أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 11 يناير الجاري، عن تنظيم اجتماع وزاري دولي بتنظيم مشترك مع بولندا، يُعقد بـ«وارسو» في 13 و14 فبراير المقبل.
وقال بومبيو: «إن الاجتماع سيتمحور حول الاستقرار في الشرق الأوسط، ومسائل السلام والحرية والأمن في هذه المنطقة، وسيتناول أيضًا مسألة التأكد من أن إيران ليس لها أي تأثير مزعزع للاستقرار».
يتضح من تصريح بومبيو أن أجندة الاجتماع تربط العلاقة بين الاستقرار في الشرق الاوسط ودور إيران، ولعل هذا ما استشعرته إيران، فاعتبرت الاجتماع بمثابة خطوة عدائية تجاهها، فما هي أهداف هذا الاجتماع، وما هي احتمالات تأثيره على دور إيران في المنطقة؟
• أبعاد وأهداف
خطوة تشاورية منسّقة: يعد هذا الاجتماع أكبر حدث تستضيفه بولندا منذ قمة حلف شمال الأطلسي عام 2016 في وارسو، ويبدو أنه جرى بناء على خطوة منسّقة بين الولايات المتحدة وبولندا، وهو يعكس في جانب منه تزايد اهتمام بولندا بقضايا المنطقة، على ضوء تطور علاقاتها بالشرق الأوسط، خلال المرحلة الأخيرة، فضلًا عن علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة في إطار مخاوفها من جارتها روسيا.
أجندة أمنية: أعلنت كلٌّ من وزارة الخارجية الأمريكية، ونظيرتها البولندية، عن أجندة الاجتماع، وشملت سلسلة من القضايا هي: (الإرهاب والتطرف، وتطوير الصواريخ، وانتشار الأسلحة، والتجارة البحرية، والأمن، وتهديدات الجماعات التي تخوض حروبًا بالوكالة في الشرق الأوسط) وهنا يبدو البُّعد الأمني غالب على طبيعة الاجتماع وهدفه الرئيس، إلى جانب القضايا التي سيتطرق إليها.
إطار عمل لتحقيق الاستقرار: رغم أنه لم يتضح بعد ما إن كان الاجتماع سيناقش آلية محددة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، لكن وزير الخارجية البولندي قال: «إنه نظرا لأن الشرق الأوسط أصبح يمثّل تحدٍّ أمنيٍّ عالميٍّ، فإنه سيكون ضمن أهداف الاجتماع تطوير إطار عمل مشترك، لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط».
مشاركة واسعة: بناء على تصريح وزير خارجية بولندا، فقد جرت دعوة أكثر من 70 دولة للمشاركة في الاجتماع، بما في ذلك دول الخليج وعددٌ من الدول العربية، وجميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، كما جرى توجيه الدعوة إلى إسرائيل لحضور الاجتماع.
ويحمل ذلك دلالات مهمة فيما يتعلق بإمكانية وجود أفكار أمريكية لدمج إسرائيل في منظومة أمنية تعاونية في المنطقة قد تشارك بها إسرائيل في المستقبل، باعتباره أن احتواء خطر إيران وتهديداتها يمثّل أولوية لكافة هذه الأطراف.
مواجهة خطر إيران: نظرًا لأن إيران تواجه اتهامات دولية، وفي مقدمتها اتهامات أمريكية وأوروبية وإقليمية بدعم الإرهاب، ونشر الفوضى في المنطقة، وتطوير برنامج صواريخ باليستية، فضلًا عن دعم المليشيات والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، فإن إيران هي هدف رئيس لهذا الاجتماع، وسيكون ضمن مناقشاته الحد من مخاطر إيران في الشرق الأوسط، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية الأمريكي، إذ يعتبر أن إيران سببًا رئيسًا لعدم الاستقرار في المنطقة، وقد عبر وزير خارجية بولندا، جاسيك تشابوتوفيتش، عن ذلك في بيان له، إذ قال: «إن الاتفاق النووي لم يمنع إيران من الأنشطة التي تزعزع استقرار المنطقة».
انزعاج إيراني: انزعجت إيران، واعتبرت عقد اجتماع وارسو خطوة عدائية تجاهها.
وقال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عن الاجتماع: «إنه عرضٌ هزليٌّ يائسٌ مناوئٌ لإيران».
ودعا ظريف الحكومة البولندية إلى عدم استضافة القمة، معتبرًا أنها –القمة- وصمة عار في جبين بولندا.
ومن جانبه قال أمين المجلس الأعلی للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني: «إن تحويل العقوبات أکثر صرامة إلی ندوة ومؤتمر، يدل علی العجز واليأس والفشل».
• اجتماع وارسو.. أي احتمالات؟
تقارب أمريكي أوروبي، ومزيد من الضغوط على إيران: لا شكّ أن اجتماع وارسو سيكون ضمن حملة الضغوط القصوى المتواصلة التي تقودها إدارة ترامب ضد إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وهي الحملة التي ترغب الولايات المتحدة في انضمام الدول الأوروبية لها، ولا سيما بعد الانزعاج الأوروبي من الأنشطة الإيرانية الإرهابية على أراضيها، فضلًا عن الانزعاج من تطوير برامج الصواريخ الباليستية، التي دفعت الاتحاد الأوروبي لفرض أول عقوبات على إيران منذ الاتفاق النووي.
وأعرب وزير الخارجية البولندي عن أمله في أن يسهم الاجتماع في تقريب مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه إيران، ولا شك أن تستفيد الولايات المتحدة من وجود بعض الدول الاوربية المنزعجة من سلوك إيران كبولندا، التي تعتبر أن الاتفاق النووي «لا يمنع إيران من الأنشطة التي تزعزع استقرار المنطقة» فضلًا عن بعض الدول التي تتهم إيران باستهداف أمنها، كألبانيا والدنمارك وفرنسا.
شرعية للناتو العربي وحرب إقليمية باردة: جاء الإعلان عن الاجتماع بالتزامن مع جولة يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي لعدد من دول المنطقة، وذلك في إطار المساعي الأمريكية لتهيئة المنطقة لواقع أمني جديد، ستتكفل فيه الولايات المتحدة برعاية مظلّة حماية إقليمية تحت مسمى الناتو العربي، وسيكون هذا الكيان مسؤولًا عن تحقيق الاستقرار، وحفظ الأمن في المنطقة، ومواجهة خطر إيران، وقد كان مقررًا الإعلان عنه خلال هذا الشهر لكن ما زالت الجهود الأمريكية تُبذل من أجل تقريب وجهات النظر.
وربما يكون اجتماع وارسو فرصة لاستكشاف المواقف الدولية من الناتو العربي، ومنحه تأييد وشرعية دولية، ولا سيما في ظل التحديات الإقليمية الواسعة النطاق، وفي ظل الانسحاب الأمريكي من سوريا، وبعدما قطعت المشاورات الامريكية مع الدول الشريكة فيه شوطًا كبيرًا.
ولا شك أن الإعلان عن هذا الكيان قد يفضي إلى وجود حلف مقابل برعاية روسية ستكون في مقدمة دوله إيران، وهو ما قد يُعيد المنطقة إلى أجواء الحرب الباردة، خصوصا أن هذا الكيان مدعوٌّ من الولايات المتحدة لممارسة دورٍ فعّال على الأرض؛ لمواجهة التحديات، وتحقيق الاستقرار في مناطق الصراعات، كسوريا وغيرها من الدول.
دعم للإستراتيجية الأمريكية: قال وزير الخارجية الأمريكي، ضمن جولته أثناء زيارة القاهرة: «إن إستراتيجية الولايات المتحدة المستقبلية في الشرق الأوسط سوف تركّز بشكل كبير على مواجهة إيران، وبالفعل قطعت الولايات المتحدة شوطًا مهمًا في تنفيذ بعض من عناصر إستراتيجيتها تجاه إيران، إذ قوّضت الاتفاق النووي، وأعادت فرض العقوبات التي كان الاتفاق قد جمدها مع بعض الاستثناءات فيما يتعلق بتصدير الطاقة لثماني دول، وقد أتت هذه العقوبات أكلها فيما يتعلّق بممارسة ضغوط غير مسبوقة على النظام الإيراني في الداخل نتيجة صعوبات اقتصادية، ويعد مواجهة نفوذ إيران الإقليمي ضمن أهم عناصر نجاح الإستراتيجية الأمريكية، ويأتي هذا الاجتماع على ما يبدو من أجل تحقيق تقدم في هذا الجانب.
ولا شك يعد تحقيق إجماع دولي حول السياسة الأمريكية تجاه إيران بمثابة عنصر دعم رئيسي لنجاح الإستراتيجية الأمريكية، ويوفر هذا الاجتماع مظلة واسعة، وورقة تعطي الولايات المتحدة من خلالها شرعية لسياساتها تجاه إيران.
تقويض الاتفاق النووي: قد يعد الاجتماع فرصة لإعلان عددٍ من الدول الأوروبية عن عدم التزامها بالاتفاق النووي، وذلك على خلفية التهديدات الإيرانية لعدد من الدول الأوربية، فضلًا عن الضغوط الأمريكية، وشلّ الاتفاق فعليّا، من خلال العقوبات، فضلًا عن عجز دول الاتحاد عن تدشين آلية للتبادل المعاملات المالية مع إيران، ويأس إيران من دول الاتحاد، وقدرتها على مواجهة الضغوط الأمريكية.
حملة دبلوماسية: يعد الاجتماع ضمن الجهود الدبلوماسية الأمريكية التي تستهدف إيران دوليًّا، إذ يهدف الاجتماع إلى تنسيق مواقف عددٍ من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يرادفه بالأساس طرح دور إيران في المنطقة، الذي قد يفرض مزيدًا من الضغوط والتحديات على إيران، وتواجهه صعوبات وتحديات حقيقية منذ استعادة العقوبات الأمريكية.
لكنه في الأخير على المستوى الوزاري، وسيكون بطبيعة الحال ذا طبيعة تشاورية، ولا يفرض أي التزام على المشاركين فيه، وما لم ينبثق عنه آليات تعاون فعلي أو تغيير في مواقف بعض الدول من السياسة الامريكية فإنه لن يعدو كونه ضمن حملات الدعاية الأمريكية ضد إيران.
في الأخير يمكن القول أن الولايات المتحدة تحاول دعم إستراتيجيتها تجاه إيران بمزيد من الجهود، حتى يتثّنى لها الوصول إلى مرحلة الضغوط القصوى، التي قد تفرض على إيران الجلوس إلى طاولة التفاوض.
ويكتسب الاتفاق أهميته في هذا الإطار، وقد يفضى إلى تغيير مهم على مستوى الموقف الأوروبي، بما يعني تقريب وجهة نظر أوروبا من الموقف الأمريكي تجاه إيران، سواء كليّا أو فيما يتعلق بالمخاوف المشتركة.
ولا سيما أن دول الاتحاد الأوروبي ستكون واقعة تحت عدد من الضغوط، أهمها فشلها الفعلي في الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران بصورة عملية، إلى جانب ضغوط من الدول الإقليمية وبعض القوي الدولية التي ترى خطر إيران على الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي، فضلًا عن الأنشطة الصاروخية الإيرانية، ودعمها للأنشطة الإرهابية داخل أوروبا نفسها.
كما أن هذا الاجتماع قد يكسب المشروع الأمني الأمريكي للشرق الأوسط شرعية ودعمًا دوليًّا، وهو المشروع الذي ما زالت الولايات المتحدة تحاول وضع اللمسات الأخيرة عليه، الذي سيكون بإشراف ومظلة حماية منها.
ناهيك عن أن دولًا كروسيا والصين وبعض الدول الحريصة على التعاون مع إيران ستضع بالاعتبار هذه الجهود الدبلوماسية، بما قد يدفعها لمراجعة موقفها، ويمهد لتعاون أوسع فيما يتعلق بمعالجة ملف إيران، ولا سيما أن الولايات المتحدة ما تزال حريصة على أن تكون إستراتيجيتها ضمن جهود منسّقة، حتى مع الدول التي لديها خلافات معها بشأن هذا الملف، وربما التنسيق فيما يتعلق بالاستثناءات النفطية دليل واضح على كثافة الجهود الأمريكية لإحكام الضغط على إيران.