اتفاقية وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة و «الحوثيين».. الدوافع والمآلات 

https://rasanah-iiis.org/?p=37652

شنَّت الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملةً عسكريةً ضد «الحوثيين» منذ منتصف مارس 2025م، عُدَّت الأقوى منذ سنوات، وخلال شهرين من إطلاقها، نفَّذت الولايات المتحدة قرابة 1000 غارة جوية استهدفت مواقع «الحوثيين». أعلن الطرفان وقف إطلاق النار في 06 مايو 2025م، حيث كشف الرئيس ترامب، أن «الحوثيين» أعربوا عن رغبتهم في وقف الأعمال العدائية، مما أدَّى إلى وقف الغارات الجوية الأمريكية ضدهم. من جانب «الحوثيين»، أوضحَ مساعدُ مدير ما يسمى «دائرة التوجيه المعنوي» أمين البرعي، التوصل إلى تفاهُمات بين «الحوثيين» وإدارة ترامب. ونصَّت هذه التفاهمات على توقف «الحوثيين» عن استهداف القوات الأمريكية مقابل وقف الهجمات الأمريكية، لكنه أردف قائلًا إن: «هذه الاتفاقية لا تشمل إسرائيل».    

يستعرض هذا التحليل، دوافع وأبعاد اتفاقية وقف إطلاق النار بين «الحوثيين» والولايات المتحدة، والدور المحوري الذي لعبته طهران في تسهيل التوصل إلى هذا الاتفاق، مع تسليط الضوء على الاستبعاد الواضح لإسرائيل من هذه الاتفاقية التي تمت بوساطة عمانية. كما يتناول التحليل هذه الاتفاقية من جوانب وسياقات سياسية؛ نتناول أهمها كالتالي: 

التوقيت

تزامنت الهُدنة مع المفاوضات النووية الجارية بين الولايات المتحدة وإيران؛ لا سيما أن نجاح هذه المحادثات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بخفض تصعيد هجمات «الحوثيين» ضد الولايات المتحدة. فقد ربطت واشنطن الهجمات «الحوثية» قبل وبعد حملتها العسكرية في مارس من هذا العام، بالدعم الإيراني. من جانبها، رحَّبت طهران بوقف إطلاق النار، وكان هذا الدعم يتجاوز مجرد بيان إعلامي. إذ يبدو أن إيران، باستراتيجية جديدة بين شد وجذب، تحاول تحديد حدود الصراع؛ فتهدئ التوترات مع واشنطن وتصعدها ضد تل أبيب. لعل الهدف الرئيسي لإيران في هذا المسعى ليس التهدئة العسكرية بل تمهيد الطريق للمفاوضات النووية مع واشنطن. ووفقًا لمصادر نقلتها صحيفة «نيويورك تايمز»، لعبت إيران دورًا مُباشرًا في الضغط على «الحوثيين» لوقف هجماتهم على السفن الأمريكية.

نفوذ مجلس التعاون لدول الخليج العربية

تلتقي هذه الخطوة من إدارة ترامب مع رغبة دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية، الساعية لتهدئة التوترات في المنطقة وضمان سلامة الملاحة البحرية الدولية. وقد أكدت هذه الدول أيضًا على تكثيف الجهود لتعزيز السلام الإقليمي ودعم حل سياسي شامل في اليمن. وأصدرت عدَّة دول خليجية وعربية بيانات ترحيب بالاتفاق، وأشاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، بدور عُمان؛ مؤكدًا على التزامها بأمن واستقرار المنطقة.

اعتبارات التكلفة

ألحقت الحملة الأمريكية أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية العسكرية لـ «الحوثيين»، بما في ذلك منصات إطلاق الصواريخ والمعسكرات والموانئ التي تُدرُّ عليها عائدات ضخمة. لم يفصح «الحوثيون» بدقة عن حجم خسائرهم في الأرواح، لكن الغارات الجوية استنزفت مخزوناتهم من الأسلحة. إذ تُفيد مصادر أن «أربعة مسؤولين أمريكيين أكدوا معلومات استخباراتية تُشير إلى سعي (الحوثيين) لوضع استراتيجية للخروج  من هذه الأزمة بعد سبعة أسابيع من بدء الحملة  الأمريكية». من الجانب الأمريكي، أفادت تقارير أن الحملة كلَّفت حوالي مليار دولار. وقد أعرب مسؤولون في «البنتاغون» عن قلقهم إزاء استنفاد الذخائر دقيقة التوجيه، التي قد تكون ضروريةً حال نشوب صراعات أُخرى مستقبلًا، مما أثار مخاوف استراتيجية بشأن استدامة مثل هذه العمليات.

صراعات على النفوذ في الساحة الدولية

امتدَّ الصراع طويل الأمد في اليمن إلى مناطق ذات أهمية دولية استراتيجية، مثل البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وقد استثمر «الحوثيون» في ديناميكيات القوة على الساحة الدولية، مُستغلين مُعارضة بعض الأطراف الدولية للسياسات الأمريكية. وفي هذا الصدد، تُشير تقارير أمريكية إلى أن بعض القوى الأجنبية زوَّدت «جماعة الحوثي» بتقنيات متطورة وصور أقمار صناعية، مما ساعدهم في عملياتهم ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا مكَّن السفن التابعة لهذه القوى من الإبحار في البحر الأحمر بأمان، بينما اضطرت شركات الشحن الغربية إلى تغيير مسارها عبر رأس الرجاء الصالح، متكبدةً تكاليفَ أكبر. ربما دفعت هذه التطورات واشنطن نحو مسار وقف إطلاق النار، بهدف تجنب حرب استنزاف مكلفة وطويلة الأمد. ولا تزال أجهزة الاستخبارات الغربية تسعى جاهدةً لفهم البنية الغامضة لجماعة «الحوثيين» وأخذِ تصورٍ كاملٍ عنها، بما في ذلك قيادتها وانتماءاتها الخارجية، وهي ثغرات استغلها «الحوثيون» لتصعيد عملياتهم بطرق تتماشى مع مصالحهم ومصالح داعميهم في المنطقة.

استبعاد إسرائيل

يرى العديدُ من المراقبين أن استبعاد إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار ينمُ عن اختلاف الرؤى الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب بشأن كيفية إدارة التحديات الإقليمية، وخاصةً إيران و«الحوثيين»؛ إذ تُفضل الولايات المتحدة اتباع نهج المفاوضات مع إيران، بينما تفضل إسرائيل نهجًا عسكريًا يهدف إلى تدمير القُدرات النووية الإيرانية وتحييد التهديدات.

ومن الجدير بالذكر أن استعدادَ إدارة ترامب للتفاوض مع هذه الجماعة، المُصنّفة رسميًا «منظمة إرهابية» من قِبل الولايات المتحدة، يُمثّل تحوّلًا غير مسبوق في عُرف سياستها الخارجية. فبينما جرت محادثات غير رسمية مع مثل هذه الكيانات في السابق، فإن هذه المفاوضات الجديدة أكثر رسمية. وقد أكدَّ مسؤولٌ إسرائيلي ذلك قائلًا: «نهج ترامب غير التقليدي كان من شأنه تجاوز إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة التي لا يشملها الاتفاق».

وأخيرًا، يعكسُ وقف إطلاق النار بين «الحوثيين» والولايات المتحدة تلاقي المصالح بين إيران ووكلائها، وسنرى إن كانت هذه الاتفاقية مجرد مناورةٍ تكتيكيةٍ تحاول من خلالها إيران ترجيح كفتها في المفاوضات النووية الجارية وتجنب المواجهة العسكرية. كما ترى إيران في هذه الاتفاقية وسيلةً لتخفف العقوبات الاقتصادية والمحافظة على مصالحها باستخدام «الحوثيين» كورقةَ ضغط استراتيجية، دون النظر إلى المُعاناة الإنسانية التي يمر بها الشعب اليمني. أما الولايات المتحدة، فلم تهدف في حملتها العسكرية لحل الصراع اليمني أو دعم الحكومة الشرعية، بل كان هدفها محصورًا في الضغط على «الحوثيين» لوقف هجماتهم على طرق التجارة الدولية والسفن الأمريكية، أي استعادة الأمن البحري وليس التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية التي طال أمدها.


المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير