في أعقاب زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو في 17 يناير 2025م، وقعت روسيا معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع إيران، والتي تضم نطاقات تعاون واسعة بين البلدين، تغطي الجوانب السياسية والدبلوماسية والشراكات الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى التعاون في المجالات العسكرية والأمنية والطاقة. ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022م، شهدت العلاقات الروسية الإيرانية تعزيزًا كبيرًا، ولاسيما في التعاون العسكري، والمثال الأبرز على هذا التعاون تزويد إيران روسيا بمسيراتها من طراز «شاهد» التي تعرف في روسيا باسم «جيران»، لعبت هذه المسيرات دورًا محوريًا في الحرب، إذ تشير التقارير أن إيران زودت روسيا بــ 6000 مسيرة، وساعدتها في إنشاء خط إنتاج لهذه المسيرات في روسيا. وبالإضافة إلى التعاون العسكري، كثف البلدان من جهودهما في التصدي لآثار العقوبات الدولية على اقتصادهما، ومن هذه الطرق، على سبيل الذكر لا الحصر، استخدام الذهب طريقة للتداول المالي بينهما.
وبالعودة إلى الاتفاقية الموقعة مؤخرًا، فهي تتكون من 47 بندًا تغطي نطاقات متعددة للتعاون، يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
التعاون السياسي والدبلوماسي
• تعزيز العلاقات الثنائية على أساس احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وسلامة الأراضي.
• اتخاذ التدابير المشتركة لتعزيز النظام العالمي المتعدد الأقطاب، ومُعارضة الهيمنة الأحادية القطبية.
• التعاون في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ودعم عضوية ومواقف كل منهما.
التعاون الأمني والعسكري
• التدريبات العسكرية المشتركة، وتدريب الأفراد، والزيارات البحرية وتبادل الخبرات الدفاعية.
• التعاون الاستخباراتي والأمني في مجالات مثل مكافحة الإرهاب والتهديدات السيبرانية والجريمة المنظمة.
• تعهد الطرفان على عدم دعم الحركات الانفصالية، أو السماح باستخدام أراضيها لأعمال عدائية ضد بعضها البعض.
العلاقات الاقتصادية والتجارية
• توسيع التعاون التجاري والاستثماري والصناعي، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية والطاقة.
• التركيز على تطوير بنية تحتية جديدة للدفاع، وتعزيز المعاملات بالعملات الوطنية ومكافحة العقوبات أحادية الجانب.
• تعزيز التعاون في مجال النقل والخدمات اللوجستية، وخاصة من خلال ممر النقل الدولي بين الشمال، والجنوب وتحديث البنية التحتية للنقل.
التعاون في مجال الطاقة
• التعاون في قطاعات النفط والغاز والطاقة النووية، بما في ذلك المشاريع المشتركة في الإنتاج والنقل وتطوير الطاقة المتجددة.
• الجهود المشتركة في المنتديات الدولية للطاقة مثل «أوبك بلس».
• معالجة التحديات اللوجستية المتعلقة بنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى إيران عبر أذربيجان.
التنفيذ والمدة
• المعاهدة سارية لمدة 20 عامًا، مع تمديد تلقائي لمدة خمس سنوات، ما لم يقرر أحد الطرفين عدم التمديد بإشعار مدته عام واحد.
• يمكن تعديل الأحكام بالتراضي بين الطرفين، وتحل النزاعات من خلال المفاوضات الدبلوماسية.
ومن بين الملاحظات الرئيسة حول الاتفاق بنوده الأمنية؛ فعلى النقيض من الاتفاق بين روسيا وكوريا الشمالية، لا يتضمن هذا الاتفاق التزامات دفاعية مُتبادلة، وهو ما يُشير إلى عدم رغبة روسيا في مواجهة إسرائيل أو الولايات المتحدة بشكل مباشر، كما لم تعترف إيران بشبه جزيرة القرم جزءًا من روسيا، ولا ينص الاتفاق على مثل هذا الاعتراف، والأهم من ذلك أن إيران ليست ملزمة بموجب هذا الاتفاق بدعم العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا. كما يبقى التعاون العسكري مرتبطًا بحالةٍ معينةٍ، أي لا بد من إبرام اتفاقيات مُنفصلة كلما تشكلت تطورات تستدعي ذلك، وهذا يُسلط الضوء على الطبيعة غير الملزمة للاتفاق، مما يجعل فعاليته موضع تساؤل من الناحية العملية.
ومن جانبه، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاتفاق، مؤكدًا قدرته على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، الذي وصفه بأنه «غير كافٍ حاليًا». وأشار أيضًا إلى أن المعاهدة ستُساهم في تخطي بعض العراقيل، مثل التحديات اللوجستية في نقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى إيران. وفي هذا الصدد، اتفق الطرفان على العمل على نظام دفع موحد للتخفيف من تأثير العقوبات، ومع كل هذا في الواقع يبدو أن الاتفاق يُضفي طابعًا رسميًا على التعاون القائم سابقًا ولا يُقدم التزامات جديدة كبيرة.
وقد وقع الطرفان الاتفاقية بعد وقت قصير من سقوط نظام الأسد، الذي شكل ضربة إستراتيجية لكليهما، وفي سعيهما لتخفيف حِدَّة هذه النكسة، تأمل روسيا وإيران أن تُساعد هذه الاتفاقية في تحقيق أهداف سياستهما الخارجية. ومن أهم تبعات هذه الاتفاقية تأثيرها المحتمل على علاقة روسيا بالولايات المتحدة، لاسيما بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن إستراتيجية «الضغوط القصوى» ضد إيران، فقد تُعقد علاقات روسيا المتنامية مع إيران من المفاوضات مع الولايات المتحدة، لاسيما في ظِل الجهود المتنامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، عبر محادثات دبلوماسية تستضيفها المملكة العربية السعودية، وقد تؤثر الاتفاقية أيضًا على علاقة روسيا بالحكومة السورية الجديدة، لاسيما مع حِرص موسكو على الحفاظ على علاقات وثيقة مع دمشق، فمزيد من التقارب مع إيران سيعقد الديناميات الإقليمية ويزد تعقيدات حسابات روسيا الإستراتيجية. وقد تؤثر الاتفاقية أيضًا على علاقات روسيا بدول الخليج العربي، ولاسيما السعودية والإمارات، خصوصًا فيما يتعلق بالتحالف العسكري بين روسيا وإيران وتعزيز قدرات إيران العسكرية، قد يرى البعض في اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران ركيزةً أساسيةً في العلاقات الثنائية بين البلدين، ولكن تبقى آثارها العملية على الأرض مُبهمة؛ فهي تُحدد إطارًا رسميًا للتعاون في المجالات الدبلوماسية والأمنية والتجارية والطاقة، وتبقى الالتزامات العسكرية والإستراتيجية «غير مؤطرة».
قد يستخدم الطرفان الاتفاقية في التصدي للعقوبات الغربية وفي تعزيز علاقاتهما الاقتصادية، لكن فعاليتها الإستراتيجية تبقى محل تساؤل، لأنها بصورة أساسية تُعزز التعاون القائم بين البلدين ولا تُقدم التزامات جديدة. كما أن تبعات هذه الاتفاقية ستؤثر على علاقات روسيا مع الولايات المتحدة وسوريا وقد تخلق تحديات دبلوماسية جديدة. وفي النهاية، سيعتمد نجاح الاتفاق من عدمه على كيفية تعامُل كل من الدولتين مع التحولات الجيوسياسية والتعقيدات الإقليمية في السنوات المقبلة.