مقدمة
وافق أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، خلال الاجتماع الذي عُقد في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، يوم 18 سبتمبر 2021م، على منح إيران العضوية الكاملة بالمنظمة، بعد أن كانت لسنواتٍ طويلة بصفة مراقب. وتكتسبُ هذه الخطوة أهميَّتها بالنظر إلى المكانة الدوليّة والإقليميّة، التي تحظى بها المنظمة، ولا سيَّما في ظل التطورات الراهنة على الساحتين الإقليميّة والدوليّة، وأهمها تزايد حِدَّة التنافس بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهةٍ ثانية، وكذا حالة الارتباك التي خلَّفها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وبالنظر كذلك إلى أنَّ انضمام إيران لهذا التجمُع الإقليمي ينسجمُ مع نزعة «الإقليميّة» في السياسة الخارجية الإيرانية خلال السنوات الأخيرة ضمن سياسة «التوجه شرقًا»، وذلك لرغبة مؤكدة في مواجهة العزلة المفروضة عليها من الولايات المتحدة والغرب، والعقبات الاقتصاديّة الناجمة عن العقوبات.
وبقدر ما يوفّرُ فضاء شنغهاي من مزايا تنظر إليها إيران بعين الاعتبار، فإنَّ حركة إيران واستفادتها من هذه الساحة، تواجه قيودًا وعقبات متعدِّدة.
يناقش تقدير الموقف هذا عِدَّة عناصر هي: أولا، مسار عضوية إيران وأهميّة منظمة شنغهاي. ثانيًا، بيئة وملابسات قبول إيران للانضمام لمنظمة شنغهاي. ثالثًا، المزايا المتوقعة لانضمام إيران للمنظمة، رابعًا، حدود حركة طهران تحت مظلة شنغهاي. خامسًا: تداعيات الانضمام الإيراني للمنظمة على دول الخليج.
أوّلًا: مسار عضوية إيران وأهميّة منظمة شنغهاي
حصلت إيران على عضوية الدولة بصفة مراقب في «منظمة شنغهاي للتعاون» بطلبٍ ودعمٍ روسي منذ العام 2005م، وتقدمت عام 2008م بطلبٍ لنيْل العضوية الكاملة، لكن رفض ذلك بعض الأعضاء المؤسِّسين في المنظمة، مثل الصين وروسيا، والعقوبات الدوليّة المفروضة على إيران نتيجةَ برنامجها النووي، أبرز الأسباب التي حالت دون الموافقة على هذا الطلب، حيث دفع الضغط الدولي، دول المنظمة إلى تبنِّيهم معاييرَ جديدة خلال القمة التي انعقدت في أوزبكستان عام 2010م، لمنح العضوية الكاملة، تنصُ على أنَّ أيّ دولة ترغب في أن تصبح عضوًا بالمنظمة، يجب ألَّا تكون خاضعة لأيّ عقوباتٍ دوليّة.
وفي قمة 2015م (قمة أوفا) رُفض الطلب الإيراني مرةً أخرى؛ بسبب رفض طاجيكستان وخشيتها من قيام طهران بدعم الجماعات المسلحة في آسيا الوسطى، فضلًا عن قلق بعض الدول الأعضاء فيها كالصين، من استغلال إيران عضويتها للترويج ضد السياسات الأمريكية، ولكن ظلت إيران تطالب بالانضمام للمنظمة حتَّى قبول انضمامها خلال هذا العام 2021م.
تكتسبُ المنظمة، التي تأسَّست في يونيو 2001م، أهميَّتها بالنسبة لإيران لوجود عددٍ من الدول المؤثّرة في الشؤون الدوليّة، مثل الصين وروسيا الصاعدتين في النظام الدولي، فضلًا عن الهند وباكستان اللتين حصلتا على العضوية الكاملة للمنظمة في 2017م، بالإضافة إلى دول تمتلك موارد وأسواق واسعة في آسيا الوسطى، مثل كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزباكستان، ومِن ثَمَّ، فإنَّ المنظمة تمثّل قوة مهمَّة على مستوى الدبلوماسية الدوليّة كما تُعَد فضاءً اقتصاديًّا واعدًا.
من جهةٍ ثانية، تلعب المنظمة دورًا بارزًا على المستويات الأمنيّة والسياسيّة، بسعيها لتوفير السّلم والأمن والاستقرار في هذه البقعة الجغرافية، ومحاربة الجريمة وتجارة المخدرات ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي والإرهاب، ومِن ثَمَّ تكتسب المنظمة أهميّةً في ظل التطورات الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولا سيَّما الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وسياسة التوجه شرقًا، وسعي الولايات المتحدة لمواجهة خطرَا الصين وروسيا.
وتحظى المنظمة بأهميّة عالميّة كبيرة للغاية؛ لكونها تحتوي على أربع قوى نووية كبرى ضمن دول النادي النووي، كما أنَّ الصين وروسيا تمتلكان حقّ النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي، وتمثّلُ مساحة الدول الأعضاء أكثر من 30 مليون كم2، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 3.5 مليار نسمة، أيْ نحو نصف إجمالي عدد سكان العالم، وبحسب الإحصاءات، فإنَّ دول المنظمة تهيمن على 20% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهو ما قُدّر بنحو 15 تريليون دولار، ومِن ثَمَّ، فإنَّ وجود إيران بالمنظمة، يخلق لها منبرين مهمَّيْن، اقتصادي وسياسي.
كما تحتوي المنظمة أيضًا، على أكبر منتجي الطاقة في العالم روسيا وإيران، وأيضًا أكبر الدول استهلاكًا لموارد الطاقة الصين والهند، والدول الأكبر في آوراسيا والأكثر تأثيرًا على الساحة الدوليّة، وتتشارك غالبية هذه الدول في فضاء منطقة آسيا الوسطى، التي تشكل منطقةً عازلة وتستحوذ على ممرات تجارية هامة، وموارد هائلة تهمُ المنتجين والمستهلكين للطاقة في العالم، وتُعَد بالأخير مجالًا لمصالح جيوستراتيجية هامة للفاعلين الإقليميّين والدوليّين.
وتشكل المنظمة أحد أبرز البدائل الدوليّة المنافسة للقطبية الأحادية، المتمثّلة في الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة التوازن في العلاقات الدوليّة، وكبديل دولي غير البديل الأوروبي-الأمريكي ذو المعايير الغربية المغايرة لمعايير الشرق، كما أنَّ أقوى قطبين فيها الصين وروسيا، يدعوان مباشرةً لنظام دولي متعدِّد الأقطاب، ولا سيَّما عقب سلسلة الإخفاقات التي مُني بها الغرب الأوروبي والأمريكي؛ نتيجةَ سياساته في ليبيا وأفغانستان والعراق وغيرها، والتي أدت إلى تمدّد بعض الدول الإقليميّة وبينها إيران ذاتها وانتشار العُنف والإرهاب والتطرف.
ثانيًا: بيئة وملابسات قبول إيران للانضمام لمنظمة شنغهاي
إعلان الدول الأعضاء القبول بانضمام إيران للمنظمة، يأتي في توقيتٍ تشهد فيه الساحة الداخلية الإيرانية والإقليميّة والدوليّة سلسلةً من التطورات على النحو التالي:
- توجهات عدائية إيرانية تجاه الولايات المتحدة: في يونيو2021م، تمَّ انتخاب «المتشدِّد» إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران، وقام بتشكيل حكومته ضمن سلسلةٍ من الإجراءات بدأها المرشد علي خامنئي لإعادة ترتيب المشهد السياسي ومواجهة التحدّيات، هذه الترتيبات بدورها هدفها توحيد توجهات المؤسَّسات الحاكمة في مرحلة حرجة من تاريخ إيران، والحفاظ على الطابع الثوري للدولة، فانتخاب رئيسي، يهدفُ إلى استعادة روح وزخم الثورة، والتأكيد على خطابها الأساسي ومبادئها الراسخة، والحفاظ على القيَم الثقافية للمجتمع، ومشروع إيران العابر للحدود. هذا التوجه بطبيعته جعلها في مواجهة كبيرة مع الغرب ومع دول غرب آسيا، حيث يتمدَّد مشروع إيران الإقليمي، ولذلك؛ تواجه إيران تحدّيات كبيرة جرَّاء المواجهة على هذه الجبهة، وتمثّلُ شنغهاي، مساحةً للحركة وتعظيم المكاسب، ولا سيَّما في ظل رفع الحكومة الجديدة مبدأ «التوجه شرقًا»، ومزيدًا من التوجه الإقليمي نحو منطقة وسط وشرق آسيا ومنطقة القوقاز، كوسيلة للتغلب على التحديات الاقتصاديّة.
2. تنافس دولي محتدم وتوافق روسي-صيني بشأن نظام دولي متعدِّد الأقطاب: على المستوى الدولي، تشهد الساحة الدوليّة تحولات وتطورات مهمَّة، تتعلق بالصراع والتنافس المتنامي بين الولايات المتحدة والصين، حيث دخل التنافس مرحلةً جديدة مع قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي بدأ في إعادة إحياء توجهات الرئيس الأسبق باراك أوباما، بنقل الثقل الإستراتيجي للولايات المتحدة لمنطقة جنوب وشرق آسيا، من أجل مواجهة الصين ومحاصرتها بريًّا وبحريًّا، وكانت آخر ثمار هذه التوجهات تحالف أوكوس، بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، هذه التطورات ترتبط بصورة أساسية بالتحالفات على المستوى الدولي وتتفق إيران مع الصين وروسيا، فيما يتعلق بالسعي إلى نظامٍ دولي متعدِّد بدلًا من الهيمنة الإقليميّة، وهذا ما يُفسر وجود تقارب وتفاهمات صينية-روسية تطال عددًا من المِلفات، فضلًا عن مكانة إيران الإستراتيجية في مشروع الصين الحزام والطريق.
3. مفاوضات نووية متعثرة ورغبة في موازنة الضغوط: من جهةٍ ثانية، لا تزال العقوبات الأمريكية سارية على الرغم من خوض ست جولات من المفاوضات حول العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات على إيران، بل عبَّر الأمريكيون خلال الجولتين الخامسة والسادسة من المفاوضات، عن رغبتهم في تضمين بند بشأن محادثاتٍ لاحقة، تتعلق ببرنامج إيران الصاروخي وسلوكها في المنطقة، كما طرحت تحديدَ إطار عمل لأجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتطورة، ومخزون اليورانيوم المخصَّب بنسبة 20 % و60 %، في حين أنَّ إيران في ظل حكومة رئيسي، ترغب بالاحتفاظ بالتطورات التقنية الخاصة بأجهزة الطرد المركزي، ولا توافق على إضافة أيّ بنود إلى الاتفاق النووي، وتحاول أن تستفيد مع علاقتها الجيّدة من الصين وروسيا، لموازنة الضغوط التي تمارسها عليها الولايات المتحدة والغرب.
4. انسحاب أمريكي من أفغانستان ورغبة في مظلة حمايةٍ إقليميّة من الاضطرابات: على صعيدٍ آخر في منطقة وسط آسيا، ترك الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فراغًا إستراتيجيًا كبيرًا، وعلى الرغم من أنَّ إيران قد استفادت من إبعاد أهمّ خصومها بعيدًا عن حدودها الشرقية، لكنها تتحسب لأيّ تورط في الصراع الأفغاني، وتخشى من وجود مؤامرة أمريكية قد تستغل هذا التورط، لفرض مزيدٍ من القيود والضغوط على طهران، كما تتحرك إيران في إطار إقليمي، وتترقب لأيّ تطورات قد تضر بمصالحها وتحالفاتها، فإيران لديها هواجسُ من أن يؤدي عدم الاستقرار في أفغانستان إلى تدفق مزيدٍ من اللاجئين الأفغان إلى أراضيها، كما تخشى من أن تقود الفوضى في أفغانستان إلى استعادة ولاية خراسان لقوتها، فضلًا عن تنظيم القاعدة، مع ما قد يمثّلهُ ذلك من تهديدٍ لإيران واستقرارها. وترغب طهران في أن تصبح كابل أكثر استقرارًا بما يعود بفوائد اقتصادية كبيره عليها، ولا سيَّما إذا اتجهت طالبان بسياساتها بعيدًا عن الغرب والولايات المتحدة، ونجحت في تحقيق الاستقرار في الداخل، حيث ستُعَد أفغانستان فرصةً اقتصادية كبيرة لإيران، وسوف تُعَد سوقًا مفتوحًا لصادرات البترول والغاز الطبيعي والاحتياجات والسّلع الضرورية الأخرى، وهو ما سيمثّلُ مصدرًا مهمًّا للخزينة الإيرانية بعيدًا عن الرقابة الأمريكية. كما ستفتح أفغانستان السوق الآسيوية والصينية تحديدًا أمام الاقتصاد الإيراني، بما يسهمُ في خفض ضغوط الحظر الاقتصادي الأمريكي، ويحدُ من الضغوط الأمريكية أثناء مفاوضات فيينا المرتقبة.
ثالثًا: المزايا المتوقَّعة لانضمام إيران لمنظمة شنغهاي
حسب الرواية الإيرانية من مسؤولين وخبراء، ستجني إيران من وراء انضمامها إلى المنظمة مكاسبَ سياسية عديدة. فقد تسهمُ عضوية إيران الكاملة بالمنظمة، في خلق بديلٍ دولي بتعزيز سياسة التوجه شرقًا من خلال التعاون مع مجموعة الكتلة الشرقية التي تضم دولًا مؤثّرة في الشؤون والقضايا الإقليميّة والدوليّة مثل روسيا والصين القوتين العالميَّتيْن والعضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي، فضلًا عن التخفيف من حالة العزلة الدوليّة المفروضة بسبب طموحاتها النووية وصواريخها الباليستية ومغامراتها التوسعية، وفي هذا السياق اعتبر مدير عام شؤون آوراسيا بوزارة الخارجية الإيرانية علي رضا حقيقيان، أنَّ قبول عضوية إيران في المنظمة إعلانًا لفشل مشروع عزل إيران.
تنظر إيران سياسيًّا لانضمامها إلى المنظمة، عبر مقاربة جديدة، تؤكد خلالها على الانتقال نحو طور التعددية القطبية، بما لا يتوافق ورغبة الولايات المتحدة المهيمنة على النظام الدولي الأحادي القطبية، وهنا يقول الرئيس إبراهيم رئيسي، في كلمته أمام مؤتمر قادة منظمة شنغهاي: «العالم دخل حقبة جديدة؛ الهيمنة والأحادية إلى زوال، النظام العالمي بدأ شيئًا فشيئًا يتجه نحو التعددية، وإعادة توزيع القوى نحو الدول المستقلة»، في إشارةٍ إلى أنَّ النظام الدولي لم يعُد أحادي القطبية، بل تحكمه تعددية قطبية قد تفقد الولايات المتحدة موقعها في النظام الدولي على المدى المنظور.
ومن جهةٍ ثانية، فإنَّ حكومة رئيسي كانت بحاجة ماسَّة إلى اختراق من هذا النوع، من أجل ترميم شرعية النظام المتآكلة، على خلفية السخط الشعبي الناجم عن التردي الاقتصادي والمعيشي الصعب، في ظل تداعيات العقوبات بسبب البرنامج النووي، وتفشّي وباء كورونا.
أما على الصعيد الاقتصادي، يتوقع الإيرانيون أنَّ الانضمام للمنظمة، سيفقد العقوبات الاقتصاديّة جدواها، لكونه يتيح لإيران مزيدًا من تعزيز العلاقات الاقتصاديّة مع الدول الأعضاء في المنظمة، كما أنه سيخلق متنفسًا اقتصاديًّا، يوفر لها عوائد مالية عبر الانفتاح على الأسواق الكبيرة في الكتلة الشرقية، بالتواصل مع أسواق واسعة تضم قرابة 65% من إجمالي سكان العالم، رغم تأكيد الخبير الاقتصادي محمود جامساز في 18 سبتمبر 2021م أنَّ «الانضمام للعضوية لن يتيح لإيران شيئًا لهشاشة الاقتصاد الإيراني واحتياجه لرفع العقوبات الاقتصاديّة للخروج من حالة العزلة». على الجانب العسكري، تجد إيران فرصةً لتعزيز وتطوير قدراتها العسكرية بالتعاون مع الروس والصينيين بعد انضمامها للمنظمة، ولا سيَّما في ظل رفع العقوبات الدوليّة على صادرات السلاح الإيرانية في أكتوبر 2020م، وتوقيع روسيا والصين صفقات سلاح مع إيران.
رابعًا: حدود حركة طهران تحت مظلة شنغهاي
بالأخذ في الاعتبار أنَّ منظمة شنغهاي ليست تجمعًا اقتصاديًّا عالميًّا؛ لكونها منظمة أمنية بالأساس لحماية الأمن الصيني والروسي في البيئة الأمنية المحيطة لهما، وحماية الأمن القومي الروسي والصيني من التهديدات المشتركة في مناطق بعيدة جغرافيًّا عن مناطق النفوذ الإيرانية في المنطقة الشرق أوسطية، كما أنه بانضمام الهند باتت المنظمة تجمع قوى نووية ذات أهداف أمنيّة متباينة، لا تشاركها إيران الاهتمامات الأمنيّة ذاتها، لاعتباراتٍ سياسيّة وجغرافيّة.
وقد تفرض العضوية الكاملة التزاماتٍ على إيران، حيث سيكون عليها تبنّي أو اتخاذ مواقفَ رسمية-بوصفها عضوًا كاملًا-تجاه المِلفات العالقة بين بعض الأعضاء، مثل القضايا الخلافية بين الهند وباكستان والصين، وهذه القضايا الخلافية لم تكُن ضمن الاهتمامات المباشرة لإيران قبل الانضمام للمنظمة، ولكن بإبدائها مواقفها الرسمية من هذه القضايا بحكم انضمامها للمنظمة، سيخلق ذلك مواقف صينية وهندية متباينة من إيران، مقارنةً بمرحلة ما قبل انضمامها.
علاوةً على أنَّ العضوية الكاملة لن تخدم إيران فيما يخص قضاياها الأمنية في المنطقة الشرق أوسطية، فلن يزودها الانضمام مثلًا بالقدرة على معالجة التهديدات الأمنيّة لخصومها في الشرق الأوسط؛ بسبب أنشطتها التوسعية وبرامجها النووية الباليستية، والتي تشكل أولويَّةً أمنية لإيران، لكون الشرق الأوسط لن يدخل ضمن الاهتمامات الأمنية المباشرة لأعضاء المنظمة، التي تولي أهميّةً خاصة بالقضايا الأمنية التي تواجهها الصين وروسيا بالأساس في محيطهما الجغرافي.
كما لن تقف المنظمة مع إيران بوصفها أداة لإيران في معالجة عزلتها الإقليميّة، فعلى سبيل المثال لن يتوقع أن تلعب المنظمة دورًا فيما يتعلق بإعادة ترميم العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية أو الإيرانية-السعودية، حيث يخدم النفوذ الروسي والصيني استمرارية الصراع بين إيران ودول المنطقة ذات المِلفات العالقة مع إيران، حيث لم يحدث في الماضي أن ضغطت أو شجَّعت الصين وروسيا الجانب الإيراني بشكلٍ جادّ على الدخول في حوارٍ شامل من أجل الاستقرار والسَّلام في الشرق الأوسط، عدا المبادرة الأمنية التي قدمتها روسيا لدول الشرق الأوسط، ثُم أعادت تعديلها مؤخرًا.
وعمليًّا، تُعَد منظمة شنغهاي أشبه بالمنتديات أو المنظمات النقاشية أكثر من كونها تحالفات إقليمية ذات سلطة نافذة، تشبه حلف شمال الاطلسي أو الاتحاد الأوروبي، الذين تمتلك هيئاتهم الدائمة أهليَّةَ إنفاذ القرارات حتَّى تستفيد منها إيران بالشكل المبالغ فيه إيرانيًّا، حيث تفتقد الهيئة الدائمة للمنظمة للسلطات النافذة فوق سلطات الدول لإنفاذ القرارات المتخذة، كما تفتقد لوجود ذراعٍ عسكري لتعزيز مواقف الدول المعنيَّة، وعادةً ما ستتولى الصين وروسيا وليس إيران، حسم القضايا الجوهرية في المنظمة.
كما أنَّ أولوية إيران الحيوية هي غرب آسيا، ففي هذه المنطقة تتركز طموحات إيران، وعلى الرغم من الدعم الذي تقدّمهُ روسيا والصين، غير أنهما غير راضيتين فيما يخص التهديدات الإيرانية، بإغلاق مضيق هرمز واستهداف ناقلات النِّفط والسفن التجارية عند الخليج العربي، ولا يرغبان في أن تستغل صيغ التعاون والأمن الإقليمي لإيجاد مظلةِ حمايةٍ لتصرفاتها، فإيران تعرقل خطوط إمداد الطاقة المهمَّة لعددٍ من دول منظمة شنغهاي، وقد أعربت الصين في وقتٍ سابق عن قلقها بشأن سياسة إيران في مضيق هرمز، وكما تبدو حريصة على علاقتها مع طهران فإنها كذلك حريصة على علاقاتها المتقدمة مع دول الخليج.
ولروسيا مخاوفُ مُماثلة فيما يتعلق بسلوك إيران، والتفاهمات القائمة بين الجانبين تكتيكية، وتخفئ وراءها حالةً مزمنةً من عدم الثقة، وبخلاف توافقهما في مواجهة النفوذ الأمريكي في الفضاء الجيوسياسي المشترك، فإنَّ باقي صيَغ التفاهم هشَّة ومعرضة للانتكاس في أيّ وقت كما هو الحال في سوريا، ولا تقدم شنغهاي فرصةً كبيرة لمعالجة هذه الإشكاليات الهيكلية في العلاقة، وبالتالي، لا تقدم شنغهاي فرصةً لدعم سياسات إيران في غرب آسيا، بل قد تكون مجالًا للضغط على إيران، من أجل تعديل سلوكها.
ولا يمكنُ لشنغهاي، أن تقدّم لإيران ميزة أمنيّة كاملة في حالة لم تغيّر من سلوكها بصورةٍ ما، فالمنظمة معنيَّة بالأمن في شرق آسيا ووسطها بالأساس، ومِن ثَمَّ قد تحظى إيران ببعض الميزات الأمنية في هذا المجال الحيوي، كمكافحة الإرهاب، ودعم الاستقرار في أفغانستان، والعمل على تحقيق توافقٍ بين الدول المؤثّرة في منظمة شنغهاي، والمعنيَّة بتطورات الوضع في هذا البلد بعد الانسحاب الأمريكي منه، حيث من شواغل أعضاء المنظمة، ملء الفراغ بعد الانسحاب الأمريكي، وعدم تحويل أفغانستان لبلد مُصدّر للأزمات لدول جواره، كذلك تسهمُ عضوية إيران في دفع التعاون وتهدئة التوترات مع القوى المتنافسة كأفغانستان وطاجيكستان، مع إمكانية السيطرة على الصراعات الناشئة.
خامسًا: تداعيات الانضمام الإيراني للمنظمة على دول الخليج
كما تحاول إيران أن تروّج لانضمامها داخليًّا، على أنه مكسبٌ سيجلب لها منافع اقتصادية يلمسها الإيرانيون في الداخل، فإنها تحاول أن تضخّم من هذه العضوية التي لن تدخل حيّز الفاعلية إلَّا بعد عامين من الآن، على أنها مكسبٌ إستراتيجي على المستوى الخارجي، في مواجهة منافسيها الخليجيين.
بين ما تحاول إيران أن تروّج له وبين الواقع فجوة كبيرة، تتكشَّف على المستوى الاقتصادي في ضعف علاقات إيران الاقتصاديّة مع دول المنظمة باستثناء الصين، بل إنَّ بعض الدول كالهند وباكستان حلفاء للولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بسلطة العقوبات على إيران، وتفرض على العديد من الدول الالتزام بالعقوبات المفروضة على إيران.
قد تحقّقُ إيران بعض المكاسب الاقتصاديّة المحدودة في ظل التفاهمات والاتفاقيات الثنائية مع بعض دول المنظمة، وفي ظل تخفيف الولايات المتحدة لحِدَّة ضغوطها على الدول التي تتعامل مع إيران، غير أنَّ مكاسب إيران ستظل محدودة، ولن تؤثّر على معالجة الأزمة الاقتصاديّة الداخلية، بما قد يدفع النظام نحو إظهار صلابةٍ أكبر في المفاوضات المتوقَّعة مع الولايات المتحدة، ومِن ثَمَّ، ستظل الأزمة الداخلية عاملًا شديدَ التأثير على استجابة إيران للضغوط الإقليميّة فيما يتعلق بتعديل سلوكها والحد من سياساتها العدائية.
ومن جهةٍ أخرى، فمِن غير المتوقَّع أن تربط الصين وروسيا علاقاتهما الاقتصاديّة مع دول الخليج بعلاقاتهما مع إيران، فالدولتان حريصتان على الجانب الاقتصادي والحفاظ على تحقيق توازن لا يفقدهما السوق الخليجي الواسع والواعد والمستقر.
وعلى الجانب السياسي، فإنَّ منظمة شنغهاي رغم أنها تشكل كتلةً مناهضة للولايات المتحدة والغرب ومنافسًا لحلف الناتو، لكن لن تستفيد إيران من انضمامها للمنظمة، باعتبار محدودية فاعلية منظمة شنغهاي، وعدم انخراطها فعليًّا في صراع معلن مع الغرب أو الولايات المتحدة، والقضايا الخلافية بين أعضائها، وبالتالي، ما تروّج له إيران على أنه مكسبٌ إستراتيجي ليس له معنى، ربما تكون إيران حليفًا موثوقًا للصين التي تنظر في الوقت نفسه لدول الخليج على أنها حليف للولايات المتحدة، لكن ليس لدى الصين أو روسيا حتَّى الآن، أي نوايا لإدخال المنطقة في حرب باردة ومنافسةٍ وتحالفات مضادة، على غرار مرحلة القطبية التي سادت القرن الماضي.
بل على العكس من ذلك، تتحفظ الصين وروسيا على سياسية إيران العدائية في الشرق الأوسط، كما تعترض على تهديداتها للأمن البحري وحرية الملاحة عبر الممرات الدوليّة، وهناك مخاوف روسية من اتجاهات الهيمنة التي تسيطر على التوجهات الخارجية الإيرانية، وحالة عدم الاستقرار والفوضى التي تبني عليها إيران تدخلاتها الخارجية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ المنظمة قد منحت صفة شريك حوارٍ لكلٍّ من السعودية ومصر وقطر في اجتماعها الأخير، وستفرض هذه الخطوة قيودًا على استغلال إيران للمنظمة ضد مصالح دول الخليج، التي لها علاقات جيّدة مع بعض دول المنظمة، كباكستان وطاجيكستان، التي لا تتوافق تمامًا مع السياسات الإيرانية، وتتنافس معها في فضاء آسيا الوسطى.
وعلى الصعيد الأمني، ترفض كل القوى النووية في المنظمة حصول إيران على سلاح نووي، غير أنَّ حدوث تحولات جوهرية في الصراع والتنافس الدولي بين الصين وروسيا من جانب، وبين الولايات المتحدة من جانب ثانٍ، هي الحالة الوحيدة التي يمكن لإيران أن تحقّق فيها مكسب على المستوى الأمني والعسكري، بتعزيز تنفيذ هذه الدول صفقات التسلّح، التي انعقدت مع إيران، خاصة في ظل رفع الحظر على مبيعات السّلاح الإيرانية في أكتوبر 2020م، ما يسهل من مبيعات إيران للسلاح إلى أذرعها العسكرية، وتحقيق عائدٍ ماليٍّ كبير.
إجمالًا، لن تستطيع إيران توظيف منظمة شنغهاي في إطار صراعها وتنافسها مع دول الخليج في منطقة الشرق الأوسط، لضآلة مكاسبها الاقتصاديّة والأمنيّة والسياسيّة من المنظمة، وكذلك لن تتخلى الدول المؤثّرة في المنظمة مثل الصين وروسيا عن التوازنات القائمة في منطقة غرب آسيا، ومكاسبها التي أسَّستها مع دول الخليج.
خلاصة
يبدو أنَّ موافقة الدول المؤثّرة في منظمة شنغهاي، كروسيا والصين لانضمام إيران، يأتي في إطار التنافس الحادّ بين الأقطاب الدوليّة المؤثّرة في الشؤون الدوليّة والإقليميّة، ويعكسُ رغبتهما في استغلال انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتراجع اهتمام واشنطن بمناطق نفوذها، لترسيخ حضورهما وتوسيع دائرة سيطرتهما ونفوذهما على حساب الولايات المتحدة، بينما تحاول إيران التخفيف من وطأة العقوبات الأمريكية على اقتصادها المأزوم بفتح منافذ اقتصادية جديدة، واستغلال وجودها في هذه المنظمة، لتعزيز تحالفاتها السياسيّة مع دول المنظمة خاصة روسيا والصين.
من واقع البيئة التي قبلت فيها الدول الأعضاء انضمام إيران للمنظمة، وثقل أعضائها وتوجهاتهم وحساباتهم الإقليميّة والدوليّة المغايرة للحسابات الإيرانية، يمكن القول: إنَّ المكاسب التي ستجنيها إيران من وراء انضمامها للمنظمة، ستكون رمزية ومحدودة فيما يخصّ العقوبات الدوليّة والعزلة الدوليّة؛ لأنَّ منظمة شنغهاي ليست منظمة اقتصاديّة فاعلة يمكنها أن توفّر بدائل مالية كبيرة لإيران، بل إنها منظمة أمنيّة لمجابهة التحديات التي تواجه الأمنيْن الروسي والصيني، في دوائر شرق ووسط آسيا، كما أنَّ اهتمامات إيران تتباين مع الاهتمامات الروسية والصينية والهندية والباكستانية في الدوائر الجغرافية المحيطة بهما، حيث تتباين حسابات كلّ عضو فيما يخص منطقة الشرق الأوسط ووسط وشرق آسيا بالنسبة للصين وروسيا وإيران، ومِن ثَمَّ، لا تدخل منطقة الشرق الأوسط، التي تُعَد أولويَّةً بالنسبة لإيران، ضمن الاهتمامات الأمنيّة المباشرة لمنظمة شنغهاي وتحديدًا روسيا والصين. وكذلك تتضارب توجهات إيران نحو الاندماج في البيئة الإقليميّة، وما تفرضه من التزامات على الدول، مع توجهات السياسة الخارجية الإيرانية القائمة على الاستقلالية، وعدم الخضوع لهيمنة القوى الكبرى، ولا شكَّ أنَّ هناك مخاطر تنطوي على وقوع إيران بوصفها قوة متوسطة تحت سيطرة قوة كبرى كالصين وروسيا، بما لهما من طموحات للهيمنة الإقليميّة، وهنا يمكنُ القول: إنَّ حرص إيران على الانضمام إلى اتحاد أوراسيا أو منظمة شنغهاي، يعكسُ رغبتها في التغلب على العُزلة الاقتصاديّة، وتوظيفها كأداة في المواجهة مع الولايات المتحدة، أكثر من رغبتها في التعاون في فضاء شنغهاي.