقه على الصعيدين الدولي والداخلي.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد