في الذكرى السنويّة لاحتلال السفارة الأمريكية في طهران من قِبَل أنصار الثورة الإيرانية، أعلن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي أنّ «نتائج الانتخابات الأمريكية لا تعني إيران في شيء، وأنّ إيران مستمرةٌ في رعاية مصالحها القوميّة والوطنيّة». التصريح ذاته تقريبًا تمّ تكراره من قِبَل الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.
لكن بعيدًا عن هذه التصريحات التي في الغالب الأعمّ لا تعكسُ واقع وتطلعات النظام الإيراني في ظل الصعوبات الاقتصاديّة التي يواجهها منذ بدء سياسة الإدارة الأمريكية الراهنة تحت مسمى «سياسة الضغوطات القصوى»، ومن خلال بعض ما يقوله الإيرانيون بعيدًا عن شاشات التلفزة، هناك رغبةٌ إيرانية أكيدة للعودة لواقع ما قبل 2017م، وبخاصة في البُعدين الاقتصادي والدبلوماسي.
كان من أبرز نتائج خطة العمل المشتركة المعروفة بـِ JCPOA أنْ تنفّس الاقتصاد الإيراني وعادت إيران للواجهة الدوليّة دبلوماسيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، الأمر الذي منح دفعة أساسية على المستوى الداخلي الإيراني وازدياد شرعيَّة النظام وشعبيته نسبيًّا بين الإيرانيين تطلعًا للخروج من الأزمات المُتلاحقة التي عصفت بالنظام، كل ذلك تبدّد سريعًا وبخاصة بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من «الاتفاق النووي» وفرض عقوباتٍ غير مسبوقة على طهران.
وعلى الرغم من اعتزام الرئيس ترامب الطعن قانونيًّا في عمليَّات التصويت في ولاياتٍ مختلفة، فإنَّ عددًا من وكالات الأنباء الأمريكية أعلن فوز نائب الرئيس في عهد باراك أوباما جو بايدن في الانتخابات.
الآن وقد هدأ غبار المعركة الانتخابيّة في الولايات المتحدة الأمريكية وفاز بايدن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بالانتخابات الرئاسيّة، تتطلع طهران إلى الخروج من عنق الزجاجة عبر الإدارة الأمريكية القادمة المحسوبة على الحزب الديمقراطيّ في أمريكا والأمل يحذوها أنْ يتمّ إعادة التجربة السابقة مع معالجة بعض الأخطاء الإستراتيجية التي تمّ ارتكابها سابقًا.
لقد ظل الإيرانيون خلال السنوات الثلاث الماضية يحملون الجمر في أيديهم بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، وعلى أمل مغادرة ترامب وفريقه البيت الأبيض وقدوم شخصية مثل بايدن يعرفونها جيّدًا وكانت قريبة من «الاتفاق النووي» والمفاوضات الإيرانية الأمريكية المختلفة خلال حقبة الرئيس أوباما. الجدير بالذكر هنا أنّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان قد تحدث في إحدى مقابلاته التليفزيونية عن أنه تربطه علاقةُ صداقةٍ قديمة ومتينة مع جو بايدن.
لكنّ الأمر ليس بتلك السهولة، فالظروف الإقليميّة والدوليّة تغيرت كثيرًا، والصراع الصيني-الأمريكي وصل لمرحلةٍ متقدمة جدًّا وكذلك الحال بطبيعة العلاقة بين واشنطن وموسكو. علاوةً على ذلك من الواضح أنّ إدارة ترامب كانت قد أخذت مثل هذه الاحتمالات في عين الاعتبار وعملت على أن تكون العودة إلى الوراء مستحيلة إلى حدﱟ بعيد من خلال فرض العديد من العقوبات على مختلف القطاعات الاقتصاديّة والماليّة الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني أو المرتبطة بالبرنامج النووي. وبالنظر للمعطيات المذكورة آنفًا فحتّى وإن عاد كامل فريق إدارة باراك أوباما ليعمل مع الرئيس الجديد جو بايدن، فإنّ هناك من العراقيل ما يمنعُ الوصول لاتفاقٍ هشﱟ كاتفاق 2015م كما أنّ العودة للاتفاق الراهن، مع استبعاد ذلك، لن يُغير الكثير على أرض الواقع.
على عكس إدارة الرئيس ترامب التي اعتمدت على استخدام العصا، فإنّ الإدارة الأمريكية القادمة قد تعمل على تقديم الجزرة على العصا في تعاملها مع إيران لكنّ ذلك ليس كافيًا للوصول إلى اتفاقٍ جديد على أقل تقدير خلال العامين الأولين من فترة رئاسة بايدن حتى وإن خفّف من بعض العقوبات الأمريكية الأحادية المفروضة حاليًّا على طهران واقترب من الموقف الأوروبي أكثر من سلفه.
هناك عِدَّة سيناريوهات يتمّ طرحها حول طبيعة العلاقة القادمة بين إيران والإدارة الأمريكية الجديدة، لكن السيناريو الأقرب والأبرز يتمثل في احتمالية رفع قيود السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية المفروضة على مواطني بعض الدول الإسلامية ومنها إيران وعلى بعض الشخصيات الإيرانية رفيعة المستوى وعلى رأسها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وبعث بعض الرسائل والمؤشرات الإيجابية تجاه طهران. لكن في المُجمل من المتوقّع أنْ تنتظر الإدارة الأمريكية إلى أنْ تظهر نتائج الانتخابات الرئاسيّة الإيرانية القادمة في منتصف عام 2021م.
مع ذلك، لابدّ من الأخذ في الاعتبار تصريحات جو بايدن حول إيران إذ صرَّح بأنه «لا يُشكّك في حقيقة التحديّات التي يفرضها النظام في إيران على المصالح الأمنية لأمريكا، وأصدقائها وشركائها وشعب إيران نفسه». وقد طرح الأسلوب الذي سيتعامل به مع إيران في مقاله الذي نشرته «سي إن إن» بتاريخ 20 سبتمبر 2020م تحت عنوان: «هناك طريقةٌ أكثر ذكاءً للتعامل بصرامة مع إيران» جاء فيه: إنّه سيلتزمُ بمنع إيران من امتلاك سلاحٍ نووي، وسيعمل مع حلفاء أمريكا على تعزيز وتوسيع بنود الاتفاق النوويّ مع معالجة القضايا الأخرى ذات الأهميّة. ويشمل ذلك العمل الجادّ للإفراج عن الأمريكيين المعتقلين ظلمًا واستدعاء النظام لانتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، وسوف يواصل التصدّي لأنشطة إيران المُزعزعة للاستقرار ودعمها للإرهاب وبرنامج الصواريخ الباليستية. في المقابل سوف تعود بلاده للمسار الدبلوماسيّ والاتفاق النووي إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق.
على كل حال، فمِن التجارب السابقة لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية فإنّ تصريحات المرشحين في الانتخابات الرئاسية لا تنعكسُ بشكلٍ كبير على قراراتهم بعد وصولهم إلى البيت الأبيض والتعامل عن قرب مع اِتّخاذ القرارات الحاسمة، ومدى تأثُرهم بما تقدمه فِرَقهم الاستشارية وبتفاعل الأحداث وطبيعة المواقف، لكن تبقى هذه التصريحات هي ما يُمكن الاعتماد عليه تحليليًّا في الوقت الراهن إلى حين استلامه المسؤوليّات رسميًّا في يناير من العام القادم.
المصدر: Arab News
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد