توتَّرت العلاقات بين إيران وكوريا الجنوبية، بعد أن أعلنت إيران مؤخَّرًا حظر استيراد الأجهزة المنزلية منها، إذ نشبت -خلال الأشهر الأخيرة-خلافاتٌ كبيرة بين البلدين، فيما يتعلَّق بأُصول طهران المجمَّدة بسبب العقوبات الأمريكية. وأثار قرار الحظر جدلًا داخليًا في إيران، إذ يرى البعض أنَّه يقلِّص الخيارات أمام المستهلكين، وتُعَدّ الخطوة بمثابة محاولة ضغط إيراني على كوريا الجنوبية للإفراج عن أُصولها المجمَّدة، التي تزيد تقريبًا عن 7 مليارات دولار.
وأرسل المرشد الإيراني علي خامنئي خطابًا إلى الرئيس إبراهيم رئيسي، وجَّه فيه حكومته لأخذ الخطوات اللازمة لحظر الواردات من شركات كوريا الجنوبية الإلكترونية العملاقة، مثل «إل جي» و«سامسونج»، دون تسمية هذه الشركات صراحةً. وأشار الخطاب إلى الضغوط التي تمارسها الشركات الإيرانية المُصنِّعة للأجهزة الإلكترونية؛ بهدف إبعاد المنتجات الكورية الجنوبية عن السوق الإيرانية، وعلى ضوء هذا الحظر، حثَّ عضو اللجنة البرلمانية للصناعات والمناجم فرهاد طهماسيبي الحكومةَ الإيرانية على ضمان أن تكون جودة الأجهزة الإلكترونية المحلِّية ذات معايير مماثلة للواردات الأجنبية.
وتشير التقارير إلى أنَّ القيمة الصافية لسوق الأجهزة المحلِّية الإيرانية تتراوح بين 4.5 مليار دولار إلى 6 مليارات دولار، وأنَّ طهران امتنعت في السنوات الأخيرة عن إصدار تصاريح استيراد للأجهزة أو المنتجات؛ لتجنُّب المنافسة الأجنبية، طالما أنَّ البدائل مُتاحة في السوق الإيرانية. ويمكن أن تُعَدّ خطوة حظر الأجهزة الإلكترونية من كوريا الجنوبية جزءًا من إستراتيجية رئيسي، القائمة على تحقيق الاعتماد على الذات، التي يهدف منها إلى خفض اعتماد إيران على الواردات الأجنبية، وكانت إيران قد صدَّرت النفط لكوريا الجنوبية في الفترات التي سُمِح لها بذلك، واستوردت منها أجهزة صناعية ومنزلية رئيسة، والآن تقول الحكومة الإيرانية إنَّ كوريا الجنوبية استوردت منها نفطًا، دون أن تدفع تكلُفته، إذ صرَّح عضو البرلمان الإيراني علي رضا سليمي في حديثه عن كوريا الجنوبية «أنَّها لا تُعَدّ شريكًا تجاريًا موثوقًا، وعليها أن تدفع فوائد على الأموال التي تحتجزها بغير وجه حق»، كما تحدَّث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان مع وزير خارجية كوريا الجنوبية جيونغ وي-يونغ في المسألة خلال مكالمة هاتفية، وتفيد التقارير أنَّ عبداللهيان قال: إنَّ عدم استعداد كوريا الجنوبية للإفراج عن أموال إيران كان سببًا زاد من معاناة الشعب الإيراني، في ظِل الظروف الاقتصادية القاسية التي تمُرّ بها إيران، لا سيّما في ظِل تفشِّي فيروس كورونا (كوفيد-19)، وأعرب وزير الخارجية الكوري الجنوبي خلال الاتصال الهاتفي عن قلقِه الشديد من حظر إيران للأجهزة الإلكترونية من بلاده.
وتكشف الأرقام عن تراجُع التجارة الثُنائية بين إيران وكوريا الجنوبية خلال العامين الماضيين؛ بسبب العقوبات الأمريكية في المقام الأوَّل، كما تُشير التقارير إلى أنَّ الأجهزة الإلكترونية هي أبرز المنتجات المستوردة من كوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة؛ بسبب الطلب المستمِرّ عليها في إيران. وبحسب ما أفادت تقارير أخيرة، فإنَّ شركات الأجهزة الإلكترونية المحلِّية الإيرانية ضغطت لفرض حظر لمدَّة خمس سنوات على الأقلّ على الواردات لوقف المنافسة الأجنبية، كما أفادت تقارير أنَّ رئيس اتحاد قطاع الأجهزة المنزلية في إيران، أكَّد أنَّ القيمة السوقية السنوية للأجهزة المنزلية في إيران تبلغ حوالي 6 مليارات دولار، وأنَّ الأجهزة المنزلية المهرَّبة تشكِّل حوالي 2.5 مليار دولار من قيمة السوق المحلِّية. كما أنَّ ثمَّة دواعي قلق محلِّية في إيران من أن يصُبّ قرار حظر الأجهزة الإلكترونية من كوريا الجنوبية في صالح الصين وعلاقتها التجارية بإيران، إذ أفادت تقاريرُ أنّ الشركات الإيرانية التي كانت في السابق تعمل على تجميع منتجات «إل جي» و«سامسونج» تعمل حاليًّا مع شركات صينية، إذ تصدِّر الصين لإيران أجهزةً إلكترونية تصِل قيمتها إلى 1.43 مليار دولار. وفي حال غياب منتجات شركات كوريا الجنوبية وأوروبا عن السوق الإيرانية، فإنَّ الشركات الصينية تستطيع احتلال حصَّة أكبر في السوق الإيرانية، لا سيّما في قطاعي الأجهزة المنزلية والخدمات.
وكما أسلفنا، فإنَّ قرار حظر الأجهزة الإلكترونية من كوريا الجنوبية غير المسبوق يكشف نيَّة إيران الضغط على سيول، دون أخذ مصالح المستهلكين الإيرانيين في الحُسبان، فبدلًا من تقييم أفضليات المستهلكين واتّخاذ الخطوات الكافية لمراقبة الواردات، ورفع جودة المنتجات المحلِّية، قرَّرت إيران حظر منتجات كوريا الجنوبية؛ ما يقلِّص خيارات المستهلكين الإيرانيين، ويزيد من الطلب على المنتجات المهرَّبة والممنوعة.
وبعد فرض العقوبات الأمريكية، ازدهرت السوق السوداء للأجهزة المنزلية في إيران ومن المرجَّح أن تشهد مزيدًا من النشاط بعد قرار الحظر الأخير. يعكس ازدهار السوق السوداء انعدام ثقة المستهلك الإيراني في الأجهزة المصنَّعة محلِّيًا، وتفضيل الأجهزة الأجنبية بسبب جودتها العالية وطول عُمرها.