فيما كان المراقبون ينتظرون يوم الاثنين تنفيذَ الاتفاق غير المكتوب بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الإفراج المتبادل عن معتقلين وإيداع مليارات من الأصول الإيرانية المجمَّدة في حسابات إيرانية، تصدَّر حدثٌ آخر وقَع على الأراضي الإيرانية الأخبار، وأحدث ضجة كبرى، ولم يكن هذا الحدث سوى وصول لاعبي نادي النصر ونجومه إلى طهران، والمشاهد التي برزت خلال ذلك.
صحيح أن وجود النجوم في أي دولة يمكن أن يشجع كثيرًا من معجبيهم لمحاولة رؤيتهم، وربما التدافع على أمل التقاط صورة «سيلفي» معهم، لكن الحال في إيران كان مختلفًا بعض الشيء عمّا هو في غيرها من دول العالم. فحين نعلم أن المسؤولين عن الرياضة والبلدية في طهران زيَّنوا في الأيام القليلة الماضية الطرق وعبَّدوا بعضها بالأسفلت وواهتموا بتجميل المنطقة المحيطة بملعب «آزادي» وطريق مرور فريق النصر، ونصبوا لافتاتٍ في أرجاء المدينة، وبُلغات مختلفة، للترحيب بالفريق الضيف، وأصلحوا متعجِّلين الملعب الذي سيحتضن المباراة، بعد أن كان في حالة مُزرية حتى وقت قريب، عندها لن نستغرب كثيرًا سلوك الجماهير القادمة من مختلف المحافظات الإيرانية، بما في ذلك تسلُّق الجبل، إلى محاولة اقتحام الفندق الذي يقيم فيه الفريق الضيف وتخريب المساحة الخضراء بالفندق، والوقوف ساعاتٍ أمام الفندق، وإطلاق الهتافات والفوضى التي رافقت ذلك، وحجز العشرات غُرفًا بمبالغ باهظة في هذا الفندق على أمل رؤية نجوم الفريق عن قرب.
لم يحظَ قدوم نجم فريق النصر، رونالدو، إلى طهران بالاهتمام الشعبي فحسب، بل شهد اهتمامًا من المسؤولين أيضًا، إذ سخِر وزير السياحة عزت الله ضرغامي من أداء وزارة الاتصالات عبر قوله إنه «يجب على رونالدو تحميل تطبيقات إيرانية لتجاوز حجب المواقع الإلكترونية» وأن عليه «أن يخبر أسرته وأصدقاءه خارج إيران بتحميل هذه التطبيقات للتواصل معهم!».
وتناولت وسائل الإعلام الإيرانية الحدث من زوايا مختلفة، إذ اعتبرته صحيفة «دنياى اقتصاد» «قضية وطنية»، وأنه «يشكّل اختبارًا للسُّلطات»، واعترفت صحيفة «خراسان» بأن «وجود النجم الكبير في طهران غيَّر -ولو لأقل من يومين- الأجواء في العاصمة، بل وفي البلد كله، وهو ما ضاعف الحسرة، التي تنتاب محبي كرة القدم الإيرانيين، على وجود النجوم العالميين في الدوري السعودي».
وأعربت صحيفة «جهان صنعت» في تقرير لها عن أسفها لانشغال المسؤولين بكل ما قد يشغل بال نجوم منتخب النصر، مثل بطاقة الجوَّال غير الخاضعة للقيود المفروضة على الإنترنت، وقالت: «ما نتمنَّاه، بالإضافة إلى القلق بشأن إجراء الأجانب اتصالات بعائلاتهم خلال الأيام القليلة التي يقيمون فيها بإيران مؤقتًا، أن يفكر شخص ما أيضًا في حالة الشعب الإيراني الذي يعاني كل لحظة هذه القيود والصعوبات، ليس فقط من أجل إجراء الاتصالات، بل أيضًا في ما يتعلق بعمله وتلبية احتياجاته اليومية».
واشتكت الصحيفة اهتمام المسؤولين بهذا الحدث، الذي لن يستمر أكثر من 36 ساعة متجاهلين الشعب الإيراني، قائلة: «إذا كان حجب الإنترنت وصمة عار، وإذا كان من الضروري تجميل طهران، وإذا كان من الواجب تجديد ملعب آزادي، وإذا كان يجب تجميل المطار وتحسين سلوك المسؤولين، فلماذا لا تحلون هذه المشكلات لنا نحن الإيرانيين؟ سيأتي رونالدو للعب مباراة كرة قدم وسيرحل، لكننا سكان أبديون في أرض أجدادنا، أليس من حقنا جزء من هذا الاحترام والنضال من أجل تحسين الأوضاع؟ إنْ لم نكن [بقيمة] رونالدو، فنحن بشر على الأقل!».
وكتب وزير الاتصالات السابق آذري جهرمي على حسابه على تليغرام: «بدلًا من القلق بشأن أدوات تخطي حجب الإنترنت للاعبي كرة القدم المشهورين في أثناء إقامتهم بإيران، أوصي المسؤولين بالتفكير في محنة الشعب الإيراني للوصول إلى الشبكات الاجتماعية».
وانتقدت صحيفة «ستاره صبح» غياب الخطة الموسَّعة من المسؤولين لاستقبال شخصيات عالمية شهيرة، ما أدى إلى حالة الفوضى في استقبال الفريق، وكتبت: «يجب القول إن العقوبات والانفصال عن العالم والتخلُّف جعلنا نتعجب من وصول لاعب كرة قدم إلى إيران ونتصرف على نحو لا يليق بإيراني، لقد أثار هجوم الناس على الفندق وتسلُّقهم الجبال المحيطة ردود فعل كثير من مستخدمي الفضاء الافتراضي، وتُعدُّ مثل هذه الصور المتداولة عارًا وإحراجًا للشعب الإيراني… يُظهر سلوك بعض المشجعين في استضافة فريق النصر أن إيران لا تزال دولة من دول العالم الثالث، ليس فقط على الساحة الدولية، بل على الساحة المحلية أيضًا».
ورفض موقع «سلام نو» توجيه اللوم للمشجعين بسبب سلوكهم المستغرَب، ورأى أنه يجب توجيه اللوم للمسؤولين في البلاد ومسؤولي نادي برسبوليس، إذ كان عليهم التخطيط بشكل أفضل كي لا يحدث ما حدث.
وحقيقة الأمر أن مظاهر الاستقبال، والأحداث التي وقعت على هامشها، لا تشير إلى فوضوية الجمهور الإيراني بمقدار ما تشير إلى سوء التنظيم وانعدام التخطيط من المسؤولين، والأهم أنها تشير بوضوح إلى تعطُّش الإيرانيين لحياة «عادية» بعيدًا عن الأيديولوجيا والعسْكرة وإهدار ثروات البلاد على مشاريع خارج الحدود، وإلى الحرمان الذي يعانيه الشعب الإيراني على مختلف الصُّعُد، بما في ذلك استضافة نجوم عالميين، وهو ما لم يحدث منذ عقود، يؤكد ما ذهبنا إليه ارتفاع معدلات هجرة الإيرانيين في السنوات الأخيرة رغبة في حياة «عادية»، وكذلك تقرير نُشر مؤخرًا حول مؤشر البؤس في إيران، الذي ارتفع إلى أكثر من 60%.
وفي ذات السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع فياض زاهد: «المجتمع الإيراني مجتمع غير دولي، ونادرًا ما نشهد وجود ظواهر عالمية في إيران، لقد شيَّدوا أسوارًا حول إيران بشأن هذه الأمور، إذ لا نرى إقامة حفلات موسيقية كبرى في البلاد، ولا وجود لممثلين مشهورين في إيران، ولا قدوم منتخبات وفرق شهيرة.. هذا الأمر يتسبب في نوع من الشعور بالانزواء والعزلة الاجتماعية والدولية».
أخيرًا، ينبغي القول إن إقامة المباراة دون جمهور -إذ يتَّهم البعض الاتحاد الإيراني لكرة القدم بالتسبب في منع حضور الجمهور إلى المباراة عمدًا أو خطأ- شكَّل هدية للسُّلُطات في إيران، التي كانت تخشى تشجيع الجماهير الإيرانية نادي النصر، وربما الاحتفال بفوزه المحتمل -كما حدث مع الاحتفال بفوز المنتخب الأمريكي على المنتخب الإيراني في مونديال 2022 لأسباب مختلفة- كما أنها كانت ستواجه حرجًا شديدًا في ظل ضعف قدرتها على التنظيم والسيطرة على الأجواء، ومنعها الفتيات من دخول الملعب.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد