حضر الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخرًا، القمة الافتراضية لرؤساء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون؛ وأكَّد الإعلانُ الذي أعقب انعقاد هذه القمة، على التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة بمجال الرعاية من الأوبئة، والوقاية من الأمراض المعدية وغير المعدية ومكافحتها، ومواجهة تداعيات جائحة كورونا، ودعا الإعلان أيضًا إلى تعاونٍ اقتصاديٍ أكبر بين الدول الأعضاء في المنظمة.
وكانت إيران قد مارست في الماضي ضغوطًا مكثفة؛ كي تصبحَ عضوًا كاملًا في هذه المنظمة، إلّا أن محاولاتها باءت بالفشل، وحدَّت التحديات المتكرّرة من سعيها في سبيل تحقيق نفوذٍ أوسع داخلَ المنظمة، وأدى العدوان الإيراني المتزايد في المنطقة وسياسة الضغوط القصوى التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتهية ولايته إلى عزل طهران، مما حدَّ من إمكانياتها ونفوذها داخل منظمة شنغهاي للتعاون.
وأعرب روحاني عن اهتمام بلاده في الانخراط بشكلٍ أكبر بمنظمة شنغهاي للتعاون، وانتقد سياسة واشنطن تجاه إيران، ودعا إدارة جو بايدن المقبلة إلى إعادة تقييم سياسات ترامب تجاه طهران التي أضرَّت بشدة بالاقتصاد الإيراني؛ وخلال القمة، حثَّ النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري الدول الأعضاء بالمنظمة للتعاون للمشاركة في مشروع سكَّة حديد تشابهار – زاهدان.
وأكَّدت القمة الافتراضية التي عُقدت مؤخرًا بين الهند وأوزبكستان على إمكانية ربط تشابهار بأوزبكستان، وتأتي دعوة جهانغيري للانضمام إلى المشروع على خلفية محاولات إيران لتوسيع العلاقات مع شركائها في أوراسيا.
على الرغم أنَّ روسيا والصين تدعمان حصول إيران عضويةً كاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، إلّا أنّ العديد من العوامل الداخلية والخارجية أعاقت طموحات طهران؛ ووفقًا لمصادر روسية، فقد عارضت بعضُ الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي محاولة إيران للانضمام إلى عضوية المنظمة. بينما أشارت بعض التكهنات إلى خلاف طاجيكستان مع إيران باعتبار هذا الخلاف عاملًا يعيق سعي طهران للحصول على عضويةٍ كاملة في المنظمة، وكانت إحدى أهم الضربات التي وجِّهت للعلاقات الثنائية بين إيران وطاجيكستان في عام 2015م عندما دعت طهران محيي الدين كبيري زعيم حزب النهضة الإسلامي -وهو حزب سياسي إسلامي محظور في إيران- لحضور مؤتمرٍ دولي. وكونها عضوًا مؤسسًا في منظمة شنغهاي، فإن حقَّ النقض لطاجيكستان في المنظمة يلغي أيَّ احتمالٍ لأن تصبح طهران عضوًا كاملًا دون إصلاح علاقاتها مع طاجيكستان التي اتّهمتها برعاية الإرهاب في المنطقة.
يختلف تعريف إيران للإرهاب عن تعريف الدول الأخرى الأعضاء في منظمة شنغهاي، ومن المحتمل أن يؤدي دعم إيران للجماعات المتطرّفة في مناطق أعضاء المنظمة والدول المراقبة إلى توتّر علاقات طهران معهم، مما يحدُّ من فرصة في توسيع نفوذها وتحقيق هدفها النهائي لقبولها كعضوٍ كاملِ العضوية، وتسببت أيضًا علاقات إيران المتوترة مع الولايات المتحدة بنشوب خلافٍ داخل منظمة شنغهاي، لا سيما أنّ الدول الأعضاء في المنظمة ترغب بالتعامل مع أمريكا في عددٍ كبيرٍ من القضايا الإستراتيجية.
كان التنافس المتزايد بين إيران والقوى الإقليمية في الشرق الأوسط مصدرَ قلقٍ آخر للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي، إذ عزَّزت دولٌ مثل روسيا والصين علاقاتها الثنائية مع دولٍ في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة، ولقد أدركت إيران بمرور الوقت أنّ منظمة شنغهاي لديها القليلُ من الإمكانات لتساعدها على التعامل مع تداعيات العقوبات الأمريكية؛ لأن العديد من الشركات من الدول الأعضاء في المنظمة تنتابُها مخاوف من الاستثمار في إيران. كما شكَّلت العقوبات الأمريكية على إيران مصدرَ قلقٍ كبير للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون؛ إذ ألقت بظلالها الشكَّ على آفاق إيران لتوسيع علاقاتها التجارية مع الدول الأعضاء في المنظمة.
وعلى الرغم من أنَّ إيران زادت مع مرور الوقت علاقاتها التجارية مع منظمة شنغهاي في السنوات الأخيرة، إلّا أنّ نسبةً كبيرة من تلك العلاقات كانت مع الصين.
وتُعدُّ منظمة شنغهاي للتعاون واحدةً من أكبر المنظمات الإقليمية في العالم من حيث حجم السكان والآفاق الاقتصادية، إلّا أنّ المصالح المتضاربة بين الدول الأعضاء في المنظمة تحدُّ من قدرة المنظمة على المشاركة واستثمار ومعالجة القضايا الإستراتيجية الحيوية، خاصةً التوترات المتزايدة بين بعض الدول الأعضاء.
علاوةً على ذلك، فإنه إذا زاد حجم منظمة شنغهاي للتعاون، فقد يؤثر ذلك على الكفاءة الداخلية لعملية صنع القرار في المنظمة، نظرًا إلى التغييرات الإقليمية التي حدثت؛ ويشكِّل التنافس بين الهند وباكستان والتوترات المتزايدة في ظلِّ القضايا الحدودية بين الهند والصين، مخاوف مشتركة داخل المنظمة، ولا شكَّ أنَّ انضمام إيران بعضويةٍ كاملة في منظمة شنغهاي للتعاون سيزيد من تعقيد الديناميكيات الداخلية للمنظمة.
ويمكن قراءة التغريدة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بناءً على طموحات إيران لتعزيز دورها في منظمة شنغهاي للتعاون من خلال برامج تعاونية متعدِّدة الأطراف، ودوَّن ظريف تغريدة، قال فيها: إن «تحويل حدودنا إلى جسورٍ يمثل أولويةً لبلادنا»، مشيرًا إلى أن افتتاح خط سكة حديد خواف-هرات، وهو أمرٌ مهم ليس فقط لإيران ولكن للمنطقة أيضًا، غير أن النتائج الملموسة وطموحات طهران للاندماج الكامل في المنظمة تتوقف إلى حدٍ بعيدٍ على مستقبل العلاقات الأمريكية – الإيرانية.
وتظلُّ صورة إيران العالمية مصدرَ قلقٍ كبير للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، كما أن الشكوك المشتركة داخل المنظمة تجاه إيران تعني أن احتمالية حصولها على نفوذٍ أوسع في المنظمة أمرٌ مستبعد، لا سيما إذا ما فشلت طهران في الاستجابة لأيِّ محاولاتٍ لكسر الجليد من إدارة بايدن المقبلة.